فن الرد على الآخرين

يبدأ الإنسان حياته ضمن جو العائلة الذي يتصف عادةً بالحب والاحترام، ثم يخرج منه بشكل بسيط عند الذهاب إلى المدرسة ليقابل أطفالاً آخرين وتتشكل بينهم علاقة لطيفة وطفولية بعيدة عن الكره أو الانتقاد، ليكبر الإنسان فيما بعد ويتعرض للكثير من المواقف التي قد لا يدرك كيفية التصرف بها أو كيفية الرد على الكلام الموجه إليه حينها.



قد يكون في البداية عدم إدراكه لكيفية الرد أمراً غير هام، لكن فيما بعد سيتسبب له ذلك بالمشكلات نوعاً ما، وقد يؤدي إلى تخريب الكثير من العلاقات الاجتماعية أو العملية أو العاطفية، فقد يتعرض لاستغلال الآخرين أو لتنمرهم عليه نتيجة عدم تمكُّنه من مجابهتهم ونتيجة إحساسهم بضعفه.

على الرغم من أنَّ الكثير من الناس يمكنهم الرد على الآخرين بشكل بسيط وبسرعة بديهة إلا أنَّ بعضهم لا يمكنه ذلك، فمن الضروري أن يتعرف إلى كيفية الرد على الآخرين وأن يتدرب على ذلك؛ لأنَّنا سنتعرض جميعنا لمواقف تحتاج إلى طريقة رد معينة؛ لذلك سنعرض لك في هذا المقال بعض أنواع فنون الرد وخطوات تعلُّم فن الرد على الآخرين.

أنواع فنون الرد على الآخرين:

هناك العديد من فنون الرد على الآخرين، ومنها:

1. فنون الرد الدبلوماسية:

وتهدف إلى تجنُّب حدوث المشكلات والاصطدام مع الآخرين، كما أنَّها تساعدك على الهروب من المواقف المحرجة، والردود الدبلوماسية لها العديد من القواعد منها:

الرد بسخرية:

وطبعاً يمكن ذلك بحسب العلاقة التي تربطك مع الشخص الذي توجه إليك بالانتقاد، وكما عُرفت الردود الساخرة عند العرب منذ القدم فمن الأمثلة عن الردود الدبلوماسية الساخرة رد "المتنبي" على شخص قال له: "حسبتك وأنت قادم من بعيد امرأة، فقال له وأنا حسبتك رجلاً".

استخدام الأمثلة الشعبية:

ارتبطت الأمثال الشعبية بالفكاهة نوعاً ما؛ لذلك تُعَدُّ ردوداً غير قاسية ولا تسبب خلافاً، فمثلاً إن قام أحدهم بانتقاد طولك الزائد يمكنك الرد عليك بالمثل الآتي: "لو كان الطويل معيوباً لما اخترعوا للقصير كعوباً"، عندها سيكون الحديث مضحكاً بدلاً من التوتر والغضب.

التدقيق في التفاصيل:

وهو أسلوب من أساليب الردود التي يلجأ إليها الدبلوماسيون عادةً في مختلف أنحاء العالم، حتى إنَّ أغلبنا شاهد ذلك في مقابلات تلفزيونية مع أشخاص معروفين تهرَّبوا من السؤال من خلال التمسك بتفاصيل الإعلامي المحاور، كأن يقول له: "هل ترتدي حذاءً رياضياً فعلاً، إنَّه غير مناسب للباسك".

2. أسلوب المواجهة في الرد على الآخرين:

وتوجد عدة أشكال لأسلوب المواجهة في الرد منها:

المواجهة المباشرة:

بأن تقول للشخص الذي يزعجك إنَّه مزعج بكل وضوح دون مجاملة.

تجاهل الشخص:

وهذه من الطرائق الفعالة؛ وذلك لأنَّ الشخص المزعج سوف يلاحظ ذلك، وإن سألك عن السبب يمكنك الإجابة بوضوح بأنَّه شخص مزعج وكلامه معك يُعَدُّ قلة تهذيب.

توجيه الأسئلة القوية:

فإن قام أحدهم بانتقاد شكلك مثلاً أو طريقة تحدُّثك يمكنك أن ترد عليه بالسؤال الآتي: "من سمح لك بإعطاء رأيك بي؟"، أو "هل تعتقد أنَّني سأسمح لك بالتطاول عليَّ؟".

إقرأ أيضاً: 15 خطأً شائعاً في التواصل مع الاخرين

3. الرد المهذب على الآخرين:

وهو الرد الذي يجب اللجوء إليه عند التعامل مع الأشخاص الأكبر سناً أو الأعلى مرتبة في العمل، ويحتاج إلى قواعد معينة منها:

اختيار المكان المناسب:

فمثلاً لا يمكن الرد على المدير أمام الجميع؛ إنَّما يجب اختيار مكان أفضل مثل الذهاب إلى مكتبه والتحدث إليه بشكل منفرد.

اختيار الوقت المناسب:

من الذكاء والتهذيب عدم الرد على من هو أكبر منك في لحظة الغضب؛ إنَّما الانتظار ليزول الغضب.

البدء بعبارة إيجابية:

لأنَّ البدء بعبارة سلبية لا يدل على احترامك للشخص أو رغبتك في حلِّ الخلاف بينكما وإزالة التوتر.

طرح الأسئلة:

ويهدف إلى معرفة السبب وراء توجيه الانتقاد إليك، مثلاً ماذا بدر مني وجعلك تغضب؟ أو هل أستحق فعلاً الكلام الذي قلته أو أنَّك منزعج من أمرٍ ما؟

العتاب:

كما يقال "العتاب على قدر المحبة" فإن كنت تكنُّ الاحترام والمحبة للشخص الذي استفزك، يمكنك توضيح ذلك له ويمكنك أن تخبره بأنَّك شعرت بخيبة أمل نتيجة ذلك.

خطوات لتعلُّم فنون الرد:

قبل أن تتوجه بالرد على الشخص المحاور لك أو من يقوم بتوجيه الانتقاد إليك، عليك اتباع خطوات عدة كي يكون الرد مناسباً أكثر، ومنها:

1. الاستماع الجيد:

قبل القيام بأي تصرُّف أو الرد بأي كلام عليك التركيز كثيراً في كلام محدِّثك وعليك تركه يقول كل ما يريد وعدم مقاطعته أبداً؛ لأنَّ ذلك يُشعِر الشخص الذي يحدِّثك باهتمامك في حديثه، والهدف من ذلك هو أن يكون على نفس القدر من الاهتمام عندما يأتي دورك في التحدث.

لا مانع من استفسارك عن النقاط التي لم تفهمها في حديثه أو أن تطلب منه التوسع أكثر في شرح أفكاره؛ لأنَّ ذلك يضاعف الشعور لديه باهتمامك بما يقول؛ لذلك لا تجعل عقلك منشغلاً بالتفكير في كيفية إجابتك في أثناء تحدُّث الآخرين؛ إنَّما أنصت جيداً قبل ذلك.

2. التمهُّل:

"في العجلة الندامة" هذه المقولة تنطبق على كثير من الأشياء ومنها التحدث إلى الآخرين، فإن كنت تريد قول أشياء لا تندم عليها فيما بعد عليك أن تتمهل قدر الإمكان؛ وذلك لأنَّ الاندفاع في الحديث والرد على الآخرين قد يعطي انطباعاً بأنَّك تهاجم الطرف الآخر فيصبح كلامك غير مقنع بالنسبة إليه.

3. الابتعاد عن العناد:

قد يلجأ بعض الناس إلى العناد والثبات على الرأي على الرغم من عدم امتلاك المعلومات الكافية التي تثبت صحة رأيه، وهذا الأمر خاطئ لأنَّه يضعف موقفك في الحديث، والأفضل في مثل هذه الحالة التوقف عن النقاش أو الانتظار حتى امتلاك الحقائق التي تدعم موقفك ثم معاودة التحدث والنقاش لاحقاً.

4. التثقيف:

للثقافة دور كبير في جعلك متحدثاً جيداً، ونقصد بالثقافة هنا كلاً من الثقافة اللغوية والعامة؛ إذ إنَّ الثقافة اللغوية تساعد الإنسان على انتقاء الكلمات المناسبة لكل موقف ولكل موضوع يتم طرحه، ومن ثمَّ لن يخونه التعبير في أثناء الحديث ولن يندم فيما بعد لعدم قدرته على إيصال الفكرة بالشكل الصحيح أو الشكل الذي يقصده.

أما الثقافة العامة، فهي تجعل الإنسان قادراً على التحدث في مختلف الموضوعات الهامة وبأدق التفاصيل، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بالقراءة الدائمة والاطلاع على الصحف والجرائد ومتابعة آخر الأخبار والتطورات في مختلف المجالات، سواء الاقتصادية أم السياسية أم الاجتماعية، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ الدراسات تؤكد أنَّ تعلُّم الإنسان للغة ثانية والتمكُّن منها يزيد من نسبة الذكاء ومن سرعة البديهة أيضاً؛ لذلك أنصحك بالقيام بذلك.

شاهد بالفديو: كيفية التعامل مع الإهانة أو الإساءة

5. الهدوء العصبي:

غالباً ما يغضب الإنسان عند سماعه انتقاداً من أحدهم أو عند سماع آراء تخالف رأيه، فيدفعه الغضب إلى الرد بطريقة غير حكيمة، حتى إنَّه بعد مدة قصيرة من حدوث الموقف يتمنى لو أنَّه قام بالرد بطريقة أخرى أو أنَّه يتذكر الرد المناسب لأنَّ توتره قد زال وأصبح بإمكانه التفكير بطريقة أخرى، ومن ثمَّ فإنَّ رباطة الجأش هي ما تساعد الإنسان على الرد الحكيم حتى في أكثر المواقف استفزازاً، وهذا الأمر يحتاج إلى تدريب مستمر لمعرفة كيفية المحافظة على الهدوء العصبي.

6. عدم الوقوف في موقف المدافع:

عندما تقف موقف المدافع أمام الشخص المسيء في كلامه سيشعر بالقوة، وسوف يزيد من استفزازه لك مرة بعد مرة، فمثلاً قال لك أحدهم إنَّ الألوان التي ترتديها غير جميلة أبداً، فبدلاً من أن تشرح له بخجل أنَّ الألوان التي تقوم بانتقائها تناسب لون بشرتك أو غيرها من المبررات، يمكنك أن ترد عليه بأنَّ كل إنسان يرتدي بالطريقة التي يراها مناسبة له، عندها لن يعاود فتح هذا الحديث معك أو توجيه الانتقادات إليك لأنَّك لم تعطِ أهمية لرأيه غير المستحب.

7. الثقة بالنفس:

من الصعب أن يشعر الطرف المحاور لك بثقتك في موقف تتعرض له إن لم تكن شخصاً واثقاً من نفسه في الحياة العادية، فإن كنت ترتبك أو يتلون وجهك بالأحمر عند التعرُّض للانتقاد مثلاً، لن تستطيع الرد بالطريقة المناسبة، ومن ثمَّ عليك تعزيز ثقتك بنفسك أولاً لأنَّها ضرورية من أجل النجاح في أي شيء وفي أي مجال في حياتنا.

من الطرائق التي تساعدك على زيادة الثقة بالنفس أن تردد يومياً عبارات مثل: "أنا إنسان جيد، أنا إنسان جميل" أو غير ذلك؛ لأنَّ ذلك يجعلك قادراً على التعامل حتى مع الانتقادات المهينة، فمثلاً إن قال لك أحدهم إنَّك غبي لن تصدق؛ وذلك لأنَّك تعي جيداً أنَّك لست غبياً.

إقرأ أيضاً: 8 طرق تساعد على تعزيز ثقتك بنفسك

8. عدم أخذ الكلام الذي تسمعه على الناحية الشخصية:

فعند وجودك ضمن مجموعة من الأشخاص، قد يقوم أحدهم بتوجيه بعض الانتقادات أو حتى العبارات السيئة دون تحديد الأشخاص الموجه إليهم الكلام، عندها عليك ألا تسارع بالرد عليه أو بالتبرير له؛ لأنَّ ذلك يثبت له أنَّك شخص معنيٌّ بالكلام الذي قاله، وقد أثبتَّ بنفسك توافق الصفات التي أطلقها عموماً عليك، ومن ثمَّ قمت بإعطائه الفرصة لينتصر عليك، فكل ما عليك فعله في هذه الحالة هو التجاهل من خلال عَدِّ كلامه مجرد عبارات لا تعنيك أبداً ولست المقصود بها.

9. التواضع:

وهو من الصفات الحميدة التي تجعل الآخرين سعيدين في التعامل معك ومسرورين من التحدث إليك ويشعرون بأهمية كلامك وأفكارك التي طرحتها، فمن الضروري ألا تنسَ أنَّ أي نقاش يدخل به المرء يضيف إليه شيئاً ويزيد من ثقافته في حال كان الحوار بنَّاءً طبعاً.

يمكن أن يشعر الطرف الآخر بتواضعك من خلال شكره، مثلاً عندما يطرح فكرة جميلة حتى إن كان أقل مرتبة منك أو أقل ثقافة أو حتى أقل ذكاء باعتقادك، فإن شعر أنَّ الحوار معك أفادك فستحظى باحترامه دائماً وسوف يتجنب انتقادك أو توجيه عبارات مزعجة إليك.

في الختام:

من خلال ما لاحظنا آنفاً فإنَّ تعلُّم فنون الرد على الآخرين ليس بالأمر المستحيل؛ إنَّما يحتاج من الإنسان إعطاء بعض الوقت يومياً للتدرب على ذلك ريثما يصبح الأمر بسيطاً وتلقائياً بالنسبة إليه ويصبح قادراً على تحديد فن الرد الذي يمكن اتباعه بحسب الموقف الذي تعرَّض له.

لكن عموماً وباختلاف فنون الرد فالخطوات التي ذكرناها يمكن تطبيقها دائماً للوصول إلى الرد المناسب، وهي باختصار الإنصات الجيد والتمهل والثقيف والابتعاد دائماً عن الغضب أو العناد أو الوقوف موقف المدافع مهما كان الموقف الذي تتعرض له، ولا تنسَ أنَّ التواضع والثقة بالنفس هما من الصفات التي عليك أن تتحلى بهما سواء لهذا الهدف أم لغيره من الأهداف في الحياة.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة