كل ما تريد معرفته عن الصلع الوراثي
حدث أن ذهب قريبٌ لي إلى منزل جدتنا وهو يتباهى بتسريحة شعره الكثيف المتموج، وسرعان ما صُعق بكلام الجدة عن التشابه الكبير بين شعره وشعر خاله عندما كان في مثل سنه، فلم يصدِّق كلامها حتى أتت له بصورة قديمة للخال الأصلع الآن من الأمام حتى المنتصف الذي كان في صورة التخرج من الجامعة ينتصب بشعر كثيف متموج.
لم يكن حالنا أنا وإخوتي أفضل منه، فلطالما حدَّثتنا أمي ذات الشعر الخفيف الضعيف كثير الفراغات عن شعرها الغزير في زمان منصرم، حين كانت والدتها تضفره لها ضفيرة ثخينة لا تستطيع الإحاطة بها بين إبهامها وسبابتها المتقوستين، وبالطبع لم نكن لنصدِّق لولا أن أرتنا صورة لها في الشباب، فتلمَّسنا رؤوسنا جميعاً ودخلنا في كابوس الجينات والصلع الوراثي، فتابعوا معنا في هذا المقال عن كل ما تريدون معرفته عن الصلع الوراثي.
ما هو الصلع الوراثي؟
الصلع الوراثي هو فقدان الشعر المنتقل عبر الجينات من جيل إلى آخر، وهو حالة تصيب الرجال والنساء، ولكنَّ إصابة الرجال بها تكون أكثر، فمن بين كل خمسة رجال يصابون بالصلع الوراثي تصاب ثلاث نساء به.
يعاني الرجال من الصلع الوراثي الذي يكون على شكل فقدان شعر خط الرأس الأمامي بشكل كلي أو شبه كلي، ومن ثم تراجع هذا الخط، وهذا ما نسميه (الصلع الذكوري)، وهو يختلف عن (الصلع الأنثوي) الذي يكون على شكل فقدان الشعر في مناطق متفرقة وبشكل جزئي وتحديداً في قمة الرأس أو التاج مع بقاء وجود خط الشعر الأمامي.
لقد توصَّلت أحدث الدراسات في هذا المجال إلى عدم وجود علاج كلي لفقدان الشعر الوراثي الطبيعي؛ بل إنَّ التدخل الذي يمكن إجراؤه يتسبب في إبطاء تساقط الشعر أو وقفه، وهذا يجعل العلاج المبكر للصلع الوراثي هو الأنجع والأكثر فائدة في منع تساقط الشعر.
في حالة الصلع الذكوري أو فقدان الشعر الوراثي عند الرجال، فإنَّ حالة تساقط الشعر تبدأ من سن الثلاثين تقريباً، ويمكن أن تبدأ في أي وقت أبكر من ذلك بعد سن البلوغ، وإنَّ الصلع الذكوري المعروف باسم صلع نمط الذكور ناتج عن تحوُّل هرمون التستوستيرون إلى هرمون آخر في فروة الرأس، وهذا الهرمون الجديد يدعى بالهيدروكسيستوستيرون، وهذه حالة وراثية تفسر 99% من أسباب فقدان الشعر عن الرجال.
كما تؤدي الوراثة أيضاً دوراً في تحديد سرعة تساقط الشعر أو بطئه، والنمط الذي يتساقط فيه أيضاً، ولقد أشرنا إلى أنَّ هذه الحالة تصيب النساء كذلك، ولكنَّها تكون في نمط مختلف.
إنَّ الصلع الوراثي عند النساء أو الصلع الأنثوي ليس حالة تبدأ بعد انقطاع الطمث عند المرأة؛ بل تبدأ قبل ذلك، وفي حالة تساقط الشعر عند الإناث يكون الشعر متفرقاً في منطقة التاج التي هي الجزء العلوي من الرأس، مع المحافظة على الخط الأمامي للشعر.
كما ذكرنا فإنَّ انقطاع الطمث ليس إشارة إلى انطلاق حدوثه؛ بل يمكن أن يبدأ بعد سن الثلاثين، ويصبح التساقط ملحوظاً في الأربعين، ويزداد وضوحاً بعد انقطاع الطمث، وهذا يجعل الكثيرين يظنون بأنَّه حالة مرتبطة بانقطاع الطمث أو ما يسمى سن اليأس عند النساء، وعموماً فإنَّه في مراحل متقدمة من عمر المرأة وتحديداً عمر الخمسين مثلاً تشهد نصف النساء تغيرات على كثافة شعرهن وانخفاضاً ملحوظاً في غزارته.
أسباب الصلع الوراثي:
كما يبدو من اسمه فإنَّ الصلع الوراثي ينتقل إلى الشخص بالوراثة عبر الجينات؛ إذ تتحكم العوامل الوراثية بكثير من التفاصيل المتعلقة بالصلع الوراثي مثل العمر الذي يبدأ به تساقط الشعر، وسرعة التساقط والوقت اللازم لفقدان الشعر، إضافة إلى نمط تساقط الشعر ومداه، وإنَّ احتمال إصابة الإنسان بالصلع الوراثي تتزايد فيما إذا كان لديه أقرباء يعانون من تساقط الشعر.
تسود شائعات تربط أسباب الصلع الوراثي بمورثات من جانب الأم، ولكنَّها معلومات غير دقيقة، فمورثات الصلع الوراثي ترجع إلى مزيج فريد من الوالدين معاً؛ إذ إنَّ هناك نحو 200 جين مختلف يتعلق بنمو الشعر وتنظيم ذلك.
من أسباب الصلع الوراثي عند الرجال أو الصلع الذكوري نذكر زيادة مجموعة هرمونات معروفة باسم الأندروجينات، وعلى وجه الدقة هرمون (DHT) ديهدروتستوستيرون الذي تسبب المستويات العالية منه بتقليص بصيلات الشعر وتقليص دورة نمو الشعر، وهذا يؤدي بدوره إلى ترقق الشعر وتقليل كثافته.
إنَّ الصلع الوراثي لا يحدث فجأة كما ذكرنا؛ بل يمر عبر سلسلة من المراحل تُحدث تغيراً في دورة الشعر، ففي البداية تصغر بصيلات الشعر، ويقل نمو الشعرة فيصبح نموها أقصر، كما يصبح تساقط الشعرة أسرع، وهذا يجعل الشعر يرق ويضعف وتقل كثافته ويتغير لونه ويصبح معدوم اللون.
أعراض الصلع الوراثي:
فيما يأتي أعراض الصلع الوراثي، وهي مجموعة العلامات التي تظهر وتدل على أنَّ هذه الحالة هي صلع وراثي:
- إنَّ أعراض الصلع الوراثي التي تظهر عند الذكور تبدأ بترقق تدريجي في خط الشعر الأمامي، ويكون نمط التساقط على شكل حرف (M)؛ إذ يتحول شكل خط الشعر في أعلى ومقدمة فروة الرأس إلى هذا الشكل، مع انحسار في خط الشعر، ويلي ذلك خلو الرأس من الشعر في بقعة صغيرة تمتد للتحول نحو صلع في تاج الرأس.
- أما أعراض الصلع الوراثي عند النساء فهي مختلفة عن أعراض الصلع الوراثي عند الرجال، فهنَّ نادراً ما يصبن بالبقع الصلعاء؛ بل تظهر إصاباتهن بالصلع الوراثي في معظم الأحيان على شكل ترقق في الشعر وتناقص في كثافته.
كيف يتم تشخيص الصلع الوراثي؟
يتم تشخيص الصلع الوراثي من قِبل الطبيب الذي غالباً ما يستهل حديثه مع المريض بسؤاله عن تاريخه الطبي وتاريخ عائلته المَرَضي، كما يمكن أن يقوم الطبيب ببعض الاختبارات من أجل تشخيص الصلع الوراثي بشكل دقيق، ومن أهم هذه الاختبارات:
1. اختبار الدم:
يُستخدم اختبار الدم من أجل الكشف عن حالات طبية تتعلق بتساقط الشعر.
2. اختبار سحب الشعر:
هو إجراء يُستخدم في تشخيص الصلع الوراثي؛ إذ يقوم الطبيب بمحاولة سحب شعيرات عدة (خصلة صغيرة) من رأس المريض ليرى كم سيخرج من الشعر، وهذا يساعده على تحديد المرحلة التي وصل إليها الصلع.
3. خزعة فروة الرأس:
هي إجراء آخر من إجراءات تشخيص الصلع الوراثي، وفيه يقوم الطبيب بكشط عينات من جلد الرأس لفحصها، أو يقوم بانتزاع بضع شعرات من فروة الرأس من أجل فحص جذورها، ويفيد هذا الإجراء في تحديد سبب تساقط الشعر.
4. المجهر الضوئي:
تُستخدم أداة المجهر الضوئي في تشخيص الصلع الوراثي؛ إذ يقوم الطبيب باستخدام أداة خاصة من أجل فحص الشعر المشذب في قواعده، كما يقوم باستخدام الفحص المجهري من أجل الكشف على جذع الشعرة ومعرفة الاضطرابات المحتملة فيها.
شاهد بالفيديو: هل تعاني من الصلع وتساقط الشعر
علاج الصلع الوراثي:
توجد عدة طرائق يتم اتباعها من أجل علاج الصلع الوراثي، وهناك بعض أنواع العلاج المخصصة لتساقط الشعر التي قد تكون فعالة في عكس عملية فقدان الشعر أو تخفيف سرعة تساقطه على أقل تقدير، وفي بعض الحالات - مثل حالة الثعلبة البقعية التي تسبب تساقط الشعر - يعود الشعر من تلقاء ذاته للنمو خلال عام ودون علاج، وبالعودة إلى علاج تساقط الشعر، فلدينا ثلاثة أنواع من العلاج؛ أولها العلاج الدوائي لتساقط الشعر، وثانيها العلاج الجراحي، وأخيراً العلاج الليزري لتعزيز نمو الشعر وإبطاء عملية تساقطه.
علاج تساقط الشعر دوائياً:
يمكن علاج تساقط الشعر دوائياً عبر استخدام المستحضرات الآتية:
- مينوكسيديل (روغين): وهو واحد من منتجات علاج الصلع الوراثي وعلاج تساقط الشعر الدوائية، ويمكن الحصول عليه دون وصفة طبية، كما يمكن استخدامه من قِبل النساء والرجال، ويكون المينوكسيديل على شكل رغوة أو سائل يقوم الشخص بفرك فروة رأسه به يومياً، مع مراعاة غسل اليدين بشكل جيد بعد التطبيق، لتبدأ النتائج الجيدة بالظهور على شكل بصيلات شعر، ويكون الشعر الجديد أشبه بالزغب؛ أي إنَّه أقصر وأرق من الشعر الذي كان موجوداً أساساً.
- فيناسترايد (بروبيكيا): وهو مستحضر آخر من مستحضرات علاج الصلع الوراثي وتساقط الشعر، وهو مخصص للرجال ويؤخذ عن طريق وصفة طبية حصراً على شكل حبوب، ولقد أشاد الرجال الذين تناولوا حبوب فيناسترايد بنتائجه، وأكدوا أنَّه عزز تباطؤ تساقط الشعر.
- دوتاسترايد: وهو أيضاً من العقاقير الفموية التي تؤخذ من أجل علاج الصلع الوراثي وتساقط الشعر للرجال.
- موانع الحمل الفموية والسبيرونولاكتون: هي أدوية من أجل علاج الصلع الوراثي وتساقط الشعر المخصصة للنساء.
علاج الصلع الوراثي جراحياً:
يتم علاج الصلع الوراثي جراحياً عن طريق عمليات زراعة الشعر التي يقوم فيها طبيب التجميل أو طبيب الجلدية بأخذ قطع صغيرة من فروة الرأس تحتوي على شعرة على الأقل أو شعيرات عدة، وذلك من الجزء الجانبي أو الخلفي، ليقوم بزراعة بصيلات هذه الشعيرات في المناطق الفارغة من الشعر أو الصلعاء، ثم يُنصح المصاب باستخدام المينوكسيديل بعد زراعة الشعر من أجل تقليل التساقط، وتجدر الإشارة إلى أنَّ الشخص قد يحتاج إلى جلسات عدة من زراعة الشعر ليصل إلى النتيجة التي يرغب بها.
علاج الصلع الوراثي بالليزر:
هي تقنية جديدة من تقنيات علاج الصلع الوراثي وتساقط الشعر أقرَّت بها إدارة الغذاء والدواء، فقد يتم استخدام جهاز ليزر بمستوى منخفض من أجل علاج فقدان الشعر الوراثي عند كل من الرجال والنساء، وأكدت الدراسات الحديثة فاعليته وقدرته على تعزيز كثافة الشعر.
في الختام:
إنَّ الصلع الوراثي هو حالة تساقط للشعر وفقدانه تصيب كلاً من الرجال والنساء، ويكون سببها الجينات المتوارثة المسؤولة عن نمو الشعر وتنظيمه، قد تبدأ في مرحلة الشباب ولكنَّها تتعزز في الشيخوخة، وهذا يجعلها حالة طبيعية لا تدعو إلى القلق، لكن يمكن للإنسان اللجوء إلى المتخصصين من أجل علاجها أو تخفيف سرعة انتشارها إذا ما كانت غير مقبولة بالنسبة إليه.