علامات تدل على الإصابة بمتلازمة الاحتراق النفسي المهني

تُعتبر مشكلة الإرهاق من المشاكل الصحيّة التي يُعاني منها العديد من الأشخاص في العالم، وبالتحديد الإرهاق المهني الذي ينتابهم خلال ساعات العمل ويُرافقهم طوال اليوم، وهذا النوع من الإرهاق أطلق عليهِ علماء النفس اسم متلازمة الاحتراق النفسي المهني الذي سنتحدث عنه بشكلٍ مفصّل من خلال السطور التاليّة.



أولًا: ماهو الاحتراق النفسي المهني

الاحتراق النفسي المهني، هو مرض يتّسم بمجموعة من العلامات والأعراض والمتغيرات في السلوكيات المهنية، وفي بعض الأحيان تم رصد بعض المُتغيّرات في التكوين الجسدي والوظيفي وفي الكيمياء الحيويّة الجسمانيّة لدى بعض المصابين بهذا المرض، وتم تصنيف المرض وفقًا لتشخيص هذهِ الحالة من الإرهاق ضمن فئة الأمراض ذات المخاطر النفسيّة الإجتماعية المهنيّة، وذلك لأنّهُ ناتج عن التعرّض لضغوط العمل الدائمة والممتدة، ويُطلق على هذهِ المتلازمة باللغة الإنكليزيّة الاحتراق النفسي، وباللغة اليابانيّة الموت الناتج عن أعباء العمل الزائد.

ثانيًا: التعاريف المختلفة لمتلازمة الاحتراق النفسي

  • متلازمة الاحتراق النفسي هي عبارة عن عملية يستجيب فيها المهني الملتزم للإجهاد والتوتر اللذين يشعر بهما، فيتحرّر من قيود الإلتزام.
  • هي حالة من التعب والكبت والإحباط الناتجة عن التفاني لأجل قضية ما أو أسلوب حياة أو علاقة إنسانية تفشل في تحقيق النتائج المرجوة.
  • هي حالة فقدان تدريجي للطاقة والأهداف و المثالية لدى الأشخاص الذين يمارسون المهن القائمة على مساعدة الآخرين، بسبب طبيعة عملهم.
  • حالة من الإجهاد الناتج عن التعامل مع الآخرين في مواقف وجدانية شديدة.
  • هي حالة من الاحتراق النفسي الذي ينتج عن عدم التوافق المستمر بين خصائص الفرد والبيئة، والذي نادرًا ما يتم التعرف عليه، بل ويتم إنكارهُ في أغلب الأحيان، لهذا فإنّ حالة عدم التوافق هي السبب الأساسي وراء عملية تدهور الحالة النفسية، وعلى خلاف الظواهر الأخرى المسببة للتوتر، فإنّ مسببات التوتر البسيطة المرتبطة بحالة عدم التوافق لا تُنذر بالخطر ومن ثم فهى نادرًا ما يصحبها جهود تهدف للتوصل إلى أساليب التعامل الملاءمة. لذا فإنّ عملية تدهور الحالة النفسية قد تستمر طويلًا دون أن يتم ملاحظتها.
  • الاحتراق النفسي هو رد فعل شعوري تجاه التوتر الدائم والذي يكمن في الإنخفاض التدريجي، مع الوقت، لموارد الطاقة لدى الفرد الخاصة بقدرته على التعبير عن الإنهاك الوجداني، و التعب الجسدي، والملل المعرفي.
  • الاحتراق النفسي يأتي نتيجةً للضغط الوجداني المزمن، وله ثلاثة أبعاد:
  1. الإجهاد الوجداني أو البدني.
  2. انخفاض القدرة على الإنتاجيّة.
  3. تبدد الشخصيّة المفرط.

ثالثاً: أول الأطباء الذين اكتشفوا مرض الاحتراق النفسي

لقد ورد في كتب علم النفس المتخصصة بأنّ الطبيب والمعالج النفسي هربرت فرودنبرجر هو أول من أجرى أبحاثًا على متلازمة الاحتراق النفسي. ويعد بحثه بعنوان (الاحتراق النفسي لدى العاملين) المنشور عام 1974، أوّل محاولة لتوصيف هذه الحالة الوجدانية، وفيه أشار، إلى مصطلح (متلازمة الاحتراق النفسي) على أنّه حالة من الإنهاك يتعرّض لها العاملون المعالجون في العيادات المجانية، المستهلكون مهنيًا وانفعاليًا والذين يتعاملون مع مرضى الإدمان. وقد عرّف هذا الاحتراق على أنّهُ فقدان الدافعية لدى الشخص تجاه عمله، لاسيما عندما لا يؤدى انخراطه الشديد في العمل إلى النتائج المتوقعة.

كما وتعد كريستينا ماسلاك، الباحثة في علم النفس الاجتماعي، ضمن العلماء الذين ساهموا في فرض مفهوم الاحتراق النفسي وتأكيد صحته، فقد روت في بحث نُشر لها عام 1993، كيف قادتها الأبحاث التي أجرتها في السبعينيات، إلى اكتشاف متلازمة الاحتراق النفسي، وإن كان الإكتشاف حدث بمحض الصدفة، كما أشارت، فقد كانت تُعنى، في الأساس، بدراسة الإستراتيجيات المستخدمة في مواجهة حالات التحفيز الوجداني، لا سيما القلق التباعدي واللجوء للموضوعية كوسيلة للدفاع عن الذات.

رابعًا: الدراسات الإكلينيكيّة الأوليّة لظاهرة الاحتراق النفسي

شهدت الفترة ما بين سنة 1975 و1980، ظهور كبير للعديد من المقالات البحثيّة العلميّة المُتخصصة التي تناولت موضوع ظاهرة الاحتراق النفسي، التي كانت تحظى بإهتمام علمي وأكاديمي كبير، وفي أغلب الدراسات كان الباحث يصف طبيعة الأنشطة المهنيّة المُسببة للضغوط وما يُرافقها من أعراض، إلى جانب دراسة بعض الحالات الإكلينيكيّة التي توضح الأفكار الأساسيّة، وفي نهاية الدراسات كان يُقدم وصفًا عامًا للمرض، وبعض التوصيات المهمة، وكل هذهِ الدراسات يُمكن تلخيصها ببعض النقاط المهمة وهي:

أنّ هناك بعض المهن التي تُشكّل مخاطر أكثر من المهن الأخرى مثل:

  1. مهن تستلزم جهد فكري وعقلي ووجداني وعاطفي.
  2. مهن تستدعي مسؤولية كبيرة بشكلٍ خاص اتجاه الآخرين.
  3. مهن ذات أهداف صعبة المنال ومستحيلة في بعض الأحيان.
  4. مهن بها غموض أو صراع على الأدوار.

وأنّ هناك أشخاصًا أكثر عرضةً للإصابة بهذا المرض من غيرهم مثل:

  1. أشخاص لديهم مثل عليا في الأداء والنجاح.
  2. أشخاص يربطون الرضا عن الذات بالأداء المهني.
  3. أشخاص آخرون مركز اهتمامهم الوحيد هو عملهم.
  4. أشخاص يعتبرون عملهم ملاذًا و يهربون من جوانب الحياة الأخرى.
إقرأ أيضاً: أسباب الشعور بالتعب المستمر خلال التواجد في العمل

خامسًا: أنواع الاحتراق النفسي المهني

هناك ثلاثة أنواع أساسيّة للإنهاك أو الاحتراق النفسي المهني وهي:

  1. ما بين الاحتراق النفسي والإنهاك وفيه يتخلّى الفرد عن عمله، أو ينجزه على أكمل وجه، و لكنّه في الحالتين يواجه الكثير من الضغوط والقليل من المكافآت.
  2. الاحتراق النفسي التقليدي أو الحاد، وفيه يشقى الفرد على نفسه في العمل بشكل متزايد حتى يشعر بالإنهاك، وذلك من أجل الحصول على المكافآت أو تحقيق إنجاز من شأنه تعويض الضغط الشديد الذي شعر به.
  3. الاحتراق النفسي الضار الذي يتناقض مع النوعين السابقين حيث لاينتج هذا النوع عن التوترات المفرطة، وإنّما عن ظروف العمل الرتيبة وغير المحفزة.

سادسًا: أسباب الإصابة بمشكلة الاحتراق النفسي المهني

  1. مواجهة الإنسان للكثير من، التي تنتج عن شعورهِ بالخوف من عدم إنجاز الأعمال في الوقت المحدد.
  2. اضطرار الإنسان للتعامل مع مواقف صعبة وعصيبة متكررة في العمل، ولفتراتٍ طويلة من الزمن، ممّا ينعكس سلبًا على صحتهم البدنية والعقليّة، وأدائهم الوظيفي والإنتاجي.
  3. توقعات مدير العمل غير الواضحة والمُبهمة، وإحساس الإنسان بالفشل وعدم قدرتهِ على إنجاز الأعمال بشكلٍ سليم.
  4. الشعور بالغيرة من زملاء العمل، والتمييز في التعامل مع الموظفين.
  5. عدم القدرة على التأثير في القرارات التي تخص الوظيفة، وفشل الإنسان في تحقيق رغبتهِ في المساهمة برأيه ووضع الخطط وجداول الأعمال والتعبير عن رغبتهِ أيضًا بتحسين معاشهِ ودخلهِ المادي.
  6. عدم توافق القيم، كأن تكون القيمة الأخلاقيّة للإنسان، تختلف عن القيم التي يتعامل بها صاحب العمل مع العمال والموظفين، وهذا ما يؤدي إلى عدم التوافق والإصابة بالاحتراق النفسي.
  7. اختلال التوازن بين العمل والحياة الإجتماعيّة، كأن يكون العمل يحتاج للكثير من الوقت والجهد، لدرجةٍ تفوق قدرة الإنسان على التحمّل، وتمنعه من قضاء بعض الوقت مع العائلة والأصدقاء.
إقرأ أيضاً: 10 نصائح تساعدك على إيجاد التوازن بين حياتك الشخصية وحياتك المهنية

سابعًا: أعراض الإصابة بمتلازمة الاحتراق النفسي

  1. الشعور بالإجهاد الشديد، وعدم الرغبة بأداء أي عمل أو واجب مهني.
  2. صعوبة الإستيقاظ من النوم والتثاقل أثناء الذهاب إلى العمل.
  3. الشعور بأنّ أعباء العمل كثيرة وبعدم القدرة على تنفيذها.
  4. الإحساس بالتهكم والزهد في الدنيا، وبأنّ لا معنى لأي شيئ لا للحياة، ولا للإنجازات، ولا للطموح.
  5. الشعور بإستنزاف عاطفي في العمل.
  6. غياب تام لكل المشاعر الإيجابيّة، والتفكير فقط بالموت والمرض، والطوارئ.
  7. سيطرة السوداويّة على التفكير العقلي، وغياب التفاؤل والثقة بالنفس.
  8. الإنعزال عن الأهل والأصدقاء وزملاء العمل، وهذا ما يؤدي إلى ظهور توتر في العلاقات العامة لدى الإنسان.
  9. ظهور بعض الأعراض الجسديّة على الإنسان كالإصابة بالأمراض وضعف المناعة، والغثيان، والصداع.

بالإضافة إلى أنّ هناك بعض الأسئلة التي يجب أن يُوجهها الإنسان لنفسهِ، ليتحقق فيما إذا كان مصابًا بمتلازمة الاحتراق النفسي، مثل:

  1. هل تشعر بالتعب عند الاستيقاظ رغم حصولك على قسط كافى من النوم خلال الليل؟
  2. هل تتحرك ببطء أكثر من المعتاد وتستغرق وقت أطول فى الاستعداد للذهاب إلى العمل؟
  3. هل تشعر بالخوف من الأشياء التي تنتظرك في الغد والمستقبل؟
إقرأ أيضاً: نصائح لتتحلّى بالصبر عندما تتعرّض لضغوط العمل

ثامنًا: الفرق بين مرض الإكتئاب النفسي ومتلازمة الاحتراق النفسي المهني

لم يُحدد العلماء تشخيصًا محددًا لمرض متلازمة الاحتراق النفسي، على عكس مرض الإكتئاب المُحدد بتعريفٍ وتشخيصٍ واضح، ويقول بعض الأطباء بأنّ مرض الإكتئاب قد يكون هو السبب وراء إصابة الإنسان بالاحتراق النفسي، لهذا فإنّ تشابه الأعراض بين المرضين قد يوقع الأطباء ببعض الأخطاء المتعلقة بالتشخيص الصحيح، وبالتالي تلقي المريض للعلاج الخاطئ، لأنّ علاج الإكتئاب مختلف تمامًا عن علاج الاحتراق النفسي.

ويُمكن القول بأنّ كل أعراض الاحتراق النفسي مرتبطة بالعمل، والمشاعر السلبيّة اتجاه ظروف العمل، أمّا أعراض الإكتئاب فتتضمن تدني احترام الإنسان لذاتهِ ونفسهِ، اليأس، والميول الإنتحاريّة.

تاسعًا: نصائح مهمة للتغلّب على مشكلة الاحتراق النفسي

  1. الإهتمام بالذات والنفس، والإبتعاد عن كل الضغوط النفسيّة والعصبيّة والجسديّة، ومنح النفس المزيد من الراحة والإسترخاء، والبعد عن الروتين، والبحث عن كل الأسباب التي تبث السعادة داخل القلب والنفس.
  2. التقرب من الأشخاص الإيجابيين الذين تشعر بالثقة اتجاههم، وتجنّب كل الأشخاص السلبيين.
  3. خلال لحظات الإستيقاط يجب أن تأخذ وقتًا طويلًا للتأمل والتفكير لاستخراج الطاقة الإيجابيّة وتنشيط الذاكرة، والإبتسامة في وجه كل الأشخاص الذين تصادفهم، بالإضافة للقيام بتمارين التأمل والاسترخاء في الطبيعة، والابتعاد عن الأماكن المزدحمة التي تسبب التوتر النفسي.
  4. المواظبة على ممارسة التمارين الرياضيّة اليوميّة التي تساعد على إخراج كافة مشاعر القلق والتوتر التي تسبب الاحتراق النفسي للإنسان.
  5. الإهتمام بالنظام الغذائي الصحي، وتجنّب كل الأطعمة التي تسبب التوتر كالمنبهات، والتدخين الضّار، والمواظبة على النوم الصحي خلال الليل، وتجنّب السهر.
  6. الابتعاد عن كل الأجهزة الإلكترونيّة، والمبالغة في تصفح الإنترنت الذي يزيد من تعرّض الإنسان لنوبات الاحتراق النفسي.
  7. الحرص على ممارسة الهوايات اليوميّة، وبشكلٍ خاص الهوايات التي تجعل الإنسان يشعر بالمتعة والفرح، مع ضرورة تعلّم بعض الهوايات الجديدة التي لم يسبق ممارستها من قبل.
  8. قضاء بعض الوقت مع العائلة والتمتع بالحياة الأسريّة، وعدم أخذ مشاكل العمل إلى المنزل، وتخصيص أوقات الإجازات والعطل للذهاب في نزهات ورحلاتٍ ترفيهة.
  9. التقرّب من الله سبحانه وتعالى، وأداء العبادات اليوميّة التي تبث الراحة والسكينة في نفس الإنسان، وتبعد عنهُ الهم والحزن، والكرب.
إقرأ أيضاً: 21 طريقة بسيطة وفعالة لتجاوز الشعور بالاكتئاب

 

كانت هذهِ مجموعةً من المعلومات المهمة عن متلازمة الاحتراق النفسي المهني، الذي يُعتبر من أكثر الأمراض النفسيّة المنتشرة في عصرنا الحالي.

المصادر:

  1. ويكيبيديا
  2. 7 علامات بارزه للمصابين بالاحتراق النفسي
  3. متلازمة الاحتراق النفسي
  4. الاحتراق الذاتي ومتلازمة الاحتراق النفسي



مقالات مرتبطة