عشر علامات محتملة لصدمة غير معالجة

صدمات الطفولة على الرغم من كونها مصطلحاً واسعاً تتعلَّق عادةً بالصدمات التي حدثت في السنوات التكوينية، بينما يعيش شخص ما مع أسرته الأصلية، وليست كل الصدمات ناتجة عن سوء المعاملة أو الإهمال على الرغم من أنَّ هذه هي الأشياء الأكثر شيوعاً التي أبلغ عنها الناجون بأنَّها الأشياء التي تلتصق بهم في مرحلة البلوغ وتؤثر في العلاقات واحترام الذات؛ إذ يسمي العديد من الأطباء هذه الجروح المرتبطة بصدمة التعلق؛ وذلك لأنَّها تحدث نتيجة أفعال - أو تقاعس - من مقدمي الرعاية للطفل خلال سنوات النمو، وهي السنوات التي يتشكل فيها التعلق.



يرتبط جرح التعلق بالصدمة الناتجة عن وجود شخصية أبوية مسيئة أو غائبة أو غير متوفرة، فبعض صدمات الطفولة مثل الإهمال العاطفي لم تحدث عن قصد وخاصة إذا كان الوالدان قادمين من مكان تم فيه تشجيع هذا النوع من الأبوة والأمومة "عاطفياً"، وسواء كان هذا الجرح متعمداً أم لا فإنَّه يثير إحساساً بالخجل وتدني قيمة الذات لدى الطفل الذي غالباً ما ينمو إلى شخص بالغ يلوم نفسه على أفعال أو تقاعس والديه.

ترتبط جروح التعلق بالمشاعر المكبوتة التي تجلت بسبب مقدمي الرعاية لدينا، وقد تتظاهر نتائجها على الصحة العقلية والسلوكات غير الصحية ومهارات التأقلم الضعيفة مثل تعاطي المخدرات أو الإفراط في تناول الطعام.

فيما يأتي بعض العلامات التي تدل على أنَّك قد تكون مصاباً بجروح لم تُشفَ بعد، ومن الهام أن نلاحظ أنَّه ليست كل هذه الأمور مرتبطة بالضرورة بتجارب الصدمة وخاصة إذا كان من الممكن تفسيرها بأشياء أخرى مثل الاختلاف العصبي، ومع ذلك إذا وجدت أنَّها تلامسك بالعديد منها، فقد يكون ذلك نتيجة لإصابتك بصدمة، لكن قبل التعرف إلى العلامات لنشرح قليلاً مفهوم الصدمة وأنواعها.

ما هي الصدمة؟

الصدمة هي رد فعل عاطفي تجاه تجربة صعبة أو موقف مؤلم، فالكثير منا اختبر أو عاش نوعاً من الصدمات، فلا تشبه الصدمة المواقف الصعبة العادية التي نمر بها؛ بل هي حدث غير متوقع ومفاجئ كالإصابة أو الموت، وليست خاضعة لسيطرة الشخص، والأهم من ذلك أنَّ الأحداث مؤلمة لدرجة أنَّها تقوض إحساس الشخص بالأمان في العالم وتثير إحساساً بأنَّ كارثة قد تحدث في أي وقت، فعادة ما تكون الخسارة الأبوية في الطفولة وحوادث السيارات والعنف الجسدي والاعتداء الجنسي والحروب والخسارة غير المتوقعة لأحد الأحباء من الأحداث المؤلمة.

تعد الصدمة الحادة حدثاً قوياً يظهر بعد حدث سيئ لمرة واحدة مباشرة وتكون الاستجابة النفسية قصيرة المدة، وقد تنشأ الصدمة المزمنة من الأحداث السيئة الدائمة أو المتكررة، وربما تظهر نتيجة للتنمر والإهمال والإساءة العاطفية أو الجسدية أو الجنسية والعنف المنزلي، كما قد تنشأ الصدمات المعقدة من التعرض لأحداث صادمة متكررة أو متعددة لا تستطيع الهروب منها، فالشعور بالحصار والقمع هو إحدى صفات التجربة مثل الأنواع الأخرى من الصدمات تقلل من الشعور بالأمان والطمأنينة في المحيط وتولد التنبه واليقظة المفرطة للمحيط خوفاً من الخطر والتهديد.

تنشأ الصدمة الثانوية من الانخراط في مآسي ومصائب الآخرين ويتأثر فيها العاملون في المهن الطارئة ولا سيما الأطباء والممرضون وفرق الدفاع المدني وقوات حفظ القانون، ومع مرور الوقت يتعرض هؤلاء الأفراد لخطر الانهيار العصبي أو الجنود العاطفي، فلا يُظهرون أي نوع من العاطفة تجاه الآخرين في محاولة منهم لحماية أنفسهم من المعاناة والكبت والضيق.

تعد تجارب الطفولة التي تشمل سلة من المواقف الصادمة والشاقة يواجهها الأطفال أو يشهدونها بشكل مباشر في أثناء مرحلة نموهم، وذلك قبل تعلمهم مهارات التكيف والامتصاص والتأقلم الفعالة، ومن هذه المواقف الصادمة فقدان الأم أو الأب والإهمال والاعتداء بكافة أشكاله والطلاق وغير ذلك.

عدم علاج الصدمة:

ترك الأشياء في منتصف الطريق ليس فكرة جيدة أبداً وخاصة عندما تتعامل مع الصدمة وتتلقى العلاج لمعالجتها، ونقول هذا لأنَّ الصدمات غير المعالجة يمكن أن تؤدي إلى مشكلات صحية عقلية رئيسة أخرى قد لا تتمكن من عكسها، فإذا تُركت الصدمات دون علاج، فإنَّ لديها القدرة على التأثير في منظورنا والطريقة التي نتفاعل بها مع الأحداث في حياتنا والأشخاص الذين يتفاعلون معنا.

على أساس يومي قد تتداخل مع طريقة تفكيرنا، كما قد تؤثر في تقديرنا لذاتنا والطريقة التي ندرك بها تصرفات من حولنا والعلاقات التي لدينا والطريقة التي نتفاعل بها مع العالم.

شاهد بالفيديو: 6 علامات تبين أن شخصيتك مضطربة وليست عادية

كيف تبدو الصدمة غير المعالجة؟

ربما يؤدي تخطي العلاج أو تركه في منتصف الطريق إلى العديد من مشكلات الصحة العقلية مثل:

  1. الكآبة.
  2. الغضب.
  3. الإدمان.
  4. الشعور بالذنب.
  5. تذكُّر الماضي.
  6. الأرق أو النوم لفترات طويلة.
  7. الشعور بالعار.

قد تتداخل التجارب الصادمة مع طريقة تفكير المرء، كما تؤثر في الطريقة التي ينظر بها المرء إلى نفسه ويشعر بها تجاه نفسه وأولئك الذين تربطهم علاقات معه، كما يمكن أيضاً أن تُشعر المرء بالعجز والغضب والخوف وجنون الارتياب والقلق، وكل هذه المشاعر قد تؤثر في وجهة نظرك وتمنعك من المضي قدماً في الحياة، ويمكنها أيضاً إثارة ردود الفعل من خلال المحفزات التي ربما تعرقل طريقة حياة المرء، كما تؤدي إلى استجابات عاطفية لا تتماشى مع الموقف.

عشر علامات محتملة لصدمة غير معالجة:

1. سلوكات ترضي الناس:

 تعلَّم الأطفال الذين اضطروا إلى الكفاح بجد لجذب انتباه القائمين على رعايتهم أنَّ جعلهم سعداء سيجعل حياتهم أسهل، ولقد تعلموا منذ سن مبكرة كيفية الانخراط في إرضاء الناس لتجنب الألم العاطفي الناتج عن كره شخص ما أو الانزعاج منه.

2. المثالية:

هذا شائع خاصة عند الأطفال الناجين من الإهمال العاطفي، فنجد أنَّ هذا يحدث لسبب من سببين؛ الأطفال الأوائل الذين تعلموا أنَّ القيام بالأشياء بشكل مثالي - مثل حفلات الرقص أو الألعاب الرياضية - هو أفضل طريقة للحصول على الاهتمام المحدود من الأم أو الأب، والسبب الثاني الأكثر شيوعاً الذي نراه هو أنَّ الأطفال الذين اضطروا إلى الاعتناء بأنفسهم والذين تعلموا أنَّ ارتكاب خطأ أمر غير مقبول لأنَّهم لم يتعلموا أبداً كيفية التعامل مع المشاعر التي تأتي من عدم القيام بشيء ما بشكل مثالي.

3. مقارنة نفسك بالآخرين باستمرار:

في بعض الأحيان يكون هذا بسبب تدني احترام الذات أو تقدير الذات، فإذا تمت مقارنتك بالآخرين في مرحلة الطفولة مثل الأشقاء أو الأقران الآخرين، فربما تكون قد رُسخت في عقلك فكرة أنَّك لم ترقَ إلى المستوى المطلوب.

4. تجنُّب العلاقات أو الاقتراب من الناس:

غالباً ما يكون هذا بسبب الخوف من الاقتراب من الآخرين الذي يأتي من الخوف من التعرض للأذى، فإذا تعرضت للأذى أو تم التخلي عنك في طفولتك، فمن الطبيعي أن ترغب في تجنب ذلك حتى لو لم يكن هذا القرار قراراً واعياً.

5. القفز من علاقة إلى علاقة:

تماماً مثل أولئك الذين يتجنبون العلاقات لتجنب الألم العاطفي، فغالباً ما يحاول أولئك الذين يقفزون من علاقة إلى أخرى ملء الفراغ الذي خلفته جروح التعلق؛ إذ يبدو الأمر كما لو أنَّه يمكنك بطريقة ما أن تثبت لنفسك أنَّك محبوب وجدير حقاً من خلال كونك في علاقة.

6. حدود جامدة جداً أو متراخية جداً:

يعد عدم وجود الكثير من الحدود مثل السماح للأشخاص بالسير في كل مكان علامة على أنَّك تعلمت أنَّه من المقبول أن تُعامَل بهذه الطريقة، وبالمثل قد يحاول أولئك الذين لديهم حدود صارمة للغاية حماية أنفسهم.

إقرأ أيضاً: كيف تضع حدوداً صحية في علاقاتك مع الناس؟

7. محاولة إصلاح الآخرين:

إذا نشأت مع ولي أمر يعاني من مرض عقلي أو من تعاطي المخدرات، فقد تحمل هذه الحاجة إلى مساعدة وشفاء الآخرين في علاقاتك البالغة؛ إذ يقول طفلك الداخلي: "إذا لم أتمكن من إصلاح والدتي/ والدي، فربما يمكنني إصلاح شريكي".

8. اضطرابات الأكل:

توجد علاقة قوية بين صدمات الطفولة واضطرابات الأكل؛ إذ يعاني العديد من الأشخاص من اضطرابات الأكل كالنهم أو القهم العصبي؛ وذلك بسبب ماضٍ مؤلم، ويساعد تناول الطعام على تهدئة الأفكار المتطفلة والآلام الداخلية، وبالمثل غالباً ما يرتبط تقييد الطعام والسعرات الحرارية بانخفاض القيمة الذاتية وصدمة الطفولة، ففي دراسة حديثة "عند مواجهة التوتر، ذهب بعض الأطفال لتناول وجبة خفيفة مفضلة، بينما فقد آخرون شهيتهم"- (جيبسون جودكينز 2019).

9. العلاج الذاتي بالأدوية/ تعاطي المخدرات:

 نحن نعلم أنَّ ثمة صلة بين تعاطي المخدرات أو الإدمان والصدمات، فغالباً ما يبحث الأشخاص الذين يعانون من آلام جسدية أو عاطفية عن طرائق لتخدير هذه المشاعر، وهذا يؤدي أحياناً إلى تعاطي المخدرات.

10. مشاعر الاكتئاب أو القلق أو الغضب التي لا تزول:

أحياناً يكون الشعور بهذه المشاعر أمراً طبيعياً وقد يكون ظرفياً وخاصة إذا كنت تتعامل مع الكثير من التوتر في العمل أو في موسم العطلات على سبيل المثال، ومع ذلك إذا شعرت أنَّها لن تختفي بعيداً، فقد تكون نتيجة جروح صدمة داخلية لم يتم حلها، وقد يساعد البحث عن مزيد من الدعم في التعامل مع هذه المشاعر.

إقرأ أيضاً: انتكاسة الاكتئاب: أسبابها وأعراضها وطرق علاجها

في الختام:

إذا وجدت أنَّك تتشابه مع الكثير مما ورد آنفاً وتبحث عن مزيد من الدعم، يجب عليك أولاً الاعتراف بحقيقتك، فالتحقق من صحة تجاربك وتاريخك هو الخطوة الأولى للشفاء، كما تساعد كتابة المذكرات والتأمل على التعامل مع أفكارك الداخلية، فحاول أن تركز بشكل أقل على القواعد والكمال وركز أكثر على مجرد إخراج الأفكار في بعض الأحيان، وأيضاً يمكن أن يساعدك البحث عن معالج مطَّلع على الصدمات في العمل على تدبير الألم والصدمات التي لم يتم حلها إذا كنت تشعر بعدم القدرة على تجاوزها.




مقالات مرتبطة