جسمك: بوابة الحفاظ على صحتك العقلية

توجد سبلٌ متعددة للحفاظ على الصحة العقلية والعمل على تحسينها، لكنَّ عديداً من الدلائل تؤيد استخدام سلوكات جسدك وردود فعله لضبط حالتك المزاجية وأفكارك؛ إذ تشير عالمة النفس الأمريكية "جي إس بيك" (Beck, J. S) إلى أنَّ العلاج السلوكي المعرفي يسلِّط الضوء على استجابتك الفيزيولوجية بِوصفها عنصراً أساسياً يحدِّد أنماط صحتك العقلية.



تتوضح العلاقة بين العقل والجسد أيضاً من خلال دراسة أجراها الباحث "ما شاو" (Ma Xiao) وآخرون؛ إذ درسوا تقنيات التنفس وتأثيرها في الانتباه والعاطفة ومستويات الكورتيزول المعروف باسم "هرمون التوتر".

وجدت الدراسة أنَّ أولئك في المجموعة التجريبية التي طُبِّقت تقنيات التنفس عليها، أظهروا ازدياداً ملحوظاً في معدَّل الانتباه والعاطفة، وانخفاضاً في مستويات الكورتيزول لديهم مقارنةً بالمجموعة الضابطة، وبعد دراسات مستفيضة، تبيَّن أنَّ ما تفعله أجسامنا له تأثيرٌ مباشرٌ في كيفية استجابة أدمغتنا للظروف المحيطة.

على سبيل المثال، فإنَّ العدَّائين المحترفين يستخدمون خدعة الابتسام لاجتياز الجزء الأخير والأصعب من السباق؛ لأنَّها تخفف من صعوبة المرحلة، فبعد طرح هذه الأمثلة لإيضاح عملية التخاطر التي تتم بين أجسادنا من جهة وأذهاننا وحالتنا المزاجية من جهة أخرى، من الهام أن ندرك الفائدة المرجوة من ذلك.

التوتر

التدخلات السلوكية:

قد يكون للصعوبات التي يواجهها الأفراد لإحراز تقدُّمٍ في الاهتمام بالصحة العقلية عدة أسباب؛ إذ تتعلق العديد من العقبات التي يواجهها العملاء بحقيقة أنَّهم لم يقتنعوا بعد بفاعلية مهاراتهم في التأقلم، أو أنَّهم ما زالوا يشعرون بأنَّ تقلباتهم المزاجية وأفكارهم قوية للغاية، وأنَّهم عاجزون عن تغييرها.

من المحتمل أن تنجح العلاجات السلوكية مع هؤلاء الأفراد؛ والسبب أنَّك لست بحاجة إلى أن تكون مقتنعاً بالتغيير أو تشعر أنَّ بإمكانك التكيف بفاعلية مع تقلبات مزاجك من أجل تغيير أو تبنِّي سلوكٍ جديد.

قد لا تتحكم بالتقلبات الأولية في أثناء الأفكار والحالات المزاجية الكئيبة، لكن يمكنك التحكم بالمصير الذي تقود إليه جسمك وبما يفعله، وقد ثبُت أنَّ لهذا تأثيراً ثانوياً مستمراً في تقلبات المزاج والأفكار؛ على سبيل المثال، ضع في حسبانك شخصاً يعاني من الاكتئاب، وكان في السابق يستمتع بالتنزه في الحديقة العامة لتصفية ذهنه، ثم إنَّه بسبب الاكتئاب وما يرافقه من فقدان الرغبة في ممارسة النشاطات الممتعة، توقف عن هذه العادة.

إذا شعر هذا الشخص أنَّ الاكتئاب أقوى من أن يقنعه بأنَّ التنزه مرة أخرى فكرة سديدة، فإنَّ التدخل القائم على مجرد إجبار جسدك على الخروج للمشي بدلاً من التعامل مع الاكتئاب بحد ذاته، يمكن أن يكون فعَّالاً.

إذا عاود هذا الشخص المشي مرةً أخرى، فإنَّ المزاج المكتئب يكون أخف حدةً مقارنةً بالوضع الناتج في حال بقائه في المنزل واعتزاله الخروج، ويمكن أن يؤدي القيام بذلك في أغلب الأحيان إلى زيادة الأفكار والدوافع الهادفة، فضلاً عن الحد من أعراض الاكتئاب، حتى لو لم يكن هذا الشخص مقتنعاً في البداية بقدرته على فعل ذلك.

إقرأ أيضاً: التوتر النفسي: مُهدّد للحياة أم مُلهِم لها؟

جسمك نقطة البداية:

يمكن استخدام جسمك كنقطة انطلاقٍ نحو تنظيم حالتك المزاجية بعدة طرائق؛ فقد يتضمن ذلك تطبيق تقنيات التنفس، وعادات النوم والأكل المتوازن، والمهارات الحسية المهدِّئة، واستخدام لغة الجسد بطلاقة وثقة، وممارسة التمرينات الرياضية وتحريك العضلات للسماح للإندورفين الطبيعي في دماغك بضبط المشاعر.

أمَّا بالنسبة إلى بعضهم ممَّن يشعرون أنَّهم عاجزون عن العثور على طريقة فعَّالة للتعامل مع الأفكار والمشاعر الصعبة، فالبدء من الجسم قد يكون الحل، كما يُوصى بمناقشة الأمر مع طبيبك النفسي أو مع بعض الأشخاص الداعمين الذين تثق بهم، بشأن التغييرات السلوكية التي قد تقودك نحو تحقيق التغييرات المرغوبة في حالتك المزاجية وأفكارك بشكلٍ فعَّال، ثم السماح للسلوك الجديد بالتأثير.

المصدر




مقالات مرتبطة