كيف تتعامل مع الأشخاص الحاقدين؟

دعونا نقتبس بدايةً عن قول الفيسلوف اليوناني القديم "إبكتيتوس" (Epictetus): "ضع في الحسبان دوماً أنَّنا نحن مَن نُعذِّبُ أنفسنا، ونضع العقبات والمصاعب في طريقنا؛ وبمعنىً آخر: تفكيرنا هو مَن يفعل ذلك؛ فعلى سبيل المثال: ماذا يعني أن تتعرَّض إلى الإهانة؟ قِف قُبالة صخرة، ووجِّه الإهانة إليها، ثمَّ اسأل نفسك: ما الإنجاز الذي ستحقِّقه إن كان ردُّ أحدهم على الإهانة كردِّ هذه الصخرة؟ وما الذي سيحصده الشخص الذي تُوجِّه الإهانة إليه من كلِّ هذا القدح والذم؟".



ألن يكون الأمر رائعاً إن لم نتأثَّر بكلمات الآخرين؟ ربَّما سنستطيع المضي قدماً في أعمالنا دون أن نتأثَّر نهائياً بلومِ الأخرين، أو بنعتِ الحاقدين والمشكِّكين لنا بالكلمات والألفاظ السيئة.

قد يبدو هذا الأمر بالنسبة إلى الكثيرِين منَّا مستحيلاً، ومثيراً للسخرية حتَّى؛ فنحن في النهاية بشرٌ تجرح الكلمات مشاعرنا، خاصَّةً إن صدرت من أكثر الأشخاص الذين نهتمُّ لأمرهم ونحترمهم.

قد يَسهُل تجاهل الإهانات التي يوجِّهها ثلَّةٌ من الحاقدين الذين لا نعرفهم، مثل أولئك الذين يوجِّهون الإهانات من وراء الشاشات، وما شابههم؛ فنحن لا نعرفهم شخصياً حقَّ المعرفة، وهم لا يعلمون أيَّ شي عنَّا أو عن حياتنا. صحيحٌ أنَّه من الممكن أن تزعجك إهانتهم لمدَّةٍ وجيزة؛ لكنَّك بالتأكيد ستنسى تعليقاً مُهيناً على مواقع التواصل الاجتماعي خلال وقتٍ قصيرٍ جداً.

الحقيقة المؤسفةَ أنَّ أكثر الإهانات إيلاماً تصدر عادةً عن الأشخاص المُقرَّبين إلينا؛ فعلى سبيل المثال: يخبرنا الأهل القلقون -بنيةٍ حسنةٍ- أنَّ الأمان في العمل هو كلُّ شيءٍ في الحياة؛ كذلك يُمكن أن يخبرنا المستثمر الشكَّاك أنَّ أفكارنا قد سبقَ وطُرِحت؛ أو يمكن لأحد أصدقائنا المُقرَّبين ألَّا يتلقَّى ما نقوله بصدرٍ رحب. يمتلك هؤلاء الأشخاص قوةً كبرى تدفعنا إلى التساؤل عمَّا إذا كانوا على صواب.

إن كنت تُعاني من وجودِ الحاقدين حولك، فابدأ اتخاذ الخطواتِ الآتية، واكتشف كيف ستشعر بعد ذلك:

1. خُذ الشخص الآخر بالحسبان:

لقد نشأ والداكَ في زمنٍ مختلفٍ عن زمنك من الناحية الاقتصادية ومجموعة القيم المثاليةِ؛ فما قد يبدو لهم كنصيحةٍ جيّدةٍ في مجال العمل أو الحياة، من المحتمل ألَّا يمتُّ للواقعِ بصلةٍ في وقتنا الحاضر؛ وغالباً ما تكون النصائح التي يقدِّمونها مُستندةً على مشاعر الخوف، أكثر منها على المنطق.

2. ضَع كبرياءكَ جانباً:

يعدُّ عملك بمثابة طفلك الصغير، فقد أمضيتَ الكثير من الوقت وأنت تفكُّر وتحلمُ فيه وتخطِّط له، وقد تشعرُ أنَّ أيَّ صوتٍ مُعارضٍ لكَ يُعدُّ ضربةً موجعةً لتقديرك واحترامك لذاتك؛ لذا ضع كبرياءكَ جانباً، وفكِّر ملياً فيما يقوله أيُّ شخص، واسأل نفسك:

"هل يبدو ما يقولهُ منطقياً؟ هل يمكن أنَّ يلاحظ شيئاً قد غفلتَ عنه؟ أم أنَّه مُجرَّدُ انعكاسٍ نابعٍ من حسده أو مخاوفه؟".

3. اطرح أسئلةً توضيحةً إن لزمَ الأمر:

لا يُلقِي جميع الحاقدين الكلام السلبي على مسامع الناس عبثاً دون هدف؛ فهؤلاء الذين يلعبون دور محامي الشيطان يمكن أن يُشكِّلوا في الواقع رصيداً كبيراً لرائد الأعمال. على سبيل المثال: إذا أخبرك أحد المستثمرين أنَّ فكرتك ليست جديدةً أو خلاَّقة، فاطرح عليه السؤال التالي: ما هي الشركات التي تنفِّذ أفكاراً مُشابهة؟

تحقَّق من الأمر، وسجِّل الملاحظات حول أوجه التشابه والاختلاف؛ لتعلم عندها -على الأقل- أنَّك قد أخذت وجهات النظر المختلفة في عين الاعتبار، وتكون على استعدادٍ لجميع الاحتمالات.

4. تكيَّف واستمرَّ في المضي قدماً:

إذا كان هناك بعضٌ من الحقيقة في الرسائل التي يُوصِلها الحاقدون إليك، فستملك الوقت لإصلاح الأمور التي تحتاج إلى تعديل، فعلى سبيل المثال: إذا شَعَرَت شركةٌ أخرى أنَّ هناك تشابهاً مع منتجك الذي تقدِّمه، فربَّما تحتاج إلى تبديل صياغةِ العلامة التجارية خاصَّتك، وليس إصلاح الشركة بأكملها.

تذكَّر أن لا وجود للأفكارِ الجديدة كُليَّاً، ويكمنُ التفرُّد في الشيء الذي تضيفه إلى تلك الفكرة.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتحافظ على الإيجابية إذا كنت محاطاً بالأشخاص السلبيين

5. كُن صخرةً:

إذا استمرَّت السلبية بالتدفُّق من حولك، فعليكَ أن تضع عبارات الفيلسوف "أبكتيتوس" موضع التطبيق؛ إذ لا يمكنك تغيير ما يقوله الناس أو يفعلونه، لكنَّك تملك السيطرة الكاملة على ردود أفعالك.

إذا كان دافعك كي تقوم بردّة فعلٍ تجاه الشخصِ قوياً، فخُذ في عين الاعتبار تحديد الوقت الذي تقضيهِ مع ذلك الشخص، حتى تتمكَّن على الأقلِّ من تطوير نموذج الصخرة في ردود أفعالك.

طُرِحَ سؤالٌ على ثلاثةٍ من روّاد الأعمال حول تجاربهم مع الحاقدين؛ وكان هذا ما قالوه:

5. 1. رائدة الأعمال "فيوليت دي أيالا" (Violette de Ayala)، المُؤسِّسة والمُديرة التنفيذية لشركة "فيم سيتي" (FemCity) في ميامي - فلوريدا:

"أنا أعرفُ أمرين صحيحين تماماً عندما يتعلَّق الأمر بالحاقدين:

  1. كلَّما أصبحتَ أكثر نجاحاً، حاول الحاقدون إثباتَ وجودهم أكثر في مجال عملك وحياتك؛ وهذا واقع الحياة. عملتُ منذ عدَّة سنين في مدينة بالي، ولاحظتُ أنَّ العديد من الأشجار كانت ملفوفةً بنسيجٍ من اللونين الأبيض والأسود، وعندما سألت مُرشدنا عن الأمر، أجابَ أنَّهم يتقبَّلون في ثقافتهم حقيقة وجود الخير والشرِّ في الحياة؛ وكلَّما زاد الخير، زاد الشرُّ في المقابل للمحافظة على التوازن.
  2. عندما يتهجَّم الحاقدون عليك، فهم ببساطةٍ يُعبِّرون عن أنفسهم كما هم في الواقع؛ فكما ترى الآخرين، سترى نفسك. تأتي السلبية عموماً من الانفصال العميق عن أسلوب الحياة، وانعدام المُساءلة، وعدم الاعتراف بقدرة الجميع على تحقيق النجاح، إذ لا ينتقص نجاحي شخصياً من النجاح الذي يستطيعون إحرازه. تروق لي هنا عبارةُ أنَّ "ما تقوله سالي عن سوزان، يصف لنا في الواقع سالي أكثر من سوزان"؛ فهذه هي قصَّتهم وطريقتهم في رؤية العالم من حولهم.

عندما أتلقَّى بريداً بغيضاً من الحاقدين والمُعارضين، أحيِّد رغبتي في الهجوم الشخصي عليهم، وأذكِّر نفسي أنَّ الأمر لا يتعلَّق بي، بل بهم؛ ثمَّ أردُّ بحبٍّ وتفهُّم. غالباً ما يبدِّد ما أفعله الوضع العدائي ويُنهي المسألة، فأنا لا آخذُ الأمر على محملٍ شخصي، ولا أردُّ بشكلٍ عاطفيٍّ أو غريزي".

إقرأ أيضاً: التفكير الجيّد والرد السريع، امتلاك إجابات جيّدة جاهزة

5. 2. رائدة الأعمال "أندريا وينبرغ" (Andrea Wenburg)، المؤلِّفة والرئيسة التنفيذية لشركة "فويس أوف إنفلوينس" (Voice of Influence) في دنفر - كولورادو:

"شَعَرْتُ منذ عدّةِ سنواتٍ برغبةٍ عميقةٍ في المساهمة بشيءٍ أكبر في سبيل هذا العالم، لكنَّني تراجعتُ من باب الخوف ممَّا قد يعتقده الآخرون أو يُفكرون فيه تجاهي؛ لكن بعدما ألهمتني شخصيّة "إلسا" في فيلم ملكة الثلج (Frozen)، قرَّرت أنَّه قد حان وقت تخطِّي ذلك، وأنَّ الوقت قد حان كي أبدأ ما أنا راغبةٌ وقادرةٌ على القيام به. إنَّ هدفي الأساسي مساعدة الآخرين على إيجاد ذلك الصوت المؤثِّر فيهم، لكنَّني ما زلتُ أخطو نحو لعب دور الصوت المُؤثِّر في الآخرين بنفسي.

وكما أوضحتُ في كتابي "إلغاء التجميد" (Unfrozen): لطالما اعتدت الإيمان بأنَّني عميقةٌ جداً، وقويةٌ جداً، وحساسةٌ جداً؛ لكنَّ محاولاتي في الاحتواء والتحكُّم بتجربتي الشخصية أصابتني بالكآبة والإحباط، وأدركتُ أنَّني قد خُلِقت لأكون في مكانٍ أفضلَ من هذه الحياة المُقَيِّدة؛ لكن، كيف أكون ما أنا عليه دون أن أدمِّر علاقاتي بالآخرين؟".

إليكَ ما تنصحُ به:

  1. إنَّ الأصدقاء والعائلة ليسوا جمهورك، حتَّى وإن رَغِبْت في التأثير فيهم عن طريق رسالتك؛ لكنَّهم إذا شعرو أنَّك تستهدفهم، سيصبحون غالباً دفاعيين ومنغلقين من جهتك.
  2. يجب عليك في بعض الأحيان التضحية بما ترغب فيه، من أجل ما تحتاجه حقاً؛ حيثُ ينبع التأثير الأخلاقي من التضحية الشخصية. يمكن أن تخسر بعض العلاقات، لكن عليك أن تقرِّر ما الشيء الأكثرُ أهمية، هل هو المَهمَّة؟ أم راحتك الشخصية؟
  3. أَحِبَّ الناس أكثر ممَّا تخافهم، فقد حان الوقت كي تقرِّر إن كانت مهمَّتك تستحق التضحية بموافقتهم من عدمها.

5. 3. رائدة الأعمال "دينيس وودارد" (Denise Woodard)، المؤسِّسة والرئيسة التنفيذية لشركة "بار تيك" (Partake) في نيويورك:

"شُخِّصت إصابة ابنتي "فيفيان" بحساسيةٍ شديدة، وعانيتُ كي أجد وجباتٍ خفيفةً لذيذةً وآمنةً لها، وقد انهارت أعصابي ذات مرَّةٍ في المطار عقب تأجيل رحلتنا لعدَّة ساعات، دون أن أجد أيَّ شيءٍ يُمكنُ أن أطعمه لطفلتي.

تَرَكْت مهنتي التي استمرَّت عقداً من الزمن في شركة "كوكا كولا" في عام 2016، لكي أبيع الحلويات المُناسبةِ للأشخاص الذين يعانون من الحساسية في سيارتي الخاصة؛ لكن لم يتحمَّس والداي -اللذان بذلا جهداً لتأمين تعليمٍ يتيح لي الحصول على "الأمان والعمل في إحدى الشركات"- لهذا الأمر، فتعاملتُ مع المسألة كما يلي:

  1. أدركتُ ما وراء تفكيرِ والديّ؛ فقد كان أبي رائد أعمال، وهو يعرف كم أنَّ هذا العمل مُستهِلكٌ للوقت والجهد، ويعلم صعوبة الطريق للنجاح فيه؛ لذلك أراد حمايتي. أمَّا والدتي، فقد كانت مهاجرةً كوريّةَ المنشأ، وجاءت من زمنٍ وحضارةٍ لا يحتفون فيها بريادة الأعمال، ولا يجدون فيها ذلك البريق الذي نراهُ نحن؛ لذا لم تستطع استيعاب سبب تركي للشركةِ التي أعملُ بها، ومخاطرتي بنفسي وبمستقبلي.
  2. سلكتُ طريقي الخاص؛ لأنّ إدراكي لخلفياتِ والديَّ لا يعني أنّه يجب عليَّ الموافقة أو الإصغاء إليهم في كلِّ ما يقولونه. أمَّا بالنسبة إلى المستثمرين المحتملين الذين يعتقدون أنَّ هناك العديد من الوجبات الخفيفة المُناسبة للمصابين بالحساسية، فقد استمرَّيت في العمل في هذا المجال لإيجاد شركاء يؤمنون بما أُؤسِّسه، وصمَّمتُ على النجاح، وواصلت العمل، وآمنتُ بنفسي؛ فأنا أُقدِّمُ مُنتجاً عائلتي بأمسِّ الحاجة إليه، وعلمت من خلال الحديث مع عملائي أنَّنا لسنا الوحيدين الذين نحتاج إلى مثل هذه المُنتجات".

حصدت منتجات بارتيك (Partake) عوائد بقيمةٍ تصلُ إلى مليون دولار، واستمرَّت بالنجاح، وبإمكانك الآن أن ترى منتجاتها متواجدةً على الرفوف في مئات المتاجر الكبرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة".

 

المصدر




مقالات مرتبطة