جاءت رواية ( عابر سرير )للروائية الجزائرية احلام مستغانمي لتكمل ثلاثيتها بعد النجاح الذي حققته (ذاكرة الجسد )الرواية الملأى ببلاغة السرد وشعرية اللغة وثراء الاسلوب , من خلال ربط لأحداث الثورة الجزائرية مع الحب والخسارات التي تتوالى على ابناء وطنها وبخاصة ( المثقفين والفنانين )الذين حملوا الجزائر وذهبوا به الى المنفى، كما تأتي بعد رحلة مضنية مع (فوضى الحواس )والتي تستعرض من خلالها شخصيات مهزومة تغرق في الحب كي تعيش رغم الخيبات والهزائم وتكشف الخيانات التي يمارسها البعض واصحاب النفوذ ضد الوطن وضد ابنائه وفيها على ما أعتقد انخفض ألق اسلوب الكاتبة وكأنها تعبت من تفتيش الملفات والذاكرة وفضحها.
وفي (عابر سرير ) تعود مستغانمي كمن خرج بذاكرة أعيته يحاول قبرها في الورق الابيض، ففيها يلتقي ابطال احلام مستغانمي الذين ظهروا في الجزأين السابقين ( ذاكرة الجسد وفوضى الحواس )ليشكلوا ابطال الحدث الجديد بشكل جماعي متوتر، يتشابهون في السمات والتجربة والمصائر , وربما جاء عنوان الرواية وكأنه ينبهنا إلى الخط البياني لحياة الانسان من المهد الى اللحد ، فالسرير أداة لفعل الحياة والمرض والموت معا, يقول بطل الرواية: ( المرأة التي اختطفت طفولتي الاولى مذ فارقت سرير أمي رضيعا وانتقلت للنوم في فراشها الأرضي، بدأت مشواري في الحياة كعابر سرير ستتلقفه الأسرّة واحدا بعد الآخر حتى السرير الأخير )، ثم تبدأ في سرد الوقائع والأحداث كشريط الذاكرة التي اشتعل فتيلها ذات عشق ومنفى، في الرواية ثمة عاشقان يحملان اسم خالد بن طوبال احدهما بطل ( ذاكرة الجسد )الرسام الذي فقد ذراعه اليسرى في حرب التحرير الوطنية الجزائرية ، والاخر بطل الرواية الجديدة خالد بن طوبال المصور الذي فقد أيضا ذراعه اليسرى بعد اصابته برصاصة اثناء تصوير تظاهرة حدثت في الجزائر (تختار أحلام الذراع اليسرى لتوحي ربما بالعلاقة العضوية بين القلب ومن يحاول اقتلاع هذا الحب من جهته ) كان البطلان يستخدمانها في الفن وتخليد الوطن في ذاكرة التاريخ (المبتورة ) تماما ، أو ربما هو محاولة اغتيال وإلغاء كل مابوسعه تخليد وطن اتعبته الثورة والحروب والسراّق، ويشترك البطلان ايضا في هوسهما) بقسطينة (و)حياة (التي تحاول قبر ابطالها وعشاقها، فبطل عابر سرير استخدم اسم بطل الجزء الأول (خالد بن طوبال )في كتاباته التي ينشرها خوفا من معرفة الاصوليين الجزائريين لاسمه الحقيقي وملاحقته وقتله كما حصل مع الصحفيين والشعراء انذاك، يقول البطل :(في قصة مجنونة يحمل ابطال الروايات فيها أسماءهم الحقيقية في الحياة، بينما يحمل أناس مثلي أسماء أبطالهم المفضلين في الروايات ) !!.
اما بالنسبة للشخصيات النسائية في الرواية فهي نفسها في الجزأين السابقين الا ان (كاترين) يتحول اسمها إلى (فرانسواز)ربما لتشابهها مع زوجة الرسام العظيم (بيكاسو)من خلال ثقافتها الواسعه في الفن وملاحظاتها الجادة والقيمة في تفسير لوحات (زيان )او خالد بن طوبال الاسم الذي استخدمه المصور ليصبح بطلا لهذه الرواية !!..
يقول مفيد نجم في صحيفة تشرين (عابر سرير رواية تقتفي اثر روايات ثلاثيتها وان الراوية (البطلة )المؤلفة توزع ادوار السرد عليها وعلى ابطالها الذين تقتلهم في الروايات )، ويبدو ان الروائية التي تستطيع تحويل مصائر كائناتها الحبرية كانت تحاول تصفية حسابها مع الحب من خلال قتل عشاقها نفسيا وجسديا كما يقول البطل (تحول الرواية الى مقبرة تنام فيها الاحلام المؤودة )رغم ان البطلة / المحرك اسمها (حياة ) !!..
تتكئ الحركة السردية في الرواية على شعرية اللغة وعدة مقولات واحداث لبعض المفكرين والفنانين والأدباء مثل: بلزاك وسلفادور دالي وايميل زولا وبوشكين وبورخيس وجان جينه، بالاضافة الى استخدامها للغتين: الشعبية الجزائرية والفرنسية لتؤكد ان الاستعمار لا يزال يقتات على الهوية الجزائرية العروبية ، كل هذا يجعلنا أمام متعة حقيقية أثناء قراءتنا للرواية التي هي رواية حب تتزامن مع الثورة الجزائرية التي طحنت أحلام وآمال أبنائها فلفظتهم من رحمها كأسماك نتنه وتركتهم يهيمون على ذاكرتهم في طرقات باريس والمنفى ، لكنهم يعودون بعد عمر ليسكنوا سريرهم الابدي وهو حضنها ، مثلما يعود المغترب والمنفيّ الرسام (زيان )بعد إقامته الطويلة على (سرير )المرض في فرنسا إلى سرير الموت في الجزائر، يقول جهاد الخازن ) للروائية فلسفة سوداوية لا تبعد عما قرأناه للالماني شوبنهاور وهو تكرار ما تعنيه احلام مستغانمي ان الثورة تخطط لها الاقدار وينفذها الاغبياء ويجني ثمارها السرّاق ).
وتنتهي الرواية بعودة بطل رواية ذاكرة الجسد وبطل عابر سرير على نفس الطائرة أحدهما يحمل تذكرة بضائع والاخر تذكرة ركاب: (قسمطينة آلميمه جيتك بيه .. صغيرك العائد من براّد المنافي، مرتعدا كعصفور ضميه، كان عليه ان يقضي عمرا لبلوغ صدرك، لفرط ماهو لك ماعاد هو، لفرط ما كان خالد ماعاد زيان ، لفرط ما اصبح زيان ماوجد له مستقرا غير قبر ) .
أضف تعليقاً