عندما يبدع مريض اضطراب ثنائي القطب: الشاعر علي المولى

يتحدث الشاعر "علي المولى" عن تجربته مع اضطراب ثنائي القطب؛ إذ بدأ يشعر بصوت داخلي قد يكون نابعاً من اللاوعي، يخبره بأنَّه البطل وأنَّه المنقذ والمخلص لكل البشرية من عذاباتها وخطاياها، وأنَّ الله سبحانه وتعالى قد اختاره ليزيح عن الكون كل مصائبه.



سنتحدث في هذا المقال المميز عن أهم المحطات في مسيرة الشاعر "علي المولى" مع اضطراب ثنائي القطب، وكيف حوله هذا المرض من شخص عادي إلى إنسان مبدع وناجح ومتألق، وسنعرج على أهم الأساليب التي اتبعها من أجل التغلب على مرضه، وكيف كان لأفكار "كارل يونغ" الأثر الكبير في وصوله إلى مرحلة السلام الداخلي أو مرحلة التوازن التي ساعدته على أن يعيش حياته بشكل طبيعي نوعاً ما.

الشاعر "علي المولى" نبذه أصدقاؤه بسبب مرضه فكتب أجمل أشعاره:

أخبر "علي المولى" أصدقاءه بما كان يعتمل في داخله من مشاعر متناقضة، وتلك الأصوات التي كانت تخاطبه وتتحدث إليه، وللأسف الشديد لم يكن هناك أي رد فعل إيجابي من قِبلهم؛ بل على العكس من ذلك نبذوه، ولم يستمعوا له، وعَدُّوه مريضاً، وطردوه من العمل الذي كانوا يشتركون به؛ وهذا سبب لديه مشكلة في الثقة بمن حوله، فكتب أغنية "أزمة ثقة" التي تتحدث عن حالته.

دور العائلة في مساندة "علي المولى":

لم يجد "علي المولى" سوى عائلته التي احتضنته، وتحملت عصبيته واستوعبتها، وأخبروه بضرورة مراجعة الطبيب النفسي، ثم استفاق بعدها من نومه ووجد نفسه على سرير في مستشفى الأمراض النفسية والعقلية، وكانت هذه اللحظة صعبة جداً عليه؛ إذ بدأ بالصراخ ولكنَّه لم يستطع فعل أي شيء لأنَّه كان تحت تأثير المواد المهدئة التي أعطوه إياها.

وقد كان يذكر دائماً أخته الحنونة التي تركت كل حياتها وراء ظهرها وبقيت ملاصقةً له في تضحية لا مثيل لها، فكانت تذهب إلى الاستديو لمقابلة الفنانين والاتفاق معهم على تفاصيل العقد بخصوص بيع أشعاره ونشرها، في الأوقات التي يكون فيها عاجزاً عن متابعة حياته بسبب مرضه.

ولا ينسى دور أخيه الذي أتى من أجله من بلاد أخرى يساعده على كتابة أغنية لكي تكون شارة لأحد المسلسلات، وقد طرح عليه الكثير من الأفكار التي ساهمت في إعادة روح الكتابة إليه حسب وصفه.

دور دخول "علي المولى" إلى مستشفى الأمراض النفسية والعقلية في علاجه من اضطراب ثنائي القطب:

بدأ "علي" يرى المرضى من حوله في المستشفى وهم يقولون له إنَّهم أنبياء أو رسل أو ملوك تم اعتقالهم هنا في هذا السجن، وكان هذا الموقف أول خطوة في طريق تقبل ما أصابه وتقبل وجوده في مستشفى الأمراض النفسية والعقلية؛ إذ تأكد من أنَّه ليس الشخص الوحيد المصاب بالمرض، وهنا بدأ رحلة التماس العلاج، ويقول إنَّ هذه المرحلة كانت نصف العلاج.

في المرات القادمة التي دخل فيها "علي المولى" إلى المستشفى، أصبح يتعرف إلى المرضى الموجودين معه في القسم، ويسألهم عما يشعرون به من مشاعر، وكيف يتعاملون معها، ويستمع لقصصهم ومعاناتهم، ويقوم بإسقاط ما سمعه منهم على نفسه، والاستفادة منها فيما يخص حالته.

شاهد بالفديو: 7 طرق لتجنب التفكير الثنائي

هل كان "المتنبي" يعاني أيضاً من مرض اضطراب ثنائي القطب؟

بدأ "علي المولى" بالبحث عن مرضه فوجد الكثير من العظماء في التاريخ الذين كان لديهم هذا المرض، ولعلَّ أبرزهم هو الشاعر الكبير "المتنبي" الذي قامت السلطات في زمنه بسجنه لأنَّه ادَّعى النبوة، وأنَّه مُرسَل من قِبل الإله لكي يعيد الكون إلى وضعه الصحيح؛ ولذلك أُطلِق عليه لقب "المتنبي"؛ وذلك لأنَّه ادعى النبوة.

يمكن ملاحظة تضخُّم الأنا لديه من خلال مراجعة ما كتبه من أبيات شعرية، ولعلَّ أبرزها وأشهرها:

الخيل والليل والبيداء تعرفني       والسيف والرمح والقرطاس والقلم

هل كان "كارل يونغ" مصاباً بمرض اضطراب ثنائي القطب؟

لقد وجد "علي المولى" أيضاً ما يشبه مرضه عند أحد أكبر الفلاسفة عبر التاريخ، وهو "كارل يونغ" الذي كان لديه ما يشبه ذلك الصوت الداخلي الذي يخبره بأنَّه ذو قيمة عالية وشأن عالٍ في هذه الحياة، وقد أطلق "يونغ" على هذا الصوت الداخلي اسم الظل؛ إذ يقول "يونغ" إنَّ لكل إنسان في هذه الحياة ظل، وهو عبارة عن مجموعة من الصفات أو العناصر التي يكرهها الإنسان في نفسه؛ مثل الغيرة أو البخل أو الجبن، والتي قد لا يستطيع تغييرها فيعمل على إخفائها داخله.

يرى "يونغ" أنَّ الإنسان يتأثر بالعوامل والظروف الاجتماعية، وكذلك العادات والتقاليد التي يقوم بها مَن هم حوله؛ فإنَّ معرفة الإنسان بهذه الأمور تجعله يمارسها سواء كان مقتنعاً بها أم لم يكن، غير أنَّ هذا الظل الموجود داخل الإنسان لا يقتنع بضرورة هذه الأفعال، ويظل يخاطب صاحبه ويقرِّعه بسبب قيامه بما هو غير مقتنع به؛ أي إنَّ الظل الذي يتحدث عنه "كارل يونغ" لا يخضع للمؤثرات الخارجية أو الظروف الاجتماعية.

ما هي طريقة وصول مريض اضطراب ثنائي القطب إلى السلام الداخلي حسب "كارل يونغ"؟

السلام الداخلي

يؤكد "يونغ" أنَّ أفضل طريقة يصل بها الإنسان الذي يعاني من هذه التناقضات إلى السلام الداخلي، هي تحقيق التوازن بين الظل والشخصية الظاهرة، بحيث لا يقوم بإسكات الظل أو عدم الاستماع له لفترة طويلة؛ وهذا يؤدي إلى خسارة الميزات التي يتيحها له، وأيضاً مع مراعاة الظروف الاجتماعية والعادات والتقاليد السائدة في البيئة التي يعيش فيها الإنسان، كي لا يتعرض لأي صدامات بما يؤثر سلباً في سعادته ونوعية حياته.

إقرأ أيضاً: 9 نصائح تساعدك في الوصول إلى السلام الداخلي

كيف تمكَّن "علي المولى" من التعايش مع اضطراب ثنائي القطب؟

يقول الشاعر "علي المولى" إنَّه قد تمكَّن من التغلب على مرضه أو بالأحرى متابعة حياته بشكل ناجح ومنتج، بفضل اتباعه لاستراتيجيات عدة حيال ما كان يأتيه من أفكار، وكان أهمها:

  • يقول الأديب الروسي الكبير "فيودور دوستويفسكي": "لا تكبر، إنَّه فخ"، وهذا ما اتبعه "علي المولى" في مواجهة الأصوات التي تقول له إنَّه أكبر من كل المخلوقات أو نبي أو رسول أو مخلص، ويتذكر قصة فرعون في القرآن الكريم حين أراد أن يتحدى الله مما أدى إلى هلاكه.
  • يقول الإمام والفيلسوف والصحابي الجليل "علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه": "في حال كنت خائفاً من أمر ما، ارمِ نفسك فيه"، وقد اتَّبع "علي المولى" هذه المقولة، وأصبح لا يخشى مواجهة مخاوفه؛ بل يرمي نفسه داخلها ويواجهها بكل شجاعة.
  • يقول "علي المولى" إنَّه آمن بأنَّ جميع الصدف التي تحدث له أو حدثت له في حياته هي مقصودة من قِبل الحياة نفسها؛ إذ تريد بذلك أن تُعلِّمه أشياء جديدة لم يكن يعرفها من قبل، وأصبح ينظر إلى كل جديد في الحياة على أنَّه درس سيتعلم من ورائه مهارة جديدة.
  • ينصح "علي المولى" جميع مرضى اضطراب ثنائي القطب وأي إنسان آخر أن يتوقف عن إلقاء اللوم على من حوله فيما وصل إليه، فيجب على الإنسان أن يعمل من أجل تحسين حياته وإصلاح آليات تفكيره وطريقة تعامله مع الأمور.
  • ساعدت كتابة الأغاني صديقنا "علي" على التغلب على الأفكار التي تنتابه، فكان يلجأ إلى كتابة المشكلات أو الأزمات أو الدوامات الفكرية أو العاطفية التي يقع بها، ومن ثم يحولها إلى أغنية، وهو بذلك يتخلص من هذه الدوامة، وفي الوقت نفسه يصنع منها شيئاً منتجاً ومفيداً ساعده مساعدةً كبيرةً على تحوله من مريض نفسي إلى شاعر أو مبدع.
إقرأ أيضاً: نصائح مهمة لوقاية الأبناء من الأمراض النفسيّة

ما هو سبب انتشار الأغاني والأشعار التي ألَّفها "علي المولى"؟

لقد لاقت الأغاني التي ألَّفها الشاعر "علي المولى" إعجاباً كبيراً من جمهور الأغنية العربية، وكذلك من الفنانين الذين أخذوا يتسابقون من أجل الحصول على أشعاره، ويقول إنَّ سبب انتشار أغانيه على هذا النطاق الواسع جداً يعود إلى مخاطبة كلماته لإحساس الناس والروح البشرية التي تعج بالمشاعر والأصوات والأفكار المتضاربة والمختلفة.

في حقيقة الأمر، تُعَدُّ الأمراض النفسية محرضاً للإبداع في كثير من المجالات؛ وذلك لأسباب غير محددة بدقة، ويحاول بعض علماء النفس تفسير هذا الأمر، بالقول إنَّ المرض النفسي هو حالة خطر بالنسبة إلى دماغ الإنسان، وخصوصاً في بداياته؛ وهذا يدفع الدماغ إلى تشغيل بعض المراكز الدماغية وتحفيزها بشكل مفرط لمواجهة هذا الخطر؛ وهذا يؤدي إلى تحفيز مراكز الإبداع والعمل.

في الختام:

لا بد لنا أن نذكِّر القرَّاء بحقيقة هامة لا لبس فيها، وهي أنَّ المرض النفسي ليس عيباً ولا حراماً، وحاله حال أي مرض آخر يحتاج إلى زيارة الطبيب المختص ومن ثم يقوم الطبيب وحده بتقييم الحالة ووصف العلاج المناسب، ولعلنا نعتبر من قصة الشاعر "علي المولى" الذي يقول إنَّه لولا الطب النفسي لكان الآن وضعه سيئاً للغاية، ولربما كان يسير في الشوارع فاقداً لعقله ولأهله ولمهنته وعمله وكل شيء؛ لذا فهو يشجع كل الناس على مراجعة الطبيب النفسي عند الحاجة إلى ذلك.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة