يعود سبب التسمية إلى الطبيب الفرنسي Maurice Raynaud (1834-1881) الذي وصف الحالة لأول مرة سنة 1862.
الإمراضية معقدة وغير واضحة، ويعتقد بوجود خلل مركزي في تنظيم درجة حرارة الجسم، واستجابة غير طبيعية مُوَضَّعة في أوعية الأصابع نتيجة زيادة تحرر المواد المقبضة للأوعية ونقص تحرر المواد الموسعة. كما يفترض حدوث فرط استجابة الجملة العصبية الودية للبرد.
سريرياً:
تتظاهر بشحوب ثم زراق ثم حمامى مع حس برودة وخدر وألم؛ وقد يحدث تنخر أو تموت. تحدث تغيرات في اللون من الأبيض إلى الأزرق إلى الأحمر كما يلي:
1. في البداية، وبسبب حدوث التشنج الوعائي تقل تروية الأصابع فتصبح بيضاء شاحبة.
2. ثم يتراجع التشنج الشرياني فقط في البداية ويستمر التشنج الوريدي، مما يفسر الاحتقان والزرقة وربما التنخر والتقرح.
3. وفي النهاية مع توسع الأوعية وعودة التروية الدموية reperfusion تصبح المنطقة حمراء، وعندئذ قد يشعر المريض بوخز وألم نابض.
نتحدث طبعاً عن الأعراض بالشكل والتسلسل الوصفي...وقد توجد حالات غير نموذجية لا تشاهد فيها الألوان الثلاثة، ولا تحصل بالضرورة بالترتيب النموذجي المذكور.
عوامل الخطر:
• الجنس: تصاب الإناث أكثر من الذكور.
• العمر: قد يحصل داء رينو في أي عمر؛ وخاصةً بعمر 15-30 سنة.
• البيئة: يصاب سكان المناطق الباردة أكثر من غيرهم.
• القصة العائلية: فنحو ثلث المرضى لديهم أحد أقارب الدرجة الأولى مصاب (قريب من الدرجة الأولى أي أحد الأبوين أو أحد الأبناء(
• بعض الأمراض: كتصلب الجلد والذئبة الحمامية الجهازية، تؤهب لظاهرة رينو الثانوية.
• بعض المهن: وخاصة تلك المهن التي تسبب رضوضاً متكررة (كالاهتزازات التي تسببها أدوات الحفر مثلاً(
• التعرض لبعض المواد: كالتدخين، والأدوية التي تؤثر على الأوعية الدموية، وبعض المركبات الكيميائية مثل مادة (فينيل كلورايد) التي تدخل في الصناعات البلاستيكية.
الأسباب:
بداية علينا أن نفرق بين مصطلحين:
ظاهرة رينو البدئية primary Raynaud's phenomenon أو داء رينوRaynaud's diseas :
أي حدوث الظاهرة دون وجود مرض مرافق ودون تناول أدوية. وهي الشكل النموذجي والأكثر شيوعاً.
ظاهرة رينو الثانوية Secondary Raynaud's phenomenon:
أي حدوث الظاهرة بشكل ثانوي لمرض جهازي أو لتناول أدوية...وسنفصل في ذلك لاحقاً.
وسنتحدث فيما يلي عن أهم الأسباب التي تحرض ظاهرة رينو الثانوية:
• حالات مرضية تسبب داء رينو: إن العديد من أمراض الأوعية الدموية والجلد والمفاصل تسبب ظاهرة رينو الثانوية، مثل الذئبة الحمامية الجهازية، و التهاب المفاصل الرثياني، و تصلُّب الجلد، و بعض أمراض الشرايين (كالتصلب العصيدي وداء بيرغر وفرط التوتر الرئوي البدئي...)، و متلازمة جوغرن، و متلازمة النفق الرسغي...
• الأدوية التي تسبب داء رينو: وأهمها:
1. الأدوية المستخدمة لتدبير الشقيقة؛ وخاصة تلك التي تحوي الإرغوتامين.
2. حاصرات بيتا (أدوية خافضة للضغط الشرياني وتستخدم أيضاً لتدبير بعض الأمراض القلبية(
3. أدوية الزكام الحاوية على مضادات الاحتقان (عادة يستعملها المريض دون وصفة طبية(
4. الإستروجين: في حبوب منع الحمل أو في إطار المعالجة الهرمونية المعاوضة.
5. بعض الأدوية المستخدمة في العلاج الكيميائي للسرطان.
• الرضوض: قد تحصل ظاهرة رينو في مكان إصابة اليد أو القدم برض، ككسر المعصم، أو الجراحة أو عضة الصقيع. تحصل الحالة أيضاً لدى العازفين وضاربي الآلة الكاتبة وغيرهم ممن يستخدمون أصابعهم بكثرة. فالرضوض المتكررة تؤذي الأعصاب المغذية للأوعية الدموية.
• المهنة: وتحديداً استخدام أدوات هزازة كتلك التي تستخدم في أعمال الحفر والبناء، حيث تسبب ظاهرة رينو (خاصة عند العمال ذوي البشرة البيضاء). وعندئذ لابد من إيقاف استعمال هذه الأدوات وقد يكون ذلك كافياً للشفاء التام.
التدخين: يسبب تقبض الأوعية الدموية، وقد يكون سبباً لداء رينو.
التعرض لمواد كيميائية: كمادة الفينيل كلورايد المستخدمة في الصناعات البلاستيكية يسبب حالة شبيهة بتصلب الجلد ويؤهب لداء رينو.
أسباب أخرى: كاضطرابات الغدة الدرقية...
المضاعفات:
إن ظاهرة رينو الأولية سليمة وتنتهي النوبة دون حدوث أية اختلاطات أو مضاعفات، لكن الحالات الثانوية لظاهرة رينو أكثر خطورة وقد تسبب واحداً أو أكثر مما يلي:
• تشوّهات في أصابع اليد أو القدم في الحالات الشديدة.
• تقرح الجلد أو تموته في حالات الخثار والانسداد الشرياني الكامل.
• تصلب الجلد (نادراً): وهو من أمراض النسيج الضام. قد يكون سبباً لظاهرة رينو الثانوية، أو نتيجة لها؛ ويتظاهر بالأعراض التالية:
1. إسهال أو إمساك.
2. انتفاخ بطن.
3. تورم وحكة في الجلد.
4. بقع كلسية صغيرة وبقع حمراء تحت الجلد.
5. تحدد حركة المفاصل.
6. اضطراب البلع.
التشخيص:
من خلال القصة السريرية والأعراض التي ذكرناها آنفاً. قد تكون الفحوص والاختبارات الإضافية ضرورية في بعض الأحيان:
• اختبار الحساسية للبرودة: Cold-simulation test يتضمن هذا الاختبار وضع يدي المريض في ماء بارد أو تعريضهما إلى هواء بارد مما يحرض النوبة ويتيح للطبيب إمكانية مشاهدة الأعراض.
• الفحص المجهري للشعيرات في طية الظفر: Nail fold capillaroscopy للتمييز فيما إذا كان داء رينو أولياً أم ثانوياً، فالحالات الأولية سليمة وتكون الشعريات طبيعية؛ بينما في الحالات الثانوية تكون الشعريات مشوهة ومتسمكة الجدران.
• فحوص واختبارات الدم : لا يوجد اختبار دم نوعي مشخص لداء رينو، لكن التحاليل الدموية قد توجه نحو المرض الأصلي المسبب لظاهرة رينو الثانوية.
• الكشف عن الأجسام المضادة للنوى ANA في مصل المريض: إيجابية هذا الباختبار تدل على أن الجهاز المناعي للمريض مفرط النشاط، كما في أمراض النسيج الضام أو أمراض المناعة الذاتية الأخرى، كالتهاب المفاصل الرثياني والذئبة الحمامية (وهي أمراض مرتبطة مع ظاهرة رينو الثانوية بشكل شائع).
• سرعة تثفل الكريات الحمرESR: ارتفاعها قد يدل على حالة التهابية أو اضطراب مناعي ذاتي، لكن هذا الاختبار ضعيف النوعية.
العلاج:
في الحالات الخفيفة نكتفي عادة بالعناية الذاتية والإجراءات الوقائية، بينما نلجأ للعلاج الدوائي في الحالات الشديدة.
يهدف العلاج إلى تخفيض عدد النوبات وشدتها، والحيلولة دون وقوع أذية نسيجية، وطبعاً علاج المرض الأولي المُحَرِّض للحالة إن وجد.
الحمية الغنية بالفيتامينات vit A,C & E لها خصائص مضادة للأكسدة ومخففة للاستجابة الالتهابية.
النياسين فيتامين B3يوسع الأوعية الدموية مما يزيد في تروية الجلد. لكن له تأثيرات جانبية.
أولاً-العلاج الدوائي:
بما أن آلية حدوث المرض هي التضيق الوعائي، فإننا نعتمد على الموسعات الوعائية في العلاج، وأهمها:
حاصرات قنوات الكالسيوم: كالنيفيديبين، والأملوديبين، والفيلوديبين؛ وتعمل بآلية إرخاء العضلات الملساء الموجودة في جدران الأوعية. وقد أبدت فعالية كبيرة في التخفيف من تكرار النوبات وشدتها عند معظم مرضى داء رينو، وفي شفاء القرحات الجلدية في أصابع اليدين والقدمين. تستعمل عادة خلال فصل الشتاء فقط أو عند انخفاض درجات الحرارة.
يجب عدم تناول عصير الكريفون أثناء العلاج بالنيفيديبين لأنه يزيد من كمية النيفيديبين الممتصة من قبل الجسم وبالتالي اضطراب الضغط الشرياني.
حاصرات مستقبلات ألفا: مثل برازوسين، دوكسازوسين. تقفل مستقبلات النورإيبنيفرين وتلغي تأثيره المقبض للأوعية.
مركبات النيترات: مثل نتروغليسيرين الذي يساعد على شفاء القرحات الجلدية.
قد تسبب الموسعات الوعائية تأثيرات جانبية مزعجة – وأهمها الصداع- مما قد يستلزم إيقافها. وفي بعض الحالات قد يفقد الدواء فعاليته عند تكرار استخدامه.
علاجات أخرى غير دوائية:
• خزع العصب الودي:الأعصاب الودية الموجودة في اليدين والقدمين تتحكم في توسع وتضيق الأوعية الدموية في الجلد. وفي الحالات الحادة من داء رينو فإنه يكون من الضروري قطع هذه الأعصاب لمنع حدوث الاستجابة المفرطة. تفيد هذه العملية في تخفيف شدة الهجمات ومدتها، لكنها ليست فعالة دائماً.
• حقن المواد الكيماوية: يمكن حقن المواد الكيماوية لمعاكسة تأثير الأعصاب الودية في اليد أو القدم المصابة. وقد نكرر الحقن إذا ظهرت الأعراض من جديد أو في حال استمرت بالظهور.
• العلاج بالتسريب الوريدي: يمكن القيام بالتسريب الوريدي عند فشل الطرق العلاجية الأخرى. نستخدم مركب iloprost وهو بروستاغلاندين موسع للأوعية، يطبق لمدة 3-5 أيام.
• البتر: في حالات نادرة لابد من إزالة الأنسجة المتموتة (استئصال الإصبع المصاب(
• المعالجة النفسية: قد تفيد في تدبير ظاهرة رينو المُـحَرَّضة بالقلق والكرب.
نصائح وقائية للمرضى:
• عدم التدخين: لأن دخان التبغ يسبب تقبض الأوعية الدموية الصغيرة الموجودة في الجلد ويفاقم الحالة.
• التمارين الرياضية :قد تحسن التروية الدموية.
• الاسترخاء قدر الإمكان، لأن التوتر والشد النفسية تحرض النوبة.
• تجنب شرب القهوة والشاي: لأن للمواد المنبهة كالكافيئين تأثيراً مقبضاً للأوعية، كذلك يُنصح المرضى بالإقلال من المشروبات الغازية.
• العناية باليدين والقدمين :وحمايتهما من أي إصابة، والعناية بالأظافر. وتجنب المشي بقدمين حافيتين، وعدم ارتداء أي شيء يضغط الأوعية الدموية في اليدين أو القدمين (أساور، مجوهرات، أحذية ضيقة(
• تجنب أدوات العمل التي تهز الأيدي (مثل بعض أدوات الحفر والبناء(
• تجنب التعرض للبرد :وارتداء ملابس مناسبة في الشتاء (قفازات، تغطية الأنف والأذنين، حيث أن الجسم يخسر كمية كبيرة من الحرارة عن طريق الرأس(
• الأدوية :كما ذكرنا، يمكن لبعض الأدوية أن تحرض النوبة أو تزيد الأعراض سوءاً، لذلك يجب طلب الاستشارة الطبية عند اللزوم.
أضف تعليقاً