حكم صلاة الاستسقاء وكيفية أدائها وموعدها

الله سبحانه وتعالى هو خالق هذا الكون ومديره، وبحكمته وقوَّته يسيِّره كما يريد، فهو سبحانه يبدِّل الليل والنهار، ويجري الرياح، ويُنزِل المطر، والمطر مصدر الخير العميم، وإذا أمسك الله المطر لحكمةٍ ما عن عباده، يلجأ المؤمنون إلى صلاة الاستسقاء، وفي المقال الآتي سنتعرف إلى حكم صلاة الاستسقاء وكيفية أدائها وموعدها.



ما هي صلاة الاستسقاء؟

إنَّ جدب الأرض وغور المياه وموت الزرع وهبوب الرياح المحمَّلة بالغبار والأتربة، قد يكون نذيراً للعباد، وقد يكون ابتلاءً لهم، وقد يكون عقوبةً على انتشار الفاحشة وارتكاب المعاصي، وفي كل الحالات ومهما كان السبب فإنَّ التوبة واجبةٌ، وخير الخطائين التوابون.

الاستسقاء هو طلب نزول المطر من السماء لإغاثة الأرض وكل شيء حي، هذا ما ورد في معجم "لسان العرب" لـ "ابن منظور"، أما اصطلاحاً فالاستسقاء هو الطلب من الله سبحانه وتعالى أن ينزل المطر عند الحاجة إلى نزوله، والاستسقاء صلاةٌ نافلةٌ خاصةٌ لطلب السقيا من الله تعالى.

حكم صلاة الاستسقاء:

إذا حدث وأجدبت الأرض وأمسك الله تعالى عن البشر المطر وغارت مياه الآبار والأنهار نتيجةً لذلك، يلجأ الناس إلى صلاة الاستسقاء، ويستحب عند الجمهور أن يخرج إلى المصلَّى الإمام والناس ويقوموا بأداء صلاة؛ إذ يصلي الإمام بهم ركعتين، خاطباً إياهم، وداعياً لله تعالى بكل الخشوع والتضرع، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عن عباد بن تميم قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلَّى يستسقي، واستقبل القبلة فركع ركعتين، وقلب رداءه: جعل اليمين على الشمال".

لأنَّ صلاة الاستسقاء من سنن النبي محمد صلى الله عليه وسلم المؤكَّدة، يجوز للمسلم أن يصليها في أي وقت عدا أوقات النهي، وتجوز صلاتها فرداً أو جماعةً، ولكنَّ أداء صلاة الاستسقاء جماعةً هو الأفضل، وجمهور الفقهاء هم من قالوا بسنية صلاة الاستسقاء؛ وذلك على خلاف الإمام "أبو حنيفة" الذي لم يرَ صلاةً في الاستسقاء؛ بل برأيه يُكتفى بالدعاء فقط لا غير، ولكنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قام بأداء الصلاة؛ وهذا ما يؤكد على سنية صلاة الاستسقاء، ويجب على الإمام أن يحدد موعد أدائها قبل أيام ويحثَّ الناس على ترك المعاصي والتوبة والإكثار من الصدقات.

ما هي شروط أداء صلاة الاستسقاء؟

قبل الخوض في شروط أداء صلاة الاستسقاء علينا أن نتعرف إلى زمان ومكان أدائها، فمن حيث مكان الصلاة، فيستحب أن تُصلَّى في الصحراء كصلاة العيد، ويجوز أن تصلَّى في المسجد، وفي خارج البلد يكون أداؤها في المصلَّى في العراء أفضل.

من حيث الزمان، قيل أن تُصلَّى بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح؛ أي بعد طلوع الشمس بربع ساعة تقريباً إلى الزوال، وهو ذاته وقت صلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء تصلَّى في كل الأوقات إلا أوقات النهي.

قال ابن قدامة المقدسي إنَّه لا يوجد وقت معين لصلاة الاستسقاء، فهي تصح في كل الأوقات عدا أوقات النهي كما ذكرنا، وبعد أن يصلي الإمام ركعتين، يخاطب الإمام الناس واعظاً إياهم، وسائلاً الخالق نزول المطر.

لقد ورد في كتاب "المجموع" للإمام "النووي" أنَّ لوقت صلاة الاستسقاء ثلاثة أوجه، وهي أنَّ وقتها هو وقت صلاة العيد، والوجه الثاني هو أول وقت صلاة العيد ممتداً إلى صلاة العصر، وأما الوجه الثالث وقد عَدَّه وجه الصحة والصواب هو أنَّ صلاة الاستسقاء ليس لها وقت محدد؛ بل تجوز ليلاً ونهاراً وفي كل الأوقات، إلا أوقات الكراهة، وهذا هو المنصوص للشافعي، وبه قطع الجمهور، وصححه المحققون.

شروط أداء صلاة الاستسقاء:

شروط أداء هذه الصلاة مشابه لشروط أداء أيَّة صلاة، وليس لها شروطٌ خاصة، وقد حدد بعض الفقهاء هذه الشروط بخمسة وآخرون بستة؛ وذلك لاختلافهم في كون النية شرطاً من شروط أداء الصلاة أو شرطاً من شروط صحة الصلاة، وسنعدد فيما يأتي بإيجاز شروط أداء الصلاة:

1. خلو موقع الصلاة من النجاسة وطهارة المكان:

بالإضافة إلى طهارة الجسد والثوب.

2. الطهارة من الحدث:

ويكون ذلك بالوضوء، بالإضافة إلى الطهارة من النجاسة التي تحصل بسبب الحيض أو الجنابة، ويكون ذلك بالاغتسال، فلا تُقبَل صلاة دون طهور.

3. ستر العورة:

عورة الرجل تحدد بما بين سرَّته وركبتيه، وعورة المرأة كامل جسدها ما عدا الوجه والكفين، ولأداء صلاة الاستسقاء يجب ستر العورة.

4. العلم بوقت الصلاة:

فرض الله تعالى خمس صلوات مع تحديد وقت محدد لكل صلاة لا تؤدى قبل هذا الوقت ويُكرَه أن تؤخَّر عنه، وكذلك صلاة الاستسقاء يجب تحديد وقتها لعامة الناس في وقت معين ليجتمعوا ويقوموا بتأديتها جماعةً.

5. استقبال القبلة:

وبالتأكيد الكعبة المشرَّفة في مكة المكرمة هي قبلة المسلمين، ولا تُقبَل أيَّة صلاة نافلة كانت أو فرضاً إن كانت من غير قبلة.

6. النية:

لأنَّ النية هي أساس قبول أي عمل؛ لذا على المسلم أن ينوي أداء صلاة الاستسقاء، ومكان النية هو القلب.

شاهد بالفديو: عبارات وأقوال رائعة عن الإيمان

كيفية أداء صلاة الاستسقاء:

العديد من الناس لا يمتلكون معلومات عن كيفية أداء صلاة الاستسقاء، وإن كان يُسمَح للنساء القيام بها، فهي صلاةٌ قام بها الرسول الأكرم عندما حلَّ الجفاف في المدينة المنورة؛ إذ صلى بالقوم ركعتين وبعدها خطب بهم وزاد في الدعاء لله بأن يسقيهم المطر؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً غدقاً مجللاً طبقاً عاماً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل تحيي به البلاد وتسقي به العباد".

لأدائها يقوم الإمام أو المؤذِّن بتكبيرة واحدة، ثم يليها سبع تكبيرات، ويتبعها بتلاوة سورة الفاتحة، ثم يليها سورة الأعلى، وبعدها يقوم بالركوع ثم السجود، وأما في الركعة الثانية فيكبر خمس تكبيرات، ثم يعيد تلاوة الفاتحة ثم تلاوة سورة الغاشية، ويختمها بالتكبير، وبذلك تكون صلاة الاستسقاء ركعتين نافلة جهراً، فهي مشابهة لصلاة العيد.

خطبة الصلاة هي اثنتان؛ الأولى تبدأ بالاستغفار تسع مرات، والثانية سبعاً، ويكون الاستغفار بالقول: "أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه"، ثم يكبر الإمام في الصلاة على أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويدعو الله بدعاء نبينا الذي ذكر آنفاً. وصلاة الاستسقاء صلاة علانية يصح مشاركة الجميع فيها سواء كانوا رجالاً أم نساء أم أطفالاً.

فيما يأتي سنذكر أبرز ما جاء على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة صلاة الاستسقاء، وهذا ما روت عائشة رضي الله عنها؛ إذ قالت: "شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، ثم قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس وقعد على المنبر، فكبَّر صلى الله عليه وسلم، وحمد الله عز وجل، ثم قال: إنَّكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبَّان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله، يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أُنزل لنا قوة وبلاغاً إلى حين، ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حوَّل إلى الناس ظهره وقلب - أو حوَّل - رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل، فصلى ركعتين، فأنشأ الله سبحانه وتعالى سحابةً فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأتِ مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكِنِّ ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال: أشهد أنَّ الله على كل شيء قدير، وأنِّي عبد الله ورسوله". رواه أبو داود، وصححه الحاكم والنووي.

لذلك يبقى على المؤمنين أن يأخذوا النبي صلى الله عليه وسلم قدوةً لهم في حسن الظن به وفي كثرة الدعاء والتضرع والخشوع مع اليقين بأنَّ الله سبحانه وتعالى مجيب للدعاء وأنَّه سيغيثنا غيثاً مباركاً.

إقرأ أيضاً: صلاة النوافل وأهميتها في الدّين الإسلامي

بعض صيغ الدعاء المأثورة في صلاة الاستسقاء:

هذه الأدعية كلها عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها:

  • "اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا".
  • "اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل".
  • "اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري، واكشف عنا البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنَّا نستغفرك، إنَّك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً".
  • "اللهم اسقنا غيثاً هنيئاً، مرئياً، مريعاً، غدقاً مجللاً، عاماً طبقاً، سحاً دائماً، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنَّ بالعباد والبلاد والبهائم والخلق من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك".
  • "اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين".
  • "اللهم اسقِ عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحيِ بلدك الميت".
إقرأ أيضاً: 10 أدعية فرجت على الكثير من الناس

في الختام:

لنكن على يقين بأنَّ الله سبحانه وتعالى سيغير أحوالنا كلما عملنا صالحاً وأكثرنا الاستغفار والتوبة والصدقة؛ لذا فالله عز وجل سيستجيب دعاء صلاة الاستسقاء بإذنه سبحانه وتعالى ويغيثنا غيثاً مباركاً، فصلاة الاستسقاء سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ندعي لله تعالى بتضرُّع مستقبلين القبلة، ومكثرين من الاستغفار والصدقة، ومتيقنين من الاستجابة لدعائنا.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة