فنون الذكاء العاطفي في الحياة الزوجية

الذكاء العاطفي مصطلح شاع استعماله وبرزت أهميته في الفترة الأخيرة، ونُسِبَت إليه أسباب النجاح والتوفيق في الحياة الشخصية والمهنية والاجتماعية؛ حتى بات في الآونة الأخيرة سبباً لنجاح العلاقات، وخاصة العلاقات الزوجية؛ فما هو الذكاء العاطفي؟ وكيف يمكن استثماره في تحسين العلاقات؟ وما هي فنون الذكاء العاطفي في الحياة الزوجية؟ تابعوا معنا في هذا المقال لتجدوا إجابات أسئلتكم.



ما هو الذكاء العاطفي؟

الذكاء العاطفي هو مجموعة المهارات التي تتيح للفرد فهم نفسه والتعبير عنها وفهم المحيط والتواصل معه تواصلاً فعالاً، وينطوي هذا التعريف على مزايا عدة يمنحها الذكاء العاطفي للأفراد الذين يستعملونه في تعاملهم مع أنفسهم ومع الآخرين، والسبب في حصول الأشخاص المتمتعين بمهارات الذكاء العاطفي على هذه المزايا هو استيعاب مصطلح الذكاء العاطفي لهذه المكونات.

مكونات الذكاء العاطفي:

1. مهارات الوعي الذاتي:

يمنح الذكاء العاطفي الأفراد مهارة تحديد مشاعرهم وتوصيفها بدقة، والقدرة على تمييز كل شعور، وتعريف السبب الذي كان وراءه؛ فتجدهم يميزون بين مشاعرهم المختلفة، ويحددون أسبابها؛ وهذا بدوره يسهِّل عليهم مهامهم ويمكِّنهم من معرفة ما يجب القيام به بوصفه استجابة لهذا الشعور.

2. مهارات إدارة الذات:

إنَّ الذكاء العاطفي يمنح الإنسان مهارة السيطرة على مشاعره والتحكم بها، فيكون قائداً لمشاعره لا منقاداً خلفها. وتسهِّل مهارة إدارة المشاعر على الإنسان مهمَّة التحكم بأقواله وأفعاله، فيصبح مستجيباً منطقياً وعقلانياً يتصرف بحكمة ووعي، ويبتعد عن كونه إنساناً انفعالياً تحرِّكه العاطفة فقط.

3. مهارات التحفيز الذاتي:

يسهِّل الذكاء العاطفي على الإنسان عمليات تطوره وارتقائه؛ وذلك لأنَّه يساعده على تحديد دوافع داخلية لتحقيق أهدافه الشخصية، وتكون هذه الدوافع نتائج الفعل الذي يقوم به، بالإضافة إلى متعة الإنجاز وتحقيق الهدف، بعيداً عن الدوافع الخارجية المادية أو المعتمدة على تشجيع الآخرين.

4. مهارات بناء العلاقات الاجتماعية:

إنَّ الذكاء العاطفي يساهم في معرفة الفرد لحدوده وإدراكه لأدواره التي يقوم بها في حياته، فيُنشئ علاقات متزنة وصحية مع الأفراد المحيطين به بإيجابيَّة وفاعلية، ويكسب بذلك احترام الآخرين وثقتهم.

5. مهارات التعاطف:

يتيح الذكاء العاطفي للأفراد ميزة فهم أنفسهم وإسقاط مشاعرهم على الآخرين، فيضعون أنفسهم مكان الطرف الآخر في كل موقف، ولا يصدرون الأحكام المتسرعة والصارمة؛ بل ينصتون ويتقبلون ويتعاطفون مع الآخرين بسبب قدرتهم على فهم دوافعهم ومعرفة أسبابهم.

فنون الذكاء العاطفي في الحياة الزوجية:

يمكن تطبيق مهارات وفنون الذكاء العاطفي في الحياة الزوجية، ويساعد ذلك على الحصول على حياة زوجية هانئة وسعيدة، يتشارك طرفاها تحمُّل مسؤولية نجاح العلاقة، ولا يترتب على طرف دون آخر مسؤولية إنقاذ الزواج أو حتى تحسينه.

يساعد تطبيق فنون الذكاء العاطفي في الحياة الزوجية على رسم حدود صحية للعلاقة بين الزوجين، وهذا بدوره يسهِّل حل المشكلات التي تواجه طريق الزواج ويعزز أسلوب الحوار بين الزوجين؛ إذاً؛ كيف تُستعمَل فنون الذكاء العاطفي بين الزوجين؟

شاهد بالفيديو: أسس الذكاء العاطفي بين الزوجين

كيف يُطبَّق الذكاء العاطفي بين الزوجين؟

تُطبَّق فنون الذكاء العاطفي بين الزوجين عبر تحمُّل كل منهما مسؤولية النهوض بالحياة الزوجية وتحسينها، وعن طريق جعل كل منهما نفسه مسؤولاً عن سير الحياة المشتركة، فلا يمثل واحد منهم دور الضحية، ولا يكون الآخر مسيطراً كأنَّه الجلاد.

