خطوات البحث العلمي وأهميته وأهدافه

يسعى الإنسان دائماً إلى تطوير وتحسين حياته، ولولا هذه الرغبة لبقي يسكن الكهوف ويعيش على الصيد، فالعقل الذي يمتلكه من العناصر الأساسية لصنع أي حضارة، فالتفكير إذاً هو الفتيل الأول الذي أشعل رغبة الإنسان في التغيير وحرَّضه على المراقبة ومحاولة تفسير الظواهر وحلِّ المشكلات وإيجاد نتائج جديدة يتمُّ الاعتماد عليها لجعل الحياة أفضل وأكثر ملاءَمةً للعيش، وهذا ما يمكن تسميته بالبحث العلمي.



فالبشرية مدينةٌ للبحث العلمي بكلِّ ما وصلَت إليه، وعلى الرغم من التطور والحضارة التي يشهدها العالم اليوم، مازلنا بحاجة ملحةٍ إليه، وهذه الحاجة لا تنضب؛ بل تزداد يوماً بعد يوم وذلك لتحصيل أكبر قدر من المعرفة وتسخيرها لخدمة الإنسان؛ لذلك من الضروري أن نفهم المعنى الدقيق للبحث العلمي وما هي خطواته وأهدافه وأهميته.

تعريف البحث العلمي:

تجدر الإشارة بدايةً إلى أنَّ تعريف البحث العلمي ليس واحداً؛ بل نجد أنَّ تعريفاته قد اختلفَت؛ وذلك بناءً على توجهات الباحثين وميولهم وقناعاتهم العلمية ومن هذه التعريفات: هو أسلوب منهجي يعتمد في تفسيره للظواهر وحلِّه للمشكلات على تحليل المعلومات المتعلقة بالبحث واستخلاص النتائج والتوصيات، ويُعرَّف أيضاً بأنَّه منهج يتمُّ من خلاله وصف الوقائع بالاعتماد على مجموعة معايير للمساهمة في نمو المعرفة.

يُقسَم البحث العلمي حسب الغرض منه إلى:

  • بحوث نظرية: من شأن هذه البحوث المساهمة في إغناء المعلومات والمعارف العلمية والمساعدة على فهمها وإدراكها جيداً بعيداً عن الجوانب التطبيقية والعملية.
  • البحوث التطبيقية: وتعني الاهتمام بالجانب العملي والتطبيقي للمعارف السابقة، أو التوصل إلى معارف جديدة، وتُعَدُّ هذه البحوث هامةً جداً لزيادة الإنتاجية وحلِّ المشكلات وتطوير أساليب العمل.

وتُقسَم البحوث العلمية حسب المنهج المتُتبَّع في إجرائها إلى:

  • بحوث وصفية: تصف هذه البحوث الظواهر، ويتم فيها أيضاً تجميع المعلومات عن الظاهرة موضوع البحث، وفي بعض الأحيان لا تتوقف عند هذا؛ بل تتعداه لذكر الصورة التي يجب أن تكون الظاهرة عليها وتقديم الاقتراحات والتوصيات لتحقيق ذلك، ومن أدوات هذه البحوث الاستبيانات والمقابلات والملاحظات وغيرها.
  • البحوث التجريبية: تعتمد هذه البحوث على التجربة لدراسة المشكلات، وتستعين أيضاً بالمعلومات المأخوذة من مصادر أخرى للتأكد من موثوقية التجربة.
  • البحوث التاريخية: تقوم هذه البحوث في الأساس على جمع المعلومات التاريخية من مصادر موثوقة، ثمَّ تسجيلها ووصفها وتحليلها لمقارنتها مع الأحداث التي تجري في الوقت الحاضر، وبهذه الطريقة تتم دراسة التطورات التاريخية، كما يتمُّ التنبؤ بأحداث لاحقة في المستقبل.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة لتسريع عملية التعلم

خطوات إجراء البحث العلمي:

لإجراء بحث علمي لا بُدَّ من اتِّباع الخطوات التالية:

  1. تحديد مشكلة البحث: تُعَدُّ هذه الخطوة من أهمِّ الخطوات التي يقوم بها الباحث، وبناءً عليها يحدد الخطوات والإجراءات التالية لها، وتؤثر هذه الخطوة إذاً في البحث كاملاً، وهي ضرورية جداً لنجاح أي بحث، وتتحدد مشكلة البحث من خلال الأسئلة التي تدور في ذهن الباحث سواء تلك التساؤلات التي توصَّل إليها من خلال خبرته أم تلك الناتجة عن قراءاته وتعرُّفه إلى الدراسات السابقة. لا بُدَّ للباحث عند اختيار المشكلة أن يأخذ بالحسبان أن تكون المشكلة علميةً ودراستها ممكنة ضمن الظروف المادية والعلمية الموجودة، إضافةً إلى ذلك يجب أن تكون هذه المشكلة قابلةً للبحث والاختبار، كما يجب صياغتها صياغةً واضحةً ودقيقةً على شكل سؤال أو عبارة محددة.
  2. الدراسات السابقة: بعد أن يقوم الباحث بتحديد المشكلة تحديداً واضحاً ودقيقاً وتحديد أبعادها وحدودها، عليه أن يقوم بمراجعة شاملة للدراسات السابقة التي تناولت وتحدَّثت عن موضوع البحث نفسه، وهذا ما يُجنِّب الباحث الوقوع في تكرار المعلومات التي لا فائدة منها، وفي هذه الخطوة، على الباحث أن ينظر إلى هذه الدراسات بعين الناقد ليفهمها فهماً كاملاً ويدوِّن ملاحظاته والأفكار والمعلومات والاستنتاجات التي توصَّل إليها، طبعاً مع الإشارة إلى مصدرها حفاظاً على الأمانة العلمية والمصداقية وحقوق الملكية الفكرية للكتاب الأصليين.
  3. وضع الفرضيات: نتيجةً للخطوة السابقة، يصبح الباحث قادراً على وضع فرضياته التي توضِّح المشكلة وأبعادها مع اقتراح الحلول لها؛ وذلك بسبب دراسة الباحث لموضوع البحث وأدبياته السابقة دراسةً دقيقةً وعميقة. تهدف فرضيات البحث إلى تحديد وجهة نظر الباحث والطرائق التي يسلكها لإثبات صحة فرضيته أو نفيها، وعلى الباحث أيضاً تحديد متغيرات البحث وهي مجموعة العوامل المؤثرة في مشكلة البحث، وتصاغ فرضيات البحث إمَّا بطريقة إثبات؛ أي وجود علاقة إيجابية بين المتغيرات، أو بصيغة نفي؛ أي عدم وجود علاقة بين متغيرات البحث.
  4. جمع البيانات: في هذه الخطوة يبدأ الباحث بالعمل على اختبار صحة فرضياته، وهذا ما يتطلب منه البحث عن المعلومات اللازمة لتأكيد صحة فرضيته وإثباتها، وهنا لا بُدَّ من الإشارة إلى ضرورة مراعاة الباحث الأمانة والصدق في جمع المعلومات، فوسائل وطرائق جمع المعلومات متعددة ويتعلق اختيارها بطبيعة الفرضية وبطبيعة الباحث أيضاً ومنها: الاستبيان، المقابلة، الملاحظة، وغيرها.
  5. تحليل البيانات واستنباط النتائج: في هذه الخطوة توضع المعلومات والبيانات على الطاولة ليتمَّ تنقيحها والتأكد من مصداقيتها وحذف كلِّ معلومة غير مكتملة، وبعدها يتمُّ تحليلها وتفسيرها واستنباط العلاقات بين متغيرات الدراسة ليتمكن الباحث بذلك من الإجابة عن الأسئلة التي طرحها في بداية بحثه، وهذا ما يتم من خلال مجموعة من الأساليب البيانية الإحصائية المناسبة لنوع المعلومات وطبيعتها، وبناءً على كلِّ ما سبق يتم استنتاج النتائج النهائية للبحث.
  6. كتابة مسودة البحث: هي الخطوة الأخيرة تقريباً التي يقوم بها الباحث، فيقوم فيها بكتابة بحثه كتابة منظمة مراعياً المنطق في تسلسل أفكاره وترابطها، ولا يجب إهمال الجانب اللغوي؛ بل يجب التركيز عليه ليكون البحث في نهاية الأمر وحدةً متكاملةً ومتناسقةً ومترابطةً ومنظمةً مع مراعاة الدقة والأمانة والتوثيق والإشارة إلى المراجع والمصادر، ولا بُدَّ من التأكد من المصادر الأصلية لكلِّ اقتباس أو فكرة استعان بها الباحث.
  7. في الخطوة الأخيرة يقوم الباحث بترتيب محتويات بحثه بحيث يشمل ما يلي: القسم التمهيدي، ويضم صفحة العنوان، والإهداء، والتمهيد، وجدول المحتويات، وقوائم بالجداول والرسومات والأشكال البيانية، وبعدها متن البحث، وفيه تُعرض المشكلة مع الدراسات السابقة والرسومات والخلاصة والاستنتاجات، وأخيراً الملحقات وتشمل الملاحق والمراجع والفهرس.
إقرأ أيضاً: 7 طرق لتحسين المهارات التحليلية والاستفادة منها

أهمية البحث العلمي:

للبحوث العلمية أهمية كبيرة لتحسين الحياة وتطويرها، ويمكن تلخيص هذه الأهمية بما يلي:

  • التأكد من صحة نتائج البحوث السابقة عند الشك بها.
  • التقدم والتطور: تزداد رغبة الدول في الاهتمام بالبحث العلمي نتيجةً لمعرفتها بضرورته لتحقيق التقدم والتطور؛ حيث أصبح البحث العلمي من البديهيات في المؤسسات ومراكز البحوث، ويتم استخدام هذا المنهج لحلِّ المشكلات التي تواجه الإنسان في مختلف مجالات حياته الاقتصادية أو الاجتماعية أو المهنية.
  • يقدِّم مجموعة من الفوائد للباحث، ويمكن تلخيصها بالتالي:
    1. يزيد من معارفه ومعلوماته وثقافته من خلال عملية جمع المعلومات والبحث عنها، وهذا ما سيساهم بالتأكيد في تطوير مهاراته الفكرية والثقافية وحتى الاجتماعية، ويساعده أيضاً على تحصيل درجات علمية عليا.
    2. يمنح الباحث فرصة المشاركة في بحوث متعلقة بمجاله، وهذا ما يساعده على الاندماج في المجال الذي يحب، إضافةً إلى الخبرات التي يكتسبها من خلال العمل مع مجموعة من الباحثين في بحث ما، وهذا ما سيؤدي إلى تطوير مهارات البحث لديه ويساعده على كتابة أوراقه البحثية، كما يعزز التفكير الناقد لديه.
    3. الفهم الصحيح لموضوع الدراسة، فلا يستطيع الباحث إجراء بحثٍ ما دون التعمق فيه والبحث عن كلِّ تفصيل يخصه.
    4. دحض شكوك الباحث تجاه حقيقة ما، فإمَّا أن تُثبَت الحقائق وتُفسَّر وإمَّا أن تُنفى.
    5. معرفة الموضوعات التي تناسبه، ومن ثمَّ تحديد واختيار المجال الذي يحب العمل فيه والحقل العلمي الذي سيدخله.
    6. يتعلم الباحث كيف ينظِّم وينسِّق عمله ليحقق إنجازاً سواء في العمل كفرد أم في العمل مع الجماعة.
    7. التعرُّف إلى أصل البحث ونشأته.
  • فوائد للمجتمع، وتتلخص هذه الفوائد بما يلي:
    1. انتشار المعرفة ورفع مستوى الثقافة.
    2. التنبؤ بالمستقبل وتقديم تصورات عما سيحدث لاحقاً وعن التطورات التي ستشهدها المجالات المعرفية.
    3. مساعدة الناس وتوضيح الرؤية لهم.
    4. حلُّ المشكلات التي تواجه المؤسسات والشركات، وهذا ما يساهم في نجاح المشاريع والأعمال التجارية.
    5. تُعَدُّ مصدراً للاختراعات التكنولوجية.
    6. للبحث العلمي أيضاً أهميته في تنمية الاقتصاد؛ حيث يؤدي إلى تطوير المجتمع من هذه الناحية، وهذا ما سيؤثر لاحقاً في رفاهية أفراده.
إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتزيد آفاق المعرفة لديك

خصائص البحث العلمي:

على البحث العلمي أن يتصف بمجموعة من الخصائص التي تجعل منه مكتملاً ومنها:

  • العمق والتحليل والنقد والجدية والدقة.
  • ظهور شخصية الباحث في بحثه وعدم الاعتماد على النقل الحرفي، فعلى الباحث طرح أفكاره الخاصة بلغته الخاصة.
  • الموضوعية: وضع العواطف والمشاعر جانباً والنظر إلى الموضوعات بوجهة نظر محايدة وبعين خارجية، مع ضرورة مخاطبة العقل.
  • الاستقصاء: أي الاهتمام بكل تفصيل يتعلق بالموضوع أو المشكلة، فالبحث العلمي يمتاز بنظرته الشاملة والدقيقة.
  • اتباع منهج علمي كالوصفي أو التحليلي أو الاستقرائي.
  • التوثيق الدقيق، وهذا ما أكدنا عليه آنفاً.
  • الوضوح والبساطة والتناسق، بحيث تتم كتابة البحث كاملاً على وتيرة واحدة.
  • الابتعاد عن تكرار المعلومات.
  • الاهتمام باللغة والكتابة مع مراعاة القواعد اللغوية والنحوية والإملاء وعلامات الترقيم.

5. أهداف البحث العلمي:

  1. الوصف أو الفهم: يتحقق هذا الهدف في أثناء جمع المعلومات عن ظاهرةٍ ما، فيساعد الباحث على صياغة فرضياته وتفسير الظواهر بواقعية، ويُعَدُّ هذا الهدف من أهم الأهداف.
  2. التنبؤ: يساعد هذا الهدف على وضع تصورات لأي تغيير من الممكن حصوله في المستقبل، وطبعاً، يتمُّ وضع هذه التصورات والتنبؤات بعد دراسة الظاهرة والظروف المحيطة بها.
  3. التفسير: في هذا الهدف يتم شرح الظاهرة شرحاً كاملاً ودقيقاً مع خوض جميع الأسباب التي أدَّت إلى ظهورها، وبناءً على هذا الهدف يوجد نوعان من الأبحاث: تفسيرية، وتوضيحية تطبيقية.
  4. التقويم: يتم في هذا الهدف تقويم أيَّة ظاهرة تمَّت دراستها.
  5. الدحض والتفنيد: بعد القيام بعدد من التجارب، يأتي هذا الهدف ليؤكد صحة النظرية، أو يرفضها لعدم ثبات صحتها.
  6. التثبيت: يقوم الباحث في هذا الهدف بالتأكد من صحة الدراسات السابقة فينفيها أو يؤكد صحتها.
  7. تقديم معرفة عصرية: أي وصول الباحث إلى معلومات ومعارف جديدة مفيدة للعلم وهامة لتطويره.
  8. التحكم والضبط: بعد دراسة الظاهرة يستخدم الباحث مجموعة من الأدوات لضبط دراسته والتحكم بها.

في الختام:

في الختام وبناءً على ما سبق، نحن مدينون بشكلٍ أو بآخر للبحث العلمي في كلِّ ما وصلَت إليه المجتمعات من حداثة وتطوُّر وفي كلِّ الرفاهية التي يعيش فيها الإنسان اليوم؛ وهذا يعني أنَّ على الدول الاهتمام بهذا الجانب وتخصيص جزء من ميزانيتها له، وخاصةً في الدول النامية؛ وذلك لأنَّ عقول أبنائها الكنز الحقيقي لها والطريقة الأمثل للنهوض بها وتطويرها، ومن الضروري توفير البيئة والظروف المناسبة لتسخير هذه العقول لخدمة البحث العلمي الذي سيحمل نتائج هامة ومفيدة لهذه البلدان.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة