كيف تتعامل مع أصحاب الطِّباع الحادّة وصعبي المراس؟

هل يمكنك أن تتذكَّر آخر مرة اضطررت فيها للتَّعامل مع شخصٍ سلبيٍّ أو شخص صعبِ المراس؟ أو آخر مرة قال لك فيها أحدهم شيئاً بغرض الإيذاء؟ كيف تعاملت مع ذلك الموقف؟ وماذا كانت النَّتيجة؟ وما الذي يمكنك أن تقوم به مستقبلاً لتجاوز مثل تلك المواقف بسلام؟



ملاحظة: هذه المقالة مترجمة للمدوّنة تينا سو.

أينما ذهبنا، سنجد أناساً سلبيين يعارضون أفكارنا ويتسبّبون لنا بأن نغضب، أو قد نجد أناساً لا يُحبُّوننا بكل بساطة. إذ يوجد هناك أكثر من 6.4 مليار شخص، والصِّراعات والنِّزاعات هي إحدى ثوابت هذه الحياة. وفي حين أنَّ هذا العدد من النَّاس ليسَ هو السَّبب الفعليُّ لحالات الخلاف والشَّقاق، إلَّا أنَّه هو ما يغذي انفعالاتنا. وانفعالاتنا هي التي تقودنا إلى غريزة البقاء الأساسية لدينا؛ ألا وهي القيام بردِّ فعلٍ وشنِّ هجوم معاكس بهدف الدِّفاعِ عن أنفسنا.

قد نفقد في تلك اللحظات الغريزية زمام أنفسنا ونصبح أشبه بحيوانٍ بشريٍّ مدفوعٍ بغريزة حماية نفسه حال تعرضه للهجوم. وهو ما يعتبر في الواقع؛ أمراً طبيعياً.

إلا أنَّنا ومن ناحيةٍ أخرى، المخلوقات الوحيدة التي أنعم الله عليها بنعمة الذكاء والقدرة على التَّحكم بردود أفعالها. إذاً فكيف يمكننا أن نقوم بذلك؟ فمثلاً: كيف تتعامل مع التَّعليقات السَّلبية حول منشورٍ قد نشرته على حسابك؟ الإجابة عن ذلك السؤال أبسط مما تعتقد: "لا تدعها تزعجك".

أعلم أنِّ الأمر ليس سهلاً، فإن كان الأمر كذلك، فلن يكون هناك أشخاصٌ سلبيين أو صعبي المراس.

لِمَ نتكبّد عناء السَّيطرة على ردود أفعالنا؟

1. كي لا نؤذي أنفسنا:

تقول الحكمة الشهيرة: "إنَّ حمل ضغينة تجاه شخصٍ ما يشبه تجرُّعَ السُّمِّ وانتظار أن يموت ذلك الشخص". إلا أنَّ الشخص الوحيد الذي سيتألم هو نحن. فعندما نتفاعل مع السَّلبية، فإنَّنا نُقلِقُ سلامنا الداخلي ونوجد الألم فيه.

2. لأنَّ الأمر لا يتعلق بك، بل بهم هم:

لقد تعلمت أنَّه عندما يشرع النَّاس بالتَّصرف بسلبية، يكون ذلك انعكاس لحالتهم الداخلية التي يتم التَّعبير عنها خارجياً، ويصادف أن تكون أنت في الزَّمن والمكان الخاطئ. إنَّ الأمر ليس شخصياً، فَلِمَ نتعامل معه بشكلٍ شخصي؟ باختصار: لأنَّ "الأنا" لدينا -سمِّه "الكبرياء" إن أحببت ذلك- تُحبُّ المشاكل والصِّراع. وغالباً ما يشعر النَّاس بالملل وعدم الرضا عن حياتهم، بحيث يرغبون في جرِّ الآخرين لذلك.

خذ مواقع التَّواصل الاجتماعي مثلاً؛ فقد تجدُ أنَّ أحدهم قد كتب تعليقاً مؤذياً بشكلٍ مقصود، ليقوم بتفقده بانتظام لكي يرى إن كان قد تلقى رداً على تعليقه، وتجده يتحرَّق شوقاً للرِّد بمزيدٍ من السَّلبية.

3. معركة الأنا:

عندما نردُّ باندفاع وتهوُّر، تكون ردَّةُ فعلنا عبارةٌ عن استجابة طبيعية وصادقة. هل ذلك حقَّاً هو الشيء الذكي الذي يجب علينا القيام به؟ ما الذي يمكننا حلُّه عبر القيام بذلك؟ لا شيء. ومع ذلك، فإنَّه يغذي حاجة "الأنا" لدينا للصِّراع.

هل لاحظت كيف أنَّنا عندما نردُّ بتحدٍّ، نشعرُ بالارتياح في عقولنا؟ لكننَّا في المقابل، لا نشعر بالرضا عن النفس. إذ نشعر بانكماشٍ في معدتنا وضيقٍ في أنفاسنا، ونبدأ في التَّفكير بأفكارٍ عنيفة. فعندما نستجيب بطريقة لا عقلانية، فإنَّ ذلك ينقل المحادثة من تعبير سلبي صدرَ عن الطرف الآخر، إلى معركة تدور رحاها بين اثنين يملؤهما الغرور. معركة لا لزوم لها وغير مثمرة من أجل إثبات من هو على حق.

4. لأنَّ الغضب يولد الغضب، والسَّلبية تولد السَّلبية:

نادراً ما يمكن أن يتأتَّى أيُّ خيرٍ من ردود فعلنا تجاه شخصٍ يتحدّثُ أو يتصرّف بطريقةٍ سلبية. إذ لن يؤدي هذا إلا إلى إثارة غضبه وقيامه برد فعلٍ سلبيٍّ إضافي. فإن نحن تسرَّعنا في ردنا، فسوف نُسخِّر طاقاتنا في الدفاع عن أنفسنا، وسنشعر من الناحية النفسية بأنَّنا مضطرون للدفاع عن أنفسنا من الآن فصاعداً.

هل لاحظت قبلاً أنَّه كلما ازداد غضب أفكارنا حدَّةً، كلما أصبحنا نحن أكثر غضباً؟ إنَّها دوامةٌ لا تنتهي من السَّلبية.

5. هدر الطاقة:

"أينما ركزت الانتباه تدفقت الطاقة وظهرت النتيجة" - د. ابراهيم الفقي.

إنَّ ما نركز عليه يميل إلى توسيع نفسه. ونظراً لأنَّنا لا نستطيع التَّركيز إلا على شيء واحد في وقت واحد، فإنَّ الطاقة التي يتم صرفها على السَّلبية، هي ذات الطاقة التي كان من الممكن صرفها على رفاهيتنا الشَّخصية.

6. لأنَّ السَّلبية تتفشَّى:

لقد وجدت أنَّه وبمجرد ما إن أُدخِلُ السَّلبية على منطقة واحدة من حياتي، حتَّى تمتد إلى مناطق أخرى أيضاً. وعندما نكون في حالة سلبية أو نُكِنُّ الضَّغينة تجاه أحدهم، فنحن لا نشعر بأنَّنا على مايرام؛ ونحمل تلك الطاقة السلبيَّة معنا أينما توجهنا في يومنا هذا. وعندما لا نكون على ما يرام، فإنَّنا نفقد تركيزنا وقد نتفاعل بلا وعي منَّا في مجالات أخرى من حياتنا.

7. لأنَّ الجميع لهم الحقُّ في التَّعبير عن أنفسهم:

يحِقُّ للناس الإدلاءَ بآرائهم، كما يحق لك أنت أيضاً. لذا اسمح لهم بالتَّعبير عن مشاعرهم والتَّنفيس عنها. وتذكَّر أنَّ كل شيء نسبي، ومجرد وجهة نظر لا أكثر. إذ ما قد نعتبره إيجابياً، يمكن أن ينظر إليه الآخر على أنَّه سلبي. وعندما نتصدَّى لآرائهم، يتحول الأمر إلى صراعٍ من أجل إثبات من هو على حق.

قد لا يُحسِنُ البعض منا التَّعبير عن أنفسهم، وقد يُعبِّرون عن أنفسهم بطريقةٍ مهينة لنا، لكن لا يزال يحق لهم القيام بهذا. فهم لديهم الحق في التَّعبير عن آرائهم، ونحن لدينا الحقُّ في اختيار كيف نردُّ على ذلك. إذ يمكننا أن نختار ما بين السَّلام أو النِّزاع.

إقرأ أيضاً: سبع خطوات لحل الخلافات بالشكل الأمثل

14 نصيحة للتَّعامل مع النَّاس الحادة الطِّباع:

عندما نكون غاضبين، ينتهي بنا الأمر إلى اتِّخاذ موقف دفاعي، ونادراً ما ينتج عن ذلك الموقف أشياء جيدة. القصد هنا هو أنَّنا بشر، ولدينا مشاعر وكبرياء. إلا أنَّنا عبر السَّيطرة على غرورنا وإعمالِ ذكائنا العاطفي، فإنَّنا لن نخدم صحتنا وسلامنا الدَّاخلي وحسب، لكنَّنا سنحدُّ أيضاً من المواقف التي تتحول إلى مواقف سيئةٍ بلا داعٍ.

لذا نقدم إليكَ فيما يلي، بعض النَّصائح للتَّعامل مع شخصٍ سلبيٍّ صعبِ المراس:

1. تسامح مع الآخرين:

كيف كان سَيتصرف شخصٌ حكيمٌ إن وجد نفسه في مثل ذلك الموقف؟ كان ليغفرَ للآخر زلَّته على الأرجح. تذكر أنَّنا في صميمنا أناسٌ جيدون، لكنَّ حكمنا قد يصبح مشوشاً وقد نقول أشياءَ مُضرَّة. لذا اسأل نفسك: "ما الذي يمكن أن أفهمه من ذلك الشَّخص وأسامحه عليه؟"

2. تمهَّل قبل أن تُصدرَ أيَّةَ ردَّة فعل:

لعلَّك قد تشعر أحياناً بأنَّك مجبر فوراً على إرسال رسالة بريد إلكتروني تدافع بها عن نفسك. لذا اعلم أنَّ الرسائل المشحونة عاطفياً لا تعطي النَّتيجة المرجوَّة؛ بل كل ما تقوم به هو صبُّ الزيت على النار.

نعم تستطيع كتابة رسالةٍ مشحونة للشَخص المعني، لكن لا تقم بإرسالها. بل انتظر حتى تهدأ أعصابك قبل أن يصدر عنك أيُّ رد؛ هذا إن قرَّرت أن تردَّ أصلاً.

3. اسأل نفسك"هل يعنيني لهذه الدرجة أن أثبت أنَّني على حق؟"

يكون ردُّ فعلنا أحياناً نابعاً من رغبتنا من أن ندافع عن الموقف الذي اتخذناه. فإن وجدت نفسك تجادل من أجل أن تثبت أنَّك على صواب، فاسأل نفسك: "هل يهم فعلاً إن كنت على حق؟" إذا أتت إجابتك بنعم، اسأل نفسك عندها: "لم عليَّ أن أكون كذلك؟ وما الذي سأجنيه من هذا الأمر؟".

4. لا تقم بالرَّد:

في كثير من الأحيان عندما يبادر أحدهم بقول كلامٍ سلبي أو يسلك سلوكاً حادَّاً تجاهك؛ فإنَّه يكون وبكل بساطة، يحاول حثَّك على القيام بردَّة فعل. فإن قمت بذلك، تكون قد أعطيته ما يريده منك. لذا كفَّ عن تلك الدَّورة المتصاعدة من السَّلبية، ولا تعطه ذلك. ولا تكترث بالرَّد عليه.

5. توقف عن الحديث حول هذا الموضوع:

عندما تواجه مشكلةً أو تخاصم أحدهم، ألا تجد أنَّ الناس يعشقون الحديث عن ذلك؟ ألا تجد أنَّ الأمر ينتهي إلى تكرار ذات القصة، لأيِّ شخص يرغب بسماعها؟. لعلنا قد نكثر ونبدع في التَّعبير عن مدى كرهنا لموقفٍ ما؛ إلا أنَّ ما نفشل في إدراكه حينئذٍ هو أنَّه كلما تحدثنا عن ذلك أكثر، كلما ازدادت حدَّة شعورنا تجاهه أكثر.

فمثلاً، كلما تحدثت أكثر عن مدى كرهك لأحدهم، كلما ازداد شعورك بالكراهية تجاهه. بل وكلما لاحظت فيه أموراً تكرهها. لذا توقف عن إذكاء نار شعورك هذا، وتوقف عن التفكير في ذلك الموقف، وتوقف عن الحديث عنه.

6. ضع نفسك مكانهم:

على قدر ما قد يبدو ذلك مبتذلاً، إلا أنَّنا بالفعل علينا أن نقوم بذلك. فنحن غالباً ما نصدمُ من تلك المواقف. حاول أن تضع نفسك مكانهم، وفكر كيف جرحت شعورهم. يمنحك هذا الفهم منظوراً جديداً في أن تصبح عقلانياً مجدداً، وقد يساعدك على إذكاء روح التَّعاطف مع الآخر.

7. فتِّش عن الدروس المستفادة:

لن يضيع أيّ موقفٍ سدىً؛ إن نحن استطعنا أن نستخلص منه بعض الدروس التي من شأنها أن تساعدنا على النمو، وتجعلنا أناساً أفضل. بغضِّ النظر عن مدى سلبية السيناريو الذي يجري معك، قد يكون هناك دائماً هدية مخفية على شكل درسٍ تتعلمه.

8. قرر أن تُقصِيَ الأشخاص السَّلبيين من حياتك:

يمكن أن يكون الأشخاص السَّلبيون مصدراً لاستنزاف الطاقة. كما وقد يرغب النَّاس التُّعساء أن يجعلوك مثلهم، كي لا يشعروا لوحدهم بمثل ذلك الشُّعور. لذا احذر أن تقع فريسةً لذلك.

فإن لم تكن تملك الكثير من الوقت، وكنت ممن يرفضون أن يستنزِفَ النَّاس طاقتهم؛ نوصيك بأن تقطع صلاتك بمثل أولئك الناس عبر تجنب التَّعامل معهم قدر الإمكان. وتذكَّر أنَّ الأمر يعود لك بأن تحيط نفسك بأشخاص يتمتعون بالصِّفات التي تعجبك.

إقرأ أيضاً: سبع أشخاص عليك الابتعاد عنهم في حياتك

9. راقب نفسك:

عندما ندرِّب أنفسنا على مراقبة مشاعرنا وأفكارنا، فإنَّنا نفصل أنفسنا عن عواطفنا. وبدلاً من السير مع العواطف والسَّماح لها باستهلاك طاقاتنا، ننتبه لها بوضوح ونفصل أنفسنا عنها.

10. مارس التَّمارين الرياضية:

يمكن أن يساعد التمرين البدني على التَّخلص من طاقتنا السَّلبية. لذا قم بتسخير التمارين الرياضية لتصفية ذهنك والتَّنفيس عن الطاقة السَّلبية المتراكمة فيه.

11. تخيَّل حدوث أسوأ سيناريو محتمل:

اسأل نفسك سؤالين اثنين:

  1. "إن لم أَرُدَّ، فما هو أسوأ شيء يمكن أن ينتج عن ذلك؟".
  2. "وإن قمت بالرَّد، فما هو أسوأ شيء يمكن أن ينتج عن ذلك؟".

إنَّ الإجابة على مثل هذه الأسئلة غالباً ما تضيف منظوراً جديداً إلى الموقف، وستدرك أن لا شيء جيد سينتج من الإتيان بردِّ فعل متسرِّعٍ وانفعالي. بل كل ما سيحدث هو إهدار طاقتك، وتعكير سلامك الداخلي.

12. تجنب المناقشات السَّاخنة:

عندما نكون مشحونين عاطفياً، نجادل من مبدأ إثبات أنَّنا على صواب، ونقوم بالدِّفاع عن أنفسنا من أجل إرضاء غرورنا. ونادراً ما تكون العقلانية والدِّقة هي نواتج مثل هذه المناقشات. لذا إن كان النِّقاش ضروريَّاً، فانتظر حتى يهدأ الجميع قبل الخوض فيه.

13. تذكَّر أشياءك الهامَّة:

ضع لائحة بالأشياء الأكثر أهميَّة في حياتك. ثم اسأل نفسك: "هل يعود الردُّ على ذلك الشَّخص بالإيجاب على أكثر الأشياء أهميةً بالنسبة لي؟".

14. أضف "العسل" إلى ما تقوله:

في حين أنَّ ذلك قد لا يعمل دائماً، إلا أنَّه يمكن أن يباغت أحياناً من يحاول "صبَّ سمومِ كلامه" عليك. لذا قل كلاماً معسولاً لذلك الشخص؛ كأن تثني عليه لقيامه بأمرٍ جيد. وأخبره كيف أنَّك قد تعلمت أمراً جديداً عبر التَّعامل معه. ومن يدري، فلعلَّكم تصبحون أصدقاء بعد ذلك.

لكن احرص على أن تكون صادقاً. وقد تضطر إلى البحث عميقاً لكي تعثر عند ذلك الشَّخص على شيء تُقَدّرُه.

المصدر.




مقالات مرتبطة