كيف تتغلب على الشلل التحليلي؟

قد تراودك بعض الأفكار التي لا يمكنك التغلب عليها، كأن تسيطر عليك بعض الأفكار مثل الخوف من أن تتخذ قراراً خاطئاً، أو الخوف من أن تبدأ بطريقة خاطئة وتفسد الأمر الذي تنوي القيام به، ومن ثمَّ يسيطر عليك التوتر؛ فتشعر بالذعر من فكرة التقدم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون سكوت يونغ (Scott H Young)، يُحدِّثنا فيه عن تجربته مع الشلل التحليلي.

ربما من الأفضل الانتظار قليلاً قبل أن تبدأ بالأمر الذي تنوي القيام به، والاستفسار عنه أكثر، وأن تكتشف ما هو الشيء "المناسب" الذي يتعين عليك فعله وتخطط للأمر بالكامل، حتى يصبح منطقياً تماماً، وبعد أن تفعل ذلك يبدأ التوتر الذي كنت تشعر به بالتلاشي.

الشلل التحليلي:

هو نوع معين من التسويف الذي تشعر فيه ببعض النفور من التقدم وتقنع نفسك أنَّ المشكلة تكمن في أنَّك لم تفكر في الأمر تفكيراً كافياً، أو لم تجرِ بحثاً كافياً أو لم تكتشف أموراً كافية للبدء بالشيء الذي كنت تنوي القيام به، وعندما تؤجل فكرة اتخاذ الإجراء لوقتٍ لاحق؛ فإنَّ توترك يهدأ، مما يؤدي إلى تأخيرك في البدء.

يصعب التغلب على الشلل التحليلي؛ وذلك لأنَّه ليس بالأمر الضار دائماً، فغالباً أنت فعلاً تحتاج إلى القيام بمزيد من البحث بشأن أمر معين، وأحياناً لا يجب عليك اتخاذ قرار على عجل.

لذا قد يكون التمسك في أفضل خيار ممكن، أفضل من اتخاذ الإجراء على الفور، لكن بالطبع، التبريرات التي تنجح في إقناعنا بالتأجيل غالباً تكون مغرية جداً، فإذا ظننت أنَّ فكرة ما سيئة، سيكون العذر أنَّ تطبيقها صعب.

لماذا تصاب بالشلل التحليلي؟

للشلل التحليلي نفس السبب الجذري مثل جميع أشكال التسويف، فالاختلاف لا يكمن في سبب التسويف؛ بل إنَّ سمات الموقف الذي تتعامل معه يؤدي بك إلى استخدام تبرير مختلف للتعامل معه.

كل أنواع التسويف ومن ذلك الشلل التحليلي، ناتجة عن الرغبة في تجنب شيء غير سار - سواء كان حقيقياً أم مُتَخيَّلاً - فداخلياً أنت لا تريد أن تبدأ بذلك الشيء؛ لذلك تبدأ بالبحث عن أعذار لتبرير تجنب القيام به.

إنَّ الأمر الذي يجعل الشلل التحليلي مختلفاً، هو أنَّه غالباً ما توجد بعض المخاوف أو الغموض أو الشكوك، مما يجعل إجراء المزيد من الأبحاث عذراً رائعاً، على سبيل المثال: إذا أردتُ تأجيل الذهاب إلى النادي الرياضي لا يمكنني الادعاء بالحاجة إلى إجراء مزيد من الأبحاث، ولكنَّني أستطيع التحجج بذلك قبل أن أبدأ بكتابة مقال لا أعرف كيف أبدأ به، أو لتأجيل البدء بمشروع يبدو مخيفاً بالنسبة إلي، أو تأجيل اتخاذ قرار قد يسير على نحو خاطئ.

يجب التأقلم عند التعامل مع الشلل التحليلي مع هذين الواقعين: التبرير والخوف الكامن وراءه:

  1. التبرير: عليك التعامل مع التبرير على أنَّك تحتاج إلى مزيد من الوقت للتفكير، والتخطيط، والبحث، من خلال منع هذا العذر من النجاح.
  2. الخوف: حتى لو أقنعت نفسك أنَّك تعاني من التسويف وأنَّ الشلل التحليلي غير مفيد، فقد لا يمنعك ذلك من القيام بالأمر الذي تريد القيام به؛ بل أنت تحتاج اللجوء إلى استراتيجيات تدفعك إلى تجاوز الخوف.

فقط من خلال معالجة كلا العاملين يمكنك علاج الشلل التحليلي الذي تواجهه.

