حقائق وأسرار حول كتابة المذكرات

عندما ينوي الإنسان كتابة مذكراته سيعود بذاكرته إلى الماضي، وإذا كان هذا الماضي مليئاً بالأحداث السلبية؛ فإنَّ كثرة الذكريات المؤلمة تجعله عاجزاً عن كتابة شيء؛ إنَّ الصعوبة التي تحملها كتابة المذكرات هي الاضطرار إلى مواجهة الماضي بحقائقه المرة، وأحياناً المخفية.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدونة "إرين فالكونر" (ERIN FALCONER)، وتروي لما فيه تجربتها مع الكتابة.

يمكن أن تشكل الأسرار الكبيرة في حياة الإنسان نقطة ضعف يسعى إلى تجنُّبها طوال الوقت، وكتابة المذكرات تتطلَّب العودة لتلك الأسرار وكتابة تفاصيلها، على الرغم من رفض تلك الذكريات، وما ارتبط بها من أشياء، لطالما أردنا التحرر منها وعدم الرغبة في الحديث عنها، وهنا يكمن الصراع بالهروب، أم المواجهة وما تحمله من عواقب خسارة بعض الأشخاص، أو استرجاع الشعور بالعار.

يعيش الناس هذه الصراعات الداخلية طوال حياتهم، ويكون الصمت سيد الموقف، وتساعد كتابة المذكرات بشفافية وصدق على الخروج من عقدة الماضي، ولكن عليك أولاً مراجعة المعتقدات التي تربيت عليها.

على سبيل المثال: هل نشأت على هذه القواعد؟

  • من الأفضل دائماً قول الحقيقة.
  • الصدق منجاة.
  • حبل الكذب قصير، وعواقبه وخيمة.

أو العبارات الآتية:

  • إياك أن تخبر أحداً، لقد حذرتك.
  • هذا سر بيننا للأبد.
  • من يفشي الأسرار مصيره الجحيم.
  • لا تنشر الغسيل الوسخ أمام الناس.
  • البيوت أسرار.
  • خيالك واسع، ويجب أن تتوقف عن الأوهام.

هذه العبارات كلها شكَّلت لديك مخاوف عميقة من البوح، فكيف ستتمكَّن من كتابة مذكراتك بسهولة؟

فيما يأتي بعض الاقتراحات للتعامل مع التردد والقلق المرافق لاسترجاع ذكريات وأسرار الماضي:

يجب أن تتحدث عن وجهة نظرك بالأحداث التي مررت بها، فكل إنسان حالة فريدة، وله تجربته المميزة في الحياة، ومن حقه أن يتحدث عنها دون انتظار موافقة الآخرين؛ لأنَّ كل شخص في الحياة يرى الأمور بطريقة مختلفة من وجهة نظره.

من خلال عملي بصفتي كاتبة كنتُ مترددة كثيراً فيما يمكنني كتابته، وقلقة بشأن رأي الآخرين، وأظنُّ أنَّ معظم الأشخاص مثلي.

إنَّ الشعور بالذنب أو العار المرتبط بالماضي، والخوف من رأي الآخرين، يمكن أن يتضاءل بشكل كبير عند التعود على الكتابة باستمرار، فأقترحُ عليك أن تكتب ذكرياتك بشكل تلقائي وعفوي، وتحتفظ بها لنفسك في البداية، التي تعد مرحلة استكشاف الماضي والتعافي منه.

إذ تردَّدتْ أصوات عائلتك في ذهنك بينما تكتب؛ فاكتب ما قالوه، وبجانبه ردك عليه، على سبيل المثال: "هذا لم يحدث إطلاقاً"، اكتب بجانبه: "هذا ما تذكرته".

"إياك أن تتحدث عن هذه الأسرار"، يقابلها: "أنا أكتب عن حقيقتي، ولأجلي فقط".

عندما تكتب عن حقائق الماضي؛ فإنَّك تخالف القواعد القديمة التي اتبعتها لزمن طويل، وتستعيد حريتك الشخصية، وتستعيد صوتك المسموع.

شاهد بالفديو: 5 طرق تجعل من تدوين اليوميات عادة مكتسبة

الماضي والحاضر:

يمكن تشبيه كتابة المذكرات بالسفر عبر الزمن، وإعادة صلة الوصل بين الماضي والحاضر سواء كان فترة الشباب أم الطفولة، ومن ثم التعافي من الماضي من خلال ربطه مع الحاضر.

عندما نسترجع ذكرياتنا ونفرزها ونتصالح معها؛ فإنَّنا بذلك نعيد بناء وجهة نظر جديدة كلياً، ونستعيد الحرية المفقودة في التعبير عن الذات، ومن ثم التحرر والشفاء في النهاية.

يمكن عد كتابة المذكرات بمنزلة رحلة ذاتية إلى الماضي تساعد على تغيير تصوراتنا عن أنفسنا في الماضي والحاضر، وبناء علاقة متينة مع النفس؛ لأنَّك بطل القصة، وراويها في آن واحد، ووجود هذا الوعي المزدوج في القصة بصفتك شخصاً يروي أحداثاً عاش تفاصيلها هو جزء من عملية الشفاء.

أنصحُ طلابي دائماً بكتابة نسختين من القصة، بحيث يكون الهدف من النسخة الأولى التصالح مع عواطفهم، وترتيب الأحداث المختلطة في عقولهم، وقد أظهرت الدراسات أنَّ هذا النوع من الكتابة له تأثير شفائي قوي، ويحدث تغييرات كبيرة في الدماغ.

في البداية: اكتب المسودة بهدوء لتتمكَّن من سماع صوتك الداخلي بصدق، ولا تخبر أحداً إلا المعالج النفسي الخاص بك، ومجموعة من الأشخاص الداعمين.

وفيما يأتي بعض النصائح الهامة في أثناء الكتابة:

  • اختر مكاناً هادئاً لكتابة قصتك دون مقاطعة أو رقابة من أحد.
  • استخدم أسلوب الكتابة الحرة لتتمكن من رواية قصتك ومذكراتك بعفوية بعيداً عن النقد أو التعديل.
  • احتفظ بكل ما كتبته؛ لأنَّ صوت الناقد الداخلي أحياناً يدفعك إلى تغيير أشياء بعد كتابتها أو حذفها كلياً.
  • انظر إلى أسرار وأحداث الماضي كأنَّها جرح يحتاج للفتح والتنظيف والتعرض للهواء والضوء.
  • حضِّر قائمة بالقصص التي تريد الكتابة عنها، واحتفظ بها جانباً إلى أن تصبح جاهزاً.
  • امزج بين الكتابة عن الذكريات الجميلة، والحزينة؛ لأنَّ التركيز فقط على الذكريات المؤلمة يمكن أن يسبب لك الرضى النفسي.
  • خصِّص ورقة منفصلة لكتابة النقد أو الأشياء السلبية التي قد تخطر لك مع كتابة توكيدات إيجابية مقابلها؛ فذلك له دور في إضعاف تأثيرها، وتشجيعك على الاستمرار في كتابة المزيد.
  • تدرَّج في كتابة الذكريات فكلما عدت بالذاكرة إلى مرحلة معينة ستنكشف لك ذكريات أخرى مرتبطة بها.
إقرأ أيضاً: كيف تبدأ كتابة اليوميات لتزيد من نجاحاتك في الحياة؟

في الختام:

إنَّ كتابة المذكرات تحتاج إلى كثير من التفكر والتأمل، إضافة إلى الصبر والتحرر والتدرج في العملية مع تطبيق النصائح السابقة؛ لتكون كتابة قصتك يسيرة ومفيدة.




مقالات مرتبطة