فائدة المنتقدين ولماذا تحتاج إليهم

لا أحد يحبُّ الشخص الناقد، مثل: الزميل الذي يتجاهل اقتراحاتك في الاجتماع، أو المُراجِع الذي قيَّم عملك، وقال: إنَّه سيئ، أو مدرِّس المدرسة الثانوية الذي قال إنَّك لن تنجح أبداً؛ لذا النصيحة الطبيعية هي تجاهل منتقديك، والتقدم في عملك بشجاعة، وإثبات غلطهم؛ فالمنتقدون أشخاص حاسدون وحاقدون وأشرار.



أما أنا فأرى المنتقد رؤية مختلفة، فلا يقتصر الأمر على كونه شخصاً كارهاً أو عدواً؛ بل إنَّ وجوده ضروري أيضاً، وإن لم يقدم أيَّة مساعدة؛ فأنت بحاجة للعيش في عالم يوجد فيه من ينتقدك.

المنتقدون ليسوا أعداءً:

في مجال الاستثمار يمكنك الاحتفاظ بسهم؛ إمَّا احتفاظاً طويل الأجل، أو قصير الأجل؛ أمَّا الاحتفاظ الطويل؛ فهو أنَّك تستثمر في "الأصل"، فعندما تربح الشركة تربح أنت أيضاً.

وعلى النقيض من ذلك، يقترض البائعون على المكشوف (Short-sellers) الأسهم التي لا يملكونها، مع وعد بدفع ثمنها لاحقاً بسعر معين، وبدلاً من الاستفادة عندما تنجح الشركة؛ فهم يستفيدون استفادة كبيرة إذا انخفضت الأسعار، ولأنَّهم يربحون بينما يخسر الآخرون؛ فإنَّ  كثيراً من الناس لا يحبُّون البائعين على المكشوف.

مع ذلك، كما يمكن لأيِّ شخص لديه خلفية في الاقتصاد أن يخبرك أنَّ وجود البائعين على المكشوف أمر حيوي وضروري؛ فمن دونهم من الممكن المزايدة على الأسعار فقط، وليس خفضها، والفقاعات الاقتصادية (Economic bubble) شائعة؛ لأنَّ نفس المجموعة من الأشخاص المتحمسين يرفعون الأسعار من دون أيِّ طريقة للمتشككين لتهدئة الأمور.

الأفكار مثل: الأسهم، والمنتقدون مثل: البائعين على المكشوف؛ فهم يمنعونك من المبالغة في تقدير أفكارك والإفراط في الترويج لها إلا بعد فشلهم.

لماذا قد تحتاج إلى منتقديك؟

قد ترغب في العيش في عالمٍ مليءٍ بالعمل والأفكار والأداء؛ إذ تُقيَّم جهودك تقييماً مناسباً، فكثير من النقد والتغذية الراجعة السلبية أمر سيئ بالطبع، لكن كذلك كثير من الثناء سيئ أيضاً.

قد تواجه الأفكار خطر المبالغة في تقدير قيمتها عندما يفوق الترويج لها قيمتها الحقيقية، فأنا من أشدِّ المعجبين بأفكار، مثل: الممارسة المتعمدة، وعقلية النمو، وتأمل اليقظة الذهنية، لكنَّ هذه الأفكار أيضاً خرجت عن نطاق الفائدة المأمول منها، فصارت تُعدُّ الدواء الشافي لكلِّ مرض، والحلَّ الناجم لكلِّ مشكلة، وعندما تفشل هذه الوعود حتماً؛ فإنَّ رد الفعل العنيف قد يدفع الناس إلى التخلي عمَّا هو جيد فيها.

ربما تكون النظرة الأفضل - الحلُّ الوسط - أنَّ هذه الأفكار مفيدة، ولكنَّها محكومة بقيود، ولها عيوبها أيضاً.

شاهد بالفديو: كيف تتقبل النقد وتتعامل مع الانتقادات السلبية في العمل؟

تجربتي مع المنتقدين:

لقد تلقيت مجموعة متنوعة من ردود الفعل عن عملي الخاص، مثل: تحدي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT Challenge)، فمن ناحية تلقيت هجماتٍ من طلاب معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)؛ فهم لا يحبُّون افتراضاتي، أو من ذوي الخبرة في هذا المجال الذين لا يحبُّون الطريقة التي أُدير بها هذا التحدي، وعلى الرَّغم من أنَّني لا أتفق دائماً مع كلِّ تفاصيل انتقاداتهم، إلا أنَّني أقدِّر حقيقة وجودهم.

من ناحية أخرى، مع ذلك ليس صحيحاً أيضاً أن يكون أكبر المعجبين بي على حقٍّ دائماً؛ فعلى الرَّغم من جهودي في أن أكون واضحاً، سألني بعض الأشخاص أيضاً كيف دفعت معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لمنحي درجة علمية -مع عدم وجود تقديرات رسمية يمنحها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أو درجة علمية أو غير ذلك-  أو الاعتقاد أنَّني الآن حاصل على ماجستير في البرمجة على المستوى المهني، فقد كانت معظم دروسي في الرياضيات، ولم أحضر دروساً في برمجة الويب، على سبيل المثال.

في حين أنَّني آمل أن يرى الناس مشاريعي بالطريقة التي أراها بها؛ فإنَّ المنتقدين الأكثر قسوة والمعجبين يحققون التوازن، ومن دون كليهما؛ فإنَّني سأقع في فخ المبالغة بصحة عملي.

في حين أنَّه ليس من الممتع دائماً أن تتعرض للنقد، فإنَّ أولئك الذين لا يحبُّون عملك، يجبرونك على أن تكون أكثر صرامةً وصدقاً وحذراً فيما تفعله، ومن الممكن أن تولي كثيراً من الاهتمام لهذا، ويصبح عملك رد فعل على أكبر منتقديك، ومع ذلك في نفس الوقت، من الممكن عدم الاهتمام بهذا الأمر، وجعل عملك مليئاً بالثغرات الواضحة التي لن يتجاهلها سوى المعجبون المتحمسون.

إقرأ أيضاً: النقد الإيجابي البنّاء

كيف تفكر في منتقديك؟

عندما تتعرض للانتقاد سواء كان ذلك في العمل، أم من صديق، أم من شخص غريب لا تعرفه حتى، أظنُّ أنَّ ديك بعض ردود الفعل المحتملة المفيدة:

1. هذه معلومات مفيدة وسأقوم بإجراء تغيير بناء عليها:

الطريقة الأولى للرد هي الاستفادة من النقد؛ فإذا كان بنَّاءً بطريقةٍ ما؛ أي يشير إلى عيب ما في عملك يمكنك معالجته، فهذه هي أفضل نتيجة ممكنة.

في بعض الأحيان لن يحدث التغيير على الفور، لكن ستتمكن من الاحتفاظ بهذا النقد، والاستفادة منه في وقت لاحق، وكان أحد الانتقادات التي واجهتها لتحدي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا هو تصحيح الامتحانات بنفسي؛ لأنَّه لم يكن لديَّ المال لتوظيف مصححين مؤهلين، فكان أفضل ما يمكنني فعله هو تصحيحها بنفسي، وتحميلها على الإنترنت حتى يتمكن الآخرون من رؤيتها.

مع ذلك، فقد وضعت ذلك في الحسبان؛ لذلك عندما حان الوقت للقيام بمشروع تعلُّم اللغة الخاص بي، وأردت قدراً من الموضوعية لتقدمي في اللغة الصينية، اخترت امتحان لغة موحد.

2. هذا النقد المحدَّد غير مفيد لكن يجب أن أدرك أنَّه موجود:

يكون المنتقدون أحياناً مخطئين، فهم يكرهون عملك بسبب أشياء لا يمكنك تغييرها، وبدلاً من ذلك قد يكرهونك لأسباب مختلفة عن تلك التي يهاجمونك من أجلها؛ لذا فإنَّ إرضاءهم مستحيل.

قال أحد منتقدي برنامج "عام من دون اللغة الإنجليزية" (Year Without English): "لأنَّني كنت ما أزال أكتب باللغة الإنجليزية، وأتحدث إلى عائلتي في الوطن باللغة الإنجليزية، لم يكن ذلك أسلوباً جيداً للتعلم، وفي هذه الحالة أنا أختلف تماماً"، فلا أظنُّ أنَّ المسوغات التي ساقها ستُحدث فرقاً كبيراً في وقت التدريب الكلِّي؛ بل ستجعل حياتي أكثر صعوبة.

حتى في مثل هذه الحالات، أظنُّ أنَّ إدراك النقد يمكن أن يساعدك على الشعور بردود الفعل تجاه عملك؛ فإذا كنت ستفعل شيئاً يلقى كثيراً من النقد، فسوف تتعامل معه معاملة مختلفة، ويمكن أن يكون هذا النوع من التغذية الراجعة مفيداً، وإن كنت لن تتبع نصيحة من يكرهونك.

إقرأ أيضاً: كيف تقدم تغذية راجعة بناءة في مكان العمل؟

3. يمكنني تجاهل هذا النقد لكنَّه ما يزال يخدم غرضاً أوسع:

يمكنني التفكير في ردود الفعل السلبية أو المنهكة لدرجة أنَّه من الأفضل تجاهلها تماماً؛ فالشخص العدواني في كراهيته لك لأسباب لا يمكنك تغييرها أو عدم رغبتك في ذلك، يمكن أن يجعل من الصعب العمل والتحفيز.

في هذه الحالات، أظنُّ أنَّه من الجيد تجاهل الأشخاص الذين يكرهونك، فلست بحاجة إلى قراءة كلَّ نقد سلبي غير مُحكَّم لك ولجهودك.

لكن في نفس الوقت، هؤلاء هم خلاف الأشخاص الذين يقدِّمون لك نقداً إيجابياً غير مُحكم، هؤلاء هم الأشخاص الذين يتفاعلون معك تفاعلاً عميقاً بطريقة سلبية تماماً كما قد يتفاعل الآخرون تفاعلاً إيجابياً، وعلى الرَّغم من أنَّهم قد لا يقدِّمون لك أيَّة فائدة، إلا أنَّهم قد يعملون على جعل توازن الأفكار أكثر دقة على الأمد الطويل.

إذا كان بإمكانك رؤية أسوأ منتقديك في ضوء ذلك، أظنُّ أنَّه من الأسهل بكثير قبولهم وتقديرهم، وإن لم تتفق معهم.

المصدر




مقالات مرتبطة