سبب نزول سورة الكهف وفضلها
القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى الذي أنزله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الكتاب الخالد الباقي إلى أن تفنى الحياة، وهو ذو الفضل العظيم، فهو يُكسِب المسلمين والمسلمات الحسنات والأجر العظيم من قراءته.
فالله تعالى في كتابه الكريم يقول: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88] دليلاً على إعجازه.
أمَّا عن تلاوته فقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرَّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [فاطر: 29]، وللتأكيد على أهمية قراءة ودراسة القرآن الكريم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده"، وأمَّا عن الحسنات والأجر العظيم الذي يعود على القارئ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف".
قال أيضاً صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ، ورتل كما ترتل في الدنيا، فإنَّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها"، وكل ما سبق يدفعنا للاهتمام بالتحدث عن كافة سور هذا الكتاب العظيم؛ لذلك مقالنا الحالي مخصص للتحدث عن فضل سورة الكهف، وسبب نزول سورة الكهف، وغيرها كثير من المعلومات المتعلقة بسورة الكهف فتابع القراءة.
التعريف بسورة الكهف:
قبل أن نتحدث عن فضل سورة الكهف أو سبب نزول سورة الكهف يجب أن نتعرف إليها أولاً من خلال الآتي:
- سورة الكهف هي السورة الثامنة عشر في القرآن الكريم من حيث ترتيب السور، أما ترتيب النزول فإنَّ نزول سورة الكهف كان بعد نزول سورة الغاشية، وهي إحدى السور التي بدأت بالحمد لله، وعدد آيات سورة الكهف مئة وعشر آيات، وموجودة في القرآن الكريم ضمن الجزء السادس عشر منه والحزبين الثلاثين والواحد والثلاثين.
- سميت سورة الكهف بهذا الاسم لكونها تتحدث عن المعجزة الربانية التي حدثت في قصة أصحاب الكهف، وهي إحدى القصص التي تحدثت عنها سورة الكهف، وورد عن ابن عباس وعن ابن الزبير رضي الله عنهما أنَّ سورة الكهف قد نزلت في مكة المكرمة.
القصص التي وردت في سورة الكهف:
توجد مجموعة من القصص يمكن أن نستنتج من خلال فضل سورة الكهف، وتشكل القصص بنية السورة، وقد ترابطت القصص مع بعضهالإيصال المقاصد الصحيحة من السورة، وهي كالآتي:
1. قصة أصحاب الكهف:
أصحاب الكهف هم مجموعة من الفتية قد لجؤوا إلى كهف لأنَّهم خافوا على أنفسهم من الفتنة في الدين؛ لأنَّهم قد رأوا أفراد قومهم يعبدون الأصنام والأوثان في أحد الأعياد التي يتم إحياؤها بحسب معتقداتهم، فقد تميز الفتية عن أفراد قومهم أنَّ الله عز وجل قد فتح بصيرتهم، فأدركوا الخطأ الفادح والباطل والمعاصي التي يرتكبها قومهم، وتركوا قومهم وما هم عليه، ودعوا الله عز وجل قائلين: {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً}، ولجؤوا إلى الغار وناموافيه ثلاثمئة وتسع سنوات، وقد رعاهم وحفظهم الله بقدرته ومنع الأرض من أكل أجسادهم، فقد كان يقلِّبهم يميناً ويساراً حتى يصل الهواء إلى مختلف أنحاء أجسادهم، فلا ضرر عليهم كما ورد في قوله تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً} لكونهم لم يعلموا حقيقة أمرهم، ولكن الله تعالى أراد للناس معرفة الحقيقة ليعلموا أنَّ الله حق، وتقوم الحجة عليهم ويتبين الأثر الكبير للشباب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونهم عماد المجتمع.
2. قصة صاحب الجنتين:
هي القصة الثانية في سورة الكهف والتالية لقصة أصحاب الكهف، وتوضح لنا هنا القصة حكاية حدثت بين رجلين أحدهما كافر قد وهبه الله مزرعتين وأعطاه من الرزق كثيراً ومتاع الحياة الدنيا، والرجل الآخر مؤمن ولكنَّه يمتلك من المال قليلاً ورزقاً بسيطاً، ولكنَّه كان راضياً بما قدره الله له، فيعدُّه اختباراً من الله تعالى، أما الرجل الكافر فقد أعجب كثيراً بما أعطاه إياه الله وتكبَّر على الناس لأنَّه اعتقد أنَّ المزرعتين أبديتان ولن تفنى الخيرات، فذكَّره المؤمن بوجود الله تعالى وواجب شكره والإيمان به في مختلف الظروف بقوله تعالى: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لَّٰكِنَّاْ هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً}، إلا أنَّه رفض تلك الدعوة ولكنَّه ندم فيما بعد، فالله تعالى جازاه على ذلك، والعبرة من ذلك أنَّ المؤمن عليه أن يبقى ثابتاً على دينه، فلا ينخدع بالمظاهر الزائلة؛ بل يشكر الله لتدوم نعمه.
3. قصة آدم وإبليس:
والعبرة من القصة أنَّ الله تعالى حذَّرَ المؤمنين من اتباع إبليس في سلوكه من خلال قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً* ما أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً}.
4. قصة موسى والخضر:
موسى عليه السلام عَلِمَ عن رجل في مجمع البحرين وهبه الله من العلم الكثير، فأراد أن يذهب إليه وطلب من الله ذلك، فأمره الله أن يصطحب حوتاً معه، وأخبره أنَّ مكان فَقدِه هو موقع الخضر، فانطلق موسى عليه السلام مصطحباً يوشع، وعندما وجد الخضر طلب منه أن يصحبه فأخبره أنَّه لن يمتلك الصبر على ما سيحدث من أفعال غير متفقة مع شريعته، فكل منهما علمه الله علماً مختلفاً، واشترط عليه الخضر ألا يسأله عن شيء إلى أن يخبره بنفسه، ولكن عندما خرق سفينة سأله، وعندما قتل غلاماً أيضاً سأله، وكذلك عندما رفع جداراً كان على وشك أن يتدمر على الرغم من أنَّ أهل القرية لم يقدموا لهم الطعام فأخبره عن الأسباب، فالغلام قتله لأنَّه سيعذب أبويه لاحقاً، والجدار أقامه ليحافظ على كنز لغلامين إلى أن يصلا لوقت مناسب لإخراجه أما السفينة فخرقها لحمايتها من ظالم يأخذ السفن الجيدة.
5. قصة ذي القرنين:
وهو ممن مكَّنهم الله تعالى في الأرض، وقد أعطاه الله ما يصله إلى موضع الشمس فرآها بعينه، وقد وجد عندها قوماً لم يجد لديهم ستراً من الشمس، وتوجَّه للشمال وجد سدَّين بين الناس ويأجوج ومأجوج، وبين السدين قوماً اشتكوا من ظلم يأجوج ومأجوج فطلبوا أن يقيم سداً لهم مقابل أجر فأقام السد ورفض الأجر لكنَّه شكر الله على فضله الكثير.
شاهد بالفديو: فضل قراءة القرآن الكريم
ما هي أسباب نزول سورة الكهف؟
سبب نزول سورة الكهف أنَّه قد كثر المسلمون القادمون إلى مكة من القبائل العربية للسؤال عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أرسل الكفار رجلين هما عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث إلى المدينة المنورة بهدف سؤال اليهود عن رأيهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد طلبوا منهما أن يسألا النبي عليه السلام عن أمر فتية من الأمم السابقة، وعن رجلٍ جاب الأرض شرقها وغربها وعن ماهية الروح، وإذا أجاب، فهو نبي، فأجابهما أنَّه سيخبرهما غداً ولكن تأخر الوحي ثلاث أيام ثم أنزل الله السورة تتضمن الأجوبة، وأما ماهية الروح فقد نزلت الإجابة في سورة الإسراء، وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَداً}؛ لذلك سبب نزول سورة الكهف الأهم هو إثبات نبوَّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ما هو فضل سورة الكهف؟
فضل سورة الكهف كبير على المسلمين، ويمكن تلخيصه بالشكل الآتي:
- سورة الكهف سبب العصمة من فتنة المسيح الدجال، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف وتدبرها عُصم من الدجال".
- التوجيه نحو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والابتعاد عن الفساد.
- سورة الكهف توضح أهمية الصحبة الصالحة.
- الاعتراف بأنَّ الله عز وجل هو الأكثر علماً مهما بلغت من العلم، وأنَّ المعلم عليه الصبر على طالبه.
- الله تعالى يجازي عباده على أعمالهم سواء الحسن منها أم السيئ.
- من صفات الملك الصالح أنَّه يقدم للجميع مساعدته ولا يأخذ الأجر مقابل ذلك، فالفضل لله تعالى.
- من ينكر وجود الله أو فضله أو قيام الساعة، فقد كفر به عز وجل، ومن أساليب الوعظ تذكير الناس بأصل خلقه.
في الختام:
سورة الكهف هي مجموعة من القصص تبدأ بقصة أصحاب الكهف الذين لجؤوا إلى الكهف، فحفظهم الله ثلاثمئة وتسع سنوات بقدرته، وقصة صاحب الجنتين التي تعلِّمنا أنَّ النعمة بيد الخالق عز وجل، وقصة آدم وإبليس، وأيضاً قصة موسى عليه السلام مع الخضر التي توضح أهمية الصحبة الصالحة والصبر وحسن التصرف، وكذلك قصة ذو القرنين التي تذكِّر المؤمن أنَّ الفضل لله وحده، وسبب نزول سورة الكهف هو إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، أما فضل سورة الكهف فقد ذكرنا عدة نقاط هامة توضح فضل سورة الكهف، وأبرزها أنَّها سبب العصمة من المسيح الدجال، إضافة إلى توعية الأمة إلى شكر الله على فضله.