كيف أبني علاقة ثقة مع طفلي؟

اصطحبت طفلي في الأمس في زيارة إلى منزل جارتي، فأطفالنا في السن نفسه تقريباً، وهذا ما يوفر لهم فرصة للانسجام في اللعب، وقبل موعد العشاء اشترى الصغار من المتجر المجاور بعض الحلوى والمثلجات، وعندما عادوا طلبت جارتي من ابنها إعطاءها الحلوى التي اشتراها لتضعها جانباً في الثلاجة وتعيدها له بعد انتهائه من تناول العشاء، وهنا ضحكت كثيراً، فكيف لطفل أن يصدق كلام الأمهات هذا، وما كدت أفتح فمي لأسخر من كلماتها، حتى فاجأني الطفل بإعطائه لأمه كل ما كان بيده دون أي اعتراض أو مقاومة، ذُهلت، فسخرت جارتي من ذهولي وقالت: "استوعبي الصدمة، سأضع له العشاء وأعود إليكِ".



عندما عادت توسلت لها أن تفصح لي عن الخلطة السرية التي تجعل الطفل مطواعاً ومريحاً إلى هذا الحد، فما هو السحر؟ وما هو الدواء؟ وأين مصباح علاء الدين؟ فقالت وهي تعيد المثلجات إلى صغيرها: "إنَّها علاقة الثقة"، وبدأت تشرح لي كيف أبني علاقة ثقة مع طفلي، وهذا ما أنقله بدوري الآن لكم، فتفضلوا بالقراءة.

أهمية بناء علاقة ثقة مع الطفل:

عندما أخبرتني جارتي بالعبارة السحرية "علاقة ثقة"، قلت لها وما هو دور الثقة في تربية الطفل؟ وما هي أهمية بناء علاقة ثقة مع الطفل؟ فكان جوابها كالآتي:

1. تظهر أهمية بناء علاقة ثقة مع الطفل في رفع ثقة الطفل بنفسه، فعلاقة الثقة هي علاقة متبادلة؛ نثق في الطفل فيثق بنا، ونثق بالطفل فيثق بنفسه؛ لأنَّه يجد نفسه مسؤولاً وأهلاً للثقة.

قد يبدو فهم الأمر صعباً دون مثال؛ لذا أعطتني المثال الآتي: "إذا ما عرض عليك طفلك أن يأخذ الصحون من طاولة الطعام إلى المطبخ وأجبته لا أنت صغير والصحون الزجاجية ستنكسر إذا سقطت منك سيحاول طفلك الإلحاح وإقناعك، فإذا ما تشبثت بموقفك فسيتبنى طفلك معتقدك، وسيظن أنَّه غير أهل لهذه المسؤولية، ويخسر جزءاً من ثقته بنفسه، بينما لو امتثلت لرغبته وأعطيته صحناً بلاستيكياً في البداية، وبعد ذلك تدرجت في إعطائه الصحون الكبيرة أو الزجاجية، فإنَّه سيشعر بأنَّه كبير وأهل للثقة".

2. أهمية بناء علاقة ثقة مع الطفل تظهر في تخفيف حدة نوبات الغضب والبكاء، فكم مرة رأينا طفلاً يبكي في أول يوم له في الروضة ظناً منه بأنَّ أهله ذهبوا إلى شراء الحلوى له وسيعودون قريباً، فيمضي الوقت ولا يعودون، ويدخل المسكين في نوبات بكاء الخيبة والقلق الهستيرية.

أما في حال بناء علاقة ثقة مع الطفل، فلن يضطر الأهل إلى الكذب؛ بل يشرحون الأمر بكل صراحة، ويخبرون الطفل أنَّهم سيعودون إلى اصطحابه في الساعة الثانية ويوفون بوعدهم، ويخبرونه أنَّ ما سيأخذه في مرضه هو دواء مر قليلاً ولكنَّه سيساعده على الشفاء ولن يقولوا له هذا عصير، فيُصدم بمرارته.

3. تظهر أهمية بناء علاقة ثقة مع الطفل في رفع شعوره بالأمان، فهو يثق بأنَّ أمه ستذهب إلى عملها وتعود في الساعة الثانية، ويثق بأنَّه عندما ينادي "ماما" ستحضر على الفور عندما ينام في غرفته المستقلة، ويثق بأنَّ أمه ستعيد إليه الحلوى بعد العشاء، فلا يبكي كلما غاب أهله عن مرأى عينيه.

4. إنَّ أهمية بناء علاقة ثقة مع الطفل تتبدى في خلقها لعلاقة قوية ووطيدة بين المربي والطفل، فلا يخشى الطفل أن تفضح أمه سره إذا ما ائتمنها عليه، ولا يخاف أن تسيء فهمه إذا ما تحدث لها عن مشكلاته المدرسية أو شخص يتحرش به أو خطأ قام به عمداً أو بغير قصد.

إقرأ أيضاً: 12 طريقة لزيادة ثقة الطفل في نفسه

كيف أبني علاقة ثقة مع طفلي؟

لبناء علاقة ثقة مع الطفل يجب الالتزام ببعض الأمور، ومنها:

1. بناء الثقة يبدأ من اليوم الأول:

إنَّ بناء علاقة ثقة مع الطفل يبدأ من لحظة الولادة، فعندما يبكي الطفل الرضيع جائعاً وتنصت الأم لأقوال الجارات اللاتي يقلن لها: "إنَّه يتدلل، ليس جائعاً"، فإنَّ هذا التصرف هو أول تصدُّع في بنيان الثقة بين الأم والطفل، وإنَّ ترك الطفل يبكي ليلاً في غرفته المظلمة حتى يتعلم كيف ينام وحده هو مسمار آخر في نعش علاقة الثقة مع الطفل.

إذا ما أردنا أن نبني علاقة ثقة مع الطفل يجب أن نكون مصدر أمان له منذ يومه الأول، فكيف يثق بي طفلي إذا ما تركته وحيداً وقت حاجته إليَّ؟ أو إذا كنت أشي لوالده بأخطائه التي ائتمنني عليها؟ أو أسخر منه أمام الأقارب على موقف محرج مر به؟

2. الصبر:

إنَّ بناء علاقة ثقة مع الطفل يتطلب الكثير من الصبر، وخاصة إذا تم البدء بها مؤخراً، وعلى أي حال فإنَّ أي وقت هو لحظة مناسبة لاسترجاع ثقة الأبناء؛ لذا لا تيأسي واصبري، ففي أول مرة ستطلبين فيها من طفلك إعطاءك الحلوى لتعيديها إليه بعد العشاء سيحاول الرفض والمقاومة، فكوني هادئة، وإياك أن تنسي وعدك، وتصرفي حسب الاتفاق، واصبري على مقاومة الطفل المبدئية، وستحصلين على نتائج مذهلة بالتأكيد.

3. الصراحة:

كيف لنا أن نطلب من أبنائنا أن يكونوا صريحين معنا ونحن لسنا صريحين معهم؟ إنَّ بناء علاقة ثقة مع الطفل يتطلب صراحة تامة، فلا داعي لأن تقولي لطفلك إنَّك ذاهبة إلى الطبيب ليعطيكي حقنة كلما أردت الخروج برفقة صديقاتك أو إلى عملك، فأخبريه إلى أين أنت ذاهبة، وبرفقة من، واستشيريه في الملابس التي ستخرجين بها، وفي أي وقت ستعودين.

هذا المستوى من الصراحة يجب أن تبدئي العمل به منذ سن أصغر، كأن تقولي لطفلك الذي يلعب في غرفة الجلوس: "أنا في المطبخ، إذا أردت شيئاً تعال إليَّ"، ولا تستغلي انشغال طفلك للانسحاب فجأة إلى مكان بعيد، كأن تعطيه للمربية وتلهيه بلعبة وتخرجين أنت راكضة إلى عملك؛ وذلك لأنَّ بناء علاقة ثقة مع الطفل يحتاج إلى وقت طويل، ولكنَّ هدمها يكون في لحظة واحدة.

شاهد بالفديو: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه

4. الوضوح:

"افتح فمك ماما وخذ هذا العصير" يفتح الطفل فمه ببراءة، ثم يُصعق بالطعم المر للدواء الذي لطخ لسانه، فلا يقبل مرة أخرى بأي شيء تعطيه إياه أمه، أليس سلوكه منطقياً؟ إنَّ بناء علاقة ثقة مع الطفل ليس أمراً سهلاً، ويحتاج إلى الكثير من الشرح والخوض في التفاصيل.

قد تكون خدعة العصير أسهل بكثير من شرح دور الدواء في التخلص من الألم والمرض، ولكنَّ النتائج التي تترتب على الخيار الصعب من بناء علاقة ثقة بين الطفل والأم وإدراك الطفل لمفاهيم جديدة واكتساب مهارات التفكير المنطقي تستحق فعل هذه الشروحات والتوضيحات.

5. الصدق:

إنَّ الصدق سلوك هام في بناء علاقة ثقة مع الطفل، فإذا ما وعدت طفلك بإحضار كرة له في الصباح، فلا تنكصي وعدك أو تتناسيه، فالأطفال لا ينسون أبداً ما يتوقون إليه، وفي حال نسي طفلك ما طلب منك ولكنَّك التزمت بوعدك ووفيت به، فسوف تتعزز أواصر الثقة بينكما، وتصبح أكثر صلابة ومتانة.

6. الأمان:

عند حاجة طفلك إلى زيارة الطبيب (هذه الزيارة التي يكرهها جميع الأطفال) لا تخبريه بأنَّكما خارجان في نزهة، وتتركي له مشاعر الصدمة وهو في قاعة الانتظار في عيادة الطبيب؛ بل أخبري طفلك بأنَّكما ذاهبان إلى الطبيب، وأنَّه سوف يفحصه للاطمئنان عليه وكافة تفاصيل المعاينة أو المواقف التي سيمر بها، كالاجتماعات العائلية أو الروضة أو فحص الأسنان، فمن الهام جداً أن يكون طفلك على اطلاع مسبق بما سيجري له؛ لأنَّ هذا يُشعره بالأمان ويعزز أواصر الثقة بينكما.

7. الاحترام:

لا يمكن بناء علاقة ثقة مع الطفل دون أن يتم احترامه، فنحن البالغون لن نحترم شخصاً يعنفنا أو يضربنا أو يهددنا أو يقمع آراءنا، والأطفال كذلك؛ لذا فإنَّ احترام الطفل وتقدير شخصيته والإنصات لرأيه وترك الخيار له بما يتعلق بأموره الشخصية وبعض الأمور العائلية خطوة هامة على صعيد بناء علاقة ثقة مع الطفل، كما أنَّ الاعتذار للطفل عند الخطأ بحقه، والابتعاد عن لومه وتعنيفه يصبان أيضاً في بناء علاقة متينة من الثقة مع الطفل.

إقرأ أيضاً: 5 قواعد مهمة في التربية لزيادة ثقة الطفل بنفسه

8. المدح:

يحب الأطفال المدح كثيراً، وهو يساهم في بناء علاقة ثقة مع الطفل، فإذا ما كان الموعد الدوري لفحص الأسنان الخاص بطفلك وأبلى صغيرك سلوكاً جيداً في المعاينة وامتثل لطلبات الطبيب، فامدحي سلوكه الناضج هذا وأثني عليه بفخر، وتحدثي عن تصرفه الحسن أمام العائلة، فإنَّ هذه التصرفات من شأنها أن تعزز علاقة الثقة بينكما.

9. السماح:

في مرات كثيرة يكون فضول الطفل أكبر من قدرته على الانضباط والتحكم بسلوكه فيخطئ، وهنا يكون دور المربي الواعي في تقبُّل طفولته ومسامحته على أخطائه وعدم التعامل معه بوصفه نداً، وإذا ما رجوت طفلك ألا يلعب بالكرة داخل المنزل ولم يستطع كبح نفسه مرة عن ضربها فتسبب بكسر مزهريتك العزيزة، فإياك أن تبدئي سمفونية "ألم أحذرك من لعب الكرة في الداخل؟ ألم أنبهك من كسر المزهريات؟"؛ بل قولي بصوت هادئ وحازم: "أعرف أنَّك لم تقصد ذلك، وأعرف أنَّك لن تكررها ثانية" لتبني علاقة ثقة مع طفلك مليئة بالحب والتسامح.

في الختام:

باتباع الخطوات المذكورة آنفاً يمكننا بناء علاقة ثقة مع أطفالنا، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم أيضاً.




مقالات مرتبطة