قوة التأثير: التصورات هي الحقيقة

هل سبق لك أن شعرت بأنَّ الآخرين يسيئون فهمك؟ قد تشعر أنَّ زملاءك في العمل لا يفهمونك، أو أنَّك لا تتفق مع أصدقائك، وقد لا يفهمك الآخرون حقاً؛ لكنَّ السبب لا يعود لهم؛ بل لسلوكك على الأرجح، وسأوضِّح لك السبب.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، يشرح فيه حقيقة التصوُّرات بناءً على تجربته الشخصية.

تجربة شخصية:

عندما بدأتُ بالعمل منذ سنوات عدة لدى شركة أبحاث كبرى في مجال تكنولوجيا المعلومات في مدينة لندن، كانت تلك المرة الأولى التي أعمل فيها في مؤسسة تضمُّ آلاف الأشخاص، وفي الطابق الذي عملت فيه، كان هناك 200 شخص على الأرجح، وكانت هذه المرة الأولى بالنسبة إلي التي أكون فيها جزءاً من فريق كبير كهذا.

أحد أهم الدروس التي تعلمتها من مُشرِفي عن العمل في فرقٍ كبيرة، هو أنَّ الناس يحكمون عليك بناءً على تصورهم عنك، لكن يوجد غالباً فرقٌ بين التصور والواقع، أليس كذلك؟

على سبيل المثال خضع أحد أصدقائي مؤخراً لعملية تقييم مكثفة، تضمنت إجراء مقابلات عمل عدة والخضوع لتقييم لِجان عدة؛ وذلك من أجلِ عمل هام كان يرغب بشدة في الحصول عليه، خلال المرحلة الثانية وحتى الأخيرة من المقابلة، قدَّمت له اللجنة تغذية راجعة تتعلق بأدائه، تضمنت ملاحظاتٍ بأنَّه يتخذ موقفاً دفاعياً بعض الشيء عند تلقَّي تغذية راجعة من اللجنة، وبعبارةٍ أخرى، فهو لا يستمع إلى ملاحظاتهم.

أنا أعرف صديقي جيداً، فهو لا يدافع عن أخطائه، إنَّه شخص ذو مبادئ وقِيم عالية؛ لكنَّه غالباً ما يشعر بالحاجة إلى تبرير موقفه للجميع، وقد يُعطي هذا انطباعاً بأنَّه يدافع عن أخطائه، وقد سألني عن رأيي بقصته، واستناداً إلى تجربتي الشخصية، أخبرته بما قاله لي أحد المُشرفين: التصوُّر هو الحقيقة، تذكَّر ذلك جيداً.

إقرأ أيضاً: ملخّص كتاب كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس

اختصار الطُّرق:

لا أحد يهتم بنواياك الحقيقية، ليس لأنَّهم أنانيون أو قُساة القلوب؛ بل لأنَّهم ببساطة لا يملكون الوقت لإجراء تحليل نفسي لكلِّ شخص يقابلونه؛ لهذا السبب وُجدَ الاستدلال؛ إنَّنا نتخذ قراراتنا بطرائق مختصرة طوال الوقت، وإحدى الطرائق التي نعتمدها هي الحُكم على ما نراه.

قد لا يكون هذا أفضل أمر نفعله؛ لذا من الأفضل دائماً جمع مزيد من المعلومات قبل الحكم على شخصٍ ما؛ لكنَّ الحقيقة هي أنَّ الاستدلال يُجدي نفعاً، فهو يجعل حياتنا أسهل، وليس بوسعنا فعل شيء لتغيير ذلك.

شاهد بالفديو: فن التأثير في الآخرين

تغيير تصورات الناس:

قد تتساءل: "كيف يمكنني تغيير تصورات الآخرين؟"، والجواب يكمن في علم التأثير، فعندما أتحدث عن أهمية التأثير للناس، فإنَّهم يعتقدون في كثيرٍ من الأحيان أنَّه أمرٌ "مزيف"، وغالباً ما يقولون أموراً مثل: "لا أريد خداع الناس لأحقق النجاح"؛ لكنَّ علم التأثير لا علاقة له بالخداع أو بتكتيكات مزيفة كالتي يعتمد عليها التجار.

يركِّز الإقناع والتأثير على سؤالين مرتبطين ببعضهما:

  1. كيف يؤثِّر سلوكنا في سلوك الآخرين؟
  2. كيف يؤثِّر سلوك الآخرين في سلوكنا؟

على سبيل المثال، كنت أتصور أنَّ إحدى الأعضاء لا تكترث للعمل؛ لذا تحدثت معها عن الأمر، وعندها راودني شعور بأنَّ هذه حالة أخرى تُثبت أنَّ التصوُّر هو الحقيقة، وكان تصوُّري خاطئاً في الواقع.

شرحت لها عن أهمية التصورات وأعطيتها نصيحة عن التأثير تتعلق بأسلوب المحاكاة أو "خدعة المرآة" - وتعني تقليد لغة جسد الطرف الآخر بطريقةٍ ذكية دون أن يلاحظ ذلك - خدعةٌ يعلم عنها معظمنا؛ لكنَّ قليلاً منا يطبقها باستمرار.

عندما تُقلِّد لغة جسد شخص ما وكلماته، يشعر بأنَّك تستلطفه، ما يجعلك تلقائياً تُعجب بالشخص الآخر بالمقابل، وهكذا تنشأ بيننا روابط أقوى؛ لذا بدلاً من مجرد الجلوس دون حراك والنظر إلى شخص ما في أثناء المحادثة - ممَّا يجعل الناس يعتقدون أنَّك غير مبالٍ - استخدم لغة جسدك وكلماتك للتأثير في الآخرين، وأظهِر لهم أنَّك مهتمٌّ بالحديث، ولا علاقة لهذا بالخِداع؛ لأنَّ الآخرين يجهلون ما تُفكر به داخل دماغك، ويجب أن تساعدهم على معرفة ذلك بطريقةٍ ما.

نجاح مبادئ التأثير مرتبطٌ بمعرفة الآخرين بها:

لقد درست التأثير لأكثر من عقد، وألاحظ جيداً كيف يحاول الناس التأثير فييِّ، والأمر يُسعدني في معظم الأحيان، فهذا بالنسبة إلي دليل على أنَّهم يبذلون جهداً واعياً للعمل معي.

عليك فقط أن تحمي نفسك من ذوي النوايا السيئة؛ الأشخاص الذين يحاولون إقناعك بفعل أمورٍ لا ترغب فيها، ولحسن الحظ، فهذا لا يحدث كثيراً بصراحة، فما يحدث أكثر في عالمنا المترابط هو أنَّ الخُبثاء يحاولون دفعنا لتصديق أمور كاذبة أو معدومة الفائدة، ولقد شاهدنا جميعاً التقارير الإخبارية الزائفة، إنَّ هذه الظاهرة موجودة بالفعل في المجتمع، وتؤثِّر في سلوك الآخرين.

الطريقة الوحيدة لحماية نفسك من ذوي النوايا السيئة تكمن بمعرفة مزيد عن التأثير، فمجرد امتلاك وعي بكيفية محاولة الآخرين تغيير سلوكك ومعرفة بها سيساعدك على التفكير تفكيراً سليماً، ولست بحاجة إلى شهادة دكتوراه في التأثير، اقرأ فقط الكتاب الكلاسيكي لعالم النفس روبرت سيالديني (Robert Cialdini) بعنوان "التأثير" (Influence).

إقرأ أيضاً: وفقَاً لعلم النفس: ماذا يقول التواصل البصري عن شخصيتك؟

في الختام:

بصرف النظر عمَّا تفعله، ابدأ باعتماد عقلية التصور هو الحقيقة في حياتك الآن، وفي المرة القادمة التي تعتقد فيها زوجتك أنَّك كسول، قد تكون أنت من دفعها لتظن ذلك، وإذا اعتقد زملاؤك في العمل أنَّك لا تُرحِّب بالتغذية الراجعة، فربما لأنَّك أظهرت لهم أنَّك لا تتقبَّل التوجيهات.

ابحث في قرارة نفسِك، وغيّر سلوكك نحو الأفضل، وانتبه دائماً لكيفية تصوُّر الآخرين لك، خاصةً إذا كانت تجمعك مصالح مشتركة معهم.




مقالات مرتبطة