زكاة الفطر: أحكامها، مقدارها وعلى من تجب

قال تعالى في كتابه الكريم: {والذين في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم} [المعارج: 24-25]، فأشار بذلك إلى الصدقات والزكاة التي تعدُّ ركيزة من ركائز الدين الإسلامي، وركناً من أركان هذا الدين الحنيف.



وإذا تمعَّنا في الزكاة وفرضها على المسلمين، فوجدنا فيها فوائد تعود على صعيدين؛ صعيد المسلم نفسه الذي يقوم بإيتاء الزكاة، وصعيد المجتمع الإسلامي الذي ينال، فقراؤه حقهم من أموال أغنيائه، فأما على صعيد المتصدق بالزكاة فينال أولاً مرضاة ربه وبركاته في رزقه، وينال تالياً شعوراً بالسعادة والرضى، ويتنامى في نفسه عندما يقوم بفعل العطاء، وفي هذا السلوك تهذيب للنفس وكبح لجماحها عن الأنانية في ممتلكات الدنيا، فيكون جهاداً؛ لأنَّ المتصدق ينفق مما يحب، فينال البر لا محالة، وأما على صعيد الطبقة الفقيرة في المجتمع الإسلامي، فسوف تتقلص الفوارق الطبقية بينها وبين الطبقات الأخرى، وستسود مشاعر الألفة تجاه الآخرين بدلاً من مشاعر التظلُّم والحقد، لذا فإنَّ الزكاة واجبة على المسلمين في كل مكان وزمان، وفي هذا المقال سوف نتحدث عن وقت محدد للزكاة وهو زكاة الفطر، لنتعرف إلى أحكامها ومقدارها وشروط إخراجها.

ما هي زكاة الفطر؟

هي زكاة واجبة على كل مسلم ومسلمة، وصغير أو كبير، وحر أو عبد؛ إذ تجب بالفطر من رمضان، وذلك تطهيراً للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين.

يبدأ وقت إخراج زكاة الفطر منذ غروب الشمس من ليلة العيد، وتُستحبُّ إخراجها قبل صلاة العيد، ومقدارها صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من زبيب أو قيمته من الدراهم أو الدنانير تُصرف زكاة الفطر على الفقراء والمحتاجين، وزكاة الفطر واجبة على كل حي يملك قوت يوم العيد وليلته، ويعفى منها من مات قبل غروب شمس آخر يوم صيام في رمضان والجنين الذي في بطن أمه، ولكن بعضهم يتصدقون بها طواعية عن الأجنة، وزكاة الفطر هي استكمال لفريضة الزكاة الواجبة على كل مسلم، ويؤكد على أهميتها ما جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فَرَضَ رسولُ اللهِ صدقةَ الفطرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ وطُعْمَةً لِلْمَساكِينِ، فمَنْ أَدَّاها قبلَ الصَّلاةِ فهيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، ومَنْ أَدَّاها بعدَ الصَّلاةِ فهيَ صدقةٌ مِنَ الصَّدَقَات".

من الأدلة القرآنية على أنَّ الأصل في زكاة الفطر الوجوب في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}، وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

صدق الله العظيم.

حكم زكاة الفطر:

حكم زكاة الفطر فريضة أنَّها واجبة على كل المسلمين، وصغيرهم وكبيرهم، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله ﷺ: "فرَض زكاةَ الفطرِ مِن رمضانَ على كلِّ نفسٍ مِن المسلِمينَ حُرٍّ أو عبدٍ، رجلٍ أو امرأةٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ صاعاً مِن تمرٍ أو صاعاً مِن شعيرٍ"، [البخاري – 1504]، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس لصلاة العيد.

في حكم زكاة الفطر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَفْطَرَ عَلَيْكُمْ رَمَضَانُ، وَجَبَتْ عَلَيْكُمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ".

على من تجب زكاة الفطر ولمن تعطى؟

حكم زكاة الفطر أنَّها تجب زكاة الفطر على كل مسلم ومسلمة، وحر أو عبد، وغني أو فقير، وعاقل أو مجنون، وذكر أو أنثى، وذلك من أهل البلد الذي تقام فيه صلاة العيد، وتجب زكاة الفطر على الجنين في بطن أمه، ويخرجها عنه أبوه أو من ينفق عليه، وحكم زكاة الفطر أنَّها تُعطى زكاة الفطر للفقراء والمحتاجين فقط، ولا تعطى لمستحقي الزكاة الآخرين المذكورين في [التوبة،60]: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، إلا إذا كانوا من الفقراء.

مقدار زكاة الفطر:

مقدار زكاة الفطر هو صاع من أحد الأطعمة الآتية: التمر أو الزبيب أو القمح أو قوت البلد، والصاع هو أربع حفنات باليدين المعتدلتين الممتلئتين، ويُقدر الصاع بـ 2.5 كيلو جرام، ويمكن إخراج زكاة الفطر نقداً، ويجب أن يكون المبلغ مساوياً قيمة الصاع من الطعام في البلد الذي يتم إخراج الزكاة فيه.

شاهد بالفديو: 8 وصايا في وداع شهر رمضان

شروط زكاة الفطر:

فيما يأتي شروط زكاة الفطر، وهي مجموعة من القواعد التي يجب تحققها في إخراج زكاة الفطر:

  • ملك قوت يومه وليلته فلا تجب على الفقير الذي لا يملك ما يسد حاجته وحاجة من تلزمه نفقتهم، فمن شروط زكاة الفطر أنَّها ليست واجبة على من لا يجد قوت يومه.
  • من شروط زكاة الفطر أنَّه يمكن توزيع زكاة شخص واحد على عدة فقراء، ويجوز جمع زكاة عدة أشخاص ومنحها لمحتاج واحد.
  • من شروط زكاة الفطر أنَّه لا يمكن نقلها من بلد إلى بلد آخر، ولكن الضرورة قد تبيح ذلك أحياناً.
  • من شروط زكاة الفطر أيضاً أنَّ المرأة الغنية تستطيع إعطاءها لزوجها الفقير، وأما الرجل فلا يستطيع إعطاء زكاة الفطر لزوجته؛ لأنَّ إنفاقها واجب عليه.

يجوز إخراج زكاة الفطر عن الغائب، وسواء كان محبوساً أم مسافراً أم مريضاً.

إقرأ أيضاً: ماهي أحكام عيد الفطر؟

متى يجب إخراج زكاة الفطر؟

يبدأ وقت إخراج زكاة الفطر بغروب الشمس في آخر يوم صيام في شهر رمضان حتى صلاة العيد، ويُستحب إخراجها قبل صلاة العيد، ويجوز تعجيل إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، ويكره تأخيرها بعد صلاة العيد.

  • يُفضل إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد حتى يتمكن الفقراء والمحتاجون من الاستفادة منها في يوم العيد، وهذا أفضل وقت إخراج زكاة الفطر.
  • يُمكن إخراج زكاة الفطر من خلال الجهات المختصة بتوزيع الزكاة، وفي وقت إخراج زكاة الفطر.

أسئلة شائعة:

فيما يأتي إجابات عن أشهر الأسئلة الشائعة المتعلقة بزكاة الفطر:

1. هل يجوز دفع زكاة الفطر نقداً؟

نعم، يجوز دفع زكاة الفطر نقداً، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى في سورة التوبة: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْفُقَرَاءِ}، فقالوا أنَّ النقود هي أقرب إلى مصلحة الفقراء في هذا الزمان، وأنَّها أسهل في الحفظ والنقل، وتُمكِّن الفقراء من شراء ما يحتاجونه من طعام، ويجب أن يكون المبلغ مساوياً لقيمة الصاع من الطعام في البلد الذي يتم إخراج الزكاة فيه.

شاهد بالفديو: 7 من أهم أعمال الخير في رمضان

2. من هم الذين لا تجب عليهم زكاة الفطر؟

لا تجب زكاة الفطر على الميت الذي توفي قبل غروب شمس آخر يوم صيام في شهر رمضان المبارك، كما أنَّها لا تجوز على الجنين في بطن أمه والذي لم يولد حتى مغرب ليلة العيد، وزكاة الفطر لا تجب أيضاً على من لا يملك قوت يوم العيد وليلته.

3. ما هو مقدار زكاة الفطر في السعودية؟

مقدار زكاة الفطر في السعودية هو 20 ريال سعودي للفرد، وذلك بحسب ما حددته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية السعودية، وقالت الوزارة: أنَّ هذا المبلغ يعادل مقدار زكاة الفطر وهو قيمة 2.5-3 كيلو جرام من الأرز، وهو صاع قوت البلد، وهذا المبلغ يُمكن الفقراء من شراء ما يحتاجونه من طعام، كما يجوز دفع زكاة الفطر نقداً أو طعاماً من الأصناف المذكورة.

4. ما هي الحبوب التي تخرج في زكاة الفطر؟

الحبوب التي تخرج في زكاة الفطر هي الحبوب التي تعدُّ قوت البلاد، وهي التمر، والشعير، والزبيب، والقمح، والأرز، والذرة والعدس، ويمكن إخراج مقدار زكاة الفطر من أي نوع من هذه الحبوب، ويكون مقدارها صاعاً من كل نوع.

قال شيخ الإسلام "ابن تيمية": "يخرج مما يقتاته وإن لم يكن من هذه الأصناف"، وهذا قول أكثر العلماء؛ لأنَّ الأصل في الصدقات أنَّها تجب على وجه المساواة للفقراء، كما قال تعالى: {من أوسط ما تطعمون أهليكم}.

إقرأ أيضاً: نصائح لتحافظ على صحّتك في عيد الفطر

في الختام:

نستطيع القول: إنَّ الزكاة ركن من أركان الإسلام، وشعيرة عظيمة لها فوائد جمة، وسواء على الفرد أم المجتمع، وأنَّ لزكاة الفطر طابع خاص؛ لأنَّها تتيح للفقير المساواة بالغني في يوم العيد، ولهذا فإنَّ أهم شروطها أن تعطى للفقراء قبل صلاة العيد، ومن قوت البلاد الذي يقتات عليه الناس فيها، وإنَّ لزكاة الفطر فوائد الزكاة على الفرد من تطهير النفس من البخل والشح، وتقوية الإيمان بالله تعالى، والشعور بالرضى والسعادة، كما أنَّ لها فوائد الزكاة على المجتمع من القضاء على الفقر والمسكنة، ونشر التكافل الاجتماعي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وأخيراً فإنَّنا ندعو جميع المسلمين إلى الحرص على إخراج الزكاة، وذلك لما لها من فوائد عظيمة على الفرد والمجتمع.

والله الموفق.




مقالات مرتبطة