قوانين الإبداع في المنظمات

لطالما ارتبط مصطلح الإبداع بالمهن والهوايات والفنون، بينما نجده اليوم، وقد تبنّاه عالم الأعمال حول العالم في الشركات الكبرى، والتي ترعاه وتوفِّر له بيئةً خصبةً للنمو والانطلاق؛ فالرغبة بالإبداع ليست مجرَّد عقلية جيل الألفية أو حسنات الجيل الحالي، إنَّما الشعور بأنَّك جزءٌ من فريق عملٍ مبتكرٍ ومبدع، يتطلَّع إلى المستقبل بشغف، ويعترف بالإبداع الفردي المتأصل عبر الأجيال.



ووفقاً لهذا، ينطبق مصطلح الإبداع على كافة الأقسام والوظائف في مؤسسات اليوم، بما في ذلك العمليات، والتسويق، وتكنولوجيا المعلومات، والاستراتيجية، وغيرها.

يعلم القادة العظماء أنَّ الإبداع الجماعي والإبداع الفردي مُحرّكان رئيسان للابتكار في أيِّ منظمة. وبطبيعتهم، يحلم المبدعون باستمرارٍ ويتطلَّعون إلى تحقيق إنجازاتٍ كبيرة، فهم حريصون على العمل ويدفعونه قُدُماً بأنفسهم، وبتشجيع جميع من حولهم على ذلك؛ وهذا يضع آمالاً كبيرةً وتوقعاتٍ عاليةً على القائد، من أجل السماح بمساحةٍ كبيرة للتألق ومناقشة الأفكار التي تُطوَّر داخل المؤسسة عموماً، وبين الفرق العاملة خصوصاً.

هذا ليس سهلاً دائماً؛ فمن الناحية النظرية، يتطلَّع الجميع إلى العمل في بيئة تقدِّر الإبداع والابتكار في مكان العمل؛ ولكن في الواقع، لا يفهم الجميع كيفية الموازنة بين: الاستمرار في الإنجاز، والتعاون مع الآخرين، والدبلوماسية في التعامل، والحسم في المواقف التي تتطلَّب ذلك. في بيئة العمل المناسبة، يحق للموظفين -مهما كانت أدواررهم أو مستوياتهم الوظيفية- الحوار حول الإبداع، والمبادرة بتنفيذ الأفكار، وتحمُّل المخاطر المحيطة حوله، وتشجيع الإبداع والاحتفال به.

وفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن Hongkiat، تعدُّ غوغل (Google) من أقوى الشركات الداعمة للإبداع في مكان العمل، حيث تقوم بإنشاء برنامج يسمَّى "20٪"، يمنح مطوِّريها الإذن لقضاء 20٪ من ساعات عملهم في مشروعٍ إبداعيٍّ خاصٍّ بهم. لقد لاقت طريقة التفكير هذه استحسان الكثير، وشقَّت طريقها إلى العديد من أماكن العمل، ما منح الشركات أفكاراً واستراتيجياتٍ جديدةً لتنمية أعمالها.

سوف نتطرَّق إلى بيئة العمل في شركة غوغل مراراً وتكراراً في هذا المقال؛ فهي نموذجٌ مبتكرٌ متعدد الأوجه والاستراتيجيات، ولعلَّه السرّ في تصدُّرها السنوي المتكرر لأفضل بيئة عملٍ حول العالم.

إذ يجب ألَّا يغفل القائد في أثناء قيادته للمؤسسة عن قوانين رئيسةٍ للإبداع في عالم الأعمال، والتي تدفع بالإبداع إلى أقصاه في كلٍّ من فرق العمل والمؤسسات أو المنظمات، عبر مجموعةٍ من الممارسات والقوانين والتوصيات.

القاعدة الأولى: ليس الإبداع حدثاً، بل عملية

اكتشف ألكسندر فليمنج (Alexander Fleming) البنسلين في عام 1928، ولكن استُخدِم الدواء على نطاقٍ واسعٍ في عام 1943؛ فعملية تحويل الاكتشاف إلى منتجٍ أخذت 15 عاماً. وتوصَّل آلان تورينج إلى فكرة الكمبيوتر العالمي في عام 1936، ولكن لم يجرِ حتَّى عام 1946 بناء الكمبيوتر بالفعل، ولم تبدأ أجهزة الكمبيوتر بالتأثير في بيئة العمل حتَّى التسعينيات.

يميل بعض القادة إلى التفكير في الابتكار والإبداع على أنَّه ناشئٌ عن ومضة فكرٍ أو إلهام قلبٍ يلوح في ليلةٍ هادئة، لكنَّ الحقيقة هي أنَّ الإبداع عمليةٌ طويلة الأمد، وتشمل: دراسة المشكلة أو التحدي، والأفكار الأولية، وتجربة الحلول، وتوفير حلولٍ هندسيةٍ أو فنية، ثمَّ تحويل الحلول إلى منتجاتٍ قابلةٍ للتسويق أو البيع. وعادةً، لا يتحقق ذلك من قبل شخصٍ واحدٍ أو حتَّى داخل منظمةٍ واحدة.

توصيةٌ للقادة: لابدَّ من مراعاة ودعم بذرة الإبداع حتَّى تكبر وتثمر، وحينها فقط يمكنك جني النتائج الرائعة؛ لذا لا تبحث عن نتائج سريعةٍ وأرباحٍ مباشرةٍ للإبداع في مؤسستك.

القاعدة الثانية: الإبداع مزيجٌ من العلوم والمهارات المتكاملة

السبب في أنَّ فليمنج (Fleming) كان غير قادرٍ على تسويق البنسلين هو أنَّه عالم أحياءٍ متخصصٌ في مجاله ويفتقر إلى العديد من المهارات المطلوبة لتحويل الاكتشاف إلى منتجٍ يُسوَّق ويُباع بشكلٍ تجاري. فقد تطلَّب ذلك عقداً من الزمن بعد أن عالج الكيميائيان (هوارد فلوري وإرنست بوريس تشين) المشكلة، وتمكَّنوا من توليف البنسلين. وحتَّى ذلك الحين، استغرق الأمر الكثير من وقت وجهد الأشخاص ذوي الخبرة الإضافية في التخمير والتصنيع لتحويله إلى علاجٍ معجزةٍ نعرفه اليوم.

ليس هذا الاستثناء، وإنَّما القاعدة؛ فقد استعار داروين أفكار نظرية "الانتقاء الطبيعي" من كل من "توماس مالتوس" و"تشارلز لايل". وكذلك لم يتحقَّق اكتشاف واتسون وكريك للحمض النووي (DNA) عن طريق أبحاث المختبر فحسب، بل من خلال دمج الاكتشافات بعلم الأحياء والكيمياء والأشعة السينية. إذاً، لا يحدث الابتكار الكبير في مجالٍ واحدٍ من الخبرة، ولكنَّه دائماً ما يكون نتاجاً للتجميع عبر المجالات.

توصيةٌ للقادة: جمع العقول المبتكرة والتوليف بينها أهمُّ أسباب نجاح الإبداعات؛ فلا يحدث الإبداع من خلال التخصص في مجالٍ واحدٍ فحسب -مهما كان متمكَّناً فيه- بل بالمزج بين العلوم والمهارات.

إقرأ أيضاً: كيف تقتل الإبداع في مؤسستك؟

القاعدة الثالثة: ليس الإبداع نسيجاً واحداً

في كثيرٍ من الأحيان، نتعامل مع الإبداع والابتكار على أنَّه نسيجٌ واحدٌ متكرر، بمعنى: تُحَلُّ المشاكل نفسها بالطريقة نفسها باستمرار. ولكن هذا ليس هو الحال دائماً، فلا توجد حلولٌ فرديةٌ أو جاهزةٌ للتفكير الإبداعي، فقد يحدث الإبداع في المختبرات، والمعامل، وأرجاء المصانع، والجامعات، والكليات، وحتَّى المقاهي والحانات؛ إذ يبحث الناس دائماً عن طرائق أفضل للقيام بالأشياء.

لذا، نحن دائماً بحاجةٍ إلى طرح الأسئلة الصحيحة المناسبة للموضوع قيد البحث:

  1. ما هو تعريف المشكلة؟
  2. ما هو النطاق؟
  3. متى وقعت المشكلة؟
  4. ماذا الذي حدث قبل، وبعد المشكلة؟

وغيرها من الأسئلة.

بمجرَّد طرح أسئلة التأطير هذه، يمكنك البدء بتحديد طريقةٍ معقولةٍ للتعامل مع المشكلة باستخدام مصفوفة الابتكار، حيث من الواضح أنَّه لا توجد طريقةٌ واحدةٌ تكفي للتعامل مع كافة الابتكارات.

انظر إلى أيِّ مبتكرٍ رائع، سواءً كان "أبل" (Apple)، أو "تيسلا" (Tesla)، أو "جوجل" (Google)؛ وستجد مجموعةً من الاستراتيجيات.

لذا فإنَّ الخطوة الأولى نحو حلِّ مشكلةٍ صعبةٍ هي طرح الأسئلة التي تحتاجها لتحديد نهجك، كما قال الفيلسوف فولتير: "إذا كنت بحاجةٍ إلى حلِّ مشكلة، فقم أولاً بتحديد مصطلحاتك".

إليك مصفوفة الابتكارات، والتي وضع أول بذورها العالم الأمريكي "كلايتون كريستنسن" (Clayton Christensen):

مصفوفة الابتكارات، والتي وضع أول بذورها العالم الأمريكي كلايتون كريستنسن

توصيةٌ للقادة: ليس الإبداع كلُّه على مستوى واحد، ولا ينبغي أن تعامل كلَّ الإبداعات بالدرجة نفسها من الاهتمام والحماية والدعم؛ فقد يكون الاستثمار في بعضها مضيعةً لموارد المؤسسة.

القاعدة الرابعة: لا يرتبط الإبداع بحجم المنظمة

عندما يفكِّر معظم الناس في الابتكار والإبداع، فإنَّ كثيراً من التوجهات تتجه إلى الشركات الناشئة. وبالتأكيد، يمكن للشركات الجديدة مثل: (Uber)، و(Airbnb)، و(Netflix)؛ تغيير موازيين الأسواق، وقيادة الإبداع، وإحداث ما يسمَّى الإبداع المدمِّر. لكن إذا نظرنا إلى تاريخ الشركات العملاقة صاحبة الباع الطويل في الإبداع مثل: (IBM)، و(Procter)، و(Gamble)، و(3M)؛ فسنجد أنَّها تمكَّنت من الحفاظ على الصدارة لعقود، حتَّى مع صعود منافسين آخرين.

صحيحٌ أنَّ الشركات الصغيرة تمتلك من المرونة ما يمكِّنها من التحرُّك بسرعة، إلَّا أنَّ الشركات الكبيرة تتمتع برفاهية التأني والدراسة والمراجعة (Verification & Validation)، حيث أنَّ لديها عملاء مخلصين ووفرةٌ من الموارد المالية والبشرية، ويمكنها رؤية الماضي واستشراق المستقبل والاستثمار فيه على المدى الطويل. فهذه الشركات لديها حافزٌ طويل الأمد، من خلال التركيز على الأولويات والمنتجات الأعلى قيمةً وتأثيراً، وتطويرها باستمرارٍ جيلاً بعد جيل، ممَّا يُبقِيها في الصدارة (فيما يعرف "بالتطوير التدريجي" (Evolution Gradually))، ولمزيدٍ من المعلومات يمكنك الاطلاع على مقالنا بعنوان: "ما هي أدوات التفكير الإبداعي للقادة؟".

توصيةٌ للقادة: الإبداع ليس حكراً على مؤسسةٍ أو إدارةٍ أو فرد، سواءً كانت صغيرةً أم كبيرة؛ فالإبداع مِلكٌ لمن يبذل جهده ويثابر في تحقيق أحلامه، مع استعداده التام لدفع الثمن.

القاعدة الخامسة: الاستفادة من الخصوم قبل الشركاء

قد يبذل المبدع جهوداً كبيرةً في سبيل تحويل فكرته إلى منتج، ويأمل في ثناء الآخرين من حوله. ولكن، في الوقت نفسه، قد يجد أنَّ الكثير من الخصوم أو الشركاء يبحثون عن العيوب، بدلاً من تقديم وجبةٍ دسمةٍ من المدح والثناء.

كيف لي أن أحوِّل هذا النقد إلى قيمةٍ مضافةٍ، وأحقق غايتي من المنتج؟ وكيف تتعامل الشركات العالمية مع هكذا مشاكل؟

إليكم بعض الأمثلة: عندما أطلقت (Microsoft Kinect) أجهزة "إكس بوكس" (Xbox) في عام 2010، سرعان ما أصبح هذا المنتج الجهاز الترفيهي الأكثر مبيعاً على الإطلاق، حيث باع 8 ملايين جهازٍ في الشهرين الأولين فقط. وعلى الفور، بدأ المخترقون (الهاكرز) بتغيير قدراته للقيام بأشياء لم تكن تقصدها مايكروسوفت ( Microsoft) مطلقاً. فماذا فعلت مايكروسوفت (Microsoft)؟ بدلاً من أن تطلب منهم التوقف، وتهدِّد بالقضاء والمحاكمات؛ احتضنت المخترقين، وأطلقت بسرعةٍ مجموعة تطوير البرمجيات لمساعدتهم في تطوير المنتج بشكلٍ أفضل.

مثل مايكروسوفت (Microsoft)، تتبنَّى العديد من الشركات اليوم الابتكار المفتوح لتوسيع القدرات، حيث تفوقت (Cisco) على (Lucent) ليس من خلال تطوير التكنولوجيا نفسها، ولكن من خلال الاستحواذ على الشركات الناشئة بذكاء. ولقد حققت شركة (بروكتر أند غامبل) نجاحاً كبيراً من خلال برنامجها ومنصات الاتصال والتطوير مثل: (InnoCentive)، والتي تتيح للشركات الكشف عن المشاكل الشائكة لمجموعة مهاراتٍ أكثر تنوعاً. وكما كان الحال مع ألكسندر فليمنج والبنسلين، ستكتشف معظم الشركات أنَّ حلَّ أهمِّ مشاكلها يتطلَّب مهاراتٍ وخبرةً لا يمتلكونها. وهذا يعني أنَّه في مرحلةٍ ما، سيحتاجون إلى استخدام الشركاء والمنصات لتجاوز قدراتهم الداخلية الخاصَّة بالتكنولوجيا والمواهب.

توصيةٌ للقادة: تذكَّر قول الشاعر العباسي: "وشمائلٌ شهِد العدو بفضلها        والفضل ما شهدت به الأعداء"

استفد من الانتقادات الموجَّهة للإبداع في تحسينه، وخذ الحكمة من الآخرين، وطوِّر بها أفكارك والمنتجات، وبُثَّ هذه الروح الإيجابية في نفوس فريقك، وأشع الهدوء والطمأنينة في بيئة العمل؛ لتنعم بالإبداع.

القاعدة السادسة: تغيير نماذج العمل لمواكبة الإبداع

عندما أتقن تشيستر كارلسون اختراعه في عام 1938، حاول تسويقه لأكثر من 20 شركة، ولكن لم يقبل به أحدٌ نظراً لسعره الباهظ بالنسبة إلى السوق. أخيراً، في عام 1946، توصَّل جو ويلسون، رئيس شركة هالويد (Haloid)، إلى فكرة تأجير المكنات بدلاً من بيعها بالكامل. كانت الفكرة ناجعةً للغاية، وفي عام 1948 غيَّرت الشركة اسمها إلى (Xerox).

الشيء الصعب بشأن الابتكارات الثورية هو أنَّها نادراً ما تتناسب مع نماذج الأعمال الحالية، وبالتالي فإنَّ القيمة التي تنشئها ليست واضحةً على الفور، وتتطلَّب تغييراً قد يكون جذرياً في نموذج الأعمال (Business Model). ولنا في كوداك مثالٌ جيد، فقد كسبت كوداك المال عن طريق بيع الأفلام والتحميض الكيميائي في المعامل، والذي ظلَّ لعقودٍ النموذج المناسب لبيئة الأعمال في الشركة؛ لذلك كانت إدارة كوداك بطيئةً في اعتماد الكاميرات الرقمية التي اخترعتها الشركة نفسها؛ وإنَّ هذا التردد في احتضان الإبداع -الذي يتطلَّب تغييراً جذريَّاً في نموذج الأعمال- هو من تسبَّب بإفلاس الشركة. حدث الأمر نفسه مع شركة ياهو (Yahoo)، والتي كانت في مفاوضاتٍ مع شركة غوغل (Google) من أجل دعمها في بداية انطلاقتها.

توصيةٌ للقادة: احتضان الإبداع، لا يخص المنتجات التي يجب أن نبتكرها فحسب، بل ونماذج الأعمال أيضاً. وهنا تظهر المرونة الفكرية للقادة وقدرتهم على تقبُّل التغييرات المناسبة في بيئة العمل.

إقرأ أيضاً: ما هي أسرار فشل العمالقة في أمريكا واليابان وفنلندا؟

القاعدة السابعة: تطبيق قاعدة 70/20/10

فرضية القاعدة بسيطة: ركِّز بنسبة 70٪ على مواردك الحالية أو التكنولوجيا القائمة، و20٪ على الأسواق المجاورة أو المنتجات الثانوية، و10٪ على أسواقٍ جديدةٍ تماماً أو منتجاتٍ جديدةٍ تماماً، أو على الإبداع.

يعتقد الكثير من القادة أنَّ الإبداع يتطلَّب تجاهل القديم لإفساح المجال للجديد، وهذا التصوُّر فيه الكثير من الخطورة، حيث يقول كريس زوك في كتابه القيّم (Profit from the Core): "تدرك الشركات الذكية أنَّ الجزء الأكبر من أرباحها سيأتي من خطوط الأعمال الحالية، أي المنتجات الحالية في السوق".

على سبيل المثال: أنشأت غوغل وحدة (Google X) الخاصة بها؛ فهي تسعى سعياً حثيثاً إلى تحقيق ابتكاراتٍ جذرية، مثل: السيارات ذاتية القيادة، ومصاعد الفضاء، ومشاريع الروبوتات. ولكنَّ التحسين المستمرّ لأعمال البحث الأساسية (Google Search)، والخدمات التي تقدِّمها لعملائها حالياً؛ هو ما جعلها الشركة الأكثر قيمةً في العالم. لهذا السبب، تتبع Google، بالإضافة إلى العديد من الشركات المبتكرة الأخرى، قاعدة 70/20/10.

توصيةٌ للقادة: يجب ألَّا يكون دعمك للإبداع والابتكار على حساب خطوط الإنتاج الحالية والمنتجات، والتي هي من صميم قوام المؤسسة وتدرّ الربحية الأعلى. ليكن هناك توازنٌ بين ذلك وبين دعم الإبداع بحسب: قاعدة 70/20/10.

القاعدة الثامنة: التعاون هو الميزة التنافسية الجديدة

عندما ننظر إلى الوراء ونرى الابتكارات العظيمة في الماضي، يصعب ألَّا نتساءل: "كيف كان لها أن تسير بشكلٍ مختلف؟". مثلاً: في مرحلة اكتشاف البنسلين، ماذا لو حوَّل الكيميائيون اكتشاف فليمنج (Fleming) للبنسلين إلى منتجٍ قابلٍ للتداول في غضون أسابيع بدلاً من كلِّ تلك السنوات؟ كم عدد الأرواح التي كانت ستُنقَذ؟

مثالٌ آخر، الكمبيوتر الشخصي: "ألم يكن هناك من بإمكانه المساعدة في تطوير رؤية إنجلبارت (Douglas Engelbart) للكمبيوتر الشخصي خارج شمال كاليفورنيا؟ ماذا لو تحققت هذه الرؤية بشكلٍ أبكر بكثير؟ كيف كان لذلك أن يغيِّر وجه العالم؟

والآن، إن نظرنا في حاضرنا؛ سنجد أنَّ المشكلات التي نسعى إلى حلِّها أكثر تعقيداً بكثيرٍ ممَّا كانت عليه في الأجيال السابقة. هذا هو أحد الأسباب التي أشارت إليها مجلة (Nature) مؤخراً، حيث أنَّ متوسط ​​الأبحاث العلمية اليوم هو أربعة أضعاف ما كان عليه في عام 1950. وفي الوقت نفسه، أُضفِي الطابع الديمقراطي على المعرفة وسهولة الوصول.

يتمتع المراهق اليوم، والذي يمتلك هاتفاً ذكياً، بإمكانية الوصول إلى المعلومات أكثر من أخصائيٍّ مدرَّبٍ تدريباً متقدِّماً منذ جيلٍ فقط؛ فصحيح أنَّ المشكلات أكثر تعقيداً، ولكنَّ القدرة على التعاون بين مختلف المهتمين والباحثين أضحى أسهل بكثيرٍ في ظلِّ توافر المصادر بأنواعها، ووجود البنية التحتية التي تتيح لهم التواصل بشكلٍ مباشرٍ عبر تقنياتٍ سهلةٍ ومجانيةٍ وفائقة السرعة.

على نحو متزايد، وجدنا أنَّه لحلِّ المشاكل الصعبة حقاً، نحتاج إلى العمل بجدٍ أكبر لدمج الأشخاص مع المواهب المتنوعة.

خذ نظرةً أوسع قليلاً وسيصبح من الواضح أنَّ الابتكار اليوم، يتجاوز إلى حدٍّ بعيدٍ مختبرات البحث، واجتماعات وادي السليكون، ومبادرات الشركات الكبيرة. لدينا جميعاً ما نقدِّمه، ويمكننا أن نضيف إلى معرفة العالم، فجميعنا قادرون على إضافة إبداعاتنا إلى المجتمع.

توصيةٌ للقادة: لقد أصبح التعاون الآن ميزةً تنافسية؛ فعندما نجيد بناء شبكة علاقاتنا، ونستثمرها في التعاون، فإنَّنا نقوم بالعمل الصحيح الذي يتجِّه إليه العالم.

توصيةٌ أخيرة: لن يؤدي اتباع هذه القواعد إلى جعل بيئة العمل أكثر إبداعاً أو ابتكاراً بالضرورة؛ ذلك لأنَّ هذه النفس البشرية تحتاج من القائد الإلهام أولاً، ثمَّ الاهتمام والتحفيز والتشجيع باستمرار. وتحتاج أيضاً إلى يقظة القائد، وروحه الجميلة، وتبسمه في وجوه موظفيه، ودعمه ومساندته وحمايته للمبدعين والمتميزين، وتقديم احتضانٍ أبويٍّ لهم. تماماً مثل البذرة التي تتطلَّب من المزارع تهيئة الأرض وسقايتها والمحافظة عليها، حتَّى تنبت وتزهر، وحينها فقط تُجنَى ثمار الإبداع اليانعة.




مقالات مرتبطة