خطوات توصلك إلى تقدير الذات

لقد أَدهشَني شيء قرأت عنه منذ بضعة أيام؛ فوفقاً لعلماء الإنسانيات، كان الظهور الأول للبشر المعاصرين قبل 195.000 سنة تقريباً؛ وهذا يعني أنَّنا - بصفتنا جنساً بشرياً - لم نتطوَّر كثيراً منذ ذلك الحين؛ إذ خضعَت أنواعنا إلى تغييرات وظيفية صغيرة منذ ذلك الوقت، لكن في الغالب نحن مماثلون لأسلافنا البشر السابقين، فصفاتنا تشبه صفاتهم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب ورجل الأعمال "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، ويُحدِّثُنا فيه عن اختلاف الحاجات البشرية بين الماضي والحاضر وكيفية إشباعها نحو تحقيق الذات.

لكن عندما بقينا على حالنا، تطوَّر العالم الذي نعيش فيه أضعافاً مضاعَفة؛ بمعنى أنَّ المجتمع قد تطوَّر ليصل إلى مرحلة تواجه أدمغتنا البشرية فيها مشكلةً في التأقلم، ونجد هذا العجز عن التكيُّف في بحثنا عن هدف أسمى.

لدى الكل احتياجات:

يتحدث الطبيب النفسي الأمريكي "أبراهام ماسلو" (Abraham Maslow) عن ذلك بإتقان مستنداً إلى فكرته عن هرم ترتيب الاحتياجات البشرية؛ إذ يوضِّح من خلال هذه النظرية الدافع البشري وقيمة الذات.

ويتكون هرم الاحتياجات من الأعلى إلى الأسفل مما يأتي:

  1. الحاجات النفسية.
  2. الأمان.
  3. الحب والانتماء.
  4. الاحترام والتقدير.
  5. تحقيق الذات.

ومع أنَّ تحقيق الذات هو ذروة الهرم، فلا يمكن تنفيذ إحدى الرغبات دون تحقيق الرغبة التي تسبقها أولاً، وأظنُّ أنَّنا نحن البشر نستمد قيمة ذاتنا مباشرةً من السعي إلى هدفٍ أعلى يفيد جماعةً من الناس، عوضاً عن أنفسنا فقط.

بالنسبة إلى أسلافنا، كان تقدير الذات سهلاً نسبياً، ولدى جماعات الصيد والالتقاط في القبائل الصغيرة، كان لدى كل فرد في المجموعة عمل معيَّن قاد مباشرةً إلى نجاة واستمرار الجميع، فلَم يحتاجوا إلى التقدير أو تحقيق الذات؛ وذلك لأنَّ كل دقيقة من اليوم كانت تُقضى في تعزيز وتقوية القبيلة، ومن ثم العِرق البشري.

لنفكِّر فيها بهذه الطريقة: "إن عِشتَ في قبيلة بدوية رحَّالة مكوَّنة من 100 شخص دون أيَّة مَزارِع، وكان عملك التقاط التوت الصالح للأكل، كنتَ ستستمد قيمة نفسك من عملك مباشرة؛ فإن لم تلتقط ما يكفي من التوت للشتاء أو جمعتَ نوعاً سامَّاً منه، فإنَّ الجماعة بأكملها ستعاني؛ إذاً، تعتمد قبيلتك عليك للقيام بأفضل ما لديك".

بمعنى أنَّه كانت تُقضَى كل ساعة من اليوم في تلبية الحاجات الثلاث الأولى؛ وهذا لا يترك أي مجال للتفكير حتى في التقدير وتحقيق الذات، وبالنسبة إلى أسلافنا كانت مساعدة القبيلة تُشكِّل الهدف الأسمى، وتُترجَم مباشرةً إلى قيمة ذاتية.

شاهد: كيف تبني تقدير الذات؟

الحاجات العصرية للأشخاص العصريين:

للأسف، نعيش اليوم في مجتمعٍ حيث تُحقَّق رغباتنا الثلاث الأولى من هرم "ماسلو" منذ اليوم الأول؛ ففي بلدان العالم الأول، لا نحتاج إلى قضاء حياتنا لتأمين أو ضمان استمراريتنا أو استمرارية مجتمعنا؛ إذ يُولَد معظمنا مع سقفٍ فوق رؤوسهم، وطعام على مائدتهم، وحب غير مشروط من والديهم؛ وهذا ما يتركنا مع الحاجتين الأخيرتين وهما التقدير وتحقيق الذات.

وبينما يمكن قياس حاجاتنا النفسية وأماننا وحتى مقدار حبنا، يصعب قياس الحاجتين الرابعة والخامسة؛ وبذلك يصعب استخلاص قيمة ذاتية منهما، كما يصعب حتى تعريف التقدير وتحقيق الذات؛ وهذا ما يُسلِّط الضوء مباشرةً على المشكلة التي نواجهها.

ولأنَّنا لا نستطيع استمداد السعادة من بلوغ الحاجات الثلاث الأولى كونَها تكون مُحقَّقة عند ولادتنا، ينبغي علينا معرفة كيفية استمدادها من إحراز الحاجتين الأخيرتين.

إقرأ أيضاً: فن إدارة الذات: الدليل الأكيد للنجاح والسعادة

اعتنِ بشؤونك أولاً:

قد يبدو هذا غريباً، لكن عليك أن تكون أنانياً لاكتساب قيمةٍ ذاتيةٍ في البداية على الأقل، فاحرِص على تلبية حاجاتك الثلاث الأولى؛ فدونها لن تكون قادراً على تلبية الحاجتين الرابعة والخامسة، واحصل على عمل ومكان لتعيش فيه، وأَحِط نفسك بأشخاصٍ داعمين ومؤيِّدين كي لا تقلق بخصوص حاجاتك الثلاث الأولى مجدداً، وبعد تحقيقها، ركِّز في تقدير الذات.

أَشعِر نفسك بالسعادة، وابنِ ثقتك بنفسك، ولاحق الأحلام التي تريدها، وبالتركيز على بناء تقديرك لذاتك من خلال المساعي الإيجابية، سيُترجَم ذلك بإيجابية إلى احترام نفسك والآخرين، ومن المفارقات أنَّ هذا سيجعل الأشخاص الذين تحترمهم يُظهِرون لك الاحترام؛ وبذلك نعود إلى نقطة البداية.

يمكنك عندئذٍ استخدام ثقتك الجديدة بنفسك وشبكة علاقاتك الاجتماعية الواسعة لبلوغ الحاجة الخامسة، وهنا ستُثمِر كل تلك الأنانية متحولة إلى الإيثار وحب الآخرين، ومن خلال تحقيق الأمان والسلامة والحب والاحترام، ستبني بوصلة أخلاقية تُرشِدك إلى تحقيق الذات.

يَصِفها "روبرت غرين" (Robert Greene) في كتابه "السيادة" (Mastery) على أنَّها المرحلة الخلَّاقة النشيطة، فإنَّ تحقيق الحاجة الخامسة يُرغمك على أن تكون منفتح العقل وتطبِّق قدرتك المميَّزة المنبثِقة من خلال حاجتك الرابعة نحو أي جهد تريد تحقيقه.

وفي المرحلة الخلَّاقة النشيطة أو الحاجة الخامسة، تستخدم إنجازاتك للكشف عن شغفك بطريقة غير معروفة مسبقاً بالنسبة إليك؛ إذ تكون قادراً على استخدام الإبداع والعفوية ومهارات إيجاد الحلول التي بنيتها لدى إحراز كل من الحاجات الأربع السابقة في قضايا تهمك.

إقرأ أيضاً: 13 طريقة فعالة لتطوير الذات

وبهذا المعنى، تجد قيمة ذاتك عند استخدام كل مهاراتك في إنجاز مشاريع هادفة ومُثمِرة؛ ولذلك من الضروري تلبية الحاجات الأربع الأولى بأسلوب ممنهج، وكما قال المتكلم الإذاعي والكاتب الأمريكي "إيرل نايتنغل" (Earl Nightingale) على نحوٍ رائع: "النجاح هو التحقيق التدريجي لفكرة تستحق أن تكون ثمينة".

المصدر




مقالات مرتبطة