كن نسراً، كن أنت التغيير الذي تنشده في هذا العالم

استوقفتنا حكمة النسر الجميلة، وفلسفته في الحياة التي تعدُّ رمزاً للبطولات والتَّغيير المنشود، ودرساً في الحياة وعِبَرٌ من حيث الأمل والإصرار والنَّجاح. فهو مَلِكُ الهواء، مذهلٌ وفخور بنفسه. يُسيطر على الفضاء الرّحب الواسع، ويتميّز بأجنحته الطويلة وعيونه الحادة الثاقبة، ومخالبه القوية ومنقاره الحاد، ولا يرضى إلا بالقمم الشامخات. هل تأمّلت النّسر يوماً؟ وهل سألت نفسك كم سنةً يعيش؟ وكيف يحافظ على هذه السمعة خلال دورة حياته؟ وكيف يصل إلى ما وصل إليه؟ "لكلّ شيء مسبباته، فلا شيء يحدث من دون سبب".



قصة النسر في سبيل وصوله إلى التغيير المنشود:

يعيش النسر-وفقاً لعلماء الطيور- حياةً طويلةً تصل إلى 70 عاماً، ولكن كيف له ذلك؟

لكي يبلغ هذا العمر، يُضطر إلى اتخاذِ قرارٍ صعبٍ وغريبٍ وقاسٍ ومؤلم، بالنسبة إلى طائر يجد نفسه وقد شارف على بلوغ سنِّ الأربعين؛ إذ يُصبح حينها كالكهل: فتضعُفُ مخالبه، ويعجز عن الإمساك بالفريسة، ويصبح منقاره القوي الحاد معقوفاً شديد الانحناء. وتثقل أجنحته بثقلِ وزنِ ريشها، وتلتصق بالصدر، ويُضحِيَ الطيران أمراً في غاية الصعوبة بالنسبة إليه. يحدث ذلك بسبب تقدمه في العمر، فإذا به يصير عبئاً على نفسه، ويضيق عليه الفضاء الرحب ليُصبِح أشبهَ بثقب إبرة.

تضع هذه الظروف النسر أمام خيارين اثنين أحلاهما مُرّ:

  1. إمّا أن يستسلم للموت عاجزاً محبطاً.
  2. أو أن يُخضِعَ نفسه لعمليّة تغييرٍ مؤلمةٍ جداً، تستمر لخمسة أشهر (150 يوماً).

ليجعله جبروته واعتزازه ونظرته إلى نفسه بأنَّ مكانه القمم؛ يغادر ليتخذ القرار الأصعب والمؤلم: وهو (عملية التغيير). حيثُ يتطلّب الأمر منه التحليق بعيداً إلى قمّة جبلٍ يستقرّ فيها ماكثاً في عِشّه! وهناك يبدأ عملية التغيير المنشود.

ويحها تلك البدايات!! وأيُّ بداية أقسى من تلك التي تؤدي إلى الألم والجوع والهلاك والعدم!

يضرب النَّسرُ منقاره بشدة على صخرة قاسية حتى ينكسر، متحملاً ألماً لا يطاق، ليتوجب عليه حينئذٍ التريث إلى أن ينمو منقاره مجدداً. ويقوم كذلك بكسر مخالبه، وينتظر حتى تنموَ من جديد. ثم يبدأ في نتف ريشه القديم الواهن حتى ينتهي منه تماماً، ليبدو عارياً كالفرخ الصغير المولود حديثاً. إنَّه يغيّر نفسه بالكامل، يا لها من عمليّةٍ شاقّةٍ حقاً!

وبعد هذه المعاناة الشاقة لمدة خمسة أشهر، تعود حيويته كما كانت، ويحلق في السماء في رحلته الجديدة، وكأنَّه ولد من جديدٍ قويّاً مُعَافَى، ليعيش من بعدها 30 عاماً.

هذا هو النّسر! وهذا قراره! فأين أنت من النسر؟

لا يتطلب الأمر منك أن تتّخذ قراراً مؤلماً قاسياً مثل الذي اتخذه النسر؛ وإنَّما أن تتعلّم منه، وتتخذ قراراتٍ بسيطةً سهلةً مُيَسَّرَةً توصلك إلى القمم الشامخات.

ومضة:

من خلف قضبان المشكلات والعقبات والضغوطات، هناك من يتّجه ببصره إلى وحل الطريق ووحشته، وينظر إلى نجوم السماء واتساع الأفق، فيتخذها بداية الحياة؛ عكسِ كثيرين يجدونها نهاية العالم، ويعتبرونها عواصف ورياح تُلقيهم أرضاً؛ فيهابونها.

في رأي أغلبية خبراء النجاح، الأهم فيما يحدث معك هو: كيف تفسر هذا الحدث؟

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم عن التغيير وأهميته

الوصفة الخماسية:

سنهديك وصفةً خماسيّةً نحو التغيير، تساعدك على تنسُّمِ نسائم الأمل، وتعملُ على إيقاف سُبُلِ الهمّ؛ وتُحَلّقُ بك في فضاءات التَّغيير نحو القمم. فتأملها بهدوء؛ لعل إحدى نقاطها هي ما تَنْتَظِر:

1. التقبُّل:

لنتقبل ما يحدث معنا، ومن ثم نبحث عن الخير فيما حدث؛ فالتقبل لا يعني الاستسلام، وإنَّما النهوض بالحياة وتحسين ما يمكن القيام به، فلا نُفسِحُ بذلك مجالاً لليأس والقلق لكي يدخل إلى حياتنا.

فكن نسراً: فالنسور تتقبّل ما يحدث لها في سن الأربعين، ولا تستسلم أو تيأس؛ وإنَّما تبحث عما يمكنها تحسينه لكي تنهض للحياة مجدداً.

2. المبادرة:

عندما تخاف من شيءٍ، فبادر إليه؛ فإنَّ أغلب ما يُخشى، نكتشف أنَّه لا يوجد ما يستدعي الخوف منه. وإنَّ ما تُكابده في الترقُّب أصعب بكثيرٍ مما قد تعانيه حقيقةً.

فكن نسراً: فالنسور لا تهاب العواصف والغيوم، فوجود ذلك الطقس يحفزها ويدفعها إلى الطيران. فمن يستثمر الحدث لصالحه، ويُقدِمَ على عملٍ شجاعٍ مثل هذا؛ حريٌّ به ألا يهاب عواصف الحياة.

3. عدم تعقيد الحياة، وأخذُ فترة نقاهة:

نحتاج بين الحين والآخر أن نراجع أنفسنا وعاداتنا وقناعاتنا، ونقبل الواقع المفروض ونترك العنان لمواهبنا لكي تُحَوِّلَ محنتنا إلى مِنْحَة، والكَدَرَ إلى ورود ورياحين. ونحتاج أيضاً إلى قليلٍ من العزلة والهدوء لنتجدّد، لعلنا بذلك نتَّخِذَ القرار الصائب، ونتخلّى عن بعض الأمور غير اللائقة.

فكن نسراً: فالنسور تعزل نفسها كي تولد من جديد.

4. المرونة والاستعداد للتغيير:

لنكن على أهُبَّة الاستعداد للتغيير ومواجهة المصائب والمشاق، فهي قادمةٌ إلى حياتنا لا مَحَالَة، لكنَّها هي التي تصنع العظماء. قد تؤلمنا النتائج، ولكنَّ المواجهة تُعَلِّمُنا أن نكون أقوى، فالمهم أن نُحوّل خسائرنا إلى مكاسب، وهذا يتطلب ذكاءً مثل ذكاء النسر. فَكّر بمرونةٍ واخرُج خارج الصندوق، وتمعَّن بالبدائل ولا تُبقِي نفسك في صندوقٍ ضيّق.

وكن نسراً: فالنسور تتأقلم مع أعتى الرياح شدةّ.

5. حسنُ انتقاء الأصدقاء:

يؤثِّر الأصدقاء في مستقبلنا. لذا يتعيَّنُ علينا اختيارهم بمنتهى الدقة والحذر؛ فنحن نقضي معهم معظم أوقاتنا. يتوجّب علينا أن نتفحّص شبكة علاقاتنا كلها، ونفكّر في طريقة تأثيرها في حياتنا. ألقِ نظرةً مُتَفَحّصَةً على من يحيطون بك، وتأكّد من أنَّك تحيا في محيطٍ مناسب، والتصِق بالإيجابيين المنجِزين المنضبِطين، فهم خيرُ مُعينٍ لك.

فكن نسراً، ولا تصاحب الغربان: فالنسور لا تصاحب إلا نسراً قوياً مثلها.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لإحداث تغيير مذهل في حياتك بشكلٍ فوري

أخيراً:

تَقَبَّل ما يحدث معك دوماً، واصنع الفارق في أوقات الأزمات. وارسم اللوحات المشرقة بالمبادرة والاستثمار دون ترقّب. وحوِّل الألم إلى أمل، والمِحنة إلى مِنحة، وانسجم وتناغم مع المتغيرات خصوصاً، ومع الحياة عموماً. واستعن -بعد الله- بشخصٍ إيجابيّ، وتَذَكَّر أنَّ البشر بتوجههم العقلي، إما يصنعون الأمل لأنفسهم، أو يصنعون اليأس.

كن نسراً: امضِ في طريقك ولا تقبل إلا بالقمم الشامخات مسكناً.




مقالات مرتبطة