ثقافة العطاء سرٌّ من أسرار بناء المجتمعات السليمة

ليس لدى أي أحد شك في أنَّه لا يُوجَدُ إنسان على وجه الأرض إلَّا وبذرة الخير موجودة في ذاته، كيف لا ونحن نعلم يقيناً أنَّ كل مولود يُولَد على الفطرة، ولكنَّ واقع الحياة يدلُّ وبشكل جليٍّ على تباين ظهور الخير الموجود لدى الإنسان، فيُوجَدُ مَن يُظهِرُهُ ويتعامل وفقه، ويُوجَدُ مَن يدفن بذرة الخير في ذاته ويتركها دون عناية حتى تضمر تلك البذرة وتكاد تختفي.



ثقافة العطاء مقابل ثقافة الامتناع والتَّشكيك:

ورد في كتاب "تجربتي لحياة أفضل" للكاتب زياد ريِّس أنَّه وعلى الرغم وجود دَافِع قوي لعمل الخير وحب العطاء عند الكثيرين في المجتمع، لكنْ - للأسف - تولَّدَت خلال العقود السَّابقة ثقافة الامتناع والتَّشكيك والتَّردُّد في العطاء، وهذا إرثٌ ليس من السَّهل التَّخلُّص منه؛ حيث أصبح الشَّك وسوء الظَّن بالطَّرف الآخر هو الأصل "إن كان الجهة الوسيطة أو المستفيد النهائي"، والتردُّد والشَّك والامتناع موجود عند الطَّرف الأوَّل بجانبه "صاحب العطاء أو الجهة الوسيطة".

شاهد بالفيديو: أهم 8 حكم عطائية

نقاط تفسر ضرورة تكريس ثقافة العطاء وليس ثقافة الامتناع:

هنا أودُّ أن أُوضِّحَ ما يلي:

  1. يكون تكريس ثقافة الامتناع والتَّشكيك أسوأ وأخطر مما لو كان العطاء في غير محلِّه بالكامل.
  2. لا يُوجَدُ شكٌّ أنَّ هناك أولويَّات لجهة العطاء، ولكنَّ الحاجة موجودة لدى السَّواد الأعظم.
  3. يُوجَدُ تحايل من طَرف المستفيد بعدم إعطاء المعلومة الصَّحيحة أو الحقيقة الكاملة للجهة الوسيطة "الجمعيَّة أو ما شابهها"
    مثال: كأن لا يُفصِحَ المستفيد عن أنَّ هناك جهات أخرى تساعده، لكنْ في النهاية يعود ذلك إلى الحاجة أيضاً، وإلى عدم الاكتفاء بما يحصل عليه من جهة واحدة أمام احتياجات الحياة الأساسيَّة.
  4. سوف أذهب إلى أكثر من ذلك وأقول: نعم، تُوجَدُ حالات احتيال حقيقي، ولكنَّ الحقيقة أنَّ الحاجة الماسَّة أيضاً هي التي أدَّت إلى اللجوء إلى ذلك، وهنا أنا لستُ أُبرِّر ذلك؛ وإنَّما أفسره فقط، كما أنَّ هذا الاحتيال ليس من الصِّفات المتأصِّلة بالمجتمعات.
    إذا أردنا التَّدقيق أكثر، فسوف نرى أنَّ نسبة التحايل ضئيلة جداً، قد لا تتعدَّى الواحد بالألف؛ ولذا فمن الأهميَّة ألَّا نُعمِّم صفة الاحتيال على كافَّة المحتاجين.
  5. يكون الخوف من المستقبَل وعدم الاستقرار سبباً رئيساً لدى قِسم هام من المحتاجين الذين يلجؤون إلى أساليب التحايل أو إخفاء الحقيقة؛ حيث يغلب عليهم الخوف من المجهول ومن انقطاع العطيَّة، وبسبب عدم وجود كيانات واضحة يمكن اللجوء إليها أو الطمأنينة لأي نوعٍ من الاستقرار.

 لذا ونظراً إلى ما سبق فمن الأهميَّة العمل على تكريس ما يلي:

  1. ثقافة العطاء أهم من تكريس ثقافة الامتناع.
  2. ثقافة إعطاء الثقة ونشرها أهم من ثقافة الشَّك.
  3. ثقافة السَّماحة أهم من ثقافة المُشَاحَّة.
إقرأ أيضاً: العمل التطوعي: أهميته وفوائده على الفرد والمجتمع

في الختام:

يمكن القول إنَّ قيام المجتمعات السليمة لا يمكن أن يكون دون تكافل أفرادها، وهذا التكافل لا يتحقَّق دون أن تكون ثقافة العطاء هي الثقافة السائدة في المجتمع، فثقافة العطاء في المجتمع هي التي تدفع الناس إلى التسامح وإلغاء الفوارق الطبقية التي تجلب حقد وحسد الطبقات الدنيا الفقيرة تجاه الطبقات الثرية؛ الأمر الذي يُولِّد انعدام الثقة بين أفراد المجتمع ككل.




مقالات مرتبطة