عندما يكون من الضروري تجديد أو إنهاء صداقة قديمة

لا شيء يستمر بالطريقة التي بدأ بها، بما في ذلك نحن؛ إذ إنَّنا، لحسن الحظ، نتغير ونتطور على مدى الحياة، وغالباً ما تحتاج صداقاتنا الأطول والأعز إلى التغيير أيضاً لمواكبة ما نحن عليه، ومع ذلك، فإنَّ تغيير طبيعة الصداقة طويلة الأمد، لا يكون سهلاً في العادة، ناهيك عن أنَّها قد تنتهي عند محاولة تغيير طبيعتها، وفي بعض الأحيان، تكون الصداقة رهناً بما كنَّا عليه في يوم من الأيام، أو بما إذا كنَّا على استعداد لأن نكون ذاك الشخص الذي كنَّا عليه.



التقت "ليزا" (Liza) بصديقتها "كالي" (Callie) عندما كانتا طالبتين مستجدتين في الكلية، وسرعان ما أصبحتا صديقتين مخلصتين، وبعد التخرج، حصلت كلتاهما على وظيفة في "نيويورك" (New York)، وعاشتا في منزل واحد معظم فترة العشرينيات من عمرهما، وفي نهاية المطاف، تزوجت كلتاهما وأسست عائلة، وانتهى بهما الأمر إلى العيش في مدن مختلفة؛ لكنَّ الصداقة ظلَّت قوية، وبعد 38 عاماً، كانت لديهما حياة من التاريخ المشترك، وكانت "ليزا" تَعُدُّ "كالي" واحدة من أهم وأعز صديقاتها.

لكن بعد ذلك، تغيَّر شيء ما؛ إذ وقع حادث جعل "ليزا" تدرك تغيُّراً غير معلن في الصداقة التي كانت جزءاً منها لعقود، وما أصبح واضحاً أيضاً، أنَّ "ليزا" لم تكن على استعداد للمشاركة في هذا النمط، وأداء هذا الدور بعد الآن.

بدأت الحادثة بعد أن صارحت "ليزا" صديقتها "كالي" بشأن تجربتها معها؛ إذ أخبرت صديقتها العزيزة أنَّ شيئاً ما كانت تفعله "كالي" وكان يسبب الإزعاج بالنسبة إليها، ثم سألتها عمَّا إذا كانت ستغير سلوكها.

لكنَّ ما حدث جعل "ليزا" تدرك أنَّ صراحتها تلك حرضت في صديقتها القديمة ما كان كامناً على الدوام، وإلى حد ما، يتحكم في الصداقة، أو على الأقل في دورها فيها، لقد كان رد "كالي" على سماع تجربة "ليزا" هو الصمت، ومن ثم الابتعاد عن الصداقة من دون تفسير، وعلى حد تعبير "ليزا"، لقد غابت طويلاً وكأنَّها تعاقبها.

شاهد بالفيديو: صفات الصديق الحقيقي

عندما طلبت "ليزا" بعد ذلك أن يتحدثا في الأمر، واجهَتها "كالي" بسلسلة من الأشياء التي فعلَتها "ليزا" على مر السنين، والتي لم تكن "كالي" موافقة عليها، لكنَّها لم تقل أيَّ شيء عنها، وسرعان ما أصبحت بين يدي "ليزا" قائمة طويلة وموثقة جيداً عن اعتداءاتها ومشكلاتها، وهي أدلة على سبب كونها صديقة سيئة ومذنبة وتستحق غضب "كالي".

كانت هناك، في الواقع، أحداث عديدة في الصداقة اختفت فيها "كالي" بشكل غير مبرر وتوقفت عن الرد، وفي واحدة منها لسنوات عدة، كانت هناك العديد من المرات التي قالت فيها "ليزا" شيئاً بسيطاً أو أساءت فهم شيء ما قالَته "كالي"، مع عدم وجود سوء نية، ثم في وقت لاحق، تبيَّن أنَّ "كالي" قد غضبت حول هذا التعليق، وعلق في ذهنها وبنت عليه القصص والأدلة ضد "ليزا" في رأسها.

في تلك المشكلة الأخيرة، أدركت "ليزا" تماماً القواعد الرابطة مع "كالي"، والدور الذي كانت تؤديه للحفاظ على صداقة سليمة، وفي الوقت نفسه، أدركت حقيقة نفسها؛ إذ كانت حريصة دائماً في أثناء التعامل مع "كالي"، وكان عليها دائماً أن تعمل بجد حتى تتجنب الزلات معها.

إقرأ أيضاً: شروط تكوين صداقة حقيقية

لقد أدركت أنَّها كانت تعيش لعقود في خوف من غضب "كالي"، واختفاء صديقتها بسبب شيء سيئ فعلَته؛ إذ كانت القواعد غير المعلنة هي أن تتصرف "ليزا" كما أرادتها "كالي" أن تتصرف؛ لذلك أيضاً، عرفت "ليزا" داخلياً أنَّه لم يُسمَح لها بقول أيِّ شيء عن كيفية تأثير سلوك "كالي" فيها وكيف شعرَت تجاهها.

ما تشاركَته الصديقتان القديمتان هو الاعتقاد بأنَّ "ليزا" كانت مذنبة ومسؤولة عن كل خطأ حدث في الصداقة؛ إذ كانت بحاجة إلى أن تكون عند حسن ظن "كالي"؛ وذلك للحفاظ على الصداقة وعدم إعادة تأكيد ذنبها، في النهاية، أدركت "ليزا" الدور الذي وافقت من دون وعي على أدائه في الصداقة.

لكنَّ "ليزا" أدركت أيضاً كيف أنَّ صداقتها مع "كالي"، التي تشكلت عندما كانتا في الثامنة عشر من العمر، وقادمتين للتو من منازل طفولتهما، كانت نسخة مشابهة تماماً للعلاقة التي كانت تربطها بوالدتها؛ إذ شأنها شأن علاقتها بـ "كالي"، كانت تسحب حبها بشكل تدريجي بسبب شيء قالَته أو فعلَته "ليزا".

وبالمثل، كانت الرواية عن "ليزا" في علاقتها بوالدتها أنَّها مذنبة، وأنَّها ابنة أنانية حرمت والدتها من نوع الحب الذي تستحقه، في الوقت نفسه، كان هناك تفاهم على أنَّها لن تتحدث أبداً عن سلوك والدتها، أو تلفت نظرها حول كيفية تأثيرها في "ليزا"، وبالتأكيد، يجب ألَّا تناقش "ليزا" ما قد تحتاج إليه هي نفسها من والدتها وهي ابنة.

ليس من المستغرب أنَّ الدور الذي أدته في أطول صداقة لها، كان بالضبط كما كان في منزل طفولتها؛ حيث تولد طبيعة الحب والتعلق.

في هذه العلاقة مع صديقتها المقربة، كانت "ليزا" تؤدي دور المذنب نفسه؛ الشخص الذي لم يُسمَح له بالحصول على تجربته الخاصة، والآن أدركَت ذلك، وعرفَت أنَّ هذا النوع من التفاعل قد انتهى؛ إذ لا يمكن للصداقة أن تبقى كما كانت سابقاً، وهي لم تعد مستعدة للتصرف بحذر، وبطريقة لا يُحكَم عليها، وفي النهاية، لم تكن على استعداد للتخلي عن نفسها للحفاظ على الرابطة.

نفعل جميعاً هذا؛ نُقيم علاقات تعكس تجربتنا السابقة وتبقينا في الأدوار نفسها التي أدَّيناها مع أهلنا أو الأشخاص الهامين الآخرين، وإلى أن ندرك ذلك، فإنَّنا نتصرف بناءً على الافتراضات الأساسية حول ما تتطلبه العلاقة الحميمة، ومن يجب أن نكون حتى نشعر بالحب؛ ونتيجة لذلك، ينتهي بنا المطاف في صداقات طويلة الأمد غالباً ما تكون غير مرضية على المستوى الأعمق، وتجعلنا عالقين في الأنماط القديمة، ولا نحصل على ما نحتاج إليه حقاً.

ابدأ بالانتباه إلى الأدوار التي تؤديها في صداقاتك طويلة الأمد، والأشخاص الذين يجب أن تحافظ عليهم، لتحافظ على حبهم، وضع في حسبانك ما إذا كنت قد تغيرتَ، ثم مع التعاطف مع نفسك، ضع في حسبانك من أنت الآن، ومن تريد أن تكون في العلاقات في هذه المرحلة من حياتك، ومن أنت على استعداد لأن تكون، ومن لا تريد أن تكون.

إقرأ أيضاً: كيف تكوّن صداقات ناجحة إلى الأبد؟

الحقيقة هي أنَّنا لسنا ما كنَّا عليه عندما بدأَت بعض أقدم صداقاتنا، ومع ذلك، نتصرف كما لو كنَّا لم نتغير؛ وذلك غالباً على حسابنا الخاص، ويمكن لبعض الصداقات أن تحمي أصالتنا وتطورنا، وقد لا يستطيع بعضها الآخر، ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فعلينا التساؤل ما إذا كان علينا الحفاظ على هذه العلاقات.

يتطلب الأمر شجاعة لتفكيك قواعد الرابطة والاتفاقيات غير المعلنة حول من نحن ومن المفترض أن نكون في أطول صداقاتنا، لكن في النهاية، تُحررنا هذه العملية من أنماطنا القديمة، وتسمح لنا بتجربة صداقات جديدة وأكثر واقعية وقناعة، وإنَّ تسليط الضوء على العلاقة يتضمن دائماً المخاطر، لكن في هذه الحالة، يستحق الأمر ذلك.

المصدر




مقالات مرتبطة