كل ما تحتاج إلى معرفته عن أنواع الذاكرة المختلفة والعوامل المؤثرة فيها

الذاكرة هي القدرة على تذكُّر الأشياء والأشخاص والأحداث، والذاكرة هي الشرط الأساسي لأي سلوك؛ إذ تتحكَّم بالسلوك الحالي والمستقبلي بناءً على تجربة الانطباعات والتجارب السابقة، وستقرأ في هذا المقال كل ما تحتاج إلى معرفته عن أنواع الذاكرة المختلفة (الذاكرة قصيرة وطويلة الأمد والذاكرة الدلالية وغير ذلك) والعوامل المؤثرة فيها.



ما هي أنواع الذاكرة؟

يمكن عَدُّ الذاكرة قرصاً إلكترونياً يمكن للبشر من خلاله تخزين المعلومات واستعادتها لاحقاً، وتنقسم الذاكرة إلى فئات مختلفة تتعلق بطول الفترة الزمنية التي يمكن من خلالها استدعاء محتويات الذاكرة.

1. الذاكرة القصيرة جداً:

غالباً ما يُشار إلى الذاكرة الفورية باسم الذاكرة القصيرة جداً أو الذاكرة الحسية التي يتم الاحتفاظ بمحتواها من بضعة أجزاء من الألف من الثانية إلى ثانيتين كحدٍّ أقصى، وهذه هي أقصر فترة زمنية تظل فيها المعلومات والأحاسيس حاضرة بالحد الأدنى لتمكين معالجة المعلومات الأولية.

على سبيل المثال ينتهي الأمر برقم هاتف جديد تسمعه ثم تدخله في الهاتف في ذاكرة قصيرة الأمد جداً (أو ذاكرة حسية)، والمعلومات التي تصل حديثاً تزيح المحتوى السابق بسرعة في الذاكرة الفورية، ويتم نقل جزء صغير فقط من المعلومات من الذاكرة الحسية إلى الذاكرة قصيرة الأمد.

2. الذاكرة قصيرة الأمد:

تسمح الذاكرة قصيرة الأمد بتخزين البيانات لمدة تتراوح من بضع ثوانٍ إلى بضع دقائق، على سبيل المثال يمكنك تذكُّر الرقم الذي تبحث عنه لفترة وجيزة قبل كتابته، وفي المرحلة الأولى بعد استيعاب محتويات الذاكرة في الذاكرة قصيرة الأمد لا يتم تخزينها بطريقة مستقرة.

على سبيل المثال يمكن أن يتسبب الارتجاج في حادث بفقدان الذاكرة من ثوانٍ إلى ساعات عدة قبل وقوع الحدث، والسبب هو أنَّ تخزينها كان فقط في الذاكرة قصيرة الأمد.

3. الذاكرة طويلة الأمد:

كل المعلومات الهامة التي تستحق الاحتفاظ بها والتي من شأنها أن تتسبب في "محو" الذاكرة قصيرة الأمد تُخزن في الذاكرة طويلة الأمد، وهذا الشكل من الذاكرة هو المقصود عموماً عندما نتحدث عن الذاكرة، ويختلف مدى الذاكرة طويلة الأمد اختلافاً كبيراً من شخص لآخر، فهي لا تشمل فقط المفردات النشطة للغة الأم؛ بل تضم جميع الذكريات والبيانات والحقائق والمعرفة المكتسبة والمفردات المكتسبة للغات الأجنبية؛ إذ يتم تخزين أي شيء نحتاجه على الأمد الطويل في حال التكرار أو المحتوى العاطفي القوي في الذاكرة طويلة الأمد.

شاهد بالفيديو: 7 طرق مثبتة لتقوية الذاكرة طويلة الأمد

ما هي أنواع الذاكرة طويلة الأمد؟

يشير الأطباء إلى الجزء الذي يخزن المحتوى الصريح؛ أي المحتوى الواعي القابل للاسترجاع لغوياً بوصفه ذاكرة تعريفية (ذاكرة صريحة)، وهي مقسمة كذلك إلى:

1. الذاكرة العرضية:

معرفة السيرة الذاتية؛ أي معرفة الذات والتجارب الشخصية.

2. الذاكرة الدلالية:

المدرسة أو المعرفة الواقعية حول العالم بصرف النظر عن تجربة الفرد.

3. الذاكرة غير التعريفية:

تسمى أيضاً الذاكرة الضمنية، وهي التي تخزن المحتوى الضمني وهي ليست في متناول الوعي مباشرة، ومن ثمَّ لا يمكن استدعاؤها شفهياً، وتشمل هذه على سبيل المثال المهارات المعقدة مثل قيادة السيارة أو ركوب الدراجات أو التزلج أو ربط الحذاء (الذاكرة الإجرائية).

