كيف استخدم فن الذكاء العاطفي في مجالات الحياة؟

يتطلب نجاح الإنسان في حياته ذكاء عقلياً؛ أي قدرة على التعلم والتفكير والتكيف العقلي مع المواقف، وقدرة على حل المشكلات والتخطيط للمستقبل وتوجيه الفكر في اتجاه معين؛ كما يتطلب عاطفة تتمثل في مجموعة من المشاعر والأحاسيس التي يتميز فيها الفرد عن غيره؛ وإن دُمِجَ الذكاء مع العاطفة، نحصل على الذكاء العاطفي الذي يُعَدُّ شرطاً لنجاح الإنسان مهنياً واجتماعياً، وحتى في حياته الشخصية.



فن الذكاء العاطفي هو امتلاكك القدرة على إدراك مشاعرك وفهمها والتحكم بها تحكماً فعالاً؛ لذا تعرَّف من خلال هذا المقال إلى فنون الذكاء العاطفي في مجالات الحياة وكيفية تطويرها.

تعريف الذكاء العاطفي:

يُعرَّف الذكاء العاطفي بأنَّه القدرة على فهم وإدراك والتعامل وإدارة العواطف؛ إذ يمكن للأشخاص الأذكياء عاطفياً تحديد عواطفهم الخاصة وتوظيفها وإسقاطها على مهام خاصة، مثل التفكير في المشكلات وحلها وإمكانية تفاديها مستقبلاً، وإدارة والتحكم بهذه العواطف، وامتلاك القدرة على التمييز بين مختلف الأحاسيس؛ والأمر نفسه بالنسبة إلى عواطف الآخرين.

تؤكد الدراسات أنَّ الذكاء العاطفي يختلف حسب جنس الشخص؛ فالرجال ممن يمتلكون نسبة ذكاء عاطفي عالية يتميزون بأنَّهم متوازنون اجتماعياً وصريحون، ولديهم قدرة كبرى على الالتزام بقضاياهم وتحمُّل المسؤوليات، والالتزام بعلاقاتهم المختلفة؛ ولكنَّ النساء الذكيات اجتماعياً يتفوقن على الرجال في قدرتهن على ضبط وإدارة انفعالاتهن.

ما هي مهارات الذكاء العاطفي؟

1. الوعي الذاتي:

وذلك من خلال مراقبة الشخص لنفسه، فيستطيع معرفة مشاعره؛ أي ما الذي يجعله سعيداً، وما الذي يحزنه، وما الذي يغضبه - هذا ما يسمى بالوعي العاطفي - ومراقبة تصرفاته في كل موقف يتعرض له وتحليل انفعالاته؛ حتى يستطيع التحكم بها ولا يدعها تتحكم هي به.

2. التنظيم الذاتي:

الشخص الذكي عاطفياً لديه القدرة على التحكم بمشاعره في مختلف المواقف؛ فلا يسمح لنفسه مثلاً أن يغضب ويتخذ قرارات متهورة؛ بل يفكر جيداً ويأخذ نفساً عميقاً قبل أن يجاوب شخصاً أغضبه، ولا يعطي رد فعل يندم عليه فيما بعد.

3. التحفيز الذاتي:

الشخص الذكي عاطفياً لا ينتظر من الآخرين التحفيز والتشجيع؛ وإنَّما يفعل ذلك بنفسه من خلال تحديد الأهداف، ورسم الطموحات، وتحديد مستلزمات النجاح، وعدم التراجع مهما كانت الظروف والصعوبات؛ بل السعي الدائم نحو النجاح بأمل وإصرار.

4. التعاطف:

ويُقصَد به قدرة الإنسان على إدراك وتفهُّم مشاعر الآخرين؛ وذلك لأنَّ لكل منا مشاعره وذكرياته وماضيه الذي ساهم في بناء شخصيته وتفكيره وأحلامه؛ فالذكاء العاطفي يجعلك تُقدِّر مشاعر الآخر وتحترمها ولا تقلل من حزنه أو سعادته تجاه حدث معين، وتضع نفسك مكانه لتعرف ما الذي يشعر به، وإمكانية مساعدته على توجيه مشاعره باتجاه إيجابي أكثر ليتقدم في حياته.

