فوبيا المرض: الأسباب والأعراض والعلاج

اتصلت جارتي تستأذنني القدوم لزيارتي، فرحبت بها بكل سرور، ولكنَّني أخبرتها أنَّني ما زلت أعاني من آثار الزكام، ففضلت أن تؤجل زيارتها، ولم أنسَ بعد عودتها من حيث أتت وهي تسلم عليَّ في الزيارة السابقة، وما إن همت لتسلم على طفلتي ولمحت علامات الاحتقان على أنفها وعينيها حتى تهربت بحجة أمر ضروري قد نسيته وعادت.



فإنَّها تخشى الإصابة بالعدوى كثيراً، وأيَّة عدوى بالنسبة إليها هي كابوس يفضي إلى الموت؛ لذا فهي تحرص على التعقيم والتطهير وتبالغ في إجراءات السلامة والتأكد من الصلاحية.

على الرغم من كل ذلك فهي تشكو دوماً من أعراض غريبة واضطراب في وظائفها الحيوية مثل تسرع القلب وضيق النفس، ولا تقتنع بنتائج التحاليل وتأكيدات الأطباء بأنَّها سليمة، وتجزم بأنَّها مصابة بنوع من الأمراض النادرة الذي لم يخطر على بال الأطباء، فقد يؤكد المتخصصون بأنَّ التشخيص النفسي لهذه الأعراض يجزم بإصابة السيدة بما يدعى "فوبيا المرض"، فما هي هذه الفوبيا؟ وما هي أسبابها؟ وما هي أعراضها؟ وكيف يمكن علاجها؟

ما هي فوبيا المرض؟

فوبيا المرض أو رهاب المرض أو اضطراب القلق من المرض أو (hypochondria) باللغة اللاتينية هو اضطراب يجعل المصاب به يعتقد بشكل دائم بأنَّه مصاب بمرض خطير أو أنَّ حالته الصحية مهددة، وغالباً ما يركز المصابون بفوبيا المرض على مراقبة علاماتهم الحيوية مثل نبضات القلب وضغط الدم ومعدل التنفس، إضافة إلى تهويل بعض الإصابات البسيطة كالجفاف والبثور، وغالباً ما يشعرون بآلام مختلفة كألم المعدة أو الرأس أو الدوار.

في بعض حالات رهاب المرض يعاني المصاب من قلق حاد حول إصابته بنوع محدد من الأمراض مثل السرطان أو السكري، فيقوم بإجراء الفحوصات اللازمة بشكل دوري ولا يقتنع بسلامته الجسدية من هذه الأمراض مهما حاول الأطباء تأكيد ذلك بالنسبة إليه، كما أنَّ الظنون تأخذه في بعض الأحيان إلى الاعتقاد بأنَّه مصاب بمرض نادر وخطير جداً لم يستطع الأطباء اكتشافه فهو لا يظهر في تحليله وصوره الشعاعية، كما يعتقد أحياناً بأنَّ جميع من يحيط به ومن بينهم الأطباء يخفون عنه موضوع إصابته بهذا المرض.

غالباً ما تبدأ إصابة الشخص بفوبيا المرض بعد سن البلوغ، ومعظمها تحدث في الفترة بين عامي 25 و35، وفي كثير من الأحيان تكون إصابة شخص بفوبيا المرض ناتجة عن إصابة شخص مقرب منه أو إصابته شخصياً بحالة صحية خطيرة، ومن النادر أن تختفي أعراض هذه الفوبيا، لكن من المحتمل أن تخف حدة أعراضها مع التقدم في السن.

تسبب الإصابة بفوبيا المرض عرقلة لحياة الإنسان المصاب بها بشكل مبالغ فيه، كما أنَّها تؤثر في علاقاته الاجتماعية تأثيراً كبيراً، وتسبب له الكثير من العزلة بسبب خوفه من التقاط عدوى ما في أثناء وجوده مع أشخاص آخرين أو التعامل معهم.

تشير الدراسات إلى أنَّ 88% من الأشخاص المصابين بفوبيا المرض يعانون أيضاً من اضطرابات أخرى؛ إذ يعاني 71% منهم من اضطراب القلق، و24.9% من الوسواس القهري والاكتئاب، و16.7% يعانون من اضطراب الهلع، وتؤكد الدراسات عينها أنَّ الأشخاص المصابين بالاضطرابات المذكورة عرضة للإصابة بفوبيا المرض أكثر بثلاثة أضعاف من الأشخاص الآخرين، ويتم تشخيص نحو 200000 مصاب بفوبيا المرض كل عام.

شاهد بالفيديو: 9 خطوات تساعدك على السيطرة على القلق

أسباب الإصابة بفوبيا المرض:

لم تُحدد أسباب الإصابة بفوبيا المرض تحديداً دقيقاً إلى يومنا هذا وما تزال مبهمة وغير واضحة، ولكنَّ المتخصصين قاموا بتحديد مجموعة من العوامل اكتشفوا أنَّها تؤدي دوراً كبيراً في الإصابة وتحفزها، وعليه فإنَّ أسباب الإصابة بفوبيا المرض هي ما يأتي:

1. الاعتقاد بوجود مرض خطير:

قد يكون لدى المصاب اعتقاد بوجود إصابة بمرض خطير عنده ولا يستطيع مهما فعل التخلص من هذا الاعتقاد مهما استشار الأطباء وأجرى التحاليل والصور الشعاعية، وغالباً يكون هذا الاعتقاد مبنياً على آلام جسدية معينة يشعر بها المصاب، ولكنَّها تكون ناتجة عن إصابات عابرة مثل نزلات البرد أو العدوى الفيروسية العابرة، ولكنَّ المريض يبحث عن إثبات يؤكد أعراض المرض الخطير الذي يتوهم الإصابة به.

إقرأ أيضاً: أشهر الأمراض الخطيرة وطرق الوقاية منها

2. الجو الأسري والعوامل الوراثية:

فقد تؤدي الوراثة دوراً في انتقال هذا النوع من الفوبيا من الآباء إلى الأبناء، كما أنَّ النشوء في جو أسري يبالغ الآباء في تصوير أوجاعهم وإظهار القلق حيالها أو حتى مبالغة الآباء في إجراءات الوقاية وتخويف الأبناء من المرض يمكن أن يرفع احتمالات إصابة الأبناء بفوبيا المرض.

3. مرور الشخص بتجارب مؤلمة مهددة للحياة:

قد تسبب التجارب المؤلمة والصدمات التي تعرَّض لها الشخص جراء مروره بحالة مَرَضية خطيرة هددت حياته، أو مرور أحد من الأشخاص المقربين له أو أحد من أفراد أسرته بتجربة مماثلة تسببت له بمعاناة كبيرة أو كانت سبباً في وفاته.

4. وجود محفزات وراثية في العائلة مرتبطة بفوبيا المرض:

إذ يعاني غالباً الأشخاص الذين توجد في عائلتهم مورثات لمرض السرطان من فوبيا مرض السرطان، وكذلك الذين يحمل بعض أفراد عائلتهم مورثات مرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم وغيرها.

5. نمط الحياة الغير صحي:

إن اتباع نمط حياة غير متوازن ومليء بالضغوطات والإرهاق والسرعة، قد يساهم بزيادة الخوف من الإصابة بالأمراض.

6. صدمات الطفولة:

صدمات الطفولة المرتبطة بالإهمال وسوء المعاملة قد تكون من أسباب الإصابة بفوبيا المرض.

7. الخوف من مرض أو جائحة مَرَضية والتهويل الإعلامي الذي يصطحبها في التلفاز ومنصات التواصل الاجتماعي:

كما حدث في جائحة كورونا في عام 2020؛ إذ تم تداول مقطع فيديو يزعم مروجوه أنَّه تم تصويره في الصين لأشخاص يفقدون الوعي في الشارع ثم يفارقون الحياة بسبب الفيروس، الأمر الذي بث نوبات هلع في نفوس الكثيرين جعلتهم يصابون بفوبيا مرض كورونا والشعور بأعراضها وخاصةً الوهن والتشكيك بفقدان حاستي الشم والتذوق.

إقرأ أيضاً: هل يُعد الخوف مرض العصر؟

8. الإصابة بالاضطرابات النفسية:

إن الإصابة بواحد من الاضطرابات النفسية التي تزيد من فرص الإصابة بفوبيا المرض مثل الوسواس القهري والاكتئاب واضطراب القلق واضطراب الهلع.

9. الإصابة بفوبيا من نوع آخر:

مثل فوبيا الأدوية وفوبيا الموت والخوف من الحقن.

أعراض الإصابة بفوبيا المرض:

فيما يأتي أعراض الإصابة بفوبيا المرض وهي مجموعة العلامات التي ترجح إصابة شخص ما بهذا الرهاب، ونذكر منها:

  1. القلق والخوف المستمرين لمدة ستة أشهر على الأقل من وجود مشكلة صحية في الجسم، وقد تتنوع المشكلات المحتملة في هذه المدة، ولكنَّ سيطرة فكرة القلق من وجود مرض خطير هي الثابتة.
  2. الإصرار على قياس العلامات الحيوية بشكل مبالغ فيه مثل قياس ضغط الدم مرات عدة في اليوم وكذلك الوزن وعدد ضربات القلب.
  3. عدم التصديق بسلامة الجسم وخلوه من الأمراض على الرغم من تأكيد التقارير والتحاليل والآراء الطبية على ذلك.
  4. تحول التأكيدات الطبية على السلامة إلى أسباب إضافية للقلق من أنَّ نوع المرض المصاب فيه غير قابل للاكتشاف، أو الإصرار على إخفاء الأطباء أو أقربائه موضوع مرضه كي لا يتلقى العلاج في الوقت المناسب أو لئلا يصاب بالقلق بسبب انعدام فرصه في الشفاء.
  5. الخوف من العدوى بشكل مبالغ فيه، وهذا يجعل المصاب يبالغ في إجراءات التطهير والعقامة والغسل، والامتناع عن الوجود في أوساط اجتماعية مزدحمة وغير آمنة يمكن أن تنقل له أيَّة عدوى.
  6. الانتقال من طبيب إلى آخر وخاصةً عندما يجزم الطبيب بأنَّ الشخص يتمتع بصحة جيدة ولا يعاني من أي مرض جسدي.
  7. قد تظهر أعراض الإصابة بفوبيا المرض على شكل مخالف؛ أي بتجنب زيارة الأطباء وإجراء أي تحليل خوفاً من اكتشاف الإصابة بمرض خطير.
  8. استخدام الإنترنت أو المراجع الطبية للبحث عن أعراض الأمراض الخطيرة أو التي يخاف منها ومراقبة إذا ما كان يشعر بها.
  9. الإصابة باضطرابات الهلع وفوبيا الموت والاكتئاب والخوف من الجراثيم.
  10. تعاطي المخدرات والكحول وغيرها من العادات التي تسبب هلوسات للمريض.

شاهد بالفيديو: كيف تحافظ على صحتك مدى الحياة؟

علاج فوبيا المرض:

بعد أن قمنا بالحديث عن كل من أسباب فوبيا المرض وأعراض فوبيا المرض، ننتقل الآن إلى الحديث عن كيفية علاج فوبيا المرض الذي من الضروري أن يتم على أيدي المتخصصين سواء الأطباء أم المعالجين النفسيين الذين يقومون بالتأكد أولاً من خلو المريض من أي مرض جسدي خطير قبل البدء بخطة العلاج:

1. العلاج السلوكي المعرفي (CBT):

هو أحد أنجع طرائق علاج فوبيا المرض، وهو يساعد المصاب على التحكم بأفكاره وإدارة ردود أفعاله والتعامل مع الأعراض بوصفها حالة صحية والنظر بعين المنطق إلى نتائج التحاليل الطبية، الأمر الذي من شأنه تخفيف ظهور الأعراض إلى جانب إدراك التعامل معها.

2. مثبطات امتصاص السيروتونين:

التي تعمل بصفتها مضادات للاكتئاب يمكن أن تكون من طرائق علاج الإصابة بفوبيا المرض التي تؤخذ حتماً بوصفة طبية.

3. البرمجة اللغوية العصبية:

هي أيضاً من طرائق علاج فوبيا المرض، فهي ترسخ الاعتقاد عند المصاب بكونه يتمتع بصحة جيدة عن طريق تكراره الجمل الإيجابية.

4. حلقات العلاج الجماعي:

ومشاركة المعاناة قد تفيد في علاج فوبيا المرض.

5. العلاج بالتعرض:

قد يكون العلاج بالتعرض هو علاج فوبيا المرض في بعض الحالات، وكثر هم الأشخاص الذين أصيبوا بفوبيا مرض كورونا وعندما اختبروا المرض كسروا هذا الرهاب وتحرروا منه.

6. التخفيف من مسببات القلق والتوتر:

يكون جزءاً من علاج فوبيا المرض، ويكون ذلك باتباع نمط غذائي صحي وممارسة الرياضة والابتعاد عن الكافيين والتدخين.

في الختام:

إنَّ القلق بشأن الصحة ضمن الحد المقبول هو سلوك تمليه غريزة البقاء على الإنسان، ولكنَّ الوصول إلى درجة الرهاب وفوبيا المرض هو اضطراب يحتاج إلى العلاج ليستطيع المصاب به العودة إلى ممارسة حياته الطبيعية، ولنتيقن جميعاً أنَّ من يعش فسوف يمرض؛ وذلك لأنَّ الموتى لا يمرضون أبداً.




مقالات مرتبطة