دور العلاج المعرفي السلوكي في اضطراب الوسواس القهري

على الرغم من أنَّ اضطراب الوسواس القهري (OCD) هو مرض عقلي خطير، إلا أنَّ ثمة عدداً من علاجات الوسواس القهري التي تقلل تقليلاً كبيراً من أعراضه لدى نحو ثلثي الأشخاص المصابين، وبالنسبة إلى الثلث المتبقي من الأشخاص الذين لم تساعدهم العلاجات التقليدية، ثمة العديد من علاجات الوسواس القهري البديلة والتجريبية التي تقدم أملاً جديداً في تخفيف معاناة هؤلاء المرضى.



ما هي الخيارات المتاحة لعلاج الوسواس القهري؟

يوجد الكثير من الأساليب المستخدمة في علاج الوسواس القهري بما في ذلك:

1. الأدوية:

توجد عدة أدوية تمت الموافقة عليها من قِبل إدارة الغذاء والدواء (FDA) لعلاج الوسواس القهري؛ إذ تنتمي معظم هذه الأدوية إلى فئة من مضادات الاكتئاب تسمى مثبطات عود امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، إضافة إلى بعض الأدوية التي تنتمي إلى فئة مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (TCAs).

على الرغم من أنَّ هذه الأدوية تسمى مضادات الاكتئاب، إلا أنَّها فعالة في علاج اضطرابات القلق مثل الوسواس القهري، ويُعتقد أنَّ هذه الأدوية تعمل عن طريق زيادة كمية السيروتونين المتوفرة داخل الدماغ، فقد يكون نقص السيروتونين سبباً هاماً لاضطراب الوسواس القهري.

2. العلاج النفسي:

يُعَدُّ العلاج النفسي لاضطراب الوسواس القهري فعالاً في تقليل تواتر وشدة أعراض الوسواس القهري. النوعان الرئيسان من العلاج النفسي لاضطراب الوسواس القهري هما العلاج المعرفي السلوكي (CBT) ونوع من العلاج السلوكي يسمى علاج التعرض ومنع الاستجابة (ERP). لاحظ الأطباء عند أكثر من ثلثي الأشخاص الذين خضعوا للعلاج المعرفي السلوكي انخفاضاً كبيراً في تواتر وشدة أعراضهم.

العلاج المعرفي السلوكي لاضطراب الوسواس القهري فعال، لكن…

على الرغم من أنَّ العلاج المعرفي السلوكي الفردي لاضطراب الوسواس القهري فعال جداً، إلا أنَّه يمكن أن يكون مكلفاً للغاية، ولخفض التكاليف، إذا كنت تتلقى علاج الوسواس القهري من خلال مستشفى أو غيرها من أماكن الرعاية الصحية، فمن المحتمل جداً أن يكون لديك الآن خيار تلقي العلاج المعرفي السلوكي الجماعي لأعراض الوسواس القهري، وعلى الرغم من أنَّ الدخول في العلاج الجماعي قد يكون مخيفاً في البداية، إلا أنَّ ثمة عدة فوائد للمشاركة في هذا النمط الجديد للعلاج.

خيارات علاجية أخرى لاضطراب الوسواس القهري:

تشير التقديرات إلى أنَّ ما بين 25 و40% من الأشخاص لن يستجيبوا للعلاجات الكلاسيكية، وثمة أيضاً خيارات علاجية أخرى متاحة لاضطراب الوسواس القهري؛ إذ تتضمن بعض هذه الخيارات العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT) والتحفيز العميق للدماغ والتحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة.

كما أشارت الدراسات إلى أنَّ العلاجات التي تستهدف دوائر معينة في الدماغ يمكن أن تكون مفيدة في تقليل أعراض الوسواس القهري لدى الأشخاص الذين لا يستجيبون لعلاجات الخط الأول، فقد يقدم التحفيز العميق للدماغ مثل هذا العلاج.

أيضاً حظي التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة باهتمام كبير بوصفه علاجاً بديلاً لتقليل أعراض الوسواس القهري، ومع ذلك وحتى الآن، ما تزال الأدلة غير واضحة حول ما إذا كان التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة علاجاً فعالاً.

شاهد: 6 نصائح بسيطة تساعدك على التخلص من مخاوفك

لماذا يتوقف بعض مرضى الوسواس القهري عن الاستمرار في العلاج المعرفي السلوكي؟

توجد مجموعة واسعة من العلاجات السلوكية للوسواس القهري، لكن تركز جميعها تقريباً على تعريضك للأشياء التي تخاف منها كثيراً، مثل الجراثيم أو الأفكار المزعجة، ولا شك في أنَّ العلاج السلوكي المعرفي بالتعرض للوسواس القهري يمكن أن يكون فعالاً للغاية، لكن كثيراً ما يتوقف الناس عن العلاج لأنَّهم غير مستعدين لتجربة التوتر الشديد الذي يمكن أن يصاحب تمرينات التعرض.

الأهم من ذلك أنَّ الكثير من الناس لا يفهمون الأساس المنطقي للعلاجات القائمة على التعرض، ومن ثمَّ يجدون صعوبة في الالتزام بها عندما تصبح الأمور صعبة، كما يمكن أن يساعد توضيح فكرة العلاج للمريض على زيادة فرص نجاح العلاج.

ما هو مبدأ العلاج المعرفي السلوكي للوسواس القهري؟

في العلاج المعرفي السلوكي القائم على التعرض، يعمل المعالج مع المصاب باضطراب الوسواس القهري على تعريضه لموضوع خوفه، إما عن طريق تخيله أو من خلال التعرض في الواقع، ثم تغيير الاستجابة لهذا التحفيز؛ إذ يُعرف هذا العلاج باسم التعرض ومنع الاستجابة (ERP)، وهو نوع من العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، ويستند إلى مواجهة المخاوف مع منع السلوك القهري الذي يُستخدم عادة للتخفيف من مشاعر القلق.

لذلك، الهدف من هذه العملية هو أن يتعلم الناس أنَّه يمكنهم التعامل مع مشاعر الضيق أو الانزعاج وإيجاد طرائق جديدة للتفاعل مع هذه المشاعر.

مبدأ الاعتياد في العلاج المعرفي السلوكي بالتعرض:

تستفيد العلاجات القائمة على التعرض من عملية طبيعية تسمى الاعتياد؛ إذ يحدث الاعتياد عندما يتوقف الشخص عن الاستجابة أو الاهتمام بمحفز، مثل فكرة أو شيء أو مكان أو شخص أو فعل مع التعرض المتكرر، فالحياة اليومية مليئة بأمثلة عن الاعتياد، على سبيل المثال، عندما ينتقل الناس لأول مرة إلى حي جديد، قد ينزعجون بسبب ضجيج طريق سريع مزدحم يمتد بالقرب من منزلهم.

مع ذلك ومع مرور كل يوم، يتلاشى ضجيج الطريق السريع لدرجة لا تتم ملاحظته، ففي هذا المثال اعتاد الشخص على صوت الطريق السريع؛ لذا تعمل العلاجات السلوكية القائمة على التعرض من خلال تعزيز الاعتياد على الأشياء التي يُخشى منها.

يعمل العلاج المعرفي السلوكي للوسواس القهري على تقليل التجنب والهروب:

في الوقت نفسه تقلل العلاجات المعرفية السلوكية القائمة على التعرض من التجنب، وهذا يعزز الأفكار المخيفة، وهذا هام لأنَّ تجنب الأشياء التي نخاف منها يرسل رسالة قوية جداً إلى أدمغتنا مفادها أنَّ ثمة سبباً وجيهاً لخوفنا وأنَّنا لا نملك المهارات اللازمة للتعامل معه، فدعونا نلقي نظرة على مثال عملي لنرى كيف يعمل التعرض لتعزيز الاعتياد.

مثال عملي من الحياة الواقعية عن الدور السلبي للتجنب عند مرضى الوسواس القهري:

تخيل أنَّك تخاف من الكلاب، والآن تخيل نفسك على الرصيف بينما يقترب منك شخص ما مع كلبه، فعندما يقترب الكلب يزداد قلقك بسرعة، وإذا هربت بعيداً فسوف يهدأ قلقك على الفور، ولكنَّك بهذه الطريقة ستعلم نفسك أنَّه لا يمكنك التعامل مع الكلاب، وأنَّ الكلاب تشعرك بالخوف والخطر والتهديد، وهذا التجنب هو السبيل الوحيد للبقاء آمناً، كما سيبقيك التجنب عالقاً في خوفك من الكلاب إلى الأبد، فلن تحصل أبداً على فرصة للتخلص من هذا الخوف وتحدي هذه المعتقدات.

دعِ الكلب يأتي إليك:

من ناحية أخرى، لا تهرب بعيداً لكن دع الكلب يأتي إليك، فمن المحتمل أن يزداد قلقك أكثر مما اعتدت عليه لفترة أطول، ومع ذلك ومع مرور الوقت، ونظراً لأنَّ الكلب لم يعضك، سيقل قلقك من خلال عملية الاعتياد الطبيعية، وإذا قابلت هذا الكلب على الرصيف كل يوم لمدة شهر دون وقوع حوادث، فسيستمر عقلك في التخلص من خوفه من الكلاب وسيقل مستوى القلق لديك.

في نفس الوقت، سيختفي الضيق والتوتر الذي عانيت منه بسرعة أكبر، وفي النهاية لن تشعر بأي ضيق على الإطلاق عند مواجهة الكلب، وقد تستمتع حتى بقضاء الوقت معه، وباختصار سوف تعتاد على الكلب.

شاهد أيضاً: 5 طرق لقهر الاكتئاب النفسي

هل العلاج المعرفي السلوكي أكثر فاعلية من الأدوية في علاج الوسواس القهري؟

يُعالَج اضطراب الوسواس القهري عادةً بالأدوية أو العلاج النفسي أو كليهما، وتختلف خطة العلاج المحددة لكل شخص بناءً على احتياجاته، لكنَّ الأدلة تشير إلى أنَّ العلاجات القائمة على التعرض يمكن أن تكون مفيدة للكثيرين.

وفقاً لمراجعة بحثية لعام 2019، يُعَدُّ العلاج المعرفي السلوكي أحد أكثر أنواع العلاج فاعلية لاضطراب الوسواس القهري؛ إذ تشير بعض التجارب إلى أنَّه مساوٍ أو حتى أكثر فاعلية من مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) وهو دواء يمكن وصفه للقلق أو الاكتئاب.

يُعَدُّ العلاج المعرفي السلوكي من خلال استراتيجية التعرض ومنع الاستجابة فعالاً في الحد من السلوكات القهرية في اضطراب الوسواس القهري، حتى عند الذين لا يرغبون في تناول الدواء، وذلك بحسب المعهد الوطني للصحة العقلية في الولايات المتحدة الأمريكية.

إقرأ أيضاً: تعرّف على أكثر الأمراض النفسية انتشاراً في عصرنا الحالي

ما هي بدائل العلاج المعرفي السلوكي بالتعرض؟

قد يحتاج الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمُّل العلاج بالتعرض إلى علاج مختلف للوسواس القهري، فقد يشمل ذلك الأدوية أو علاج القبول والالتزام أو مزيجاً من هذه العلاجات؛ إذ تقدم العلاجات القائمة على التعرض طريقة فعالة لتقليل أعراض الوسواس القهري، ولكنَّها تتطلب الصبر ويجب أن تكون على استعداد للصبر من أجل رؤية النتائج.

إقرأ أيضاً: العلاج المعرفي السلوكي بالتعرض

في الختام:

باستخدام الاعتياد ومنع التجنب يتيح العلاج المعرفي السلوكي بالتعرض للناس أن يصبحوا أكثر اعتياداً على الموقف، ومع مرور الوقت يبدأ الخوف بالتراجع ويمكن أن يحل محل سلوكات التجنب السابقة باستراتيجيات أكثر فائدة للتكيف مع المواقف التي يراها الدماغ خطيرة ومهدِّدة.

المصادر: 1،2،3




مقالات مرتبطة