كيف تتعلم التوقف عن القلق؟

إذا كنت ترغب في ادخار طاقتك وتجنب الشعور بالتوتر والألم، فتوقف عن القلق بشأن الأمور التي لا تملك القدرة على تغييرها، وتغاضَ عنها باتخاذ قرار عدم فعل شيء حيالها، وهذا قد يعني التجاهل التام لأمرٍ يبدو هاماً، لكنَّك تعلم أنَّه عرضي، أو التغاضي عن أمرٍ ما حين تفضِّل عدم هدر طاقتك بإصلاحه.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "سكوت إتش يونغ" (Scott H Young)، ويحدِّثنا فيه عن تجربته في التعامل مع مشكلة القلق.

اعتراف:

أفشل باستمرارٍ في تطبيق هذه الفكرة في حياتي؛ إذ أمتلك شخصيةً مفعمة بالطاقة والتركيز، ونشأت وسط عائلةٍ تعاني من داء القلق، ورثت الكثير من الأشياء العظيمة، لكنَّ منظور العيش الهانئ لم يكن من بينها، وإذا كان دعاء الطمأنينة عبارةً عن تقريرٍ مدرسي، فسأحرز درجةً عالية في الشطر الثاني؛ أي "الشجاعة لتغيير ما يمكن تغييره"، ودرجةً متوسطة في الشطر الأخير؛ أي "الحكمة لإدراك الفرق بين قبول الأمور وتغييرها"، وسأفشل فشلاً ذريعاً في الشطر الافتتاحي؛ أي "السكينة لقبول الأمور التي أملك القدرة على تغييرها"؛ فأنا أبرع في التركيز على الأهداف، لكنِّي ككثيرٍ الناس، أجد صعوبةً في القيام بخلاف ذلك.

أعاني من نقطة ضعفي الفطرية هذه، غير أنَّني أبذل جهداً لتجاوزها، ومع ذلك، أجد نفسي متحيزاً دائماً للكتابة عن الأمور التي تتجلى بها نقاط قوَّتي؛ لذا يمتلك بعض الناس فكرة خاطئة عنِّي مفادها أنَّني بارع في كل شيء، لكنِّي أؤكد أنَّ الأمر ليس كذلك.

تجاهُل النصائح المبتذلة والبحث عن حل عملي:

كيف يمكن لشخصٍ مثلي يسيطر عليه القلق غير المبرر، أن يساعد على القضاء على هذه العادة، أنا أعترف أنَّ نظرتي سوداوية ظاهرياً، وسماتي الشخصية موروثة إلى حد كبير؛ لذلك حتى لو حاولت قطع هذه الصلة، سأظل أنا هكذا، والقلق أمرٌ تصعب السيطرة عليه؛ فهو بخلاف السلوك، إنَّه موجودٌ في أفكارك وحسب، ولذلك لا قدرة لسلطة الوعي على مساعدتي في التوقف.

تستند استراتيجيتي إلى ثلاثة مبادئ:

1. تختلف معظم المشكلات بالدرجة وليس بالنوع:

إذا كانت أستطيع خفض الطاقة المهدورة على التفكير المفرط في المشكلات بنسبة 5٪ فقط، فهذا يُعَد انتصاراً؛ فلن أتمكن من تركيز انتباهي على نحو مثالي، لكن أستطيع إجراء تغييراتٍ بسيطة مع إحداث تحسيناتٍ بالوقت نفسه.

2. تؤثِّر فلسفة حياتك في أفكارك:

لطالما كانت استراتيجيتي لتغيير الفكر هي تغيير الفلسفة الصريحة لديَّ؛ لذا عندما أغيِّر كيفية تقييم نفسي وسلوكي، يمكنني توجيه تفكيري.

3. تؤثِّر بيئتك في سلوكك:

إنَّ تغيير فلسفتك ليس سوى نصف المعركة، أمَّا النصف الآخر فهو تغيير هيكل حياتك، لعزل العوامل التي تزيد المشكلة.

شاهد بالفيديو: 9 خطوات تساعدك على السيطرة على القلق

تغيير فلسفتك:

تنطوي فلسفة حياتي على آرائي المفصلية، سواء كانت الأفكار التي دوَّنتها، أم التي تحدثت عنها مع الآخرين، أم التي خطرت لي، وفضلاً عن ذلك، أملك كثيراً من المعتقدات التي لا أتحدث عنها أبداً رغم إيماني بها، لكن مع ذلك، لا أعدها جزءاً من فلسفتي في الحياة.

تتمثل نظريتي عن تحسين الذات بأنَّه إن كنت قادراً على تغيير فلسفتي تجاه قضيةٍ ما، مثل معتقداتي وأفكاري الصريحة؛ فإنَّني أستطيع التحكم بسلوكي، وإذا لم تكن فلسفتي واضحة، فلا يمكن أن أتمتع بسيطرة واعية؛ وذلك لأنَّ الفلسفة حسب تعريفي، تعادل المعتقدات الراسخة بصورةٍ واعية، وبعبارة أبسط، إذا كنت أستطيع تغيير الطريقة التي أرى بها القلق، سأخفف منه.

تركيز لا لزوم له:

لا أرغب في التوقف عن التفكير في أهدافي، فأنا أعتقد أنَّ قليلاً من الهوس بشأن الأمور التي ترغب فيها، يساهم في تحقيقها، ولن أستسلم لليأس، وأتحول إلى شخصٍ لا مبالٍ بأيِّ أمرٍ في الحياة.

أرغب في التوقف عن فعل أمرين:

  1. التفكير في المشكلات عندما لا يكون التوقيت مناسباً لذلك.
  2. التفكير في المشكلات التي لا تستحق الجهد.

فشلت بالمهمة الأولى في أثناء الأشهر الأربعة الماضية؛ إذ كنت منشغلاً بالعمل في فريقٍ تنافسي على مشروعٍ مفتوح المشاركة، لكتابة خطة عمل وعرضها؛ ونتيجةً لذلك، كنت منشغلاً بالتفكير في الأمر باستمرار، حتى عندما لم أكن أعمل عليه؛ هذا يعني أنَّه مقابل كل 4 ساعات عمل، كنت أهدر قرابة 8 ساعاتٍ أخرى بالتفكير.

أدركتُ خطئي هذا منذ شهر واحد فقط، وذلك بعد أن وضَّحت لنفسي أنَّ قلقي كان أمراً سخيفاً ولا لزوم له، وأنَّني كنت أستطيع وضع حدٍّ له، ثم بمجرد تحديد المعطيات التي أحتاج إليها في المشروع، قررت التوقف عن التفكير فيه عندما لا أعمل عليه، وقد كان هذا مفيداً حتى الآن، لأنَّه جعلني أكثر إنتاجيةً وأقل قلقاً.

تكمن إحدى فوائد البحث في معتقداتي اللاواعية المتعلقة بهذه القضية - ومن ثم جعلها جزءاً من فلسفتي - في إدراكي أنَّ جزءاً من قلقي كان يدور حول منصبي؛ إذ كنت أعمل في مشروعٍ جماعي، وأردت إظهار التزامي تجاهه من خلال العمل باستمرار، لقد شعرت بالذنب حينها لأنَّني لم أكن قلقاً، فقد أحسست أنَّ تلك رسالة بأنَّني لست جاداً بشأن المشروع، وعلى الرغم من أنَّ هذا القلق كان مشروعاً، إلا أنَّ فهمه جعلني أدرك أنَّ تلك كانت استراتيجيةً مدمرة.

تغيير فلسفتك غير كافٍ:

لا يساهم فهم الخطأ بأنماط تفكيرك الحالية في تغييرها بالضرورة، والأهم من ذلك، أنَّ إجراء بعض التغييرات على بيئتك أمرٌ جيدٌ للحفاظ على سلوكك، وإذا كانت لديك عادات سيئة، فربما يرجع ذلك إلى أنَّ نمط حياتك يشجِّع أو على الأقل لا يثني عن هذه العادة السيئة، وينطبق هذا على عادات التفكير كالقلق، تماماً مثلما ينطبق على ممارسة الرياضة أو الدراسة أو المماطلة.

في حالتي، كان هذا يعني زيادة ثقتي بنظام أهدافي الأسبوعي أو اليومي، بوصفه طريقة للتعامل مع جميع المهام المرتبطة بالمشروع، وعلى الرغم من أنَّني كنت أعتمد هذا النظام منذ سنوات، إلا أنَّ ضغوطات المنافسة المرافقة للمشروع، جعلتني أتوقف عن الأمر؛ ونتيجةً لذلك، كنت أحمِّل نفسي مزيداً من الضغوطات لمواصلة العمل حتى بعد اكتمال قائمة مهامي.

إقرأ أيضاً: العلاج المعرفي السلوكي لاضطراب القلق العام

هل سأكون قادراً على التغيير؟

يمكنني القول إنَّ الإجابة ربما هي "لا"، على الأمد القصير، لكن على العموم، لإحداث تغيير كبير في طباعي، أحتاج إلى اعتماد عديدٍ من الاستراتيجيات المختلفة، كل واحدةٍ منها فعَّالة جزئياً وحسب؛ لذا أتوقع على الأرجح أن أعود للأنماط القديمة بالتركيز على الأمور في الوقت غير المناسب، لكن إذا واصلت البحث في معتقداتي اللاواعية، وجعلتها جزءاً من فلسفتي، إضافة إلى تغيير بيئتي للتحكم بسلوكي، فأعتقد أنَّني سأحرز بعض التقدم بنهاية المطاف.

يجب على كل جزء ملموس من فلسفتي في الحياة اليوم - كوجود أهداف، وتغيير العادات، وأهمية الصحة والطاقة، والإنتاجية، وما إلى ذلك - أن يمر ابتداءً بعملية صعبة تتمثل بتحويل الفكرة إلى حقيقة، قد أكون متشائماً على الأمد القصير، لكنَّني متفائل جداً على الأمد الطويل.

إقرأ أيضاً: التكيف مع التغيير: ما أهميته؟ وكيف نطبقه؟

في الختام:

أردت مشاركة هذا المقال معكم، لأنَّني أميل إلى كتابة كل شيءٍ بعد تحليله، وأكتب عن المشكلات بعد أن أحلها، وينتج عن هذا مقالات رائعة، غير أنَّها لا تظهر كثيراً من الأمور التي مررت بها لإحداث التغيير اللازم.

آمل في السنوات القليلة المقبلة أن تكون لديَّ السكينة لقبول الأشياء التي لا أستطيع تغييرها، لتتوافق شجاعتي مع تغيير الأمور التي يمكنني تغييرها، ومن ثم أجد الحكمة لإدراك الفرق بينهما على نحوٍ مثالي.

المصدر




مقالات مرتبطة