كيف يختار الدماغ المعلومات التي تستحق التخزين؟

يصل نحو 10 ملايين إشارة من الأعضاء الحسية إلى دماغنا كل ثانية، لكن ليست جميعها تستحق التخزين والتذكر لاحقاً، ولهذا السبب يتم تخزين مجموعة مختارة من الإشارات التي تقسم الانطباعات إلى فئات مختلفة، ويتم التمييز أولاً بين الفئتين "معروف" و"غير معروف"، وبعد ذلك يقرر دماغنا ما إذا كانت الانطباعات أو الإشارات تستحق الحفظ والتذكر لتذكرها لاحقاً.

هل توجد في الدماغ بنية محددة لتخزين الذكريات؟

لا توجد بنية محددة بوضوح في الدماغ للذاكرة، لكن توجد شبكة من الخلايا العصبية التي تمتد عبر مناطق مختلفة من الدماغ تُعَدُّ المسؤولة عن الذاكرة، لذلك تنشط مناطق مختلفة من الدماغ في نفس الوقت في أثناء عمليات التذكر أو تخزين الذاكرة.

على سبيل المثال تُعَدُّ النوى القاعدية مسؤولة عن الذاكرة الإجرائية، أما اللوزة الدماغية والحصين هامان للذاكرة الدلالية والمحتوى العرضي، وتخزن اللوزة الذكريات العاطفية.

إقرأ أيضاً: ما هي عملية تعزيز الذاكرة؟ وكيف تساعدنا في جعل ذكرياتنا تدوم؟

الذاكرة طويلة الأمد، الهوية وتجارب الحياة:

الذاكرة طويلة الأمد هي تخزيننا لكل شيء اختبرناه حتى الآن وكل ما تعلمناه في الحياة؛ إذ يتم فيها تخزين الحقائق حول العالم (عاصمة ألمانيا هي برلين، القرود من الثدييات)، والأحداث واللحظات التي مررت بها بنفسك (القبلة الأولى، والدتك لا تحب الزيتون، الرحلة الأولى مع الأصدقاء) وكذلك حول المهارات والحركات المكتسبة مثل القدرة على ركوب الدراجة.

الذاكرة طويلة الأمد هي المدخل إلى تجارب كل شخص والمعرفة التي يكتسبها المرء على مدار حياته والقدرات والمهارات التي يتعلمها، وفيها يتم تخزين ذكرى القبلة الأولى بنفس الطريقة التي نُخزن بها قدراتنا على القيام بحركات معقدة مثل الشقلبة، ومن خلال الذاكرة لدينا هوية ونعرف من نحن ومن أين أتينا وما الذي جعلنا ما نحن عليه الآن.

ماذا تعرف عن الذاكرة التقريرية؟

تسمى الذاكرة التقريرية أيضاً الذاكرة الصريحة أو الواعية؛ وذلك لأنَّ المحتوى المخزن يمكن وصفه ويكون واضحاً؛ أي يمكن الوصول إليه بوعي، وهي مقسمة إلى ذاكرة عرضية وأخرى دلالية، ويوجد شيء واحد مشترك بينهما وهو الارتباط المرن للذكريات، على سبيل المثال ذكرى حفل الزفاف الخاص بك أو حفل الزفاف الذي كنت فيه، فإذا عُرضت لك صورة تخص الحدث فإنَّك تتعرف إلى الذكرى والتفاصيل بواسطة الذاكرة التقريرية.

ما هي الذاكرة العرضية؟

الذاكرة العرضية تخزن ذكريات تخص أحداث السيرة الذاتية، ويتضمن ذلك المواقف التي مررت بها بنفسك التي لديك مستوى عالٍ من المعرفة التفصيلية بشأنها ويمكنك تذكر معلومات عن الأماكن والأوقات، ففكر في حدث هام في حياتك ربما يمكنك أن تتذكر مكان حدوثه ومن كان هناك ومتى حدث تقريباً.

لكن توجد ذكريات تخص السيرة الذاتية لم يعد من الممكن تذكرها جيداً وخاصةً عند مواجهة مواقف متشابهة بشكل متكرر مثل ركن السيارة فربما لن تتذكر كل موقف أوقفت فيه سيارتك؛ وذلك لأنَّ التكرار وربما التشابه المصاحب له وكذلك الأهمية المنخفضة للعملية يضعف هذه الذكريات، ومع ذلك بمجرد إيقاف سيارتك ورؤية أحد المشاهير في موقف السيارات ستبرز هذه الذاكرة بالتأكيد من ذكريات وقوف السيارات الأخرى وستتذكر هذا الموقف جيداً.

ماذا تعرف عن الذاكرة الدلالية؟

يمكن أيضاً وصف محتويات الذاكرة الدلالية بالمعرفة الواقعية، وهذا يشمل معرفة المفاهيم والأشياء والحقائق، لذلك نحن نعلم أنَّ برلين هي عاصمة ألمانيا وأنَّ الموز الناضج لونه أصفر، وقد يتم تخزين الحقائق عادةً دون أطر، وهذا يعني أنَّنا لم نعد نعرف متى وأين تعلمنا هذا، وبالطبع يمكن أن تكون ثمة استثناءات، وعادةً ما يتطلب هذا النوع من المعرفة التكرار حتى يتم تخزين المعلومات، فإذا أردنا حفظ قائمة المفردات علينا تكرار الكلمات الفردية مرات عدة حتى نتذكرها، ومع ذلك ثمة استثناء هنا أيضاً، فإذا كانت إحدى المعلومات مثيرة للاهتمام أو هامة وخاصةً بالنسبة إلينا فقد نتذكرها حتى بعد تعلمها مرة واحدة.

ما هي العمليات الثلاث التي تساهم في تكوين الذاكرة؟

توجد ثلاث عمليات هامة تشارك في تكوين الذكريات:

1. الترميز:

الترميز أو التشفير هو ترجمة المعلومات من العالم الخارجي أو من الجسم إلى رمز عصبي حتى يتمكن الدماغ من قراءة هذه المعلومات، وهذا يعني أيضاً أنَّ المعلومات يتم تمثيلها في الذاكرة، لكن لا يتم تخزينها بشكل دائم.

2. التثبيت:

يشير التثبيت إلى العمليات الدماغية التي تؤدي إلى التخزين الدائم للمعلومات، وتتم تقوية الروابط بين الخلايا العصبية التي تعالج المعلومات التي تنتمي إلى الحلقة الذهنية؛ ونتيجة لذلك تتشكل شبكات من الخلايا العصبية التي تخزن المعلومات المنتمية إلى الذاكرة.

على سبيل المثال إذا تعلمنا المفردات وكررناها بعد ساعة وبعدها في اليوم التالي، يتم تقوية الروابط بين الخلايا العصبية المسؤولة عن معالجة هذه المعلومات، وفي حالة إضافة معلومات مماثلة يتم ربط الشبكات بين الذواكر العصبية المتشابهة.

3. الاسترجاع:

يمكن استرداد المعلومات المخزنة من الذاكرة بوعي أو بغير وعي، فإذا سئلت عن عاصمة فرنسا وكانت الإجابة "باريس" فهذا طلب واعٍ، وإذا كانت إشارة مثل صورة برج إيفل ستجعلك تفكر في باريس فهي عملية استرجاع غير واعية، وهذا يدل على أنَّ الارتباط بين صورة برج إيفل والعاصمة الفرنسية قوي للغاية.

إقرأ أيضاً: 13 حيلة بسيطة تساعدك على تذكر أي شيء بسهولة

ما هي العوامل المؤثرة في مراحل تكوين الذاكرة؟

تؤثر عمليات التشفير في الاحتفاظ بالمعلومات المكتسبة واسترجاعها، ويتم تخزين المعلومات بشكل أفضل عندما تكون ذات مغزى، فإذا قمنا بتضمين كلمة ما ليتم تعلمها في قصة فسيكون من السهل تذكرها لاحقاً.

يمكن ربط المعلومات الجديدة بالمعرفة التي تم تعلمها مسبقاً من أجل التمكن من استعادتها بسهولة أكبر، وخاصةً إذا قمت بدمجها مع المعرفة المتعلقة بالذات أو فكرت في معنى المعلومات التي يجب تعلمها، فهذا أكثر فاعلية من التكرار الببغائي.

إضافة إلى ذلك يتحسن الاسترجاع عندما تكون الشروط العامة للتعلم مشابهة لظروف الاسترجاع، وينطبق هذا على كل من السياق المادي مثل البيئة أو وضع الجسم وعلى الشكل الذي تظهر به المعلومات (الكلمات والصور وغيرها)، وهذه الظاهرة تسمى خصوصية الترميز.

في الختام:

بعد كل الأبحاث والدراسات التي جرت على ذاكرة الإنسان، إلا أنَّها تبقى مُغرقة في الغموض وما عُرف عنها أقل بكثير مما هو مجهول حتى هذه اللحظة؛ لذلك ما يزال الباحثون يجدون الكثير من المتعة في دراسة الذاكرة.




مقالات مرتبطة