خصوبة التربة: كيف تجعل الأنهار التربة خصبة؟

تُعَدُّ خصوبة التربة عاملاً حاسماً يجب مراعاته عندما يتعلق الأمر بزراعة المحاصيل والنباتات في طبقة من الأرض؛ إذ تعتمد احتمالية زراعة المحاصيل والنباتات الأخرى بوصفها غذاءً وعلفاً اعتماداً كبيراً على صحة التربة وخصوبتها، وللأنهار دور هام تؤديه في جعل التربة خصبة.



الأنهار لها تأثير كبير في الصخور والتربة التي تتدفق عليها، لذلك عندما يتدفق النهر يستمر في حت الأرض ويجمع الطين والطمي نتيجةً لذلك، ومع تزايد عدد الأنهار التي تنضم إلى النهر الرئيس على طول الطريق، يزداد حجم الطمي، وفي هذه المرحلة من مسار النهر، قد يغمر الضفاف خلال فترات هطول الأمطار ولفترات طويلة.

عندما يفيض نهر على ضفافه، يغمر المناطق المجاورة، ففي أثناء الفيضان تترسب طبقة رقيقة من التربة الناعمة والطمي فوق الأرض، وهذا يشكل تربةً غرينيةً عالية الخصوبة وغنيةً بالمغذيات للنباتات، والآن وقد تم إنشاء الرابط الحاسم بين خصوبة التربة والأنهار، ننتقل هنا إلى الجوانب الأخرى المتعلقة بالتربة الخصبة، فتابعوا معنا.

ما هي العوامل التي تجعل التربة خصبة؟

هناك عوامل عدة تدخل في جعل التربة خصبة، مثل:

1. درجة حموضة التربة:

تحدد درجة حموضة التربة مدى توفر العناصر الغذائية فيها، وهكذا في أثناء اختبار مستوى الأس الهيدروجيني الحالي للتربة، تتم أيضاً دراسة العناصر الغذائية الموجودة فيها، فالنطاق الأمثل لدرجة حموضة التربة الخصبة هو 5.5 إلى 7.

2. المواد العضوية:

تحتوي المواد العضوية الموجودة في التربة على مغذيات - مثل الفوسفور والنيتروجين - التي تتم إعادة تدويرها قبل دورة النمو التالية، كما تتمعدن المادة العضوية وتصبح متاحةً للنباتات.

3. محتوى الرطوبة:

تتأثر خصوبة التربة أيضاً بكمية الرطوبة الموجودة في التربة؛ إذ توجد العناصر الغذائية في التربة الرطبة ضمن محاليل ذائبة أكثر من التربة الصلبة الجافة، ومن ثمَّ فإنَّ التربة التي تحتوي على نسبة عالية من الرطوبة عادةً ما تكون خصبةً للغاية أيضاً.

4. محتوى الطين:

تعتمد (CEC) "قدرة التبادل الكاتيوني" للتربة على محتواها من الطين، ويوجد المزيد من العناصر الغذائية في التربة التي تحتوي على نسبة عالية من (CEC)، ومن ناحية أخرى فإنَّ انخفاض نسبة (CEC) هو مؤشر على أنَّ التربة يمكن أن تفقد العناصر الغذائية بسهولة عن طريق الترشيح.

5. الكثافة الظاهرية:

تحدد الكثافة الظاهرية أيضاً خصوبة التربة؛ إذ تنص القاعدة العامة على أنَّ التربة التي سيتم استخدامها للنباتات يجب ألا يتم ضغطها؛ وذلك لأنَّ الضغط سوف يعوق تغلغل الجذور، ومن ثمَّ ستفشل الجذور في الحصول على العناصر الغذائية التي تحتاجها.

6. التركيب المعدني:

يساعد التركيب المعدني للتربة على التنبؤ بقدرتها على الاحتفاظ بالمغذيات النباتية؛ إذ يتم استخدام السماد والأسمدة لتحسين التركيب المعدني للتربة.

كيف تجعل التربة خصبة؟

يتم تحديد مدى الخصوبة في التربة إلى حد كبير من خلال العوامل المذكورة آنفاً، لكن على الرغم من أنَّه لا يمكن تغيير خصوبة التربة تماماً، إلا أنَّه يمكن تحسينها إلى حد ما باتباع التقنيات الموضحة أدناه.

1. إضافة الأسمدة والسماد الطبيعي:

تساعد إضافة الأسمدة مثل الفوسفور والبوتاسيوم والنيتروجين في التربة على جعلها خصبةً، فلا يتم استخدام الأسمدة الطبيعية والأسمدة الكيميائية فقط في الأراضي الزراعية الواسعة، لكن أيضاً في الحدائق والنباتات المزروعة في أصص للمساعدة على نموها.

2. زراعة المحاصيل البقولية:

تحتوي النباتات البقولية مثل فول الصويا والتمر الهندي والفول السوداني والبازلاء وما إلى ذلك على بكتيريا مثبتة للنيتروجين تسمى (Rhizobium) في عقيداتها الجذرية، فالنباتات غير قادرة على أخذ النيتروجين الجوي مباشرةً، ومن ثمَّ فإنَّ "ريزوبيوم" تصيد نيتروجين الغلاف الجوي لإتاحته للنباتات بوصفه مركبات نيتروجين، كما تختلط باقي المركبات النيتروجينية بالتربة وتزيد من خصوبتها.

3. استخدام السماد على التربة:

يمكن أن يساعد التسميد التربة بأكثر من طريقة؛ إذ يزيد من كثافة العناصر الغذائية فيها، إضافة إلى حالتها الطبيعية، فالتربة التي تحصل على الكمية المناسبة من السماد على أساس منتظم تكون أكثر تهويةً وأكثر قدرةً على الاحتفاظ بالرطوبة والعناصر الغذائية للنباتات.

إضافة إلى ذلك، فهو يزيد من النشاط الميكروبي الذي يساعد على تمعدن أسرع لمغذيات التربة الطبيعية منها، والتي يتم الحصول عليها من خلال الأسمدة الكيميائية.

4. وضع منتجات الحيوانات الثانوية:

العديد من المنتجات الثانوية الحيوانية فعالة أيضاً في زيادة خصوبة التربة، على سبيل المثال، الريش والفضلات من الدواجن غنية بالنيتروجين، إلى جانب ذلك هي عبارة عن منتجات بطيئة في التحلل وإطلاق مركب النيتروجين في التربة، كما يمكن أيضاً أن تكون فضلات المسالخ بمنزلة سماد جيد للتربة.

5. استخدام المنتجات النباتية والأعشاب البحرية:

يمكن استخدام البرسيم وفول الصويا في السماد؛ وذلك لأنَّهما غنيان بالنيتروجين والمغذيات الدقيقة الهامة الأخرى، وعادةً ما تحتوي الأسمدة المستخلصة من الأعشاب البحرية على نبات عشب البحر؛ إذ يُستخدم عشب البحر عموماً في الحدائق والمحاصيل البستانية، إلا أنَّه خيار مكلف للغاية.

إقرأ أيضاً: مفهوم الهندسة الزراعية: أهميتها وتخصصاتها

هل تنمو النباتات بسهولة في التربة الخصبة؟

تحتاج النباتات إلى العناصر الغذائية للبقاء على قيد الحياة والازدهار تماماً كما يفعل الناس، وتحتوي التربة الخصبة على جميع العناصر الغذائية الهامة اللازمة لتغذية النبات الأساسية، ومن ثمَّ يمكن للنباتات أن تنمو بسهولة في التربة الخصبة.

التربة الخصبة غنية بالبوتاسيوم والفوسفور والنيتروجين، إلى جانب العناصر الغذائية النزرة الأخرى المطلوبة بكميات صغيرة، وهذه العناصر الغذائية النزرة هي المغنيسيوم والكالسيوم والحديد والكبريت والنحاس والزنك والموليبدينوم والبورون والنيكل.

عادةً ما تحتوي التربة الخصبة أيضاً على مواد عضوية وقدرة على الاحتفاظ بالرطوبة وقدرة على الاحتفاظ بالمغذيات التي تعمل على تحسين بنية التربة وجودتها، لكن لا تحتوي جميع أنواع التربة على المستويات الصحيحة من المغذيات النباتية المطلوبة أو توازن الأس الهيدروجيني المناسب لزراعة المحاصيل.

هل ارتفاع درجة الحموضة يحسن خصوبة التربة؟

ارتفاع درجة الحموضة يجعل التربة قلويةً ولا يحسن من خصوبتها، فدعنا نشرح هذا الجانب شرحاً أكبر لإعطائك فكرةً واضحةً عنه.

درجة حموضة التربة هي الميزة التي تدل على القلوية النسبية أو حموضة التربة، لذلك فإنَّ التربة التي تحتوي على درجة حموضة أقل من 5 تكون حمضيةً، وحمضيةً للغاية عندما تصل إلى أقل من 4، وبالمثل تكون التربة قلويةً عندما يكون الرقم الهيدروجيني > 7.5، وتكون شديدة القلوية عندما يزيد الرقم الهيدروجيني عن 8.

سبب أهمية الأس الهيدروجيني هو أنَّه أحد العوامل المحددة لتوفر العناصر الغذائية الرئيسة في التربة، ويكون الرقم الهيدروجيني المثالي للتربة محايداً تقريباً، وعادةً ما تقع التربة المحايدة ضمن النطاق الحمضي قليلاً مع درجة حموضة 6.5 إلى قلوية قليلاً مع درجة حموضة 7.5، وتتوفر معظم المغذيات النباتية الهامة على النحو الأمثل للنباتات عندما يتراوح الرقم الهيدروجيني للتربة من 6.5 إلى 7.5، كما أنَّ نطاق الأس الهيدروجيني هذا يساعد أيضاً على نمو جذور النباتات.

يُعَدُّ النيتروجين والكبريت والبوتاسيوم من العناصر الغذائية الهامة للنباتات التي لا تتأثر تأثراً مباشراً بدرجة حموضة التربة مثل معظم العناصر الأخرى، ومع ذلك يتأثر عنصر غذائي آخر هام مثل الفوسفور تأثيراً مباشراً.

عندما يكون الرقم الهيدروجيني للتربة قلوياً؛ أي أكبر من 7.5، تبدأ أيونات الفوسفات بالتفاعل بسرعة مع المغنيسيوم والكالسيوم لتكوين مركبات أقل قابليةً للذوبان، وعندما يتحول الرقم الهيدروجيني للتربة إلى حمضي، تبدأ نفس الأيونات بالتفاعل مع الحديد والألمنيوم لإنتاج مركبات أقل قابليةً للذوبان.

تكون معظم المغذيات الدقيقة أقل توفراً عندما يكون الرقم الهيدروجيني للتربة أعلى من 7.5، وفي الواقع فإنَّ درجة حموضة التربة الحمضية قليلاً من 6.5 إلى 6.8 لديها التوفر الأمثل لمعظم المغذيات الدقيقة، والاستثناء الوحيد لهذا السيناريو هو الموليبدينوم الذي عادةً ما يكون أقل توفراً في التربة الحمضية، ويمكن العثور عليه بسهولة في التربة القلوية قليلاً.

هل تؤثر إزالة الغابات في خصوبة التربة؟

تؤدي إزالة الغابات إلى انخفاض الغطاء النباتي بسبب استخدامات الأراضي مثل التحضر والزراعة والتعدين، ومن المفارقات أنَّ إزالة الغابات تؤثر سلباً في خصوبة التربة، على الرغم من أنَّ الزراعة هي أحد الأسباب الرئيسة لإزالة الغابات، فدعونا نلقي نظرةً فاحصةً على كيفية تسبب إزالة الغابات في تقليل خصوبة التربة:

  • قطع الأشجار وحصادها يزيلان العناصر الغذائية الأساسية مثل الفوسفات من النظام، إضافة إلى ذلك فإنَّ إزالة النباتات تشبه إزالة الغطاء الواقي من التربة؛ إذ تتعرض التربة لسرعة الرياح وتأثير قطرات المطر والرياح القوية، وهذا يتسبب في تآكل سريع للتربة السطحية الخصبة، كما تؤدي إزالة التربة السطحية أيضاً إلى انخفاض المحتوى الغذائي لها.
  • تآكل التربة المتسارع من رذاذ المطر والرياح له عواقب أخرى، فانخفاض محتوى الدبال يجعل التربة رخوةً ويقلل الارتشاح، كما تساعد جذور النبات أيضاً على ربط التربة والحفاظ على بنيتها متماسكةً، ومن ثمَّ فإنَّ معدل التعرية يستمر في الزيادة وتستمر التربة في الانجراف على شكل سيول بعد هطول أمطار غزيرة.
  • هذا ليس كل شيء، كما أنَّ إزالة الغابات تجعل تأثيرها محسوساً في شكل انخفاض في معدل التبخر؛ إذ يؤدي إلى انخفاض في الرطوبة وينخفض ​​هطول الأمطار الإقليمية، ومن ثمَّ فإنَّ المنطقة تشهد تصحراً متزايداً؛ وذلك لأنَّ هطول الأمطار يتناقص كل عام، كما تتراكم كل هذه العوامل في انخفاض المحتوى الغذائي للتربة؛ إذ يستمر عمق طبقة التربة السطحية الخصبة في التناقص باستمرار.
إقرأ أيضاً: التنوع الحيوي: أهميته، ومهدداته، وكيفية المحافظة عليه

في الختام:

يجب فهم أنَّ خصوبة التربة هي نتيجة لعوامل عدة طبيعية وبشرية، وعلى الرغم من أنَّنا لا نستطيع عكس صفات التربة غير الخصبة أو شبه الخصبة تماماً، فإنَّ أقل ما يمكننا فعله هو ضمان عدم تضاؤل ​​الخصوبة أكثر من خلال إزالة الغابات أو الاستخدام غير السليم للأرض لنحافظ على بيئتنا لتدوم خيراتها وندوم نحن أحياءً.




مقالات مرتبطة