سايكولوجيا رهاب الحب: أسبابه وعلاجاته

قد لا تستطيع أيَّة روح العيش دون الحب، وإن عاشت دونه فبالتأكيد سترزح تحت الكثير من الاضطرابات والمشكلات النفسية الذهنية الهامة، فالحب هو تلك الكلمة التي تعطي أي شيء في هذه الحياة طعماً ورائحة ومذاقاً، وبالحب تُخرِج أفضل ما بداخلك وأفضل ما بداخل مَن تحبه؛ إذ إنَّ الحب هو الطاقة العظيمة القادرة على صنع المعجزات.



إلَّا أنَّ العالم الذي يتغير بسرعة كبيرة جعلنا نتأقلم بطريقة قلقة؛ وهذا أحدث بعض الاضطرابات في توازننا النفسي والشعوري والعاطفي لدرجة جعلَ بعض الناس يخافون من الانخراط في علاقة حب.

ما هي أسباب رهاب الحب؟

إنَّ بعض الناس لديهم خوف كبير وربما قد يكون مبالغاً فيه تجاه الحب، فالحب هو أرض مجهولة غير مُكتشفة، والإنسان بطبعه يخاف من المجهول ويشعر بانعدام الأمان عندما يدخل في هذا المجهول.

إليكم أهم الأسباب التي تجعل بعض الأشخاص يتجنَّبون الدخول في العلاقات العاطفية:

  1. يتجنَّب الكثيرون من الأشخاص الدخول في العلاقات العاطفية خوفاً من أن يفقدوا عاداتهم الشخصية، وتصبح لديهم أعباء والتزامات أخرى تحول بينهم وبين ممارسة هذه العادات.
  2. يتجنَّب بعض الأشخاص الدخول في الحب خوفاً من وقوعهم فريسة للتملُّك من قِبل الشريك الآخر؛ فهو يريد أن يعيش حياته بالطريقة التي يحبها.
  3. تتركز بعض أولويات الناس في ذواتهم وأنفسهم وفي كيفية تطوير مهاراتهم وقدراتهم؛ لذا فهُم يخافون من أن تمنعهم علاقة الحب عن تحسين وضعهم بشكل عام.
  4. بعض الناس يخافون من البوح؛ وذلك بسبب تجارب سابقة مؤلمة قد تكون في مرحلة المراهقة أو حتى في مرحلة الطفولة.
  5. قد يخاف بعض الأشخاص من الاعتراف بالحب؛ وذلك لأنَّهم يخافون من الرفض سواء بسبب قلة الثقة بالنفس أم ضعف حب الذات أم مواقف قديمة تعرضوا فيها للرفض؛ إذ يتجنبون الحب من أجل أن يتجنبوا الألم الذي قد ينجم عن الرفض.
  6. يوجد مَن يتجنب الدخول في الحب؛ لأنَّ ذلك يذكِّره ببعض المواقف الأليمة التي تعرَّض لها في علاقات سابقة، أو بعلاقة كانت سامة له واستنزفت الكثير من طاقته النفسية.
  7. يقول خبراء علم النفس بأنَّه كلَّما كانت لدى الإنسان أشياء أكثر، سيخاف من فقدانها؛ وهذا ما يمنع بعض الأشخاص من الانخراط في العلاقات العاطفية؛ وذلك لأنَّهم يخافون من شعور الفقد.
  8. عندما يرى الإنسان أنَّ لديه شخصاً يحبه بشدة، فإنَّ ذلك قد يكون عامل قلق بالنسبة إليه؛ لأنَّه يخاف على مشاعر هذا الشخص، فهو لا يدري إن كان قادراً على أن يبادله شعور الحب بنفس القوة.

لماذا قد يكون الحب أمراً غير مريح من الناحية النفسية؟

في داخل كل فرد يوجد صوت سلبي يخبره في بعض الأوقات بأنَّه غير محبوب، ويتولد هذا الصوت من أيام الطفولة التي غالباً ما تكون مهملة بسبب ظروف العائلة، أو حتى بسبب تجارب الحياة.

فقد يعتاد الإنسان على هذا الصوت ويَعُدُّه شيئاً طبيعياً، لكن عندما يدخل أحد الأشخاص إلى حياته ويشعره بأنَّه يحبه ويشعره بقيمته الحقيقية؛ فهذا يدفعه إلى الإحساس بأنَّ شيئاً غريباً يحصل؛ لأنَّه تعوَّد على فكرة أنَّ لا أحد يحبه، وهنا في هذه الحالة التي تخرق منظومته النفسية والذهنية يشعر بانعدام الأمان؛ وهذا يدفعه إلى الهروب من العلاقة.

ما هو سبب خوف بعض الأشخاص من الحب؟

على الرغم من عدم وجود مصطلح نفسي علمي لرهاب الحب وعدم اعتماده بوصفه مرضاً أو اضطراباً نفسياً طبياً، إلَّا أنَّنا نلاحظه بكثرة، وقد لجأ الأطباء والمعالجون النفسيون إلى إدراجه ضمن قائمة القلق، فمع تسارع التطورات في الحياة التي لا تناسب طبيعة عمل الدماغ البشري، والذي ربما ما يزال يعيش في اللاوعي منذ العصر الحجري؛ تقول الكثير من البحوث والدراسات إنَّ بنية وآلية وكيميائية الدماغ التي كانت موجودة في العصر الحجري لم تتطور كثيراً، أو لم تتغير تغيراً يناسب التغييرات الجذرية التي حدثت من العصر الحجري وحتى الآن.

وبمعنى آخر فإنَّ التطور التقني والعلمي والتكنولوجي في حالة تسارع مستمر لدرجة أنَّه يمكن أن نقول: في كل يوم يوجد اختراع جديد في مجال معيَّن، بينما عملية التطور التي يخضع إليها الدماغ البشري هي عملية غاية في البطء؛ لذا فإنَّ هذا الاختلاف يؤدي إلى قلق هذا الدماغ إزاء التطورات الحاصلة من حوله، وقد يتطور هذا القلق إلى مشكلات حقيقية.

يبقى رهاب الحب مفهوماً غير واضح المعالم على مستوى التعريف، لكن يمكن القول إنَّه خوف على مستوى الشعور من الارتباط بشخص، أو الدخول في علاقة عاطفية.

شاهد بالفيديو: 10 طرق لتُعبر لها عن حبك

ما هي علامات الإصابة برهاب الحب؟

1- العيش في الماضي:

إنَّ من لديه رهاب الحب يكون عاجزاً عن أن يخرج من ماضيه ويجد نفسه محاصراً ضمنه، وعاجزاً عن الإفلات منه وكأنَّه سجين في هذا الماضي، ومُحاط بالذكريات المؤلمة من كل حدبٍ وصوب.

2- التحفظ على المشاعر:

قد يكون الشخص الذي يعاني من رهاب الحب لديه مشكلة في التعبير عن مشاعره الحقيقية والإفصاح عنها وإطلاقها إلى الملأ؛ إذ إنَّه يخشى عليها من أيَّة نسمة نقد مهما كانت صغيرة.

3- مشكلة الثقة بالآخر:

لدى أغلب المصابين برهاب الحب، مشكلة حيال الثقة بشخص آخر؛ والسبب غالباً يكون أنَّه قد أعطى الثقة في الماضي لمَن لم يقدِّرها جيداً، وقابلها بخيانة سبَّبَت صدمة كبير ومؤثرة.

4- الخوف على طقوسه الخاصة:

يقدِّس طقوسه الخاصة ويظن أنَّه من خلال الانخراط في علاقة عاطفية مع شخص آخر، فإنَّه قد لا يجد الوقت لهذه الطقوس، وهذا حقيقةً غير صحيح في حال اختيار الشريك المناسب الذي يشاركه نفس الطقوس، وربما تصبح هذه الطقوس أكثر متعة في ظل وجود شريك مناسب.

5- التعبير المفرط عن ازدراء فكرة الزواج:

تظهر عليه أعراض جسدية عندما يكون في لقاء جماعي ويدور حديث عن الزواج؛ إذ يبدو عليه الخوف والقلق والانزعاج، وتراه دائم التهكُّم بالزواج، ومَن يُقدِم على هذه الفكرة هو كائن غبي في نظره؛ إذ يُشكِّل الزواج وحشاً بالنسبة إلى الشخص المُصاب برهاب الحب؛ لأنَّ الزواج كما نعلم جميعاً هو قمة الالتزام العاطفي والمادي.

هل يتضمن رهاب الحب الانعزال عن الحياة الاجتماعية؟

ليس من الضروري أن يكون مَن يعاني من رهاب الحب في حالة انعزال تامة عن البيئة المحيطة به، فقد يكون منفتحاً في الأمور العامة وقد يكون لديه الكثير من الأشخاص في حياته، ولكنَّه لا يشاركهم أمور حياته الخاصة.

فقد تكون لديه شبكة لا بأس بها من العلاقات الاجتماعية، وقد لا تكون لديه مشكلة في العلاقات الجنسية طالما أنَّها لا تحتوي على مشاركة عاطفية؛ إذ يُعَدُّ الارتباط العاطفي مشكلته الحقيقية سواء كانت مع حبيب أم صديق.

دور العلاج المعرفي السلوكي في علاج مشكلة رهاب الحب:

1- إعادة البناء المعرفي:

إنَّ أهم نقطة في العلاج المعرفي السلوكي هي تصحيح الأفكار والمعتقدات الخاطئة المتعلقة بالحب، فالحب ليس بالضرورة حالة تملُّك؛ بل يمكن اختيار شريك متفهم لحريتك الشخصية، ويمكن اختبار هذا الأمر منذ بداية العلاقة وفي حال وجوده من الممكن الانسحاب من العلاقة.

2- النزول من القصر العاجي:

يعمل المعالج النفسي عادةً على إنزال المُصاب برهاب الحب من قصره العاجي ومن قلعته العالية والحصينة التي تمترَسَ فيها لوقت طويل؛ وذلك من خلال اختبار مشاعره مع شخص ينجذب إليه، أو حتى مع صديق مقرَّب يفصح له عن بعض الأسرار التي لم يفصح عنها من قبل.

3- تغيير المعتقدات والأفكار المثالية:

يعمل المعالج النفسي على تغيير معتقدات الشخص حيال الحب والعلاقات العاطفية، والتي غالباً ما تكون معتقدات وأفكار مثالية غير موجودة في الواقع المُعاش، فإن كان يتنظر الشريك المثالي والعلاقة المثالية، فذلك لن يحصل مهما طال الانتظار؛ لذا على الإنسان فهم فكرة أنَّ كل شيء في هذه الحياة يقبل جميع الاحتمالات، ولا يستطيع أحد إعطاء أيَّة ضمانات.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلص من المعتقدات السلبية التي تمنع وصولك إلى أقصى إمكاناتك؟

4- رفع الثقة بالنفس:

يطلب المعالج النفسي من مراجعه أن يسرد له بإيجاز خبراته العملية والدراسية، وما هي الأمور الجيدة التي اعتاد على أنَّه يمتلكها، وما هي الأمور التي هو قادر على فعلها في أي مجال من مجالات الحياة، ويطلب منه التركيز فيما يملك الآن بين يديه ويعمل عليه لتطوير نفسه؛ فهو بذلك يعطيه الثقة بنفسه وقدراته؛ وهذا يدفعه إلى تخطي الكثير من الحواجز التي لها علاقة بنقص الثقة مثل رهاب الحب وغيرها.

إقرأ أيضاً: 4 تمارين تساعدك على تقوية الثقة بالنفس

5- التحقُّق من المشكلة الحقيقية:

يتحقَّق المعالج النفسي من جديَّة تأثُّر المريض بالشكوى التي يقدمها؛ بمعنى هل هو يريد الانخراط في علاقة حب أو علاقة زوجية وإنجاب الأطفال وتكوين أسرة؟ أم أنَّه يريد فقط الدخول في علاقة كي يرضي الآخرين؟ فعلينا أن نحترم توجُّهات البشر ولا نفرض نمط حياة واحد على الجميع، فكل إنسان لديه تصوُّر خاص حيال ذاته وكيف يجب أن تكون في المستقبل، فقد يكون كل الموضوع هو أنَّه مرتاح في هذه الحالة، وليس الارتباط أو الزواج أو الإنجاب أحد أهدافه الحالية، والمشكلة الحقيقية التي أتى بها إلى عيادة المعالج النفسي هي كثرة الكلام مِن حوله عمَّا يجب أن يكون عليه.

في الختام:

إنَّ رهاب الحب هو أحد الاضطرابات الشائعة جداً، لدرجة أنَّه لا يمكن أن نسميه اضطراباً؛ بل يصنفه بعض خبراء علم النفس على أنَّه مجموعة من ردود الفعل التي يحاول فيها كياننا الداخلي حماية هويته وحدوده الشخصية والنفسية، وقد يكون هذا الرأي صائباً؛ إذ إنَّ الأمر لم يُثبت بعد في الطب النفسي على أنَّه اضطراب نفسي حقيقي.

المصلدر: 1،2،3،4




مقالات مرتبطة