5. المهارات الاجتماعية:

أي القدرة على إدارة الآخرين وإدارة العلاقات؛ إذ يستطيع الذكي عاطفياً التعامل مع كل شخص بالطريقة التي تناسبه حسب طباعه وتفكيره وأولوياته في الحياة؛ أي مخاطبته باللغة التي يفهمها لتكون العلاقة بأفضل حالاتها، فإذا استطاع الإنسان تطوير هذه المهارات؛ فهذا كفيل بنجاحه في حياته المهنية.

شاهد بالفيديو: 10 علامات تدل على الذكاء العاطفي العالي

فن الذكاء العاطفي:

الذكاء العاطفي هام في جميع مجالات الحياة؛ وذلك لأنَّ النجاح في أي مجال يتطلب معرفة الإنسان لنفسه وللآخرين؛ لضمان نجاح واستمرارية علاقته معهم.

1. فن الذكاء العاطفي في الحب:

لا يحتاج الحب إلى عواطف فقط؛ وإنَّما يحتاج إلى طريقة لإدارة هذه العواطف لتستمر العلاقة وتصل مستقبلاً إلى الزواج والاستقرار. وإليك بعض نقاط الذكاء العاطفي الضرورية لتطبيقها في العلاقات العاطفية:

  • الصدق والشفافية: يُعَدُّ الصدق الأساس المتين للعلاقة؛ فمن الهام أن يُخبر الشخص شريكه عن كل ما يدور بداخله من مشاعر، سواء مشاعر متعلقة بالخوف أم الحزن أم الفرح، وكل ما يفكر فيه ليشاركه الشعور ويتقاسم معه الأفكار.
  • الحب بالأفعال وليس بالكلام فقط: في الذكاء العاطفي الأفعال تتغلب على الكلمات؛ أي إنَّه من الضروري التعبير عن الحب أو عن الاعتذار مثلاً بالفعل وليس بالكلام الجميل؛ وذلك لأنَّ الشريك بالمقابل سوف يعاملك بالطريقة نفسها التي يراها منك مع مرور الزمن.
  • التعاطف الدائم: من الذكاء العاطفي أن يجد الإنسان شريكه إلى جانبه دائماً في جميع الظروف والمشكلات، وليس من الضروري أن يحل له مشكلاته؛ وإنَّما وجوده إلى جانبه واستماعه لهمومه واهتمامه يكفي ليجعله أكثر قرباً من شريكه وأكثر حباً له.
  • المسامحة والغفران: من الذكاء العاطفي أن يستطيع الإنسان مسامحة شريكه في المشكلات الصغرى أو الأخطاء التي يمكن التغاضي عنها؛ وذلك لأنَّنا جميعاً معرَّضون لأن نخطئ. ولكن من الهام ألا يشعر الشريك أنَّه يمكن أن يخطئ متى أراد، وأنَّك يمكن أن تسامحه دائماً؛ بل يجب أن يدرك أخطاءه، وأنَّ المسامحة هي فرصة جديدة لاستمرار العلاقة ويجب ألا يخسرها.

ومن النقاط التي تؤكد لك أنَّ شريكك يفتقر للذكاء العاطفي ما يأتي:

  • يميل إلى إنهاء العلاقات بسهولة، سواء كانت علاقة عمل أم صداقة أم قرابة.
  • التفكير الساذج دون التعمق في التفاصيل والتفكير في نتائج تصرفاته أو أثر كلماته في الآخرين.
  • صعوبة التعاطف مع الآخرين أو قراءة مشاعرهم وتجنب التحدث عن المشاعر أو الاعتراف بعواطفهم تجاه شيء معين.

2. استعمال فن الذكاء العاطفي في العلاقة الزوجية:

إنَّ توفُّر الذكاء العاطفي في العلاقة الزوجية يجعلها علاقة متينة؛ وذلك لأنَّ كل شخص فيها يمكنه فهم الآخر فهماً جيداً، والتقرب منه أكثر، ومن ثمَّ تجنُّب الخلافات بينهما؛ وذلك باتباع النقاط الآتية:

  • تفهُّم مشاعر الشريك واستيعابها: الاختلاف في المشاعر والأفكار بين الأزواج أمر طبيعي، ونجاح الزواج لا يتطلب وجود تشابه؛ إنَّما يتطلب ذكاء عاطفياً؛ أي إدراك مشاعر الآخر واحترامها، سواء اتفق معه بالتفكير أم لم يتفق، وأن يضع كل طرف نفسه مكان الطرف الآخر ليستطيع فهم مواقفه.
  • القدرة على حل المشكلات معاً: الذكاء العاطفي يساعد الأزواج على مواجهة المشكلات والظروف الصعبة والعمل معاً على حلها بما يرضي الطرفين، دون أن يرمي أحدهما المسؤولية على الآخر ويجعل منه سبباً للمشكلات.
  • ضبط الانفعالات: إنَّ الانفعال بين الأزواج قد يؤدي إلى الغضب والصراخ، ومن ثم سيُذكِّر كل طرف الآخر بسلبياته وعيوبه، وبهذا تزداد المشكلة سوءاً. ولكنَّ الذكاء العاطفي يجنِّب الأزواج كل هذا؛ لأنَّ الشخص الذكي عاطفياً يستطيع أن يضبط مشاعره، ويفكر في كل كلمة يقولها وتأثيرها في الطرف الآخر، ويحل المشكلة بتروٍّ وهدوء، ومن ثم تقوية روابط المحبة بين الزوجين والمحافظة على حياة زوجية خالية من المشكلات.
إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي بين الزوجين وخطوات الوصول إلى علاقة زوجية ذكية عاطفياً

3. فنون الذكاء العاطفي في تربية الأطفال:

من أهم وأصعب المهمات في حياة الإنسان هي بناء شخصية طفله، ولكن إن كان الوالدان على قدر من الذكاء العاطفي تصبح المهمة أسهل؛ وذلك باتباع ما يأتي:

  • إشباع الطفل بالحب؛ وذلك لأنَّ نفس الطفل تتغذى على الحب والحنان والعطاء؛ وهذا يعطيه الثقة بالنفس ويجعله يطمئن لنفسه وللعالم المحيط به، ويتقبَّل رغبات الآخرين، ويدرك أنَّ لهم حقوقاً قد تتعارض مع رغباته. ومن الهام أن تخبر طفلك بمشاعرك؛ فعندما تنجز عملاً هاماً شاركه فرحتك بكلماتك وتعابير وجهك، وأيضاً عندما تحزن لأمر ما؛ وذلك كي يتعلم منك كيفية التعبير عن مشاعره.
  • تشجيع وتقدير الطفل واحترام رأيه، والابتعاد عن النقد اللاذع؛ وذلك كي يتعلم احترام الآخرين وتزداد ثقته بنفسه فيُقدِم على مزيدٍ من الأعمال الحسنة. ويجب على الأهل تحقيق العدل بين الأطفال من خلال الابتعاد عن التمييز في المعاملة بين الأنثى والذكر، أو مقارنة الأطفال بعضهم ببعض؛ لأنَّ هذه المقارنة ينتج عنها شخصاً أنانياً وغيوراً لا يفرح لنجاح أحد، بالإضافة إلى نقص الثقة بالنفس، وشعوره الدائم بالظلم؛ لذلك يجب على الأهل إدراك أنَّ لكل طفل ما يميِّزه؛ لذا تجب مساعدته على اكتشاف مهاراته، وتعليمه ممارسة هواياته ليستطيع تحديد أهدافه الخاصة لاحقاً دون السعي إلى تقليد غيره من أجل إرضاء أهله فقط.
  • الفصل بين العمل والمنزل؛ فلا يجب أن تنتقل هموم العمل إلى المنزل؛ فهذا يؤثر سلباً في نفسية الطفل؛ وذلك لأنَّ الطفل يشعر إن كنت تهتم به بكامل تركيزك أو ترعاه وأنت منصرف التركيز عنه.
  • الانتباه لتصرُّفات الطفل؛ ففي حال أدرك الأهل أنَّ طفلهم يواجه مشكلة في التواصل مع الآخرين أو أي أنماط سلوكية غريبة، فيجب عليهم معالجتها باكراً قبل أن تتطور ويصعب علاجها.
  • الاهتمام بمشاعره وسؤاله دائماً عما يحزنه ويفرحه لتساعده على التعرف إلى نفسه، ومن الهام تركه يخطئ ليتعلم من تجربته، وتركه يختار أصدقاءه بنفسه مع مراقبته من بعيد دون فرض صديق معين عليه.

4. فن استعمال الذكاء العاطفي في بيئة العمل:

الأذكياء عاطفياً هم الأنجح في عملهم؛ وذلك لأنَّهم قادرون على فهم أنفسهم والآخرين، ومن ثم التعبير عن آرائهم بثقة كبرى؛ وذلك لأنَّهم يمتلكون قدرة كبرى على التواصل مع الآخرين، سواء مع زملائهم أم مديريهم، إضافة إلى قدرتهم على مواجهة الأزمات وضغوطات العمل، واتخاذ القرارات الصحيحة التي تحقق التوازن بين العقل والمشاعر؛ وهذا بدروه يساعد على سير العمل بكفاءة كبرى وإبداع كثير.

شاهد بالفيديو: الذكاء العاطفي في العمل مفتاح النجاح المهني

كيف تطوِّر وتنمِّي فن الذكاء العاطفي لديك؟

يمكنك اتباع الخطوات الآتية لتنمية ذكائك العاطفي:

1. التفكير جيداً قبل الكلام:

في حال كنت من الأشخاص الذين يتكلمون دون تفكير، ستندم حتماً؛ لذا عوِّد نفسك أن تفكر هل ما ستقوله يحسِّن الموقف الذي تتعرض له أو يساعد على حل مشكلة، أم أنَّه جارح لأحد؟ ثم تكلَّم بعدها؛ لأنَّ هذه الطريقة تجنِّبك كثيراً من المشكلات في حياتك. إضافة إلى ذلك تذكَّر دائماً الثرثرة مُضرَّة لبيئة العمل.

2. الاستماع الجيد للآخرين:

كثيرٌ من المشكلات تُحَل بالإصغاء فقط، كأن تُصغي لمديرك أو صديقك أو شريكك لتستطيع تفهُّم وجهة نظره؛ فكثيرٌ من الأشخاص يدَّعون معرفة كل شيء، وهو بدوره سبب رئيس لفشل العلاقات، وخاصة الفشل المهني؛ وذلك لأنَّ الإنسان يحتاج دائماً إلى التعلم مهما بلغ عمره.

3. المعرفة الكافية بالنفس:

حتى تستطيع تفهُّم الآخرين والتعامل معهم، عليك أن تتعرَّف إلى مشاعرك وأفكارك، وتواجه نقاط ضعفك ومخاوفك بدلاً من تجاهلها لتستطيع التغلب عليها؛ فمن الممكن مثلاً أن تطلب من أصدقائك أو زملاء العمل أو أهلك أن يخبروك بصفاتك السلبية، وتدوِّن ما قالوه، وتعمل على تغيير تلك الصفات لتصل إلى مرحلة الرضى عن النفس.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي: تعريفه، ومكوناته، وأهميته في القيادة

4. ضبط الانفعالات والتحكم بالمشاعر:

لا يجب أن تخرج مشاعرك عن سيطرتك أو تفقد أعصابك عند الوقوع في مشكلة، تذكَّر دائماً أنَّ كل شيء له حل؛ لذا خذ نفساً عميقاً واسترخِ، أو مارس الرياضة وفكر جيداً في كل أمر أغضبك وكل موقف جعلك تشعر بسوء، وحلِّل ردود فعلك دائماً؛ فكل هذه التصرفات تساعدك على تحسين ذكائك العاطفي وقدرتك على التواصل مع الآخرين.

5. التفكير بإيجابية:

أنت المسؤول عن حالتك النفسية؛ لذا لا تلقِ اللوم على الآخرين، ولا تفكر في الأمور السلبية؛ بل ابتسم دائماً وفكر في الأشياء الإيجابية، حتى الأمور الصغرى التي تملكها وتجعلك سعيداً، وكن ممتناً لكل ما هو موجود في حياتك لتنقل هذه الطاقة الإيجابية للآخرين؛ فهذا بدوره يعزز مهارات الذكاء العاطفي لديك.

في الختام:

نجاح الإنسان في حياته يبدأ من نجاحه في اكتشاف نفسه والتصالح معها والتحكم بمشاعره، ومن ثمَّ يستطيع التحكم بعلاقاته مع الآخرين؛ أي إنَّ النجاح لا يحتاج إلى ذكاء عقلي فقط أو مشاعر فقط؛ إنَّما يحتاج إلى ذكاء عاطفي.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة