فكر جيداً لتعيش حياة جيدة

قبل الوصول إلى مكان عملك في الصباح، تكون قد فكرت في 7500 فكرة، وبحلول الظهيرة سيكون هذا المجموع قد ارتفع إلى 22000، ومن ثم عندما تنام، ستكون قد وصلت إلى ما يقرب من 66000 فكرة لهذا اليوم؛ ويعني هذا نحو فكرة واحدة في الثانية.



إنَّ الأفكار ليست مجرد كلمات تدور في ذهنك أو تعبِّر عنها في محاولة للتواصل؛ إذ إنَّ كل فكرة هي أمرٌ مادي؛ إنَّها حدث كهربائي وكيميائي ضمن أكثر الهياكل تعقيداً في الكون المعروف، ومن تلك الصيغة الغامضة، والتي يعرف العلم القليل عنها فقط تأتي العاطفة.

إنَّ العاطفة هي رد فعل فوري؛ إذ إنَّها تأتي من الجهاز الحوفي الموجود في أعماق دماغنا، فعندما ننظر إلى الحدث الذي حفز المشاعر، وعندما نفكر فيما حدث وما يعنيه لنا، فإنَّنا نشكل مشاعر من العاطفة؛ إذ تأتي المشاعر من التفكير المجرد الذي يحدث في الفص الجبهي لدينا، وهذا هو الاختلاف بين المشاعر والأفكار في نظر بعض الباحثين والأطباء؛ وهو مفيد لهذا المقال.

لذا، بينما تُعالِج أفكارك الانفجار الكيميائي الكهربائي للعاطفة، فإنَّه ينتابك شعور ما؛ سواءً كان هذا الشعور ممتعاً أم مؤلماً، فإنَّه يعتمد إلى حد كبير على طريقة تفكيرك في كل ما حدث.

تزول العواطف عادةً، بينما للمشاعر قوة خاصة بها ويمكنها أن تستنزف أفكارنا للحصول على الوقود الذي تحتاج إليه للاستمرار في التوهج؛ إذ إنَّ التفكير يولد المشاعر، ويُعَدُّ الإشراف على أفكارك أمراً هاماً؛ لأنَّ المشاعر يمكن أن توفر لك الدافع الذاتي وإذا كنت تريد أن تفعل شيئاً ما أو تصنع شيئاً ما أو تغير نفسك بطريقة مفهومة، فستعتمد على دعم مشاعرك.

من المحتمل ألَّا تكون قادراً على الإشراف على كل الأفكار، وهذا إنجاز يستحق الجهد مدى الحياة، وهو إنجاز يصبح أسهل بكثير إذا كنت لا تفكر كثيراً؛ فبالنسبة إلى معظم الناس، توجد الكثير من الأفكار التي تراودنا بسرعة هائلة، وتكمن الفكرة في منع نفسك عن التفكير بشكل اعتيادي بغض النظر عن المشاعر التي تخلقها.

يجب أن تمتلك الخبرة التي تخلقها من خلال ميولك العقلية؛ إذا كنت لا تزال غير قادر على التفكير، فمن الحكمة أن تفكر تفكيراً متأنياً بهدف التنظيم الذاتي العاطفي، فكِّر تفكيراً مدروساً لخلق مشاعر مفيدة.

فكرة أنَّ الأحداث الخارجة عن سيطرتك تسبب مشاعر غير صحيحة؛ أنت فقط لديك القدرة على خلق وتنظيم مشاعرك، وقد تكون لديك استجابة عاطفية أولية لأحداث الحياة؛ ولكنَّ تجربة مشاعرك على الأمد الطويل هي مسألة أخرى تماماً، ومن خلال الإشراف على أفكارك، فإنَّك تحصل على الخيار لخلق أيَّة عاطفة تعتقد أنَّها ستساعدك على التعامل مع تحديات الحياة.

ضع في حسبانك ما يعنيه هذا، وإذا كنت تفكر جيداً عندما يحدث شيء غير سار، فلا يزال في إمكانك أن تجعل نفسك تشعر بتحسن وتُقدِّم أداءً جيداً؛ إذ ليس هناك داعٍ لأن تشعر بالحزن أو الكآبة أو الإحباط أو أي شيء ما لم تسمح بوجود هذه المشاعر.

توجد بالتأكيد تجارب فريدة تتحدى قدرتنا على القيام بذلك، وفي بعض الأحيان يجب الشعور بالأشياء الفظيعة من أجل واقعها الخاص، ومن المرجح أن يكون الجهد العقلي اللازم لتوليد شعور غير طبيعي بمنزلة هزيمة للذات، ولكن في الغالبية العظمى من المواقف لا يكون سبب شعورك وأدائك أحداثاً خارجية؛ وإنَّما بسبب امتلاكك لأفكارك، وقلة من الناس يفكرون في مراقبة أفكارهم.

شاهد: كيف تصبح ماكينة لتوليد الأفكار؟

فيما يأتي مثال عن ذلك: لنفترض أنَّ وظيفتك تتطلب عقد مؤتمر عبر الهاتف مع أشخاص عدَّة لا تستمتع بالتحدث معهم؛ مع اقتراب موعد بدء المؤتمر، تصبح راحة يدك متعرقة، وبدلاً من الاستعداد للمكالمة، فإنَّك تشتت انتباهك بمشاهدة مقاطع فيديو عن القطط، وفي كل مرة تنظر فيها إلى الهاتف يزداد توترك؛ لذلك تُرسِل رسالة بريد إلكتروني تَذكُر فيها أنَّك مشغولٌ جداً وسيتعيَّن عليك تأجيل المكالمة إلى وقت لاحق.

أنت لا تنوي القيام بهذا السلوك الضعيف، ولكن تمت السيطرة على دافعك لإجراء المكالمة بسبب مشاعر الخوف والقلق غير المقصودة؛ إذ كان الطنين الشديد في مستوى معيَّن من عقلك يمثل أفكار الخوف من هذه المكالمة، ويمكنك محاولة إلهاء نفسك ولكنَّ المعتقد هو فكرة ويمكن أن يولد شعوراً، وفي هذه الحالة كنت تعتقد أنَّ المكالمة الجماعية كانت تدخلاً مزعجاً وغير مرحب به في يومك.

لنفترض أنَّ هذه المكالمة روتينية، وأنَّها تولد في داخلك إحساساً كريهاً كل أسبوع، وهكذا على مدار أسابيع، كنت تفكر عن غير قصد في الأفكار المعتادة نفسها في كل مرة يقترب فيها موعد المكالمة.

الشيء الفظيع والجميل في الدماغ هو أنَّه بمجرد أن يتعلم شيئاً ما - حتى فكرة متكررة - يصبح من السهل صياغة هذا الشيء لاحقاً؛ كل تلك الأسابيع من التفكير السيئ حولت الفكرة إلى روتين. فكِّر في أفكارك على أنَّها المحرك لأداء الإنسان وأنَّ مشاعرك الناتجة هي الوقود، ولضمان تقديم أفضل أداء، تحتاج إلى تحكم قوي بالمحرك وأفضل وقود يمكنك تكوينه.

إليك بعض الأمثلة التي ستساعدك على التفكير جيداً لتعمل بشكل جيد:

  • لا تعِش أو تعمل استجابة لظروف لا يمكنك التحكم بها؛ بل عش واعمل استجابة لما يمكنك التحكم به، والأهم من ذلك أفكارك الخاصة.
  • اختر التفكير تفكيراً مدروساً وبعيداً عن السلبية قدر الإمكان، وحافظ على أفكارك واقعية ولكن أيضاً مليئة بالتفاؤل، وخاطب نفسك قائلاً: "أنا لا أستمتع بإجراء تلك المكالمات؛ ولكنَّها ليست بهذا السوء وأشعر بأنَّني أكثر ارتباطاً بأقسام الشركة المختلفة".
  • إذا كنت تتوقع أنَّ حدثاً قادماً قد يكون صعباً، فهيِّئ المشاعر التي تفضل تجربتها من خلال التخطيط لكيفية تفكيرك عند وقوع الحدث.
  • على الرغم من أنَّ الأفكار تخلق المشاعر، يمكنك اختيار شعور مفيد واستعماله لتنشيط أفكارك؛ ففكر بحماسة في أداء المهمة، وفكر في الشجاعة للارتقاء فوق أيِّ مخاوف.
  • صُغ عبارات طمأنة واستعملها بشكل متكرر، مثل قول: "أنا أساعد الآخرين على إجراء تلك المكالمات، أنا جيد في التعامل مع تلك المحادثات، أشعر بالحماسة عندما نحل المشكلات معاً".
  • استعمل خيالك لتصور نفسك مستمتعاً بإنجاز مهمة ما وتنجح بدرجة عالية من الثقة والحماسة، وشاهد نفسك تُجري المكالمة دون أيِّ مخاوف أو قلق، وانظر إلى نفسك تبتسم في أثناء إجراء تلك المكالمات.
  • حدِّد كيف ستُكافِئ نفسك لأداء مهمة بنجاح وفكِّر في مدى شعورك بالرضى عند الاستمتاع بهذه المكافأة.
  • حافظ على مرونتك العقلية للإشراف على أفكارك وأنت مرتاح جيداً مع ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي والحفاظ على رطوبة جسمك.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة