سايكولوجيا العلاقات الإدمانية وطرق التخلص منها

إذا أردنا أن نضع عنواناً لهذا العصر الذي يعج بالتقنيات والحداثة والتغير المستمر، فهو الإدمان؛ الإدمان الذي قد يكون وسيلة لدى دماغنا اللاواعي للحفاظ على شيء ثابت وسط هذه المتغيرات التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى.



وكأنَّها لعبة يلعبها الدماغ البشري لكي يشعر ببعض الأمان وسط هذا العالم الذي أصبح يميل إلى الجنون من كثرة ما  يسبح داخله من اتجاهات وتيارات وأفكار متناقضة ومتضاربة فيما بينها.

توجد عدة أشكال للإدمان، وما سنتكلم عليه في هذا المقال هو إدمان العلاقة العاطفية، الذي يتضمن في أغلب الحالات أفكاراً هوسية غير منطقية تسيطر على العلاقة، تسبح فيها مشاعر مبالغ بها من الأمل والانتظار والارتباك والترقب واليأس، فهذه العلاقات الإدمانية تكون في أغلب الأحيان قوية للغاية لا يمكن كسرها بسهولة، وهي أيضاً سامة لكلا طرفي العلاقة.

هل القول إنَّنا مدمنون على العلاقات العاطفية صحيح علمياً؟

القول إنَّك إنسان مدمن على العلاقات العاطفية أو على علاقة عاطفية معينة، هو كلام غير دقيق من الناحية العلمية؛ إذ يؤكد الخبراء والباحثون بأنَّ إدمان الشخص يكون على كيمياء الدماغ المرابط بشكل أو بآخر بالعلاقة السامة، ولسبب غير معروف بشكل دقيق.

ما هي العلاقات العاطفية الصحية؟

العلاقات العاطفية الصحية هي العلاقات التي لا تنطوي على تقلبات عاطفية مستمرة؛ أي إنَّك تعلم أنَّ من تحبه يبادلك نفس المشاعر، وتتأكد من ذلك من خلال الأفعال والكلام وما إلى ذلك من وسائل التعبير عن الحب، دون أن تكون في موقع التساؤل عن حقيقة المشاعر التي يكنها لك الطرف الآخر، ودون أن تعيش في حفرة القلق أو الانتظار لما ستؤول إليه العلاقة في المستقبل.

ما هي بواعث الأفكار الهوسية المحيطة بالعلاقة الإدمانية؟

تكون العلاقة الإدمانية في أغلب الحالات غير محققة بشكل كامل، فهي تفتقر إلى حلقة ناقصة، وكأنَّه فراغ مجهول يقبع في أحد أطرافها، ويُهدَّأ هذا القلق حيال ذلك الفراغ أو المجهول من خلال لقاء الشخص أو الإكثار من الأفكار الهوسية عنه، ولكنَّ هذه التهدئة مع الأسف الشديد تحدث بشكل مؤقت لا يدوم طويلاً، فنرى الشخص المدمن تعود حالته أسوأ مما كانت عليه بعد حالة مؤقتة من الراحة الكاذبة أو الوهمية.

ما هي الخطوة الأولى على طريق التخلص من العلاقات الإدمانية السامة؟

الخطوة الأولى على طريق التعافي من العلاقات السامة، هي مواجهة الحقيقة بكل شجاعة، ومن ثم تحديد الشخص السام الذي يسبب لك هذه المشكلات في حياتك، فهذه الخطوة التي تقر فيها بشكل حقيقي هي بداية رحلتك نحو التعافي.

كتابة دورة المشاعر في العلاقة الإدمانية وتقبُّل الواقع:

من أجل مساعدة نفسك على مواجهة الحقيقة، يمكنك أن تُخرِج مفكرتك الشخصية من جيبك، وتبدأ بكتابة المشاعر التي تنتابك تجاه علاقتك الإدمانية بالشخص السام، ومن ثم اكتب الدائرة المفرغة المجنونة التي تدور فيها أنت؛ على سبيل المثال، تبقى أنت في حالة من الترقب قبل لقاء الشخص الذي تدمن عليه، ومن ثم يحدث اللقاء فتشعر بنوع من السعادة اللحظية أو النعيم المؤقت، ولا يلبث هذا الشعور أن ينتهي، فتجد نفسك مرتبكاً ولا تعرف ما هو السبب.

ينتهي اللقاء ويرحل الطرف الآخر تاركاً في قلبك الكثير من مشاعر الشوق والفقدان، ولا يلبث هذا الشوق أن يتكاثر ويخلِّف الكثير داخل صدرك، وهنا تتغلب عليك هذه المشاعر السلبية؛ وهذا ما يجعلك تقع داخل حفرة اليأس، فهذا مجرد مثال بسيط عن دورة المشاعر في العلاقات الإدمانية، وتختلف عناصر الدورة بحسب كل شخص وبحسب كل علاقة.

ومن المفيد أيضاً كتابة المكاسب التي قد تحققها داخل علاقاتك الإدمانية، مثل الشعور بالأمان أو الشعور بالانتماء أو الرغبة، وناقش استمرارية هذه المشاعر على الأمد الطويل، ولاحظ تحوُّلها من شكل إلى آخر قبل اللقاء وفي أثنائه وفي مرحلة ما بعده أيضاً.

شاهد بالفديو: 10 طرق لتقوية العلاقات المتعثرة

دور كتابة الأفكار الهوسية المرتبطة بالعلاقة الإدمانية في عزلها بشكل مؤقت:

من المفيد كتابة الأفكار الهوسية التي تنتابك بشأن ذاتك في الفترات التي تواجه فيها الحقيقة؛ حقيقة أنَّ العلاقة الإدمانية تحمل الكثير من العواقب السلبية على حياتك بما يتجاوز فوائدها اللحظية أو المؤقتة، فاكتب الأفكار الهوسية لكي تعوِّد نفسك على الالتزام بالعيش ضمن الواقع وليس ضمن تلك الأفكار، وكأنَّك تقول لنفسك ها أنا ذا قد وضعت أفكاري الهوسية على الورق، إنَّها غير موجودة الآن سوى على تلك الأوراق، ويمكنني الآن أن أعيش داخل اللحظة الراهنة التي لطالما افتقدتها.

أن تعيش اللحظة يعني أن تكسر أول أغلال العلاقة الإدمانية:

من الهام أن تعيش في اللحظة الراهنة؛ لأنَّك بذلك تعيش داخل الواقع، ومن ثمَّ تحارب بشكل غير مباشر العلاقات الإدمانية التي تكثر ضمنها التخيلات وتجبرك على العيش ضمن واقع خيالي مملوء بمشاعر اليأس أو الأمل أو الترقب؛ لذا فإنَّ التركيز على الواقع هو أهم خطوة في التخلص من الأوهام والمشاعر والأفكار المبالغ بها.

أفضل طريقة للتخلص من العلاقة الإدمانية:

إنَّ أفضل حل تقوم به هو التخلص من العلاقة بشكل كامل، وهذا يشمل التوقف عن إرسال الرسائل النصية القصيرة، بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وسيكون هذا الجزء في غاية الصعوبة بالنسبة إليك؛ إذ تتغير النواقل العصبية في الدماغ عند محاولة الانفصال، وهي مختلفة تماماً عن النواقل العصبية التي يفرزها الدماغ عندما نكون في حالة الحب، وهذا الانتقال والتغير ليس بالعملية السهلة؛ إذ يتحرض إفراز هرمون الكورتيزول وهو هرمون الإجهاد العاطفي والتوتر والضغط النفسي، بالإضافة إلى هرمون النورأدرينالين.

سايكولوجيا التخلص من العلاقة الإدمانية:

عندما تقوم بعملية انفصال غير متوقعة عن الشريك، ينتقل جهازك النفسي والعصبي إلى حالة من التأهب، يقوم فيها بإطلاق مواد كيميائية تشعل نيران القلق والتوتر في كافة أنحاء الجسم، وكأنَّها تخاطبه بنبرة عالية وتقول له: "افعل شيئاً حيال ما يحدث".

للتخلص من حالة الإدمان التي تعيشها، يجب عليك أن تعرف بأنَّك تحارب عدواً صعباً للغاية، وهو الاستجابة الكيميائية الحاصلة ضمن الخلايا الدماغية الخاصة بك؛ وهذا يعني أنَّك قد لا تشعر بالتحسن لفترة معينة من الوقت، لكن لا عليك، ففي حال كنتَ قادراً على مقاومة كيمياء دماغك في هذه الفترة وعدم الانصياع لما تمليه عليك، فإنَّك قادر على تجاوز هذه الأوقات العصيبة، وستنتهي المعركة الكيميائية داخل دماغك، وتصبح النواقل العصبية في حالة من الهدوء والتوازن.

شاهد بالفديو: 7 طرق في التعامل مع العلاقات السلبية

تعرف إلى أهم الاقتراحات التي تساعدك على الحفاظ على توازنك خلال إقلاعك عن العلاقة الإدمانية:

توجد بعض الاقتراحات عما يمكنك القيام به خلال فترة الرغبة الشديدة الناجمة عن استغاثة النواقل العصبية التي اعتادت على الإدمان، وأهمها:

  1. اتباع وسيلة تحويل الانتباه أو ما يسمى بالإلهاء الإيجابي، من خلال القيام ببعض النشاطات التي تحقق ذلك، مثل العناية بنباتات الحديقة أو ممارسة رياضة المشي أو التأمل أو أي نشاط صحي آخر.
  2. يمكنك ممارسة الرياضات البدنية التي لا تتضمن العنف أو العدوانية، مثل الركض أو رفع الأثقال أو ركوب الدراجات وما إلى ذلك.
  3. إجراء محادثات متكررة مع الأصدقاء الذين تشعر معهم بالراحة النفسية، وتشعر بأنَّ التواصل معهم ينقل دماغك إلى حالة من الراحة، وتقطع اتصاله بالماضي ولو لأوقات قصيرة.
  4. يمكنك تخصيص دفتر لكتابة ما يمر معك من أحداث خلال اليوم؛ إذ تؤكد الدراسات الحديثة أنَّ تدوين المذكرات يُعَدُّ وسيلة فعالة من أجل التخلص من المشاعر السلبية، كذلك يمكنك أن تكتب ما تود أن تصبح عليه في يوم من الأيام؛ إذ يساعد هذا الأمر على تحفيزك بشدة.
  5. يمكنك إنشاء تعويذات خاصة بك تلجأ إليها في الأوقات الصعبة من حياتك؛ وذلك من أجل مساعدتك على تجاوز دورة الرغبة الشديدة، ومقاومة الأصوات التي تجرك نحو الهزيمة الذاتية.
  6. تساعدك كتابة قائمة بالأسباب التي تجعل علاقتك الإدمانية سيئة بالنسبة إليك، وخصوصاً في أوقات الفراغ التي يكون فيها الدماغ مبرمجاً على استذكار الجوانب الإيجابية فقط؛ لذا من المفيد التركيز على الجوانب السلبية؛ وهذا يساعدك بشكل أو بآخر على استيعاب نفسك في الواقع.
  7. واحدة من أهم الأشياء التي يمكنك القيام بها لتساعد نفسك خلال مرحلة الشفاء، هو وضع خطة استباقية تتضمن الحد الأدنى من السلوكات الصحية التي تكون مهمتها الحفاظ على التوازن العاطفي والنفسي لديك.

في الختام:

لم نجد أجمل ما يمكن أن نختم به مقالنا هذا من قاعدة في علم النفس تقول: "إنَّ أفضل محفز للتغيير في العلاقة هو التقبل التام للشريك كما هو، دون أي أحكام أو طلبات تتضمن التغيير بأي شكل من الأشكال".

قد يبدو من الصائب أيضاً تطبيق هذه القاعدة على أنفسنا، بما يخص تقبلها كما هي دون قيد أو شرط، ويشمل ذلك كل أفكارنا ورغباتنا ومشاعرنا. هذه القاعدة تشبه إلى حد كبير ما يقوله "مارشال لينهان" عن نظرية القبول المتطرف، التي تنص على قبول الوضع كما هو عليه، مع معرفتك التامة لما يجب فعله من أجل تحسين الوضع، ليس عن طريق تغيير الشخص الآخر، لكن عن طريق تغيير الطريقة التي نفكر بها والطريقة التي ننظر بها إلى الطرف الآخر.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة