فروع علم الفلك ورواده

إنَّ مراقبة وتأمُّل النجوم والشمس والقمر والمجسمات التي تشكلها النجوم قديمةٌ قدم التاريخ، وقد استخدمها الناس في مختلف الأزمنة والعصور، فمنهم من استخدمها بوصفها آلهةً، ومنهم من بحث عن الحقيقة من خلالها كما ورد في قصة سيدنا "إبراهيم" عندما بحث عن حقيقة وجود الإله، وقد أخبرنا القرآن الكريم بذلك، ولم يقتصر الأمر على هذا فقط؛ إذ يروي التاريخ أنَّ "كسرى" حاكم الفرس نظر يوماً في النجوم وقال: "إنَّه يومٌ يولَد فيه شخصٌ عظيم"، وكان ذلك اليوم هو يوم ولادة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.



على مر التاريخ كان البشر يحدقون في السماء لأسبابٍ كثيرةٍ، منها معرفة الوقت أو الاتجاهات عند الإبحار في المحيطات الشاسعة، أو لتحديد موعد زراعة المحاصيل، كما ازدادت رغبتهم في التحقق ودراسة الأجرام السماوية بالتفصيل نتيجة الفضول الذي يعتريهم عندما يرون هذه السماء المرصعة بها والغموض الذي يتملكها، وهكذا وُلد علم الفلك الطبيعي، فتعالوا معنا لنلقي نظرةً على الفروع المختلفة لهذا العلم، ونتعرف إلى الرواد والعلماء المذهلين الذين ساعدونا على فهم كوننا.

تعريف علم الفلك:

علم الفلك هو الدراسة العلمية لجميع الأجرام السماوية، فيه يراقب العلماء الفضاء ويدرسون المجرات والكواكب والنجوم والمذنبات والنيازك والظواهر المختلفة التي تنطوي على الأجسام في الفضاء، ويُعَدُّ علم الفلك أقدم العلوم الطبيعية ومحط تركيز البشر منذ بدء الحضارات، وجاء مصطلح (Astronomy) من الكلمة اليونانية (Astro) التي تعني نجم، و(Nomos) التي تعني قانون، وتركيبهما يعني علم الفلك (Astronomy) قانون النجوم.

فينبغي عدم الخلط بين علم الفلك (Astronomy) والتنجيم والأبراج (Astrology)، فالأبراج والتنجيم هما الدراسة التي تتناول الحركات والمواقع النسبية للأجرام السماوية وتأثيرها في الشؤون الإنسانية والحياتية، ويجب التنويه إلى أنَّ مجال الأبراج لا يُعَدُّ علماً ولم يعد معترَفاً به على أنَّه شيءٌ له علاقة بعلم الفلك.

فروع علم الفلك:

توجد أعدادٌ كبيرةٌ من الأجرام السماوية التي يدرسها علماء الفلك؛ لذلك يُقسَم علم الفلك إلى فروعٍ مختلفةٍ يختص كل فرعٍ منها بنوعٍ من الأجرام كما سنشاهد أدناه:

1. علم الفلك الكوكبي:

علم الفلك الكوكبي هو دراسة الكواكب والأجسام الكوكبية، ومن ذلك الأقمار والمذنبات والكويكبات، ويدرس العلماء في هذا المجال أجواء الكواكب والكواكب الخارجية والأسطح والأجزاء الخارجية للكوكب وتوزُّع الكواكب حول النجوم الأخرى، كما يبحثون في المتطلبات الكونية الأساسية اللازمة لتشكيل أجسامٍ كوكبيةٍ جديدةٍ وإمكانية الحياة فيها، ويُعَدُّ العالم "جاليليو جاليلي" من أشهر علماء الفلك الكوكبي ويكنَّى بأبي الفلك الرصدي.

2. علم الفلك الشمسي:

يركز هذا الفرع من علم الفلك تحديداً على النجم الأصفر (Sol) والمعروف لدينا باسم الشمس؛ إذ درس علماء الفلك الشمسي أنظمة هذا النجم وخصائصه، كغلافه الجوي وديناميكيته المائية المغناطيسية والرياح الشمسية والإشعاع وغير ذلك، كما يبحثون في كيفية تأثير الشمس فينا هنا على الأرض، ويُعَدُّ "نيكولاس كوبرنيكوس" أول عالم فلكٍ شمسيٍ، وهو الذي اقترح نظرية مركزية الشمس التي تنص على أنَّ الأرض والكواكب تدور حول الشمس.

3. علم الفلك النجمي:

علم الفلك النجمي هو علمٌ يختص بدراسة الشمس والنجوم، ويبحث العلماء فيه عن كيفية ولادة النجوم ومكوناتها وتطورها على مدار حياتها الطويلة، وكيف تموت وماذا يحدث حين تموت، وتُعَدُّ "آني جمب كانون" من أوائل رواد علم الفلك النجمي، ويرجع الفضل إليها في تطوير نظام التصنيف النجمي؛ إذ يتم من خلاله تصنيف النجوم وفقاً لدرجة الحرارة التي تنتجها وحجمها ولونها.

4. علم الفلك المجري:

يقع كوكب الأرض داخل مجرة درب التبانة؛ وهي مجرةٌ تدور حول ثقبٍ أسود هائلٍ، ويركز العلماء الذين يدرسون علم الفلك المجري أو علم الكون المجري على التطور الكيميائي والنجمي وكيفية تشكل النجوم ومكوناتها وحركة مجرة درب التبانة والثقوب السوداء.

يساعدنا هذا المجال على فهم مجرتنا، وبمجرد أن نفهم درب التبانة فهماً أفضل ستكون لدينا أفكارٌ واسعةٌ عن أصل مجموعات المجرات المحلية الأخرى، وتُعَدُّ "هينريتا سوان لييفيت" رائدةً في علم الفلك المجري، وهي التي اكتشفت متغير (Cepheid)؛ وهو عبارةٌ عن مجموعةٍ من النجوم المتغيرة العملاقة ذات لمعانٍ أكبر بـ 500 إلى 30000 مرة من لمعان الشمس.

5. علم الفلك الرصدي:

يتعامل هذا الفرع من علم الفلك مع مراقبة الأجرام السماوية بالأجهزة الفلكية؛ إذ يستخدم علماؤه نماذج حاسوبيةً معقدةً لتحليل نتائج المراقبة لفهم العمليات الفيزيائية المسؤولة عن ظهور المستعرات الأعظمية والكواكب الخارجية والنجوم المتغيرة بشكلٍ أفضلٍ.

يُقسَم علم الفلك الرصدي إلى تخصصاتٍ عدة كما يأتي:

1. علم الفلك الراديوي:

وهو دراسة الأجرام السماوية ذات الترددات الراديوية فوق 300 ميكرومتر.

2. علم الفلك دون الميليمتر:

وهو دراسة الأجرام السماوية ذات الأطوال الموجية الأقل من الميليمتر - بين 200 ميكرومتر إلى 1 ميليمتر - وتُستخدم نتائجها وملاحظاتها في تحديد تكوين المجرات.

3. علم الفلك بالأشعة تحت الحمراء:

يدرس هذا العلم الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من الأجرام السماوية، وتعطي بيانات مثل هذه الدراسات نظرةً واسعةً عن كيفية وتوقيت تشكل الكون.

4. علم الفلك البصري:

يدرس هذا العلم الأجسام في الكون التي هي ضمن نطاق التلسكوبات البصرية.

5. علم الفلك فوق البنفسجي:

يدرس هذا العلم الملاحظات التي تنشأ عن نطاق الأشعة فوق البنفسجية لتحليل التركيب الكيميائي وقياس درجات الحرارة الداخلية اللبية والخارجية السطحية للنجوم الفتية، كما تعطي الملاحظات معلوماتٍ عن طبيعة المجرات أيضاً.

6. علم الفلك بالأشعة السينية:

وهو دراسة ومراقبة الأشعة السينية الصادرة عن الكواكب التي تساعد على الكشف عنها وعن الأجسام الكوكبية الأخرى.

7. علم الفلك بأشعة غاما:

يتضمن هذا العلم المراقبة الفلكية لأشعة غاما باستخدام تلسكوبات أشعة غاما، وتُعَدُّ نتائج هذا المجال هامةً في علم الفلك خارج المجرة وفي دراستها.

8. علم فلك الأشعة الكونية:

الأشعة الكونية ومن ذلك البلازما هي عبارةٌ عن إشعاعٍ عالي الطاقة ينشأ خارج النظام الشمسي، ولدراسته أهميةٌ كبيرةٌ؛ وذلك نظراً لتأثيرات هذه الأشعة الكونية في الإلكترونات الدقيقة والحياة.

9. علم فلك النيوترينو:

يدرس هذا العلم الأجرام السماوية بأجهزة كشف النيوترينو؛ إذ تنشأ النيوترينوات بشكلٍ رئيسٍ من الاضمحلال الإشعاعي خاصةً في الشمس، وما يزال هذا المجال في مهده، فالمعلومات والاكتشافات فيه ما تزال ضئيلةً، ومصادر النيوترينوات الكونية الوحيدة المؤكدة حتى الآن هي الشمس والمستعر الأعظم (SN1987A).

10. علم فلك الموجات الثقالية (الجاذبية):

تُستخدم موجات الجاذبية في الكون لدراسة وتحليل النجوم النيوترونية والثقوب السوداء والمستعرات الأعظمية وتأثيراتها في بعضها وفي الكواكب والأجرام من حولها.

الفيزياء الفلكية:

الفيزياء الفلكية هي فرعٌ من فروع علم الفلك، يتعامل مع العمليات الفيزيائية في الكون، ويستخدم البيانات التي جمعها علماء الفلك ويجمعها مع قوانين ونظريات الفيزياء لتفسير الكون.

التخصصات الفرعية الرئيسة للفيزياء الفلكية النظرية هي:

1. علم الكونيات الفيزيائي:

يدرس هذا العلم أصل الكون ككل.

2. علم الفيزياء الفلكية عالية الطاقة:

وهو دراسة الظواهر عالية الطاقة مثل نوى المجرة النشطة والنجوم العظمى وانفجارات أشعة غاما والكوازارات "أجسامٌ فلكيةٌ ذات لمعانٍ عالٍ جداً توجد في مراكز بعض المجرات".

3. الفيزياء الفلكية بين النجوم:

دراسة الوسط بين النجوم والوسط بين المجرات.

4. علم الفلك خارج المجرة:

دراسة المجرات خارج مجرة درب التبانة ومن ذلك تكوينها.

5. الفيزياء الفلكية للبلازما:

تتناول دراسة البلازما في الفضاء الخارجي.

6. الفيزياء الفلكية النسبية:

وهي دراسة تأثيرات النسبية الخاصة والنسبية العامة في سياقاتٍ تشمل موجات الجاذبية وعدسات الجاذبية والثقوب السوداء.

7. الفيزياء الشمسية:

وهي دراسة الشمس وتفاعلها مع باقي النظام الشمسي والفضاء بين النجوم.

علم الأحياء الفلكي:

يطلق على علم الأحياء الفلكي أيضاً اسم علم الأحياء الخارجية "إكسوبيولوجي" أو "زينوبيولوجي"؛ وذلك لأنَّه يتعامل مع دراسة الحياة خارج كوكب الأرض، ويشمل هذا العلم متعدد التخصصات علم الأحياء والجيولوجيا وعلم الفلك.

يبحث علماء الأحياء الفلكية فيما إذا كانت الكواكب الأخرى وأقمارها يمكن أن تدعم الحياة عليها، ويشارك بعضهم في التحقق من الإشارات الراديوية التي نستقبلها من مجراتٍ أخرى، بينما يبحث آخرون عن البيئات التي قد توجد فيها كائناتٌ وحيدة الخلية أو ماء.

الجيولوجيا الفلكية:

تُعرف الجيولوجيا الفلكية أيضاً باسم جيولوجيا الكواكب أو الجيولوجيا الخارجية، وهي دراسة جيولوجيا الأجرام السماوية، كالكواكب وأقمارها والكويكبات والمذنبات والنيازك.

يستخدم علماء الجيولوجيا الفلكية فيها التقنيات الجيوفيزيائية والكيمياء الجيولوجية وغيرها من المجالات الجيولوجية لتحليل عينات الصخور من القمر والكويكبات والكواكب الأخرى.

علم القياس الفلكي:

علم القياس الفلكي هو فرعٌ من فروع علم الفلك يدرس مواقع وحركات الأجرام السماوية، وتوفِّر البيانات التي يتم الحصول عليها بواسطة القياسات الفلكية معلوماتٍ عن علم الحركة والأصل المادي للنظام الشمسي ودرب التبانة.

لقد كانت مهمة قياس التداخل الفضائي (SIM Planet Quest) التي خططت لها وكالة ناسا وتم إلغاؤها الآن مهمةً تسعى إلى استخدام تقنيات القياس الفلكي لاكتشاف الكواكب الصغيرة (مثل كوكب الأرض)، والتحقيق في إمكانية الحياة عليها.

رواد علم الفلك:

تعرَّف معنا إلى عدد من رواد علم الفلك الذين أغنوا ووسعوا مداركنا وفهمنا ومعرفتنا عن عالمنا وكوننا تدريجياً طوال آلاف السنوات الماضية بفضل جهودهم ومساهماتهم، ومن بينهم:

1. نيكولاس كوبرنيكوس (1473 – 1543):

عالم رياضياتٍ وفلكٍ بولنديٍ، أدى افتتانه بالأرقام والأجرام السماوية إلى صياغة نظرية مركزية الشمس في الكون.

2. تايكو براهي (1546 – 1601):

عالم فلكٍ دنماركيٍ ومعاصرٍ لـ "كوبرنيكوس"، قام بفهرسة مئاتٍ من النجوم وقياس مدار المريخ؛ وهذا مهَّد الطريق لقوانين "كبلر" لحركة الكواكب وقانون "نيوتن" للجاذبية.

3. جاليليو جاليلي (1564 – 1642):

المعروف باسم أبي علم الفلك الرصدي، وكان أول من استخدم التلسكوب لرصد السماء، ويُنسب إليه أيضاً اكتشاف أطوار كوكب الزهرة وأكبر أربعة أقمارٍ تابعةٍ لكوكب المشتري:

(Ganymede)، (Callisto)، (Europa)، (Io).

4. يوهانس كيبلر (1571 – 1630):

كان أول من اكتشف أنَّ الكواكب تسير في مداراتٍ إهليجيةٍ بدلاً من المدارات الدائرية، كما قام بالعديد من الاكتشافات الخارقة مثل تأثير القمر في المد والجزر واللوغاريتمات وقانون التربيع العكسي لشدة الضوء، وقد قادت قوانينه الخاصة بحركة الكواكب "نيوتن" إلى اقتراح قانون الجاذبية.

5. إسحاق نيوتن (1642 – 1727):

لم يستنتج "نيوتن" قوانين الحركة والجاذبية في كتابه المبادئ الأساسية فحسب؛ بل اخترع أيضاً حساب التفاضل والتكامل لمساعدة العلوم الفيزيائية، وبنى أيضاً أول تلسكوبٍ عاكسٍ في العالم.

6. ألبرت أينشتاين (1879 – 1955):

اشتهر بنظرية النسبية التي هي الآن إحدى الركائز الرئيسة في الفيزياء الحديثة، وقد ساهمت علاقة الطاقة بالكتلة لـ "أينشتاين" E=MC2 أيضاً في الدراسات الفلكية.

7. إدوين هابل (1889 – 1953):

هو أمين قانون "هابل" الذي كان بمنزلة حجر الأساس لنموذج نظرية الانفجار العظيم، كما اكتشف هذا العالم الأمريكي مجرات (Triangulum) و(Andromeda Nebula) وبهذه الاكتشافات فك شيفرة الطبيعة الشاسعة والمعقدة لكوننا العظيم.

إقرأ أيضاً: 16 معلومة لا تعرفها عن الفضاء الخارجي

8. ستيفن هوكينغ (1942 – 2018):

عالم فيزياءٍ نظريةٍ وعالم كوزمولوجي إنجليزي، قدم دليلاً رياضياً على وجود الثقوب السوداء التي استطعنا رؤيتها في السنتين الماضيتين حسب ما صرحت وأظهرت وكالة ناسا.


إقرأ أيضاً: الكواكب الأرضية (الكواكب الداخلية): تعريف وحقائق مثيرة للاهتمام

في الختام:

لقد تحدَّثنا في هذا المقال عن علم الفلك وفروعه وبحثنا في الفيزياء الفلكية والبيولوجيا والجيولوجيا الفلكية، بالإضافة إلى علم القياس الفلكي، وذكرنا عدداً من أبرز رواد هذا العلم على مر التاريخ.




مقالات مرتبطة