فوائد المشي التأمُّلي، وكيف نجعل منه جزءاً من روتيننا اليومي

في ضوء البحوث العلمية التي أُجرِيَت في العديد من المراكز البحثية -خاصَّةً الغربيَّة منها- تنامى الاعتقاد بأهميَّة الدور الذي تلعبه الرياضات الروحانية إجمالاً، والتأمُّل على وجه الخصوص، في تطوير الصحة النفسية وتنمية القدرات الإنسانية الكامنة، سواءً الجسمية أم العقلية؛ ممَّا يرفع من إنتاجية الفرد والمجتمع في المجالات كافة، علميّةً كانت أم إنسانية. والملفت للنظر أنَّ نتائج هذه البحوث والدراسات قد انسجمت انسجاماً كبيراً مع بعض الممارسات والرياضات الباطنية في الديانات البوذية والهندوسية والطاويَّة وغيرها.



يُعدّ المشي التأمُّلي واحداً من هذه الممارسات التي تعود أصولها إلى الديانة البوذية، والتي تُستخدَم كجزءٍ من تدريبات اليقظة الذهنية الخاصة بزيادة القدرة على التركيز والإحساس بالتواضع والتوازن والهدوء؛ كما ويساعد في تطوير وعيّ مختلفٍ بالمحيط الخارجي والجسد والأفكار.

ما هو المشي التأملي؟

عادةً ما يُمارَس المشي التأملي عبر السير على شكل دائرة، أو ذهاباً وإياباً في خطٍ مستقيم، كما من الممكن ممارسته أيضاً من خلال المشي لمسافاتٍ طويلةٍ في الحدائق والمنتزهات، والجلوس من وقتٍ إلى آخر في وضعيات التأمُّل، ويجب أن تكون الحركة بطيئةً وليست سريعة.

تتضمَّن ممارسات المشي التأمُّلي:

تتلخَّص هذه الطرائق في تقسيم الخطوة إلى ستة تقطيعات، بدايةً من طرف أصابع القدم وصولاً إلى الكعب، مع محاولة الانفصال عن العالم المحيط بك، ونزع أيِّ فكرةٍ قد ترد إلى خاطرك، والتركيز على التنفس، وذلك بأخذ أنفاسٍ عميقةٍ تملأ بها صدرك، ثمَّ زفرها بالكامل حتَّى تُفرِّغ رئتيك من الهواء.

فوائد المشي التأملي:

1. يزيد تدفق الدم:

غالباً ما يكون المشي التأملي مفيداً للأشخاص الذين يفرض عليهم أسلوب حياتهم أو عملهم الجلوس لفتراتٍ طويلة؛ وذلك لأنَّه يساعد في تدفق الدم، وخاصَّةً إلى الساقين، كما يقاوم الإحساس بمشاعر الخمول والكسل، ويُعدُّ طريقةً رائعةً لتنشيط الدورة الدموية ورفع مستويات طاقتك، وذلك في حال كان عملك يتطلَّب منك الجلوس لفتراتٍ طويلة.

2. يُحسِّن عملية الهضم:

يُعدُّ المشي التأملي بعد تناول كميةٍ كبيرةٍ من الطعام طريقةً ناجعةً لتنشيط عملية الهضم، وخصوصاً إذا كنت تشعر بالثقل والامتلاء؛ كما يساعد في تسهيل حركة الطعام عبر الجهاز الهضمي، ويَحُوْل دون الإصابة بالإمساك.

3. يقلِّل من القلق:

إذا كنت تحاول السيطرة على الضغط النفسي وتخفيض مستويات التوتر الذي تعاني منه، فقد تجد ضالتك في ممارسة المشي التأملي مع بعض جلسات التأمُّل التي يمكن أن تتخلَّله من وقتٍ إلى آخر.

لقد أظهرت دراسةٌ أُجرِيت في عام 2017 على اليافعين أنَّ المشي التأمُّلي أكثر فعاليةً من أيِّ معالجاتٍ نفسيةٍ أخرى للتقليل من أعراض القلق. إنَّ أغلب المشاركين الذين ظهرت عليهم تغيراتٌ واضحةٌ وجليّةٌ في تحسُّن مستويات القلق لديهم، كانوا من الذين مارسوا التأمُّل قبل المشي أو بعده؛ بينما لم يكن هناك تحسنٌ ملحوظٌ عند الذين مارسوا رياضة المشي بدون تأمُّل، حيث لم تتجاوز جلسات التأمُّل أو المشي أكثر من عشر دقائق.

إقرأ أيضاً: معلومات وحقائق مهمة عن القلق النفسي

4. يحسِّن مستويات السكر في الدم والدورة الدموية:

خَلصت دراسةٌ محدودةٌ عام 2016 إلى أنَّ ممارسة المشي التأملي كان لها تأثيراتٌ إيجابية على مستويات السكر في الدم، وعلى الدورة الدموية لدى الأشخاص المصابين بداء السكري من النمط الثاني.

وفي دراسةٍ أخرى أُجرِيَت على مجموعةٍ من الأشخاص الذين مارسوا المشي التأملي أو التقليدي لمدة 30 دقيقةً لثلاث مراتٍ في الأسبوع، وعلى مدار 12 أسبوعاً؛ أظهرت المجموعة التي مارست المشي التأملي تحسناً أكبر من المجموعة التي مارست المشي التقليدي.

5. يخفِّف من الاكتئاب:

إنَّه لمن الهامِّ جداً المحافظة على النشاط البدني، خاصَّةً مع التقدُّم في العمر. تُعزِّز ممارسة التمرينات الرياضية بانتظامٍ من مستويات اللياقة، وتحسِّن الحالة المزاجية؛ وكلاهما عرضةٌ إلى خطر الانخفاض عند كبار السن.

بيَّنت دراسةٌ أُجرِيت عام 2014 على مجموعةٍ من كبار السن الذين يعانون بعض أعراض الاكتئاب، أنَّهم أظهروا تحسناً واختفت أعراض الاكتئاب لديهم بعد ممارسة المشي التأملي لثلاث مراتٍ في الأسبوع، ولمدة 12 أسبوعاً؛ كما تحسنت مستويات ضغط الدم ومستويات اللياقة البدنية الوظيفية لديهم.

6. يحسِّن المزاج ويمنح الشعور بالسعادة:

تنزَّه في الطبيعة من وقتٍ إلى آخر، مثلاً: امشِ في المتنزَّهات أو الحدائق أو الأماكن التي تكتظ بالأشجار وتكتسيها الخضرة؛ لأنَّ هذا سيساعدك في الإحساس بدرجةٍ من الانتعاش والسعادة، ويمنحك شعوراً بالسكينة والتوازن.

وفقاً لدراسةٍ أُجرِيت عام 2018، أظهرت مجموعةٌ من الأشخاص الذين مارسوا المشي التأملي لمدة 15 دقيقةً في إحدى غابات الخيزران تحسناً في مزاجهم العام، وفي مستويات القلق لديهم، وكذلك ضغط الدم.

7. يحسِّن جودة النوم:

لا تحتاج إلى ممارسة رياضاتٍ عنيفةٍ أو مكثَّفةٍ للحصول على الفائدة من التدرب، فقد أظهر بحثٌ نُشِر في عام 2019 أنَّ التدريبات المعتدلة والمنتظمة لها تأثيرٌ إيجابيٌّ على نوعية وجودة النوم.

تساعد رياضة المشي في تحسين مرونة الجسم، وتقلِّل من توتر العضلات، وتضمن الاسترخاء والراحة الجسدية. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّها تقلِّل من الشعور بالتوتر والقلق، خاصَّةً إذا جرت ممارسة رياضة المشي في الصباح الباكر.

إنَّ كلُّ هذه الفوائد كفيلةٌ بأن تجعلك تشعر بالهدوء وصفاء الذهن، وبالتالي تنعم بنومٍ هادئٍ وعميقٍ ليلاً.

8. يجعل ممارسة الرياضة ممتعة:

قد يجعل تضمين التأمل وممارسة اليقظة الذهنية في روتين اللياقة البدنية التمرينَ أكثر متعةً. أكَّدت دراسةٌ أُجرِيت عام 2018 أنَّ الأشخاص الذين استمعوا إلى موسيقى تَحثُّ على التأمُّل وعلى الدخول في حالة اليقظة الذهنية في أثناء تدربهم على جهاز المشي لمدة 10 دقائق، وجدوا المشي أكثر متعة، وأيقظ ذلك لديهم إحساساً ووعيَّاً أكبر بجسدهم المادي.

9. يُلهِم الإبداع:

يرفع الإحساسُ بالسعادةِ الدوافعَ الإبداعية لدى الأشخاص، ويجعلهم قادرين على حلِّ مشكلاتهم بفعاليةٍ أكبر. قد تجلب ممارسة المشي التأملي مزيداً من الوضوح والتركيز إلى حياتك وأنماط تفكيرك، والتي بدورها يمكن أن تحفِّز الإبداع.

يشير البحث الذي أُجرِي في عام 2015 إلى العلاقة بين التأمُّل والإبداع؛ حيث أنَّ التأمل يزيد من قدرات الأشخاص على التفكير الإبداعي والتوصل إلى حلولٍ للمشاكل من زوايا مختلفةٍ وغير متوقَّعة، ممَّا يجعلهم يتميزون عن غيرهم من الأشخاص ويحصلون على قيمةٍ أكبر في مجتمعاتهم.

10. يُعزِّز التوازن:

تشير دراسةٌ أُجرِيت عام 2019 على مجموعةٍ من النساء المسنات، إلى أنَّ المشي التأملي يساعد في رفع الوعي بحركات القدمين والساقين، ممَّا يُحسِّن من أدائها في الحركة والتوازن في أثناء السير. وتتضمن الممارسة الوعي بحركات الساق والكاحل في أثناء المشي ببطء.

إقرأ أيضاً: 7 ممارسات يوميّة تغذي العقل

كيف تجعل المشي التأملي جزءاً من روتينك اليومي؟

إليكم أهمَّ النصائح التي يجب اتباعها في أثناء ممارسة المشي التأملي:

1. حاول أن ترِّكز في اللحظة التي تعيشها:

  • كن على درايةٍ ووعيٍّ كاملٍ بكلِّ لحظةٍ تمرّ، وراقبها؛ وهي عادةٌ يجب عليك ممارستها في أيِّ وقتٍ من اليوم.
  • ركِّز على الأصوات من حولك، وعلى حركة أنفاسك وجميع حواسك.
  • تماهى مع أفكارك وتناغم معها، وراقبها وهي تُعَبِّر.
  • كن قريباً من ذاتك في أثناء هذه الممارسة، وراقب تطوّر أدائك وأنت تسير ببطءٍ متأمِّلاً.

2. مارس التأمُّل في أثناء الجلوس:

غالباً ما يُمارَس المشي التأمُّلي بالتزامن مع جلساتٍ تأملية؛ لذلك من المفيد الاطلاع على هذه النصائح للتمكُّن من ممارستهما معاً:

  • قم بجلسة تأمُّلٍ تستغرق من 5 إلى 10 دقائق، يتبعها المشي التأملي، أو العكس.
  • لاحظ الاختلافات بين الممارستين، وفكِّر في أيُّهما تفضِّل أكثر، ولماذا؟
  • كلَّما تقدَّمت وتحسَّنت في هذه الممارسة، استطعت زيادة مدة الجلسة.

في كثيرٍ من الأحيان التي تعمل فيها عقولنا بسرعة، وتتسابق فيها الأفكار؛ نتحرَّك نحن أيضاً بسرعةٍ وكأنَّنا في سباقٍ مع الزمن؛ لذا، حاول خفض هذه الوتيرة المتسارعة، ولو لبضع دقائق يومياً، وارتقِ بذاتك إلى عالمٍ من الهدوء والسكينة، واخفض تلك الأصوات التي يتردد صداها في عقلك، وأصغِ إلى صمت جسدك، وتنفَّس.

 

المصدر




مقالات مرتبطة