إقرأ أيضاً: 15 أمراً يساعدك في التغلب على الخوف

التغلب على الأعذار المنطقية للبدء:

عند اتخاذ القرارات الصعبة لا توجد إجابات صحيحة لأيٍّ منها، على سبيل المثال: أنت تعلم أنَّك تريد أن تبدأ بمشروعٍ تجاري، لكن ما هو نوع العمل الذي يجب أن تديره؟ أيجب أن تكون مستشاراً أم يجب أن تصنع المنتجات؟ وهل يجب أن تكون هذه المنتجات سلعاً مادية أم سلعاً رقمية؟ وهل يجب عليك تسويق منتجاتك من خلال الإنترنت أو على أرض الواقع؟ وماذا يجب أن تسمي شركتك؟ وهل يجب عليك جمع الأموال؟ يمكن لأي قرار من هذه القرارات أن يصبح بسهولة مصدراً للشلل التحليلي.

من الواضح أنَّ قضاء بعض الوقت في تحليل الخيارات الممكنة هو أمر جيد؛ ومع ذلك فإنَّ استهلاك قدر غير محدد من الوقت سيكون أمراً سيئاً، فنحن نريد أن نقضي وقتاً كافياً في التفكير في كل من هذه الخيارات لاتخاذ قرارات جيدة، لكن يجب تجنب الوقوع في فخ التحليل المتكرر اللانهائي.

إنَّ أفضل طريقة لتجاوز هذا الأمر هي وضع القيود، وإذا وُضِعَتْ هذه القيود مسبقاً، فيمكنك منع الجزء المنطقي من عقلك من استخدامها بوصفها مبرراً لمزيد من التسويف، وكما ذكرت سابقاً لن يؤدي هذا الأمر بالضرورة إلى إيقاف التسويف؛ ولكنَّه على الأقل سيوضح لك أنَّ هذا هو ما تفعله.

إليك بعض القيود التي يمكنك تجربتها:

1. تحديد موعد نهائي للقرار مع اختيار خيار افتراضيٍّ:

إذا كنت محتاراً بين عدة اختيارات، فاختر خياراً افتراضياً - من أجل عدم التسويف بنحو متكرر في هذا الأمر، قد ترغب في اختيار الخيار الافتراضي اختياراً عشوائياً - وبعد ذلك حدد لنفسك موعداً نهائياً لإجراء الأبحاث جميعها والتفكير، والتحقيق، والمقابلات، وأي شيء آخر قد تفعله لجمع المعلومات، وعندما يمرُّ الموعد النهائي سيكون لديك خيار افتراضي ما لم تغيره سابقاً.

2. البدء بنحو عشوائي والتغيير لاحقاً:

امنَحْ نفسك خياراً افتراضياً، واجبرْ نفسك على العمل عليه لفترة معينة من الوقت، قبل أن تتمكن من العودة إلى البحث الذي تقوم به؛ إذ ينجح هذا الأمر عندما تريد استكشاف الخيارات، لكن لا يمكنك معرفة مزيد منها دون تجربتها فعلياً.

3. ترك الخيارات الصعبة متاحة:

أنت في معظم الأحيان، تسوِّف العمل على أمر ضخم لمجرد أنَّه لا يمكنك اتخاذ قرارات بشأن تفاصيل صغيرة، على سبيل المثال: تسوِّف في الدراسة لأنَّك لست متأكداً من التخصص الذي ستختاره، ومع ذلك قد يكون لديك فصول دراسية كثيرة، والموضوعات التي يمكنك دراستها والتي ستكون مناسبة بكل الأمور؛ وبذلك يمكنك البدء دون اتخاذ القرار الذي تخشاه.

تعمل كل هذه الاستراتيجيات على مبدأ إزالة المبررات المنطقيَّة لعدم البدء، ففي أول استراتيجية، تخصِّص قدراً معقولاً من الوقت لإجراء الأبحاث؛ لذلك لا يمكنك الشكوى من عدم توفر الوقت الكافي للتفكير في الأمر، أمَّا في الثانية، فتمنح نفسك خيار التراجع؛ لذلك لا يمكنك الشكوى من أنَّ القرارَ هامٌ جداً، لدرجة أنَّه لا يمكنك اتخاذ قرار بشأنه بعد، وفي الثالثة، تبدأ بالأمور التي تكون نفسها في أيٍّ من الخيارات التي قد تتخذها؛ لذلك لا يمكنك استخدام حاجتك لإجراء الأبحاث كسبب للتسويف.

لسوء الحظ، حتى استخدام هذه الاستراتيجيات وتبديد أعذارك لا يعني أنَّك ستبدأ، فقد تدرك أنَّك تقوم بالتسويف، لكنَّك تواصل به على الرَّغم من ذلك؛ لذا للتغلب على هذا الأمر عليك أن تعرف المشاعر الكامنة وراء تبريراتك.

شاهد بالفديو: 8 خطوات للحفاظ على التحفيز الذاتي حتى في الأوقات الصعبة

التغلب على المقاومة العاطفية للبدء:

المقاومة العاطفية التي تسبب التسويف عادةً ما تكون شيئاً من هذا القبيل، فأنا عندما أفكر في القيام بأمرٍ ما، أتخيل حدوث أمور سيئة وبعدها أشعر بهذه الأشياء السيئة؛ لذا ابتعد عن الشيء الذي أريد القيام به، وعندما أفكر في عدم القيام بذلك الأمر الذي أريد القيام به وأنتظر، أشعر بالراحة؛ لذلك يصبح الأمر سهلاً.

للتغلب على الشلل التحليلي عليك أولاً: تجنُّب هذا التفكير وتحتاج إلى إزالة القلق والخوف من فعل الشيء الذي تتجنبه، ثانياً: إزالة الشعور المريح الذي تشعر به نتيجة التسويف.

إنَّ التغلب على المبررات هو أمرٌ هام؛ وذلك لأنَّك طالما تشعر أنَّ التسويف مبرر، فلا يوجد شيء آخر يمكنك القيام به، ويمكنك إحداث بعض التغيير فقط عندما يكون يوجد تعارض بين العقل والمشاعر.

كيف تبدأ بتغيير نفسك للتغلب على مشاعرك للبدء بأمرٍ ما؟

تأتي الإجابة السهلة من علم نفس التعامل مع الرهاب، والتي هي العلاج بالتعرض (Exposure therapy)؛ إذ تتعرض لجرعات صغيرة من الشيء الذي تخاف منه لتقليل الخوف الذي يولده، وينجح هذا الأمر في علاج رهاب العناكب أو المهرِّجين على سبيل المثال، ويمكن أن يساعد أيضاً على البدء بذلك الأمر الذي تخشاه.

لنفترض أنَّك تريد كتابة مقال، لكنَّك لست متأكداً من الموضوع الذي تريد الكتابة عنه، فإذا طبَّقتَ الاقتراحات المكتوبة أعلاه واخترت موضوعاً افتراضياً وموعداً نهائياً وانقضى الموعد النهائي ومن المفترض أن تبدأ بكتابة المقال؛ ولكنَّك ما زلت تتباطأ، ماذا يجب أن تفعل الآن؟

في هذه الحالة، يمكنك أن تبدأ بإعطاء نفسك مهمة صغيرة بما يكفي لأن يكون التعامل مع شعور انعدام الراحة الناجم عنها ممكناً، فبدلاً من أن تجلس لعدة ساعات لكتابة المقال، حاول أن تكتب فقرة واحدة فقط، وبعد ذلك يمكنك أخذ قسط من الراحة.

ستؤدي كتابة فقرة واحدة إلى التغلب على مقاومتك الأولية، وتقليل النفور المتراكم من البدء، وبعد القيام بذلك، فقد تحاول الجلوس لمُدَّة ثلاثين دقيقة للكتابة، دون أن تتوقع إنجاز أي شيء فيما بعد، ويمكنك الاستمرار حتى تنتهي من المقال.

من المرجح أنَّك قد تتعامل مع مشكلة مماثلة إذا أردت البدء بعمل تجاري، لكن ماذا لو كان عليك فقط الحصول على عميل واحد أو بيع شيء واحد فقط؟ وماذا لو كان عليك أن تصنع شيئاً ما دون أن تحاول بيعه؟ يمكن أن يؤدي تقسيم مخاوفك إلى أجزاء صغيرة جداً إلى التغلب عليها.

علاج التعرُّض: هو مجرد أداة واحدة، ويمكن أن يكون لديك علاج آخر وهو مكافأة نفسك إذا اتخذت إجراء ما لكي يعزز التغلب على التسويف بنحو إيجابي، ويمكن أن يكون لديك علاج آخر أيضاً، وهو أن تعاقب نفسك على عدم اتخاذ الإجراءات، أعرف شخصاً كان يجبر نفسه على الاستحمام بالماء البارد إذا فاته هدف من أهدافه؛ لذا بدأت فكرة الماء البارد في تحفيزه على العمل.

إقرأ أيضاً: 9 طرق بسيطة لمكافأة نفسك والقضاء على التراخي

في الختام:

في كل من هذه الحالات، الأمر الأساسي هو أنَّك تعالج التسويف من خلال إعادة تدريب ردود أفعالك العاطفية لجعلها قابلة للتحكم مع مرور الوقت، وليس من خلال التفكير في الأمر بقلق شديد - مما يزيد الأمر سوءاً فقط - لكن إذا استطعت القيام بكلا النوعين من الاستراتيجيات، أي القضاء على الأعذار المنطقية للشلل التحليلي وتقليل تبريراتك العاطفية التي تمنعك من القيام بما تعرف أنَّه صحيح، يمكنك البدء في المضي قدماً حتى في أصعب الأهداف والمشاريع.

المصدر




مقالات مرتبطة