إنَّ الذكاء العاطفي بين الزوجين يجعل كلاً منهما يعرف نفسه، ويحدد مشاعره، ويدرك كيفية إدارتها، وكيفية استعمال مهاراته العاطفية في التواصل الفعال مع الشريك والمحيط؛ فلا يخلط بين مشاعره ولا يسمح لمشاعر سلبية انتابته في العمل مثلاً بالتأثير في أفراد الأسرة أو الشريك.

ويمنح تطبيق الذكاء العاطفي بين الزوجين مهارة تحفيز الذات للاستمرار بالمساعي في النهوض بالعلاقة، وتقبُّل الطرف الآخر والتعاطف معه وفهم دوافعه وأسبابه، فيضع له المبررات ويتقبَّله بحبٍّ بدلاً من محاولات تغييره.

مهارات الذكاء العاطفي في الحياة الزوجية:

تحسِّن مهارات الذكاء العاطفي الحياة الزوجية تحسيناً كبيراً، ويتم ذلك عن طريق تطبيق هذه المهارات في مسائل الحياة اليومية كما يأتي:

  • استعمال مهارة الإدارة الذاتية من قِبل كل من الزوجين في تحديد هوية مشاعره وتعريفها، فيعترف كلٌّ منه لنفسه بأنَّه قد شعر بالغضب أو بالغيرة أو بالانزعاج من تصرُّفٍ ما حدث أو قام به شريكه، والقدرة على توصيف السبب الحقيقي الذي حرض الشعور دون مواربات الخجل والكبرياء.
  • استعمال مهارة إدارة الذات في السيطرة على الانفعال والتعبير عنه في الوقت المناسب؛ فقد لا يكون من الحكمة إخبار الشريك فور عودته من عمله المرهق بأمر مزعج، أو تحذيره من تكرار كلمة ما قالها إذا ما كان الجو مشحوناً بالمشاعر السلبية؛ إذ إنَّ الانتظار ريثما يهدأ الشريك ويحكِّم الطرف الأول نفسه على أبعاد الموقف، ومن ثم فتح باب النقاش به بهدوء وحكمة، يُعَدُّ المنقذ الأول للحياة الزوجية والدليل لها نحو الحياة الهانئة.
  • استعمال مهارة التحفيز من أجل تشجيع كل فرد لنفسه على أداء المهام والواجبات التي تصب في مصلحة الأسرة والحياة المشتركة؛ فمعرفة الأم بأهمية الغذاء الصحي للصحة النفسية والجسدية لأسرتها سيشجعها على طهوه باستمرار على الرغم من تعدُّد مهامها، ومقاومة الرغبة في تناول الأطعمة الجاهزة والغنية بالسكر يومياً مهما بلغت لذَّتها.

وإنَّ مهارة التحفيز الذاتي تُملي على الأب بذل الجهد في خلق متسع لوقت خاص يقضيه مع أطفاله؛ وذلك لمعرفته أهمية الوقت الخاص مع الأب في التطور النفسي للأبناء.

  • استعمال مهارة التواصل الاجتماعي الفعال في التعامل مع الشريك أو أقربائه أو الجيران. وإنَّ هذه المهارة تتيح رسم الحدود الصحية بين أطرافها؛ فلا يحدث الجفاء وانقطاع صلات الرحم والقربى، ولا تفسح المجال أمام التمادي في التدخل بشؤون الزواج والأسرة.
  • استعمال مهارة التعاطف في التعامل مع الشريك؛ فهذا يشجِّع ويذكِّر بالثناء عليه وعلى جهوده، ويساعد على جعل هذه الجهود حيز الاعتياد، فيقول الرجل لزوجته: "شكراً لك على تحضير الطعام"، وتبادر الزوجة زوجها بدعوات دوام القوة والصحة فور عودته من عمله.
إقرأ أيضاً: لماذا يعد الذكاء العاطفي مفتاح استمرارية الزواج؟

الذكاء العاطفي ونجاح الحياة الزوجية؟

من مقومات الذكاء العاطفي لنجاح العلاقة بين الزوجين نذكر المبادئ الآتية:

  • لا ينبغي أن يكون الشريك نسخة كربونية عن شريكه؛ فالذكاء العاطفي يتيح للفرد تقبُّل اختلاف شريكه، ويمكِّنه من النظر إلى هذا الاختلاف بوصفه مصدر غنىً للعلاقة، مع التأكيد طبعاً على الاتفاق على المبادئ الأساسية والجوهرية.
  • الذكاء العاطفي يمنح الزوجين مهارة التسامح مع الشريك وتقبُّل طبيعته البشرية التي قد تخطئ، فيتفهَّم دوافعه التي سوَّغت له خطأه ويسامحه وينظر إلى الأمور من منظوره.
  • إنَّ الذكاء العاطفي يتيح لكل شريك أن يعبِّر عن مشاعره دون خجل أو مواربة؛ وهذا بدوره يسهِّل التعامل مع الشريك عن طريق الطلب والتعبير الصريح واللطيف.
  • إنَّ الذكاء العاطفي لا يمنع حدوث الخلافات أو وجود الاختلافات في وجهات النظر، ولكنَّه يمكِّن الزوجين من إيجاد سبل للتواصل والحوار مهما استفحلت المشكلات، فيناقشونها مناقشة عقلانية ومنطقية بعيدة عن الانفعالات.

كيف تنمِّي مهارات الذكاء العاطفي في الحب؟

يمكن تنمية مهارات الذكاء العاطفي في الحب عن طريق اتباع الخطوات الآتية:

  • العمل على زيادة الوعي الذاتي والتدرب على تعريف المشاعر وتحديد أسبابها.
  • التدريب على إدارة المشاعر والمواقف وضبط النفس وانتهاز الفرص المناسبة لمناقشة المشكلات مع الشريك.
  • الانفتاح على الشريك والتعامل معه بوضوح وصدق وشفافية؛ وهذا بدوره يسهِّل عملية التواصل بين الشريكين.
  • تقبُّل الطرف الآخر باختلافه وتميزه، وعدم إجباره على تغيير أي شيء من صفاته إذا لم يُبدِ استعداداً لذلك.
  • التعبير عن المشاعر الدافئة والمحبة وعدم إبقاء العواطف حبيسة الصدور، والحرص على البقاء إلى جانب الشريك وخاصة في المواقف الصعبة.
  • التسامح مع أخطاء الشريك والتدرب على التجاوز والغفران، والتعاطف معه واحتواؤه وتقبُّله.
إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي بين الزوجين وخطوات الوصول إلى علاقة زوجية ذكية عاطفياً

تنمية الذكاء العاطفي الأنثوي:

من الهام والضروري تنمية الذكاء العاطفي الأنثوي، ويتم ذلك عن طريق تعويد المرأة لنفسها على خفض سقف توقعاتها من الرجل، وعدم مقارنته بصورة نمطية رسمَتها في مخيلتها بفعل النماذج الحياتية أو الأفلام، وتقبُّل اختلافه عنها.

كما أنَّه يجب على الأنثى أن تتمعن في فهم نفسها ومشاعرها قبل أن تطلب من شريكها ذلك، وتكون واضحة في التعبير عمَّا يجول في قلبها من مشاعر، ولا تترك له حرية التكهُّن والاعتقاد؛ وذلك لأنَّ التعبير الواضح والمباشر واللطيف من شأنه أن يحسن العلاقة بينهما ويرفع منسوب التفاهم.

وإنَّ من طرائق تنمية الذكاء العاطفي الأنثوي تنمية الشعور بالاستقلال العاطفي، وتحمُّل الأنثى مسؤولية مشاعرها، وعدم تحميل الرجل فوق طاقته، ورمي مسؤولية سعادتها على عاتقه.

تنمية الذكاء العاطفي عند الرجل:

إنَّ من الطرائق الواجب على الرجل اتباعها من أجل تنمية الذكاء العاطفي لديه، التدريب على تفريغ مشاعره تفريغاً صحيحاً، وفصل مشاعر العمل عن مشاعر العائلة؛ فلا يفرِّغ ضغوطات العمل ومشكلاته غضباً يصبُّه على زوجته وأطفاله، أو انزواءً وانعزالاً عنهم.

كما يجب من أجل تنمية الذكاء العاطفي عند الرجل أن يعتاد التعاطف مع شريكته، والثناء على جهودها التي تبذلها في تنظيم الأسرة وتربية الأولاد، والتغلب على خجله ومعتقداته الخاطئة عن شكرها ومدحها والاعتراف لها بمشاعره.

تتطلب تنمية مهارات الذكاء العاطفي عند الرجل منه التمرن على الانفتاح على الشريك ومشاركته همومه وأفكاره وإنجازاته؛ وذلك لأنَّ هذه التصرفات تساهم في تقوية العلاقة بينهما وتعزيز الصلات المشتركة بين قلبيهما.

شاهد بالفيديو: أسس الذكاء العاطفي بين الزوجين

ما هي أضرار المشكلات الزوجية؟

لعل من أهم أضرار المشكلات الزوجية هو اختلاق هوَّة بين الشريكين، وجوٍّ من العداوة والجفاء بينهما؛ إذ يخفف هذا من حرارة الحب، ويقطع صلات المودة بين الزوجين. كما تساهم المشكلات الزوجية في إصابة الشريكين بالأمراض النفسية والجسدية، وينعكس ذلك سلباً على صحة الأطفال.

ولعل الطلاق من الأضرار والنتائج الأكثر كارثية للمشكلات الزوجية، كما أنَّ الانحدار نحو العلاقات المحرمة وغير الشرعية هو واحد من أضرار المشكلات الزوجية؛ لذا يساعد الذكاء العاطفي كلاً من الزوجين على فهم نفسه وفهم شريكه، وهذا يضمن لكليهما عيش حياة يملؤها التفاهم والوئام.

لا يمنع الذكاء العاطفي وجود الاختلافات بين الزوجين، ولا يحجب حجباً قطعياً ظهور المشكلات، لكنَّه يكوِّن حبل الخلاص الذي يتمسك به الزوجان ويستعينان به ليكون أداة جلوسهما على طاولة الحوار وتجاوز جميع العقبات بمرونة ومودة.




مقالات مرتبطة