نتوقف، في هذا المقال، عند الدور الذي تؤديه هذه الصادرات في دفع عجلة التنويع الاقتصادي من خلال الاعتماد على القطاعات الواعدة مثل الصناعات التحويلية، والتعدين، والزراعة، والخدمات التقنية واللوجستية. كما يناقش التحديات التي قد تواجه هذا المسار، لتكوّن فكرة أوضح عن كيفية إسهام الصادرات غير النفطية في بناء مستقبل الاقتصاد السعودي المستدام في مرحلة ما بعد النفط، وما تحمله من فرص وإمكانات تستحق المتابعة والاستثمار.
التحول الاقتصادي في السعودية
شكلت تقلبات أسعار النفط العالمية خطراً كبيراً للاقتصادات التي تعتمد بدرجة كبيرة على وارداتها من النفط كمصدر أساسي للدخل والميزانية كما في حالة السعودية. فعندما تنخفض الأسعار أو ينخفض الطلب (كما حصل أثناء أزمات، مثل جائحة كوفيد-19، أو التوازنات في إنتاج أوبك+)، تتعرض الميزانيات الوطنية والعائدات المالية لضغوط كبيرة. لذا، يُعد التنويع الاقتصادي، من خلال زيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، وتنمية مصادر دخل بديلة، أمراً ضرورياً من أجل:
- التقليل من مخاطر تقلب الأسعار: يجعل الاعتماد على سلعةٍ متقلبة كالنِفط الميزانية والنمو عرضة لهبوط مفاجئ في الإيرادات.
- الاستجابة للانتقال الطاقة العالمي: يقلل التحول إلى مصادر طاقة أنظف الطلب طويل الأمد على الوقود الأحفوريّ، ما يفرض اقتصاداً أقل اعتماداً على النفط.
- خلق فرص عمل وتنمية المهارات: تكون القطاعات غير النفطية عادةً أكثر كثافةً تشغيليةً وتحتاج مهارات متنوعة تدعم التوظيف المحلي وريادة الأعمال.
- تحسين الاستقرار المالي والقدرة على الاستثمار: يتيح الدخل المتنوع تمويل مشاريع طويلة الأمد دون الاعتماد الكلي على العوائد النفطية.
بدأت السعودية تهتم بالتنويع الاقتصادي ضمن مسيرة التحول التي تشهدها المملكة، فمنذ إطلاق رؤية (2030)، حققت المملكة تقدماً ملموساً في هذا الاتجاه؛ إذ تجاوزت مساهمة القطاع غير النفطي 51% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، وبلغ الناتج المحلي غير النفطي نحو 1.7 تريليون ريال، مع نمو حقيقي قُدّر بـ 4.4%.
كما ارتفعت الإيرادات غير النفطية إلى ما يقارب 457 مليار ريال مقارنةً بـ 166 مليار ريال قبل الرؤية، فيما واصل القطاع الخاص تعزيز دوره ليسهم بقُرابة 45% من الناتج المحلي. وترافق ذلك مع نمو الصادرات غير النفطية والخدمات، ما يعكس قدرة الصادرات السعودية غير النفطية على بناء قاعدة متنوعة تدعم استدامة اقتصاد المملكة في مرحلة ما بعد النفط، وتزيد من قدرته على المنافسة عالمياً.

الصادرات السعودية غير النفطية ودورها المتنامي
تشهد الصادرات السعودية غير النفطية نمواً مستمراً في السنوات الأخيرة وبصورة توضح التحول الاقتصادي في السعودية نحو تنويع مصادر الدخل ودعم الاقتصاد السعودي المستدام وذلك بفتح أسواق جديدة وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات والخدمات المحلية على الصعيد العالمي:
1. البتروكيماويات والمعادن والصناعات التحويلية
البتروكيماويات
من أبرز القطاعات المساهمة في الصادرات السعودية غير النفطية؛ إذ بلغت صادرات المملكة من السلع البتروكيماوية قُرابة 149 مليار ريال سعودي في عام 2024، أي ما يمثل 68% من إجمالي صادرات السلع.تشمل الصادرات منتجات، مثل الإيثيلين، والبوليمرات، والميثانول، والتي تدخل في صناعة البلاستيك والمواد الكيميائية الأساسية عالمياً.
المعادن والصناعات التحويلية
يساهم قطاع المعادن والصناعات التحويلية بقوة في دعم التحول الاقتصادي في السعودية حيث بلغ عدد المصانع المنتجة في المملكة 9991 مصنعاً باستثمارات تجاوزت 966 مليار ريال سعودي حتى نهاية الربع الرابع من عام 2024.
تشمل المعادن الأساسية الحديد، والألمنيوم، والذهب، إضافةً إلى المعادن الصناعية مثل الفوسفات والمنغنيز بينما الصناعات التحويلية تصنيع المواد البلاستيكية، والورق، والزجاج، والأسمدة، إضافة إلى المنتجات الهندسية. كما ويوضح نمو هذا القطاع توجه المملكة نحو الإنتاج المحلي عالي القيمة، ويساهم في زيادة فرص العمل للكفاءات الوطنية.
2. التوسع في قطاع المنتجات الزراعية والغذائية
في السنوات الأخيرة، شهدت صادرات المملكة من التمور والفواكه والخضروات زيادة مستمرة؛ إذ أصبحت هذه المنتجات مطلوبةً كثيراً في الأسواق العالمية. وفي عام 2024، وصلت صادرات هذا القطاع إلى مستويات قياسية مستفيدة من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول الشرق الأوسط وأوروبا، لتثبت المملكة ليس فقط قدرتها على تنويع الصادرات السعودية غير النفطية، بل قدرتها أيضاً على تقديم منتجات غذائية عالية الجودة وبكميات كبيرة لتكون لاعباً هامّاً على خريطة التجارة الغذائية العالمية.

3. قطاع الخدمات والتقنية
من أهم القطاعات التي تساهم في نمو الصادرات غير النفطية في السعودية. ويشمل هذا القطاع خدمات، مثل الحوسبة السحابية، وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات اللوجستية الرقمية، بالإضافة إلى حلول الأعمال والخدمات المالية المرتبطة بالتقنية.
وفي عام 2024، بلغت قيمة صادرات هذا القطاع 207 مليارات ريال سعودي، مسجلةً نمواً بنسبة 14% مقارنة بالعام السابق، في إشارة واضحة إلى الطلب الكبير على خدمات المملكة التقنية على المستوى الدولي
أثر الصادرات غير النفطية في الاستدامة الاقتصادية
تساعد الصادرات السعودية غير النفطية على تعزيز الاستدامة الاقتصادية في المملكة، من خلال تقليل الاعتماد على النفط وتحقيق توازن أكبر في الميزان التجاري وخلق فرص عمل جديدة للشباب والنساء، وتعزيز الابتكار والاستثمار في التقنيات الحديثة، بما في ذلك التكنولوجيا الخضراء، وذلك من خلال:
1. تعزيز التوازن في الميزان التجاري
ارتفعت الصادرات السعودية غير النفطية بنسبة 30.4% في يوليو (2025) مقارنةً بالشهر نفسه من العام السابق، مسجلة 33.7 مليار ريال سعودي. ساهم هذا النمو في رفع فائض الميزان التجاري بنسبة 53.4%، ليصل إلى 26.9 مليار ريال، وهو الأعلى منذ 34 شهراً. كما ارتفعت نسبة الصادرات غير النفطية إلى الواردات إلى 44.6%، مسجلة تحسناً في هيكل التجارة الخارجية وتقليص الفجوة التجارية.
2. خلق فرص عمل جديدة للشباب والنساء
تسهم الصادرات غير النفطية في خلق فرص عمل جديدة، خاصة في القطاعات الصناعية والخدمية. على سبيل المثال، شهدت المملكة زيادة في عدد المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما أدى إلى توفير وظائف متنوعة للشباب والنساء. كما أظهرت البيانات أن نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل ارتفعت ارتفاعاً ملحوظاً. فتبعاً لتقرير صادر في يوليو (2025)، بلغ عدد المصانع في السعودية 10,966 مصنعاً، يعمل بها أكثر من 734,000 عامل. يساهم هذا التوسع في القطاع الصناعي مساهمةً كبيرةً في خلق فرص عمل جديدة

3. تحفيز الابتكار والاستثمار في التكنولوجيا الخضراء
الصادرات غير النفطية محفز رئيس للابتكار والتحول نحو الاقتصاد السعودي المستدام، خاصة في مجالات التكنولوجيا. إذ ساهمت المملكة في تطوير مشاريع الطاقة المتجددة، مثل مشروعات الطاقة الشمسية والرياح، مما جذب استثمارات محلية وأجنبية. وعلى سبيل المثال، أعلنت المملكة عن خطط لتطوير مشاريع طاقة متجددة بقدرة 50 جيجاوات بحلول عام 2030 بهدف التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
مصادر دخل السعودية غير النفطية
"تمثل مصادر الدخل غير النفطية حجر الزاوية في جهود المملكة العربية السعودية لتنويع اقتصادها وتحقيق الاستدامة المالية. وتشمل هذه المصادر مجموعة واسعة من القطاعات الاقتصادية الحيوية التي تساهم في تعزيز النمو، وتوفير فرص العمل، وزيادة الصادرات، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات."
- الصناعات التحويلية والبتروكيماويات والمعادن: حيث تسهم في تعزيز الصادرات غير النفطية ودعم الميزان التجاري.
- الزراعة والإنتاج الغذائي: بما في ذلك إنتاج التمور، القمح، والخضروات، والمواشي، والاستزراع السمكي.
- قطاع السياحة والتراث الثقافي: مثل مشاريع نيوم، والبحر الأحمر، والعلا، والتي تسهم في جذب السياح وزيادة الإيرادات.
- القطاع الرقمي والتقنية: يشمل الاستثمار في التكنولوجيا، والمدن الذكية، وشركات التقنية الناشئة، والذكاء الاصطناعي.
- الخدمات اللوجستية والنقل: تطوير الموانئ، والمطارات، والشحن الداخلي والخارجي لدعم التجارة الداخلية والخارجية.
- الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة: مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتعزيز الاقتصاد المستدام.
- الصناعات الإبداعية والثقافية: مثل السينما، والفنون، والإعلام، والموسيقى، لتعزيز الاقتصاد الإبداعي وزيادة فرص العمل.
- قطاع التعليم والتدريب: الاستثمار في الجامعات، والمدارس الخاصة، وبرامج التدريب المهني والرقمي لتطوير رأس المال البشري.
- التمويل والتأمين والاستثمار: يشمل البنوك، والتأمين، والأسواق المالية لتوفير إيرادات غير نفطية مستمرة.
- موسم الحج والعمرة: أحد المصادر الدينية والاقتصادية الهامة التي توفر إيرادات مباشرة وغير مباشرة من الإقامة والخدمات السياحية.
الأسئلة الشائعة
1. ما هو نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية؟
هو معدل زيادة الناتج المحلي الإجمالي للقطاعات غير المرتبطة بالنفط، مثل الصناعة، والخدمات، والزراعة، والتجارة، مما يعكس تنوع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.
2. ما هي نسبة اقتصاد المملكة العربية السعودية المعتمد على النفط؟
يمثل النفط قُرابة 60% من إجمالي الإيرادات الحكومية، مع استمرار جهود التنويع وتقليل الاعتماد على النفط
3. ما دور الصادرات غير النفطية في خلق فرص عمل؟
تساهم الصادرات غير النفطية في توفير وظائف للشباب والنساء، خصوصاً في الزراعة، والصناعة، والخدمات، بما يدعم التنمية المستدامة.
4. كيف يمكن للشركات السعودية الصغيرة الدخول في قطاع الصادرات غير النفطية؟
عن طريق تبني الابتكار، التعاون مع منصات التصدير، المشاركة في المعارض الدولية، والاستفادة من برامج الدعم الحكومي.
في الختام
تشكّل الصادرات السعودية غير النفطية رافداً هامّاً لبناء اقتصاد أكثر تنوعاً واستقراراً، إلى جانب تنمية مصادر دخل السعودية غير النفطية كالسياحة والزراعة والاقتصاد الرقمي. يعزز هذا التحول مكانة المملكة عالمياً ويقلل من الاعتماد على النفط. وللاطلاع على تفاصيل أوسع حول هذه القطاعات وفرصها المستقبلية، ندعوك لقراءة مقالاتنا الأخرى.
أضف تعليقاً