ثواب تفطير الصائم 1

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، لا يخفى على أحد الثواب العظيم لتفطير الصائم، كما لا يخفى علينا منزلة الصوم ومكانة الصائمين عند الله عز وجل، ولذا كان الجزاء على تفطيرهم عظيماً يتناسب مع هذه المنزلة، وهذه مكانة، قال النبي صلّى الله عليه وسلم وهو يحدّثنا عن أجر وجزاء تفطير الصائمين: (من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجرِه، غير أنّه لا ينقُصُ من أجرِ الصائمِ شيءٌ).



وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يحرصون على تفطير الصائمين، وما زالت هذه ولله الحمد سنة قائمة وعادة متعارفة، ينشأ عليها الناس جيلاً بعد جيل، فقد كان كثير من السلف يواسون المساكين من إفطارهم، أو يؤثرون به، وممّا أثر في ذلك:

  • قال ابن رجب رحمه الله: كان ابن عمر يصوم ولا يفطر إلّا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم، لم يتعشَّ تلك الليلة، وكان إذا جاء سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً.
  • واشتهى أحد الصالحين من السلف طعاماً وكان صائماً فوضع بين يديه عند فطوره فسمع سائلاً يقول: من يقرض الملي الوفي الغني؟ فقال: عبده المعدم من الحسنات، فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه وبات طاوياً.
  • وجاء سائل إلى الإمام أحمد فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائماً.
  • وكان الحسن يطعم إخوانه وهو صائم تطوعاً، ويجلس يروّحهم وهم يأكلون.
  • وكان ابن المبارك يطعم إخوانه في السفر الألوان من الحلواء وغيرها وهو صائم.
إقرأ أيضاً: 8 أحاديث نبويّة شريفة عن أهمية الزكاة والصدقة

وليس غريباً أن يكون هذا حال أهل الصدق مع الله جل وعلا وأهل التأسي به صلّى الله عليه وسلّم فقد كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس، وكان جوده يتضاعف في رمضان، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ حِينَ يَلْقاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ يَلْقاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ فيُدارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ).

قال ابن رجب رحمه الله: وكان جوده صلّى الله عليه وسلّم يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور، كما أنّ جود ربّه تضاعف فيه أيضاً، فإنّ الله جبله على ما يحبه من الأخلاق الكريمة.

وقد عدد ابن رجب فوائد جوده صلّى الله عليه وسلّم في رمضان وذكر منها:

  1. شرف الزمان، ومضاعفة أجر العمل فيه.
  2. إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، كما أنّ من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله فقد غزا.
  3. أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله، فإذا أعان الصائمين على التقوي على طعامهم وشرابهم، كان بمنزلة من ترك شهوة لله، وآثر بها أو واسى منها، ولهذا يشرع له تفطير الصوَّام معه إذا أفطر، لأن الطعام يكون محبوباً له حينئذ فيواسي منه، حتى يكون ممّن أطعم الطعام على حبّه، ويكون في ذلك شكرٌ لله على نعمة إباحة الطعام والشراب له، وردّه عليه بعد منعه إياه، فإنّ هذه النعمة إنّما عرف قدرها عند المنع منها، وسئل بعض السلف: لم شرع الصيام؟ قال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع، وهذا من بعض حكم الصوم وفوائده.
إقرأ أيضاً: الصدقة الجارية: أهميتها وأبوابها

فهنيئاً لأناس أودع الله في قلوبهم حب الخير، فوجدوا سعادة قلوبهم وراحة أفئدتهم في إدخال السرور على فقراء المسلمين، ورسم البسمة في وجوه أطفالهم، ولأنّهم يدركون عظمة هذا الشهر وعظمة أجر المتصدّق فيه، ويدركون مدى حاجة إخوانهم الفقراء إلى ينابيع الخير والعطاء كمشاريع إفطار الصائم الرمضانية، سواء ما كان منها على شكل إفطار جماعي في المسجد، أو كان وجبات توزّع على البيوت، أو كان مواداً غذائية توزّع على الأسر الفقيرة.

وكم أرملة، وكم يتيم، وكم شيخ طاعن في السن، وكم فقير لا يجدون ما يفطرون به! وعندما يأتيهم الخير عبر مشروع إفطار الصائم فإنّهم يرفعون أكفهم ودموعهم على وجوههم فرحاً، يدعون لذلك المحسن الكريم.

فما أجمل تلك المشاهد الجميلة التي يراها الإنسان في رمضان، مشاهد البر والإحسان والعطف على الفقراء والمساكين، إنّها مشاهد التعاطف والأخوة والمحبة والرحمة والبذل بين أبناء الجسد الواحد.

وليس تفطير الصائمين محصوراً في الفقراء والمساكين، بل إنّ التفطير يكون لكل المسلمين فقيرهم وغنيهم، وهو بمثابة الهديّة للغني.

إقرأ أيضاً: أنواع الصدقات وفوائدها

وإنّ أجر تفطير الصائم يستطيع أن يناله كل واحد منَّا، فهو لا يتطلّب مبلغاً كبيراً من المال، ولا أنواعاً فاخرة من أنواع الطعام وأصناف المأكولات، وإنّما يمكن أن ينال ذلك الأجر ولو بشربة ماء أو شق تمرة. لله الحمد والمنة يَقبل القليل ويُعطي الكثير، فلا تحقرنَّ عبد الله من المعروف شيئاً.

وبادر إلى مثل هذه المشاريع الرمضانية وأعن من يقوم عليها، فإنّ ذلك من أعظم القربات إلى الله تبارك وتعالى..




مقالات مرتبطة