كيف أكسب ثقة تلاميذي؟

كيف أكسب ثقة تلاميذي؟ يطرح الكثير من المعلمين هذا السؤال يومياً على أنفسهم مع اقتراب العام الدراسي، وخاصةً في حال كانوا معلمين جدد يدخلون إلى الصف أولَ مرة ولم يتعاملوا من قبل مع التلاميذ على اختلاف مراحلهم العمرية، ولأنَّ عملية التواصل بين المعلم والتلميذ تؤدي دوراً كبيراً في نجاح العملية التعليمية؛ يبذل المعلم جهداً كبيراً لبناء علاقة سليمة قائمة على الثقة والحب والاحترام بينه وبين تلاميذه، فمن المعروف أنَّ التلميذ لا يمكنه أن يعبِّر عن نفسه تعبيراً صحيحاً أو أن يتفاعل تفاعلاً إيجابياً مع المعلم إن لم يعرف الأخير كيف يكسب قلبه وينال ثقته.



لأنَّنا في فريق "النجاح نت" نؤمن بالأثر الكبير الذي يتركه المعلم في نفوس أطفالنا وخاصةً في السنوات الأولى من حياتهم المدرسية، ولأنَّنا نعرف تماماً أنَّ معظم المعلمين يحتاجون إلى من يضعهم في بداية الطريق، سنقدم لكم هذا المقال علَّه يكون خير معين لكم في رحلتكم لكسب ثقة تلاميذكم.

الصفات الشخصية الأساسية التي يجب أن تمتلكها بصفتك معلماً:

بدايةً وقبل الحديث عن الصفات التي يجب أن يمتلكها المعلم والسلوكات والممارسات التي يجب أن يقوم بها حتى يكسب ثقة تلاميذه، لا بد أن نعرِّج بشيء من الاختصار على الصفات الشخصية الأساسية التي يجب أن يمتلكها المعلم عموماً، والتي تشكل الأساس المتين له، ودونها ستزداد رحلته إلى قلوب طلابه صعوبة إن لم نقل إنَّها قد تفشل، وهذه العناصر هي:

  • سلامة الحواس.
  • الثبات الانفعالي.
  • الصحة النفسية.
  • الميل الصادق نحو مهنة التعليم، فمن المفروض أن تختار مهنة التعليم لأنَّك مؤمن بنبل هذه الرسالة وعظمتها، وللأسف فإنَّ تبعات دخول أشخاص غير مؤهلين وغير راغبين إلى هذه المهنة خطيرة جداً، وقد تصل إلى حدِّ التأثير في جيل بأكمله.

إن كنت ضعيفاً وشديد الحساسية وسريع الانفعال ودائم القلق والخوف، فعليك أن تحاول التغلب على هذه الصفات بأسرع وقت ممكن، فبها لن تصبح معلماً مميزاً ولن تصل إلى قلوب طلابك، ولأنَّ طبيعة عمل المعلم تفرض عليه التعامل مع أنماط مختلفة من التلاميذ؛ فهذا يحتِّم عليه أن يكون ذا شخصية متكاملة، ولتحقيق ذلك لا بد أن تتوفر فيه الشروط الآتية:

  • التمكن من المادة العلمية التي يقدمها.
  • الثقة بالنفس.
  • تقبل النقد.
  • سعة الصدر والمرونة العالية التي تؤهله للتعامل مع أنواع الشخصيات المختلفة.
  • بشوش ومرح ومُحب.
  • واقعي وبعيد عن المثالية المفرطة في تصرفاته.

يساعد توفر العوامل السابقة في المعلم على تيسير عمله وتسهيل وصوله إلى قلوب تلاميذه، وهذا ما يجعل من تعليماته وإرشاداته مقبولة ومسموعة من قِبل التلاميذ، فإن كنت معلماً جديداً فتأكد من توفر هذه الشروط لديك، وفي حال شعرت ببعض النقص في جانب معين عليك أن تعمل على تطويره بسرعة وقبل الدخول إلى غرفة الصف، وضع في بالك أنَّ لقاءك الأول مع تلاميذك بالغ الأهمية، ومن خلاله سيكوِّن التلاميذ نظرتهم المبدئية عنك، فابذل جهدك لترك انطباع جيد لديهم.

إقرأ أيضاً: 10 طرق يمكن للمعلمين اتّباعها لجعل التعليم أكثر متعة

كيف تترك انطباعاً جيداً عند تلاميذك في اللقاء الأول معهم؟

حتى تترك انطباعاً جيداً عند تلاميذك في اللقاء الأول معهم يمكنك اتباع النصائح الآتية:

  1. احرص بدايةً على تعريف التلاميذ بنفسك وأعطهم بعض المعلومات عنك، طبعاً ستختلف طبيعة هذه المعلومات حسب المرحلة العمرية للتلاميذ، فمن الممكن أن تخبرهم عن اختصاصك الجامعي وعن وضعك العائلي وغيرها من المعلومات البسيطة، والهدف من هذه الخطوة هو أن تتحول أمام تلاميذك من شخص مجهول لا يعرفون عنه شيئاً إلى شخص معروف، وهذا ما يقرِّبهم منك ويُشعرهم بالأمان.
  2. تعرَّف إلى أسماء التلاميذ فرداً فرداً بعد أن تقدِّم نفسك واطرح عليهم بعض الأسئلة عن أماكن سكنهم مثلاً وعن عدد إخوتهم، والهدف أيضاً من هذه الخطوة كسر الجليد كما يقال والسماح لكل تلميذ بالتعبير عن نفسه، وفي حال عرفت أسرة أحد التلاميذ يفضَّل عدم ذكر ذلك في الصف منعاً لإثارة الحساسية بين التلاميذ.
  3. لا تكن جدياً طوال الوقت، فقد يعتقد بعض المعلمين أنَّه من الأفضل التزام الجدية مع التلاميذ في اللقاء الأول، وحقيقةً ليس هذا بالخيار الصحيح لأنَّه سيترك أثراً سيئاً في نفوس بعض التلاميذ، وهذا يجبرك فيما بعد على بذل جهد إضافي لكسب ثقتهم من جديد؛ لذلك من الأفضل أن تزين وجهك في أول لقاء مع تلاميذك بابتسامة لطيفة تخفف عنهم توترهم وخاصةً إن كانوا صغاراً.
  4. لا تتجاهل التلاميذ، وبشكل أوضح لنفترض أنَّ أحد التلاميذ يبكي مطالباً بأحد والديه، ففي هذه الحالة لا يمكنك أبداً تجاهل بكاء الطفل أو القسوة عليه؛ بل عليك اتباع كل الطرائق الممكنة لكسب ثقته، فمن الممكن مثلاً أن توكله بمهمة أو أن تدعه يتكلم عن سبب بكائه أو تشاركه بنشاط جماعي.
  5. استغل اللقاء الأول لشرح القواعد العامة التي ستسير والطلاب عليها طيلة العام الدراسي، ومن الأفضل أن تضعها بمشاركة التلاميذ ليشعروا منذ البداية بأهمية التشاركية وبأهمية آرائهم.
  6. ركز على نقطة هامة جداً أيضاً وهي أنَّك لست مجرد خازن للمعلومات؛ بل أنت نموذج وقدوة لكل تلميذ، وبذلك يجب على الجانب الأخلاقي من تكوينك الشخصي أن يسبق أي جانب آخر، فجزء كبير من سلوكات تلاميذك سيتشكل من خلالك ومن خلال ممارساتك وطرائق تعاملك معهم.

شاهد بالفديو: 8 صفات يتميّز بها المُعلم الناجح

أهم الممارسات التي يجب على المعلم القيام بها ليكسب ثقة تلاميذه:

يجب على المعلم أن يعمل بجهد لإنشاء بيئة تعليمية صحية لتلاميذه، وعليه أن يهيئ المواقف والظروف المساعدة على تنمية إمكاناتهم المختلفة وتطوير قدراتهم، وهذا لن يتحقق أبداً إن لم يشعر التلميذ بالأمان مع معلمه، فضع في بالك أنَّ نصف جهدك سيضيع إن لم تصل إلى قلوب تلاميذك وتكسب ثقتهم، وفيما يأتي سنعرض أهم الممارسات التي يجب على المعلم القيام بها ليكسب ثقة تلاميذه:

يحتاج التلميذ ليحقق النمو الأفضل من كل الجوانب إلى الحرية والضبط في الوقت نفسه، فإن تحول المعلم إلى مجرد قاضٍ يحمل قائمة من الممنوعات والعقوبات منتظراً أي خطأ من التلاميذ لينفِّذ حكمه عليهم، فسيتحول الصف إلى قاعة محكمة وسيصبح التلاميذ دائمي الخوف والقلق وغير قادرين على التفاعل والتواصل معه بشكل صحيح، وهنا قد يخطر في بال أي معلم أن يسأل "كيف أصنع هذا المزيج من الحرية والضبط؟". علينا بدايةً أن نضع في بالنا بصفتنا معلمين أنَّ الحرية الزائدة ستؤدي حتماً إلى الفوضى، لذلك يجب أن تكون هذه الحرية منظمة ومضبوطة ضمن مجموعة من القواعد التي تطبَّق على جميع التلاميذ داخل الغرفة الصفية، وهذه القواعد ستكون بمنزلة الحماية للتلميذ، فهو يعرف أنَّ له الحرية المطلقة للحركة ضمن هذه الحدود وفي حال تجاوز القاعدة سينال عقوبة بقدر تجاوزه، وهذا ما ينطبق على كل تلاميذ الصف دون تفريق بينهم لأي سبب كان، وتذكر دائماً أنَّ العدل بين التلاميذ أول باب عليك فتحه وأنت في طريقك لتكسب ثقة تلاميذك.

يجب على المعلم أن يتعهد طلابه بالعناية والرعاية من خلال تصرفاته وممارساته داخل الغرفة الصفية وخارجها، فمن الهام جداً أن يشعر التلميذ بالأمان بوجود معلمه، ومن الخطأ جداً أن يتحول المعلم إلى مصدر قلق وخوف من قِبل تلاميذه، فعندما يشعر التلميذ بهذا الأمان مع معلمه فلن يتردد أبداً باللجوء إليه إذا ما ارتكب خطأ ما.
لنفترض مثلاً أنَّ تلميذاً قد كسر النافذة في حصة الرياضة دون قصد، فمن الطبيعي في هذه الحالة أن يلجأ التلميذ إلى معلمه ويخبره بالحادثة دون خوف، أما في حال كان الخوف هو أساس العلاقة بين المعلم وتلميذه فسيخاف التلميذ ويختلق الأكاذيب ليدافع عن نفسه.

يجب ألا تخيِّب ظن تلميذك إذا لجأ إليك، فقد يمر التلميذ بظروف صعبة وقد يتعرض لبعض المشكلات في بيته أو في المدرسة، فيلجأ إليك، وهنا عليك أن تكون أهلاً لهذه الثقة فتكون خير ناصح ومرشد له وتعامله كأنَّه ابن لك، وهذا سينعكس بالتأكيد على العلاقة بينكما ويزيد من ثقته بك.

يجب على المعلم أيضاً أن يركز في كل ممارساته مع التلاميذ وسلوكاته معهم على تقبلهم كما هم ومعرفة حدود إمكاناتهم ومواطن قوَّتهم ونقاط ضعفهم، وعلى كل محاولة لتطويرهم وتحسينهم أن تكون مضبوطة ومنظمة بحيث تحقق نتائج حقيقية، وبذلك يعرف المعلم تماماً المهام التي سيوكلهم بها بشكل لا يضعف من ثقتهم بأنفسهم أو يحمِّلهم فوق طاقتهم فينفرون من المدرسة ومن المعلم.

يجب على المعلم أن يمثل بموقعه القيادة الديمقراطية في الصف، فهو بذلك سينتج أنماطاً سلوكية تتسم بالتعاون، فالتلميذ عندما يجد نفسه صاحب كلمة وقرار في أي موقف يجري داخل الصف سيحب تلقائياً المشاركة وسيميل إلى العمل الجماعي، كما أنَّه سيتعلم كيف يسمع آراء غيره وأفكارهم ويتقبلها؛ بل وحتى يشارك أصحابها في تحقيقها.
من جهة أخرى فإنَّ الطفل الموجود ضمن جو مدرسي متزمت، سيرفض أيَّة معلومة أو خبرة تُقدَّم له؛ وذلك لأنَّه سيشعر أنَّه مغيَّب ولا كلمة له وكل شيء مفروض عليه، وهذا ما يفقده الحماسة لتنفيذها.

يجب على المعلم عدم التنازل عن سلطته الأخلاقية تحت أي ظرف كان، وأيضاً عدم استخدام الذم الجارح أو التشهير أو الشتيمة أو العنف الجسدي، فمثل هذه الممارسات لا تُخسره ثقة التلميذ غير المهذب فقط؛ بل ستشوِّه صورته أمام جميع تلاميذه.
كما يجب على أسلوب العقاب أن يبقى ضمن إطاره التربوي التعليمي مهما حاول التلميذ استفزاز المعلم، فمن الخطأ أن يتحول العقاب لثأر شخصي؛ لأنَّ من شأن هذا أن يولد ردود فعل غير محسوبة النتائج كالانتقام مثلاً، فكم مرة سمعنا عن تلميذ تربص لمعلمه لينتقم منه بسبب إذلال الأخير له بالصف؟ وكم مرة سمعنا شخصاً يقول لم أتجاوز تلك الصفعة طوال حياتي؟
هنا يحضرني قول قرأته مرة في أحد المقالات التربوية؛ عندما سأل أحدهم من هو المعلم الانضباطي والنظامي، والإجابة كانت: "هو ذلك الفرد المربي الذي ينقل الأطفال من الرعب إلى الأمن"، فالتهذيب إذاً لا يعني عنفاً ولا قسوة غير مبررة؛ بل يجب أن ينطوي على جانب تربوي تصحيحي وتعليمي فقط.

يجب تعزيز اتصال حقيقي مع تلاميذك ولو خارج حدود المدرسة، فمن شأن هذا أن يعمق الود والثقة بينك وبينهم ويحول العلاقة إلى علاقة أبوية تعمل بها على إعطاء كل ما لديك لتلاميذك الذين أصبحوا مثل أبنائك، وفي المقابل يعمل التلاميذ بكل طاقتهم لإرضاء معلمهم لكسب المزيد من محبته.
في اليابان مثلاً ومن العادات التي ما زالت قائمة حتى اليوم على الرغم من التغيرات الكبيرة التي طالت المجتمع الياباني وأنظمته يحرص المعلم الياباني على زيارة تلاميذه في بيوتهم مرة في السنة، ويُعَدُّ هذا السلوك جزءاً من اعتقاد تربوي يقول إنَّ هذا التواصل من شأنه أن يجعل المعلم قادراً على فهم تلاميذه بشكل أكبر إذا عرف ظروفهم وطريقة حياتهم، وهنا يظهر جلياً أنَّ الهدف من التعليم ليس فقط سكب المعلومات في عقول التلاميذ؛ بل التعليم يجب أن يكون عملية بناء حقيقي للإنسان وعلى المعلم أن يدرك ذلك.

إقرأ أيضاً: 6 أشياء مهمة على كل مُعلم جديد أن يلتزم بها

في الختام:

يظهر واضحاً من خلال مقالنا هذا عمق الأثر الذي يحدثه المعلم في نفوس تلاميذه، وبذلك يجب أن تكون الغاية الأولى للمعلم جعل هذا الأثر إيجابياً قدر المستطاع، وهذا لن يتحقق إلا إذا تمكَّن المعلم من كسب ثقة ومحبة تلاميذه، فعلى المعلم أن يحب تلاميذه ويؤمن بقدراتهم وبحقهم بالحصول على التعليم بأفضل الطرائق، وعندها فقط يستطيع أن يعزز عملية الاتصال بينه وبينهم ويوجهها بشكل يُشعر التلميذ بالأمان الذي يحتاج إليه ليعبر عن نفسه بأفضل شكل.




مقالات مرتبطة