كيف تأخذ المرأة ثواب الأعمال الصالحة التي لا تجد وقت لها؟

مسكين من يفوته رمضان بغير عمل صالح يدّخره عند ربه ليوم الدين، والمساكين في هذا الشأن نوعان: مسكين بعقله ومسكين بظروفه، ومن هؤولاء المساكين المرأة التي لا تجد من الوقت ما يكفي للقيام بالعبادات بشكلٍ كافٍ، فماذا عليها أن تفعل؟



1. المسكين بعقله:

هو أكثر بؤس من المسكين بظروفه فهو يضيع رمضان وما فيه من خير بغير عذر إلّا عذر الهوى، والاستجابة لداعي الدعة، والرغبات والملذات، فهو لا يستغل صحته ولا فراغه اللذين أفاء الله بهما عليه في خير بل يصرفهما في التوافه من الأمور.

2. المسكين بظروفه:

شأنه شأن آخر، إنّه يتمنّى أن يبذل في رمضان من أعمال الخير كالصلاة، والذكر وقراءة القرآن، والدعاء أضعاف ما يبذل ولكنّه لا يستطيع لما قدّره الله عليه من أعمال أخرى واجبة لا يستطيع أن يتفلت منها بحال من الأحوال، مثل المرء الطاعن في السن أو المريض، أو المرتحل باستمرار أو الذي يعمل عملاً يستفرغ معظم طاقته، ولا يجد عملاً غيره يقتات منه هو وعياله، أو الطالب الذي هو على مشارف الامتحانات الدراسية، أو المرأة كثيرة الأطفال الصغار، أو المرأة المقدّر عليها عدم الصوم نتيجة لما يعتري النساء أو الحامل الممنوعة طبياً من الصيام للمحافظة عليها أو على الجنين وغيرهم.

فكل هؤلاء من المتوقع أن يكون بذلهم في العبادات أقل من غيرهم ممّن ليسوا في ظروفهم، قال تعالى معلّماً ومواسياً من كانت له ظروف مانعة كهؤلاء: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) المزمل - 20.

إقرأ أيضاً: أحكام الصيام في رمضان -1

إنّ الناس ليست ظروفهم سواء، وهذا الفرق لابدّ أن يراعي فيما يكلفون به من أعمال فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "اكْلَفوا من الأعمالِ ما تُطيقونَ؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا".

ومع ذلك فإنّ لهؤلاء الذين لهم ظروف خاصة وأخص منهم بالذكر المرأة، باباً مفتوحاً يستطيعون من خلاله تحصيل أكبر قدر من الخير والثواب وهو باب النية، فإنّ الواحد منّا يستطيع بإخلاص نيته إلى الله فيما يقوم به من عمل، أن يحول كل أعماله إلى عبادات يجني من ورائها ثواباً عميماً لا حصر له.

فعن أمير المؤمني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ" 

إنّ المرأة المشغولة في رعاية بيتها وزوجها وأولادها تستطيع أن تحصل من الثواب بالنية أكثر ممّا تحصله غيرها ممّن ليست في شغلها! وتعالوا معاً نأخذ الموضوع و الظرف بشيء من التفصيل..

ما رأيكم في إفطار رمضان؟ إنّ البيت كلّه ينتظره بفارغ الصبر، ولا شك في ذلك. وفي ظني أنّه لا تجرؤ امرأة على عدم إعداده، لأن ذلك سيتطلب قيام ثورة عليها من أولادها قبل زوجها وسيندّد الكل بعدم وجود الطعام، والمرأة أمام هذا الوضع الذي لا تمتلك حياله شيئاً، أمامها أحد أمرين، إمّا أن تدخل المطبخ متذمرة لهذا الفرض الذي لا تجرؤ على إسقاطه مؤدّية إياه بكل غيظ، وإمّا أن تدخل المطبخ مستحضرة نية أنّها تعد الطعام لمن جعلها الله عليهم راعية، وهم الأولاد، ولمن جعلها الله له سكناً وحانية وهو الزوج، وأنّها بهذا الفضل منها تؤدّي حق الله عليها، وتدخل السرور على زوجها وبنيها، فتقويهم جميعاً على العبادة، آملة أن يصيبها منهم دعاء صالح.

إقرأ أيضاً: 6 طرق تُسهّل على المرأة العاملة أداء واجباتها في رمضان

إنّ المرأة في الحالتين ستصرف نفس الوقت في المطبخ، وسيصيبها نفس التعب والإرهاق، ولكن الأولى فعلت ذلك ولم تحصل ثواباً، لا في وقفتها في المطبخ ولا في معاناتها، ولا كذلك في استغلالها لهذا الوقت في الدعاء والذكر وقراءة القرآن أو غير ذلك من أعمال الخير، أمّا الثانية فبنيتها التي ذكرتها، يُكتب لها كل الوقت الذي صرفته والمعاناة التي تكبدتها في ميزان حسناتها يوم القيامة، قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" يونس - 44، تُكتب لها هذه الحسنات، حتى وإن لم تستطع مباشرة أعمال الخير الأخرى الواضحة والمعلومة.

مثال ثاني: من الممكن للمرأة أن تقرأ في رمضان ثلاثة أجزاء من القرآن يومياً في ساعتين تقريباً، لأنّ ظروفها تسمح بذلك، ثم تأخذ بعد الإفطار بتلابيب زوجها مجبرة إياه على الخروج معها للتسوّق، مضيعه من وقته في ثلاث وأربع ساعات، والممكن كذلك ألّا تستطيع امرأة أن تقرأ أكثر من جزء واحد من القرآن في اليوم نتيجة لظروفها، لكنّها وبفعل إيجابي تكبت شهوة التسوّق عندها، وتترك لزوجها فرصة التعبّد بهدوء غير مشتّته إياه هذه الثلاث أو الأربع ساعات التي استهلكت من الرجل الأول، وهي تفعل ذلك بقصد وبنية، فإنّه ممّا لا شك فيه بإذن الله أن الله يثيبها على نيتها هذه ويجعل حسنات هذه الثلاث أو الأربع ساعات في موازينها هي مع زوجها لأنّه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه".

إنّ المرأة الأولى حصلت من الثواب ما يعادل ساعتين فقط وهو الوقت الذي قرأت فيه الأجزاء الثلاثة، أمّا الثانية فقد حصلت من الثواب ما يعادل قراءة جزء واحد من القرآن، وثلاث أو أربع ساعات إضافية، وهي التي استحضرت فيها نيتها سالفة الذكر التي أرادت بها إعانة زوجها على الخير.

مثال ثالث: هناك بعض النساء يبذلن في الطاعات جهداً ما شاء الله عليه، فقد حكي لي عن بعضهن ما يفرح القلب، غير أنّ بعضاً من هذا البعض وبعد انتهائه من ورد الطاعات هذا الذي حدّده لنفسه يروح عن نفسه عن طريق الفضائيات وما يعرض فيها، وقد يمتد هذا الترويح إلى ساعات، وبما أنّ الموضوع سهل والجهاز مفتوح فلا مانع من ترويح في البيت أيضاً مع الزوج والأولاد، والذي أُحب أن ألفت الانتباه إليه هنا أن هذا الترويح الذي في أغلب الأحيان  يحتوي على حرام يلتهم من الحسنات التي حصلتها المرأة سابقاً، والأولى والأفضل من وجهة نظري أن تحافظ المرأة على حسناتها وإن كانت قليلة بعدم تسويق ما يغضب الله في بيتها في ليل رمضان الذي نحن بصدد الحديث عنه وأن تأخذ في ذلك نية لها ولزوجها ولأولادها.

إقرأ أيضاً: للمرأة: 6 طرق للقضاء على أوقات الملل في نهار رمضان

إنّ الواحد منّا لا يشك في كرم الله سبحانه أبداً وأنّه سبحانه سيثبت هذه المرأة على نية المجاهدة التي أصرّت عليها وسينمي لها الوقت الذي جنّبت فيه بيتها بمن فيه الحرام، وسيجعل ثواب هذا الوقت كلّه في ميزان حسناتها يوم القيامة.

والله أعلم

 

المصدر: عمرو خالد لمجلة المرأة اليوم




مقالات مرتبطة