فن الترجمة: أصوله ونشأته وازدهاره في الوطن العربي وأبرز رواده ومؤسسيه

لقد شهد الوطن العربي تطوراً ملحوظاً وازدهاراً في حركة الترجمة ونشاطاً ملموساً من قبل مترجمين وأدباء عملوا على إثراء السينما والأدب بالكثير من الأفلام والروايات والمراجع والرسائل والقصص المترجمة بجهود أناس عظماء عشقوا فن الترجمة، وأتقنوا أساليبها، وقاموا بتعريفها ونقلها إلى العالم العربي كله.



تعريف الترجمة ومفهومها:

تعرف الترجمة بالمعنى الاصطلاحي للكلمة على أنَّها واحدة من النشاطات البشرية التي وجدت وعرفت وكانت موجودة منذ الأزل وفي غابر العصور والأزمان، وتهدف هذه العملية إلى تفسير وتقريب وشرح معاني ومفردات الجمل والنصوص الشعرية والنثرية المنقولة والمعربة، بالإضافة إلى تحويلها من إحدى اللغات المكتوبة - أي لغة المصدر - إلى لغة أخرى من اللغات المستهدفة أو المقصودة.

أما من الناحية اللغوية تدرج كلمة تَرْجَمَة على وزن فَعْلَلَة، وقد أُخِذَ هذا المصدر من الفعل الماضي تَرْجَمَ - أي على وزن فَعْلَلَ - وجمع كلمة ترجمة لغوياً هو تراجم وترجمات، واسم الفاعل من الفعل ترجم هو مترجِم، ولكلمة ترجمة أكثر من معنىً واحد في اللغة العربية الفصيحة، فمن معانيها التبيين والاستيضاح والبيان، وفي نوافذ أخرى تستخدم الترجمة بهدف التعرف إلى سيرة حياة العظماء الذين خلَّدهم التاريخ والأدب والسياسة والفن، كما يقصد بكلمة ترجمة لغوياً بأنَّها عملية تحويل الكلام المنقول إلى أفعال حركية وغير حركية واضحة.

كما تُعَدُّ الترجمة وسيلة رائعة وفعالة للتواصل الإنساني والبشري بين إنسان وآخر، أو بين مجتمع وآخر.

يتضح لنا من هذه الآية القرآنية الكريمة أنَّ الترجمة واحدة من أهم الطرائق للتواصل البشري والحوار الهادف والتمازج بين الثقافات والأفكار والآراء، فالتعارف والتحبب والتقارب والتودد من الأشياء التي أمرنا بها الخالق عز وجل وحثَّنا على القيام بها.

أصول وتاريخ فن الترجمة:

إنَّ أول حضارة ذاع صيتها ولاقت شهرةً كبيرةً عبر التاريخ في مجال الترجمة هي حضارة ما بين النهرين؛ إذ وجد الباحثون والمنقبون والمستكشفون والمستشرقون مخطوطة أو كتاباً متوسط الطول والحجم نقشت أو رسمت عليه كلمات بلغة ما، ومعانيها أو ما يقابلها من كلمات ومرادفات ومعانٍ بلغة أخرى، ولاقت الكتابة فيما بعد رواجاً وازدهاراً كبيراً في بلاد الرافدين وفي مصر القديمة.

نعود إلى العرب؛ إذ إنَّه وبعد تأسيس الدولة الإسلامية، وامتزاج واختلاط العرب المسلمين بشعوب وحضارات مختلفة، وأمزجة وثقافات مختلفة، وفكر مختلف كشعوب بلاد الفرس وبلاد الروم، ففي ذلك الزمن برزت الحاجة والرغبة الملحة عند العرب المسلمين بضرورة تطوير علومهم وثقافتهم، والاتجاه نحو توثيقها ونشرها وتوسيعها، فكانوا مجبرين على الانفتاح على العلوم الأخرى والثقافات الأخرى، والترحيب بأفكار جديدة غربية، فاتجهوا فكرياً نحو تطوير فن الترجمة والانفتاح على اللغات الأخرى وتعلُّمها وإتقانها ودراستها وتدريسها، فقاموا بترجمة علومهم باستخدام لغات أخرى، إضافة إلى لغتهم الأم الأصلية، واستعانوا بأهم وأبرع وأمهر المترجمين في تلك الفترة من الزمن.

كيف نشأت الترجمة وتطورت بين الماضي والحاضر؟

في قديم الزمان وفي غابر الأزمان والعصور كانت عملية الترجمة تحدث بشكل تلقائي وعفوي وفطري وغريزي؛ أي دون سابق إصرار وترصد وتصميم، والإنسان مفطور بطبيعته وكينونته على الحياة الاجتماعية وحب السفر والترحال والهجرة، فعندما كان الإنسان ينتقل من مكان إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى ومن موطن إلى آخر، كان يروي الأحداث والحكايات والأفكار ويسردها بلسان شخص آخر وإنسان آخر.

لقد كان من المفروض عليه أن يتعرف إلى لغات الآخرين ولهجاتهم، ويعمل على إتقانها وفهمها؛ لأنَّ اللغة كانت وما زالت وسيلة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها في عمليات التبادل التجاري ومقايضة السلع والبضائع وشرائها؛ وهذا يشير إلى أهمية الترجمة في لغة التجارة والصناعة والتواصل البشري والثقافي ومستوى الحياة المعيشية.

أما في عصرنا الحديث، فقد دارت عجلة الحياة، وواكبنا التكنولوجيا وما أفرزته الثورة الصناعية وثورة المعلومات من تغيرات وانقلابات أدت إلى دخولنا في عصر السرعة حتى سمي هذا العصر بالعصر الرقمي، وبدوره أثر تأثيراً إيجابياً وملحوظاً في عملية الترجمة؛ وهذا ما أدى إلى انتشارها بشكل واسع وانتقالها إلى كل مكان، وإلى كل بلاد، وإلى كل أرض؛ والسبب في ذلك هو تعدد وتنوع وسائل الاتصال والتواصل وظهور ما يسمى بشبكة الويب؛ أي الشبكة العنكبوتية ومتصفح الإنترنت والمراسلة ومتابعة الأخبار اليومية التي تحدث في كل أنحاء العالم بالتفصيل وبدقة.

إقرأ أيضاً: هل الترجمة الآلية جيدة أم سيئة؟

ما هي أهمية الترجمة في حياتنا؟

  1. تسهم حركة الترجمة إسهاماً كبيراً وهاماً في عملية نقل المعلومات، والأخبار، والقصص، والحكايات، والوقائع، والأحداث من حضارة إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى ومن لغة إلى أخرى.
  2. تُعَدُّ الترجمة أداةً فعالةً تسهم في تعزيز التواصل والاتصال وتقوية الحوار بين الشعوب، كما تُعَدُّ الترجمة طريقة من طرائق التعبير عما يختلج في النفس وعما يدور في البال من هواجس وأفكار وخواطر.
  3. تسرع عملية الترجمة من نقل الأخبار ووصولها بأيسر وأسهل وأسرع طريقة وأقصر زمن ممكن إلى أي مكان في العالم.
  4. تعزز الترجمة موضوع السياحة في البلد؛ لأنَّه يتم تعيين مترجمين يرشدون السياح، ويقومون بدور دليل أو مرشد سياحي يرافق السياح الأجانب إلى الأماكن الأثرية.
  5. تمنح الترجمة المترجمين زيادة في الحصول على فرص عمل.
  6. تساعد الترجمة على زيادة إمكانية حصول الطلاب على أبحاث مختلفة وموسعة في مجالات كثيرة ومتشعبة.

ما هي الصعوبات التي تواجه عملية الترجمة؟

  1. عدم توفر كلمة تحمل ذات المعنى الذي تحمله الكلمة التي تتم ترجمتها إلى لغة أخرى.
  2. تشكل القواعد النحوية الخاصة باللغة الأم أو باللغة المسماة بلغة المصدر للنص المراد ترجمته صعوبةً وعثرة في طريق الترجمة تعوق المترجم.
  3. ينبغي على المترجم أن ينقاد باتجاه القواعد النحوية الخاصة باللغة المستهدفة دون أن يخل بالمعاني الحقيقية للكلمة الأصلية.
  4. ينبغي على المترجم البارع والمتمكن والحاذق أن يكون ملماً بقواعد اللغة والنحو الخاصة باللغة المستهدفة من صرف وتراكيب الجمل، وربط الكلمات ومرادفات المعاني، وأساليب الاستفهام والتعجب، وجمالية التعبير وكل ما يتعلق بأسلوب الجرس الموسيقى واللحن والإيقاع الخاص بالكلمة والحرف.
  5. تؤدي دوراً في سير عجلة الترجمة نقطة هامة ألا وهي الزمن، أو العصر، أو الفترة الزمنية التي كُتِبَ فيها النص الأدبي، والحقبة التاريخية التي تم فيها تأليف النص المراد ترجمته ونقله إلى لغة أخرى.
  6. وجود تصنيفات متفرعة ومتشعبة لأنواع الترجمة وفنونها وأصنافها وأنواعها؛ وهذا يشكل صعوبة ومشكلة أمام المترجم، وقد يشعر المترجم بنوع من الضياع والتشتت كأنَّه في متاهة.
  7. اختلاف الألفاظ وتدرج طريقة كتابتها ولفظها وضبطها من زمنٍ لآخر، ومن مؤلف لآخر، ومن كاتب لآخر، ومن مترجم لآخر.

شاهد بالفديو: 7 طرق لتعلُّم اللغات الأجنبية بدون معلم

أبرز رواد ومؤسسي حركة الترجمة في الوطن العربي وفي العالم العربي ككل:

1. أنيس عبيد:

يُعَدُّ "أنيس عبيد" أول من فتح المجال أمام المصريين لينفتحوا ويمتزجوا ويتعرفوا إلى السينما العالمية، وخاصة سينما هوليوود، كما عمل "أنيس عبيد" جاهداً دون كلل أو ملل على ترجمة الأفلام الأجنبية إلى اللغة العربية، فذاع صيته في ذلك الحين، وعُدَّ واحداً من أهم رواد حركة الترجمة في الوطن العربي.

وُلِد هذا المترجم العظيم سنة 1909 ميلادية، وحاز على شهادة البكالوريوس في الهندسة في مصر، ومن بعدها بدأ يشق مشواره الصعب والطويل في ترجمة الأفلام الروائية الطويلة، وكان أولها فيلم "روميو وجولييت"، وقد حقق فيلم "روميو وجولييت" إيرادات غير مسبوقة وغير متوقعة في السينما المصرية.

2. سامي الدروبي:

عمل السوري "سامي الدروبي" مترجماً شهيراً ومبدعاً، فكان له الفضل في ترجمة الأعمال الكاملة لـ "دويستوفسكي" إلى اللغة العربية الفصحى بأسلوب شيق وممتع. وُلِد "سامي الدروبي" في مدينة "حمص" سنة 1921 ميلادية، وحين صار شاباً التحق بكلية الآداب في مدينة "القاهرة"، وقد عمل أستاذاً ومُدرِّساً في كلية التربية في مدينة "دمشق"، وقد تم تعيينه سفيراً للسلام ومناصراً لحقوق الإنسان من قبل المملكة المتحدة في "البرازيل" بالتزامن مع حدوث الوحدة العربية بين الجمهورية العربية السورية وجمهورية مصر العربية عام 1956 ميلادية.

لم تكن ترجمات "سامي الدروبي" مقتصرة على الكتب والرسائل والمراجع الأدبية فقط؛ إنَّما تخطاها في مجالات وأشياء كثيرة؛ فمثلاً ترجم الدروبي كتاب "الضحك" للمؤلف الغربي الشهير "هنري برجرسون"، وترجم كتاباً يحمل عنوان "المذهب المادي والثورة" للمؤلف العبقري الذي قل نظيره "جان بول سارتر".

3. أبو بكر يوسف:

يُعَدُّ "أبو بكر يوسف" من أبرز وأهم المترجمين العرب الذين قاموا بتوثيق ونقل وترجمة الأدب الروسي إلى اللغة العربية الفصحى، ويعود له الفضل في تعريف ونقل الأدب الروسي إلى العالم العربي بأسره.

إقرأ أيضاً: كيف تقدم شركات الترجمة المحترفة نتائج عالية الجودة؟

في الختام:

احتلت مكانة الترجمة كبيرة وهامة في مجالات مختلفة؛ كالأدب، والسياسة، والفن، وعلم الاجتماع، وما الترجمة إلا جسر يربط بين الأشخاص والأشياء والثقافات والمجتمعات، ويقرب بين القلوب والعقول والأفكار والآراء، ويناقش المفاهيم والإنجازات.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة