عادات يومية تغذي عقلك

يقول أحد الفلاسفة: "عندما لا نعرف ماذا علينا أن نفعل نكون قد بدأنا عملنا الحقيقي، وعندما لا نعرف أي طريق نسلك تبدأ رحلتنا الحقيقية، فالجدول الذي تكثر في مجراه العوائق هو الذي يصدح بأجمل ألحان تدفُّق الماء وانسيابه، والعقل الذي يواجه التحديات هو العقل الذي ينهض إبداعاً، فالعقل الجامد هو العقل الذي ينقطع عن ذاته ويستريح في زوايا الضمور والتلاشي".



لا يخفى على أحد دور العقل في ترتيب حياة الإنسان وقيادتها، فعندما يتوهج العقل تبدأ رحلة الإنسان الناجحة، وعندما يخبو وهجه تبدأ هذه الحياة بالانهيار، وتبدأ خسارات الإنسان واحدة تلو الأخرى، فالإنسان يدين للعقل بتقدمه وتطوره ونيله ما يرغب ويطلب.

في الحقيقة لسنا بصدد إثبات أهمية العقل وجوانب قوَّته؛ بل نحن بصدد إيجاد السبل التي من شأنها إيقاظ العقل والانتقال به من حالة الخمول والسلبية إلى حالة النشاط والحيوية، ونقله من حالة الاستسلام إلى حالة التمرد ومن حالة الخضوع والتلقي إلى حالة المشاركة والتحدي والبحث عن كل ما هو مفيد، ومساعدته للانطلاق إلى الآفاق الرحبة، ومسؤولية كل فرد منا أن يبحث عن السبل التي تحفز استخدام عقله، فالإنسان هو المسؤول عن قصور عقله في أغلب الأوقات وليس السبب عيباً في العقل.

عادات العقل التي يجب تطويرها ليصل العقل إلى الإبداع:

1. المثابرة:

المثابرة تعني المحاولة باستمرار وعدم تقبل الهزيمة، فالشخص الناجح هو الشخص الذي لا يستسلم؛ بل يواظب ويصر على إكمال مسيرته على الرغم من العوائق والمصاعب التي يمكن أن تظهر في طريقه، فبناء المنهجيات المتنوعة لمواجهة كافة الاحتمالات التي يمكن أن تحدث هي إحدى العادات الأساسية للعقل التي يمكن تعلمها من خلال المواظبة والمثابرة، فالمثابرة من العادات التي تقود العقل إلى الإبداع.

2. التأني والصبر والبعد عن التهور:

من خلال هذه العادة يتمكن الإنسان من بناء منهجية حكيمة لمواجهة الحقائق وتكون بعيدة كل البعد عن التهور وتنفيذ أي اقتراح قد يرد إلى الذهن، فمن خلال اعتماد العقل على التأني والصبر سوف يفكر في أي أمر أكثر من مرة قبل إصدار حكم أو اتخاذ قرار.

3. الإصغاء:

الإصغاء هو ذهب العقل، وهو الفن، فقدرة الإنسان على الإصغاء سوف تمكِّنه من تحليل الحديث وكلماته وما يقصده الآخر بكل كلمة والهدف الذي يبتغيه من ورائها، فالإصغاء التام ينطوي على العديد من العمليات الذهنية التي تمكِّن الإنسان من التفكير النقدي والحكم على ما يقوله الآخرون.

4. مرونة التفكير:

من أكثر الأشياء صعوبة هو جعل الإنسان يغير طريقة تفكيره وقناعاته، ففي الحقيقة من السهل تعليم الإنسان معارف جديدة، لكن من الصعب تحطيم عقلية قديمة اعتاد ذلك الإنسان رؤية الأشياء من خلالها، فالمرونة تعني قدرة العقل على التغيير وابتكار الحلول واختيار البديل الأفضل من بين البدائل واستخدام طرائق جديدة وغير تقليدية.

5. التفكير المجرد:

التفكير المجرد يعني أن يصبح الإنسان أكثر إدراكاً لأفعاله، وأن يحدد حدود معرفته وما هي الأشياء التي لا يعرفها وكل ما يجب فعله من أجل تنمية عادة التفكير المجرد.

6. اعتماد الدقة:

يجب أن يكون هدف العقل الوصول إلى المعرفة الحقيقية والدقيقة بعيداً عن العشوائية، فالدقة هي السبيل إلى إنتاج معرفة عالية الجودة.

7. طرح الأسئلة:

اختيار الأسئلة التي سوف يتم طرحها يحتاج إلى خيال إبداعي يستطيع التركيز على ما يريد معرفته بالضبط وتوجيه الأسئلة التي سوف تعمل على معرفة الجواب الصحيح، ومن ثم تشكيل بناء معرفي صحيح.

8. الاستفادة من الخبرات الماضية:

يقول "أديسون": "لم أقع في الخطأ أبداً لأنَّني تعلمت من التجارب، فالناس الأذكياء يتعلمون من التجارب، وعندما تواجههم مشكلات جديدة محيرة تراهم يلجؤون إلى ماضيهم يستخلصون منه تجاربهم".

9. التواصل الواضح:

إذا أردت أن تفهم بشكل جيد فعليك أن تهذب لغتك وتجعلها واضحة المفاهيم، فاللغة والتفكير شيئان متلازمان، واللغة الغامضة تؤدي إلى تفكير مضطرب، وخلاف ذلك صحيح.

10. الإبداع والابتكار:

الإنسان المبدع هو الإنسان الذي يستطيع اختلاق وابتكار كل ما هو جديد وأصيل، ويتصور حلولاً لمشكلات بطرائق مختلفة عما هو مألوف ومتداول، وهو منفتح على النقد، ويكثف جهوده للارتقاء بنفسه وتطوير ذاته، ولا يقتنع بالوضع القائم؛ بل هو دائم السعي نحو البحث عن الأفضل.

11. الجرأة والمخاطرة:

يقول "كانط": "تجرأ واستخدم عقلك، نريد أجيالاً مغامرة خلاقة وبناءة، ولا تخشَ الفشل ولا ترهب من فعل المغامرة الخلاقة".

12. التفكير التبادلي:

من أعظم ما يمكن للعقل فعله هو أن يصبح أكثر تواصلاً مع الآخرين وأكثر تفهماً لحاجاتهم ومتطلباتهم وأفكارهم.

13. التعليم:

يجب التأكيد على التعليم المستمر، فالتعلم المستمر أمر يمكن تأصيله في العقل.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح حياتية هامة لتنشيط العقل وتقوية الذاكرة

عادات يومية تغذي عقلك:

1. التمرينات الرياضية:

لا يوجد خلاف أبداً على أهمية التمرينات الرياضية لجميع أعضاء جسم الإنسان وكذلك للصحة العقلية، فالرياضة تحسن المزاج عامة؛ إذ تخفض من القلق والتوتر وتدفع للشعور بالرضى من خلال تحفيز مادة الإندورفين في الجسم، فهذه المادة المسؤولة عن السعادة والشعور بالنشوة.

كما أشرنا آنفاً إلى قدرة التمرينات الرياضية على إزالة التوتر والقلق، من خلال تحفيز الهرمونات العصبية مثل النوربينفرين التي تعمل على تحسين المزاج والتفكير والقدرة الكلية للجسم على الاستجابة للتوتر، إضافة إلى ذلك فإنَّ الرياضة تعزز القدرات العقلية، فالتمرينات تعيد تكوين الخلايا العصبية التي تمنع ضعف الذاكرة وتدهورها وتعزز الإبداع والابتكار.

2. التغذية الجيدة:

الغذاء هو العامل المؤثر في طاقة الجسم وصحته، وتشير الدراسات إلى أنَّ الدماغ يقوم بعمله بشكل أفضل إذا تلقى الغذاء المناسب، إضافة إلى اتباع عادات صحية جيدة، فلا يمكن اتباع عادات غذائية صحية اليومية ونسيانها غداً أو أخذ استراحة.

أما عن السؤال إذا ما كانت هناك أغذية معينة تسهم في المحافظة على الصحة العقلية وتحسينها، فالجواب توجد عدة أطعمة يمكن أن تساهم بذلك، فمثلاً الدماغ يحتاج إلى فيتامين (B12) الذي يمكن أن يتسبب نقصه في النسيان وفقدان الذاكرة، وهذا الفيتامين يوجد في اللحوم الخالية من الدهون وفي البيض والحليب قليل الدسم، كما تحتاج الصحة العقلية إلى فيتامين (D) وإلى الحديد الذي يحمل الأوكسجين؛ لذا يجب أن تتبع نظاماً غذائياً يساعدك على المحافظة على قدراتك العقلية.

إقرأ أيضاً: التّغذية الصحيّة.. والأمراض النّاجمة عن سوء التغذية

3. التعليم:

يبقى العقل متوهجاً ما دام الإنسان ساعياً إلى العلم؛ إذ يتعلم كل يوم شيئاً جديداً مهما كان بسيطاً، كما أنَّ اتباع أساليب مميزة في التعليم من شأنها المحافظة على القدرات العقلية مثل الخرائط المفاهيمية، المخططات الهرمية، الرسوم، الصور، تعلم هواية جديدة، تعلم لغة جديدة، قراءة كتاب جديد، قراءة الصحف والمجلات، حل الألغاز، الكلمات المتقاطعة وما إلى ذلك من السبل الكفيلة بالحفاظ على الصحة العقلية.

4. النوم:

من أساسيات الصحة العقلية وتحفيز العقل على التفكير هو النوم، وفي الحقيقة وجد الباحثون من خلال الدراسات التي أجروها أنَّه كلما ساءت معايير النوم كان الإنسان عرضة للإصابة بواحد من أمراض الاكتئاب أو القلق أو الاضطراب ثنائي القطب أو الفصام؛ لذا من أجل الحفاظ على الصحة العقلية يجب الحرص على النوم من سبع إلى ثماني ساعات يومية.

تؤدي كفاءة النوم دوراً رئيساً في وجود تلك الصحة، فمثلاً إنسان ينام ثماني ساعات ولكنَّه يستيقظ باستمرار خلال الليل، تكون كفاءة نومه أقل من شخص ينام ثماني ساعات متواصلة دون استيقاظ، فذلك الإنسان سوف يعاني من الأرق الذي يؤثر بدوره في الصحة العقلية ونشاط العقل عموماً.

إقرأ أيضاً: لماذا يُعَدُّ النوم مفتاح تحقيق النجاح!

5. الاسترخاء والتأمل:

التأمل من الطرائق البسيطة والجيدة من أجل المحافظة على الصحة العقلية، فممارسة الاسترخاء لبضع دقائق بشكل يومي سوف تعمل على إزالة الضغط النفسي والشعور بالراحة، ومن ثم سوف تعطي الراحة للعقل.

6. تجنُّب الإجهاد:

العمل الكثير يدفع الإنسان للشعور بالطاقة السلبية التي تؤثر ليس فقط في الصحة الجسدية؛ بل أيضاً في الصحة العقلية، فتلك المشاعر سوف تجلب معها الاكتئاب والتوتر والقلق وهذه المشاعر التي من شأنها أن تعوق عمل الدماغ؛ لذا يجب البعد عن تلك الأمراض من خلال البعد عن الإجهاد ومسبباته.

شاهد بالفيديو: 7 طرق لمحاربة الإرهاق الذهني

7. المحافظة على التواصل الجيد مع المحيط:

العلاقات الاجتماعية الجيدة تطيل من عمر الإنسان كما يقال، إضافة إلى أنَّها تجلب معها الرضى عن الحياة وتعزيز صحة كل من العقل والذاكرة والدماغ عامة وتبعد صاحبها عن الشعور بالعزلة والاكتئاب.

في الختام:

تمثِّل العادات العقلية هدفاً رئيساً تسعى إلى تحقيقه كافة الأنظمة التعليمية والتربوية في العالم، بحيث تنميها وتحولها إلى سلوك متكرر ونهج ثابت لدى الإنسان، فكما يعتاد الإنسان على تناول أصناف معينة من الطعام أو الاستيقاظ بوقت محدد، يجب أن يعتاد على استخدام الاستراتيجيات والنشاطات العقلية وعمليات التفكير قبل أن يقوم بأي عمل من أعماله خلال اليوم مهما كانت تلك الأعمال بسيطة.

لكي نصل بالعقل إلى العقل المبدع والنقدي يجب أن يصبح متمرساً في تلك العادات العقلية التي تنقل الإنسان من مجرد حفظ المعارف إلى توليدها وصناعة بنائه المعرفي الخاص به بالطريقة التي يجدها مناسبة، وكل ذلك لن يتم ما لم نقم باتباع عادات يومية نغذي بها عقلنا.




مقالات مرتبطة