كيف تتخلص من الأرق والقلق في أثناء النوم؟

يرقد بعضنا مستيقظاً في سريره طوال الليل مفكِّراً في سره: "هل سأذوق طعم النوم يوماً؟"؛ إذ نميل إلى إجهاد أنفسنا في محاولة تنظيم جدول نومنا، ونضغط على أنفسنا كي نَغُطَّ في النوم مهما بلغَت صعوبة الأمر أو سهولته؛ ممَّا يثير حالةً من القلق الذي يتفاقم ليلةً بعد أخرى.



يرتبط القلق في أثناء النوم بالأرق ارتباطاً وثيقاً، ويعزِّز كلٌّ منهما من شدَّة الآخر. وبينما يُعدُّ النومُ عاملاً بالغ الأهمية لننعَمَ بصحةٍ أفضل، إلَّا أنَّنا لا ندرك قيمته دائماً أو نعرف كيفية نيله؛ فقد يصل بنا الأمر أحياناً إلى التقلُّب في الفراش لساعاتٍ طوال، ثمَّ نستيقظ قبل موعدِ رنين المنبه دون أن نحصلَ على كفايتنا من النوم؛ لندخل بذلك في دوامةٍ لا تعرف الانتهاء.

ثمَّ تأتينا حالة من القلق في أثناء النوم فتزيد الطين بلَّة؛ فمجرَّد التوتر لأنَّك لا تستطيع النوم كفيلٌ بأن يبقيك مستيقظاً طوال الليل. وقد يعود سبب شعورك بالقلق في أثناء محاولة النوم إلى اجترار الأفكار أو التخطيط أو التفكير في طريقةٍ تُخلِّصك من هذا الوضع.

ما الذي يسبب الأرق والقلق في أثناء النوم؟

يمكن أن يُثيرَ الصمتُ حالةً من تدفُّق الأفكار خلال ساعات الليل؛ فتراك تغرق في دوامةٍ من الأفكار التي تتراكم، ليبدأ القلقُ بالسيطرة عليك ويؤدي إلى مزيدٍ من الأرق، والذي يؤثِّر بدوره في صحتك الجسدية والنفسية، ويجعلك تعاني من صعوبات في الأداء أو التركيز عموماً.

قد ينبع الشعور بالقلق من عديدٍ من اضطرابات الصحة النفسية، مثل: اضطراب القلق العام، واضطراب الهلع، واضطراب ما بعد الصدمة، وغيرها؛ وأمَّا عن الأرق، فقد يحدث بشكلٍ مستقلٍّ أو يتفاقم نتيجةَ إحدى الاضطرابات النفسية الأخرى؛ فقد نعاني جميعنا من بعض القلق في أثناء النوم، ولكن ينبغي أن تأخذَ الموضوع بجديَّةٍ حينما يبدأ في السيطرة والتأثير في حياتك.

الأرق؛ هو عدم القدرة على النوم لفتراتٍ طويلةٍ من الزمن، وقد تختلف الحالة من شخصٍ إلى آخر؛ حيث يمكن أن تواجهَ صعوبةً في النوم أو الاستمرار فيه أو كلاهما معاً؛ إلَّا أنَّ قلةَ النوم تُعدُّ العامل الأساسي المميَّز له.

يوجد ثلاثة أنواع مختلفة من الأرق، وهي:

  • الأرق العَرَضي أو المؤقَّت.
  • الأرق الحادُّ أو قصير الأمد.
  • الأرق المزمن.

هناك علاقة ثنائية الاتجاه بين القلق والأرق؛ بحيث يؤثِّر أحدهما في الآخر ويزيد من حدَّته. وقد تواجِه صعوبةً في تحديد أيهما أصل المشكلة؛ ممَّا يُعرِّضك لمزيدٍ من الإزعاج والأرق، وكأنَّك تعيش في دوامةٍ لا تنتهي أبداً.

وفقاً لجمعية القلق والاكتئاب الأمريكية (Anxiety and Depression Association of America)، يعاني أكثرٌ من 40 مليون أمريكي من اضطرابات النوم المزمنة وطويلة الأمد، و20 مليون آخرين يعانون من مشكلاتٍ في النوم بين الحين والآخر.

كما خَلُصت الأبحاث إلى أنَّ الأرقَ يمكن أن يؤدي إلى تفاقم أعراض اضطرابات القلق أو يَحُول دون التماثل للشفاء منها؛ حيث تتداخل اضطراباتُ الصحة النفسية كالقلق واضطرابات النوم وتزيد من حدة بعضها بعضاً؛ كما كشف العلماء أيضاً أنَّ "الاستيقاظ لفترات طويلة يرتبط بحدوث اضطرابات معرفية، ويمكن أن يَنتُجَ عنه أعراضاً نفسية تتراوح بين حدوث تغيرات مزاجية إلى مشكلات نفسية كالهلوسات"؛ لذا يمكن التخفيف غالباً من حدة الاضطرابات النفسية من خلال الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم.

شاهد بالفيديو: 4 أخطاء فادحة عليك أن تبتعد عن ممارستها قبل النوم

كيف تتخلص من الأرق والقلق في أثناء النوم؟

قد يعاني أيُّ شخصٍ منَّا من القلق في أثناء النوم، وهذا ما لا ينبغي تجاهله حينما تتعرض له؛ فبمجرَّد أن تتمكَّنَ من مواجهته، ستجِد حلَّاً للتخلص منه. إذاً، كيف يمكنك أن تتغلَّبَ على الأرق والقلق في أثناء النوم؟ لا يوجد "علاجٌ واحد يناسب الجميع" للتخلص من هذه المشكلات، ولكن يوجد بعضُ الخطوات التي يمكن أن تساعدَك في ذلك:

1. تدوين الأفكار التي تؤرِّق مضجعَك:

إنَّ أحدَ الأمور البسيطة التي يمكنك القيام بها هو تخصيص دفتر ملاحظات وقلم ووضعهما بجوار سريرك لتدوين الأفكار التي تراودك في وقتٍ متأخرٍ من الليل وتبدأ في إزعاجك؛ فحينما يظهر القلق، استلَّ الدفتر وسجِّل أفكارك قبل مواجهة مشكلات في الغطِّ في نومٍ عميق؛ وذلك كي لا يتحوَّل الأمر إلى حالةٍ من اجترار الأفكار التي تستهلك كل طاقتك؛ حيث يمكنك بكل بساطة الاطلاع على ما كتبتَ ومحاولة معالجته في اليوم التالي.

كما يمكنك -باستخدام مفكِّرتك هذه- أن توجِّه أنظارك نحو العلاج السلوكي المعرفي وتمارسه، كي تعملَ على تهدئة ذهنك المضطرِب عبر توجيه تفكيرك نحو أفكار أكثر إيجابية، وتغيير السلبية منها إلى أفكار أكثر عقلانية وأقل وطأة عليك.

قد تساعدك مواجهة أفكارك في تهدئة نفسك وتخفيف القلق الذي قد يعتريك بشدة في أثناء محاولة النوم؛ لذا يمكنك تحديد الأفكار التي تؤرِّق مضجعَك كي تبدأَ في حلِّها ومعالجتها؛ كما يمكن أن يفيدَك اقتناء مفكِّرة نوم لتسجِّل عليها كم مرةً تعاني من حالة القلق في أثناء النوم، وتقيِّم درجةَ حدة الأمر، وتراقب مدةَ حدوثه؛ إذ يتطلب التعامل مع أي مشكلات تتعلق بالنوم مراقبة عدد المرات التي تواجه فيها صعوبةً في ذلك وعدد الساعات التي تنامها كلَّ ليلةٍ وجودة نومك؛ أي ما إذا كنتَ تعاني من تقطُّع النوم وعدم استمراريته أم لا أو تشكو من صعوبةٍ في الغطِّ في النوم.

قد يكون عليك أيضاً التواصل مع معالِجٍ نفسي معتمَدٍ أو اختصاصي وإطْلاعه على النتائج التي توصَّلت إليها؛ وبذلك ستتكوَّن لديه فكرةً أفضل حول ما قد يساعدك حينما يمتلك سجلاً يوضِّح مدى حدة المشكلة.

إقرأ أيضاً: نصائح عملية لكتابة اليوميات للمبتدئين

2. ممارسة اليقظة الذهنية:

تُعدُّ ممارسةُ تأمُّل اليقظة الذهنية طريقةً أخرى لتجد السلام الداخلي في نفسك، لأنَّها تتطلب أن يكونَ ذهنُك حاضراً تماماً وواعياً لِما تفكر أو تشعر به؛ فحالة اليقظة الذهنية هذه تساعدك في تحديد المشاعر التي تجتاحك دون الحكم عليها؛ لتشعرَ بالأمان وتتعلَّم كيف تكون أكثرَ لطفاً مع نفسك.

يمكنك ممارسة اليقظة الذهنية في أثناء القيام بالمهام اليومية أو خلال التأمُّل؛ إذ لا توجد طريقة خاطئة لممارستها؛ وحتى لو كان عقلُك منشغلاً للغاية، فلا بأس بذلك! تكمن الفكرة في التركيز لأطول فترةٍ ممكنةٍ على أحد عناصر التأمُّل (كالتنفس، أو الأصوات، أو الأحاسيس الجسدية، أو غيرها)، والعودة إليها حينما يسرح عقلك بعيداً.

كما تُعدُّ عملية الترسيخ وسيلةً تساعدك كي يكونَ ذهنُك حاضراً في الزمان والمكان الحالِيَين وتتعامل مع العواطف والتجارب السلبية؛ وذلك من خلال إعارة انتباهك إلى حواسك الخمس عبر ملاحظة ما تسمعه وتراه وتشمُّه وتلمسه وتتذوَّقه؛ فحينما تحتكم لحواسك، ستصل إلى حالة ذهنية يعمل فيها دماغك بصورةٍ أفضل ويعالج الأفكار التي تراوده بفاعلية؛ أي يمكنك التعامل مع ما يقلقك وتعالجه دون الشعور بالذعر؛ فأنت تعيش الحاضر وتستشعر كل تفاصيله وبذلك سترقد في سريرك مُطمئناً.

التأمُّل في أثناء النوم:

يمكنك تجربة نوع محدَّد من تأمُّل اليقظة الذهنية لمساعدتك على الشعور بالراحة قبل النوم؛ حيث يمكنك أن تتخيَّلَ مساحة آمنة متاحة لك في أيِّ مكانٍ وزمانٍ وبرفقة أيِّ شخص (أو بمفردك وهو ما نوصي به).

يمكنك أن تتخيَّلَ نفسك واقفاً أو مستلقٍ في تلك المساحة الآمنة؛ فتخيَّل مثلاً أنَّك تجلس على شاطئِ البحر في الليل، وتنعم بدفء النار المتَّقدة أمامك، بينما يتناهى إلى مسامعك صوت أمواج البحر وهي ترتطم بصخور الشاطئ؛ يمكنك حتى أن تُطلِقَ اسماً على المكان هذا، وتُضيف تفاصيلاً بقدر ما تشاء.

يمكنك أن تفعلَ ذلك وقتما تشاء، ولكن ينبغي عليك تطبيقه قبل أن تنام لينعُمَ بالك بالهدوء؛ كما يمكنك تغيير المشاهد التي تتخيَّلها في كل مرة أو تركها على حالها مع إضافة تفاصيل أكثر؛ حيث سيكون ذلك بمثابة مكان يحتضنك لتشعُرَ بالأمان وتتخلص من الأفكار والعواطف السلبية التي تمنعك من النوم، ويساعدك في تخفيف القلق وفي أن تنام قريرَ العين.

3. اتباع روتين ثابت للنوم:

اذهب إلى النوم في وقتٍ مناسب وحاوِل الاستيقاظ في الوقت نفسه كل يوم؛ حيث سيساعدك ذلك على تنظيم نومك وخلق روتين ثابت ليعتاد عليه جسدك؛ فإذا بقيتَ مستيقظاً طوال الليل إلى جانب الشعور بالقلق نحو طريقة نومك وحالة الأرق التي تعاني منها، فستجرُّ نفسك إلى اتباع نمط غير صحي يؤدي إلى تفاقم حالتك بمرور الوقت.

أطفِئ جميع الأجهزة الإلكترونية في وقتٍ مبكِّر قبل الذهاب إلى النوم كي تخفِّفَ بذلك من العوامل التي تحفِّز عقلك؛ حيث سيساعدك ذلك في الحد من الشعور بالتعب، إذا كنتَ تعاني من هذا الأمر؛ وأمَّا إذا كنتَ ممَّن يتحققون من الساعة باستمرار في الليل، فأبعِدها عنك إذا اضطر الأمر.

وإذا كنتَ تستخدم الأجهزة التكنولوجية وتجد أنَّها تحفِّز عقلك من خلال التعرض للضوء الأزرق المنبعِث من شاشاتها، فسوف تُخاطِر بإفساد دورة نومك وستفقد القدرة على العمل أو النوم بشكلٍ صحيحٍ؛ كما يمكن أن تتفاقمَ حالة القلق التي تعتريك في أثناء النوم إذا كنتَ تتحقق باستمرار من هاتفك أو حاسوبك أو تشاهد التلفاز، لأنَّ ذلك يحفِّز تفكيرك بشكلٍ تلقائيٍّ؛ لذا حاوِل تقليلَ استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم ما أمكن.

من ناحيةٍ أخرى، احرِص على أن تأكلَ طعاماً صحياً، وتجنَّب تناوُلَ الكافيين قبل النوم، ومارِس بعضَ التمرينات الرياضية خلال ساعات النهار لتساعدك في التخلص من أي حالة عدم ارتياح تصحبك حتى الليل؛ فنجاحُك أو فشلُك في النوم ومعاناتُك الأرق تعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على عاداتك والمبادئ الأساسية التي تتَّبعها للنوم الصحي.

إقرأ أيضاً: 11 خطوة لبناء عادات مسائية

4. إدارة المكان الذي تنام فيه:

يؤثِّر شعورك بالارتياح في طبيعة نومك أيضاً؛ لذا احرِص على أن تكونَ غرفةُ نومك مظلمة، وحدِّد فيما إذا كنتَ تفضِّل النوم في جوٍّ يسوده الصمت والهدوء أم تتخلَّله أصوات تساعدك على النوم (كأصوات الطبيعة)، واحرِص أن يكونَ سريرُك المكانَ الذي تلجأ إليه كي تحظى بالراحة بعد انتهاء يومك، وأن يكونَ فراشُك مريحاً، وأن تضعَ ما يكفيك من الوسائد، وتحافظ على اعتدال حرارة غرفتك؛ إذ ستساعد جميع هذه الأمور في التخفيف من حدة قلقك تجاه النوم حينما تشعر أنَّ غرفتَك مكانٌ آمنٌ ومريحٌ.

حينما تهيِّئ المكان الذي تنام فيه بشكلٍ جيد، وتحرص على أنَّك ستكون مرتاحاً، فسوف تغفو بشكلٍ أسرع؛ حيث سيساعدك ذلك في التعافي من أي حالة من اضطراب القلق أو حالات الأرق التي تعاني منها.

5. التحدث إلى اختصاصي:

قد لا يرغب الجميع في الاعتراف بهذا الأمر، ولكن لعلَّك تحتاج إلى مساعدة طبيب أو اختصاصي إذا كنتَ تعاني من اضطرابٍ في النوم أو اضطرابٍ في الصحة النفسية؛ قد يشخِّص هذا الأخصَّائي حالتك أو لا يقوم بذلك؛ ولكن في كلتا الحالتين، من المحتمَل أن يقدِّم لك بعض الحلول المُجدِية.

يكمن الحلُّ الأساسيُّ في إدراك أنَّك لستَ وحدَك، ولستَ مضطراً إلى المعاناة في صمتٍ حينما يَحُول القلقُ بينك وبين النوم بعمق؛ إذ لا يعني ذلك أنَّك شخصٌ ضعيفٌ أو ترتكب خطأً ما؛ كما لا تُعدُّ إصابتك بمثل هذا الاضطراب أمراً مخجلاً؛ حيث يعاني الملايين من الناس من شكلٍ من أشكال الأرق والقلق في أثناء النوم.

سيساعدك أحد الاختصاصيين في تحديد أسباب مشكلتك بشكلٍ أفضل، والعثور على سبلٍ لمساعدتك أكثر ممَّا قد تساعد نفسَك حينما تتعامل مع الأمر بمفردك.

الخلاصة:

لا ينبغي أن تدعَ معاناتك مع قلة النوم تحدِّد هويَّتَك؛ فالخطوة الأولى للتعامل مع الأمر هي إدراك أنَّ ما يحدث معك ليس ذنبَك، وأنَّ ثمَّةَ طرائق يمكنك تجربتها لحلِّ المشكلة؛ لذا ابحث عن سبلٍ لتهدئة نفسك كالتي ذكرناها في المقالة، وأخبِر اختصاصياً نفسياً أو طبيباً بما تعاني منه كي يتمكَّنَ من تقديم الاقتراحات ومساعدتك أيضاً.

يتمحور تحسين النوم حول الاسترخاء من جهةٍ، وتقليل اجترار الأفكار في رأسك من جهةٍ أخرى؛ الأمر الذي قد نعاني منه جميعاً؛ لذا فإنَّ مجرَّدَ محاولة النوم قد لا تكون كافيةً لحل المشكلة، وعليك اتخاذ خطوات إضافية للحصول على المساعدة التي تحتاجها.

والأهمُّ من ذلك كله هو ألَّا تضغط على نفسك أكثر كي تنامَ حينما لا تستطيع ذلك، لأنَّ ذلك قد يؤدي إلى تفاقم حالة القلق التي تعتريك؛ بل هوِّن على نفسك، واتخِذ أكبر عددٍ ممكِنٍ من الخطوات المتاحة لتنظيم جدول نوم صحي، وانعَم بالنتائج الإيجابية التي ستحقِّقها.

 

المصدر




مقالات مرتبطة