توقف عن تضييع وقتك مع الأشخاص السَّامين

هل سبق أن ضايقتك التصرفات السيئة لزملائك في العمل أو أصدقائك أو حتى أفراد عائلتك؟ يجب أن تعلم أنَّك إذا سمحت للآخرين بمضايقتك، فهذا ليس ذنبهم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويشرح فيه عن تجربته في تجنُّب الأشخاص السامِّين. 

"ليس ذنبي، بل ذنبه"، هذا ما يقوله معظمنا؛ إذ نتسرَّع دائماً في لوم الآخرين على ما نشعر به، ونقول إنَّهم يتسبَّبون بهذا الشعور، ولكنَّه اعتقادٌ خاطئ، فأنت تقرِّر مشاعرك حيال الأمور التي تحصل في حياتك، فالأحداث لا يمكن أن تؤذينا، وإنَّما تصوُّرنا للحدث يفعل ذلك، وهذه واحدة من أهم أفكار الفلسفة الرواقية.

بعبارةٍ أخرى؛ أنت من تقرِّر المعنى الذي تعطيه للأمور التي تدور في حياتك، إذا روى صديقك أكاذيب عنك من وراء ظهرك وتضايقت، فهذا لأنَّك قرَّرت ذلك، فأنت لا تتحكَّم بالآخرين؛ لذلك فإنَّ اختيار الأشخاص الذين تقضي وقتك معهم أمرٌ بغاية الأهمية.

يُعبِّر الفيلسوف الرواقي العظيم "ابكتيتوس" (Epictetus)، عن هذا في كتابه "دليل الحياة" (Manual For Living) قائلاً: "تجنَّب التآخي مع أشخاص لا يشاركونك نفس القيم، فالارتباطُ طويل الأمد بأولئك أصحاب الأفكار الزائفة، من شأنه حتماً أن يُلوِّث تفكيرك".

إنَّه مبدأ ألتزم به بصدقٍ في حياتي، لقد رأيت أشخاصاً كثيرين يدمِّرون حياة الناس من حولهم، ما منعني من الاستخفاف بهذه الفكرة، وأراهن أنَّ لديك ما يكفي من الأشخاص "السَّامين" في حياتك.

شاهد بالفيديو: كيف تتعامل مع الأشخاص السامين؟

أنواع الناس:

ثمَّة نوعان من الناس: أصحاب القيم وعديمو القيم، وبحسب اعتقادي، فإنَّ أقل من 1% من الناس يمتلكون قيماً، وتنطوي القيم على إجاباتٍ لأسئلةٍ مثل:

إليك طريقةً سهلةً لاكتشاف الأشخاص عديمي القيم: عندما يتحوَّل أحدهم إلى شخصٍ مختلفٍ كلياً بلمح البصر، عندها تعرف أنَّه كذلك.

على سبيل المثال، وظَّفنا منذ فترة متدرِّباً سامَّاً في شركتنا، وتبيَّن لاحقاً أنَّه مختلفٌ عن الشخص الذي عرفناه عندما وظَّفناه، وهذا خطؤنا بالطبع، فمع أنَّنا تحدَّثنا كثيراً عن القيم في أثناء المقابلة، فإنَّنا لم نلاحظ أي إشارات تحذير، فقد كان كل شيء على ما يرام خلال الأسبوع الأول، لكن بمجرد أن وجد المتدرِّب شريكاً له بين المتدربين الآخرين، بدأت الأمور تتغيَّر.

فجأةً، بوجود هذا الدعم الجديد، بدأ المتدرِّب بنشر الإشاعات، ومحاولة التلاعب بالآخرين، وإثارة الفوضى، ولقد انتبهنا لذلك بسرعة، وأبلغناه بأنَّنا نتَّبع سياسةً صارمةً إزاء السلوكات السَّامة؛ إذ إنَّه أمر شائع في المؤسسات، فغالباً ما يخفي الناس وجههم الحقيقي، وربما ينبغي القول إنَّهم يخفون زيفهم.

عندما تفتقر إلى القيم، ستنفر تلقائياً من السلوك البشري الطبيعي، وستكون النهاية وخيمة، وقد قرأت كتاب "12 قاعدة من قواعد الحياة" (12 Rules For Life)، للدكتور والمتخصص في علم النفس السريري والأستاذ في "جامعة تورنتو" (University of Toronto)، "جوردان بيترسون" (Jordan Peterson)، والفرضية الأساسية التي يُقدِّمها فيه هي أنَّ الناس خبثاء، وأنَّ الحياة معاناة، ولإثبات هذا الكلام، يشاركنا "بيترسون" أمثلةً مقنعةً من تاريخ البشرية، فإنَّه على حق، فلطالما كذب الناس وقتلوا وخدعوا لشقِّ طريقهم في الحياة.

البديل موجود:

يمكنك بسهولة أن تسلك طريقاً مضللاً بمجرَّد قضاء وقتٍ كافٍ مع أشخاص سيئين، وستصبح في النهاية واحداً منهم، ويمكنك أيضاً أن تُمضي وقتك بالنميمة والكذب والتلاعب بالآخرين، وقد تشعر بالرضى كذلك عند القيام بأمور كهذه، فإنَّ الشعور بالقوة، بصرف النظر عن طريقة تحقيقها، يمنح الناس شعوراً بالرضى، وهكذا تعمل عقولنا.

لذلك؛ عندما تتعرَّف إلى شخص لا يملك مبادئ، ومتعدِّد الشخصيات، ويُظهر سلوكاً سيئاً، ابتعد عنه، وأحِط نفسك بأشخاص يريدون الأفضل لك، بدلاً من أولئك الذين يغارون منك، ولا يُطيقون رؤيتكَ ناجحاً، ويعيشون على السلبية، ويجب بالنسبة إلى أي شخص يريد أن يعيش حياةً هانئةً أن يُدرك ذلك.

عندما بدأت أعيش حياةً واعيةً قبل بضع سنوات، كان عليَّ التخلي عن الأشخاص الذين كان جلُّ اهتمامهم عيش حياةٍ ممتعة، وقابلت أيضاً أصدقاء آخرين بدؤوا بتغيير حياتهم للأفضل، لكنَّهم استُدرجوا مرةً أخرى إلى الحضيض، فالحياة بالمقابل مليئةٌ بأشخاصٍ ودودين ومُحبين كما نعلم، والأمر ليس بهذا السوء.

كن بخيلاً بوقتك:

يُقال: "أنت متوسط ​​الأشخاص الخمسة الذين تقضي وقتك معهم"، لقد أصبح هذا قولاً مُبتذلاً، لكنَّني أعتقد أنَّنا ما زلنا نجهل حقيقةَ التأثير الذي يمكن أن يُحدثه الآخرون فينا، وكما قال "ابكتيتوس"، يمكن للآخرين أن يلوثوا تفكيرك، فهل الأمر يستحق كل هذا العناء؟

انظر إليه بهذه الطريقة، هل ستمنح مبلغ 1000 دولار للأشخاص في حياتك إذا طلبوه؟ إذا أجبت بالنفي، فتوقَّف عن منح وقتك لأشخاص لا يشاركونك نفس القيم.

لقد اختصرتُ قائمة الأشخاص الذين أُمضي معهم 90% من وقتي، واكتفيتُ بأفراد عائلتي وأصدقائي المقربين، وما عدا ذلك أقضي وقتي في العمل وممارسة الرياضة، هذا ما أفعله في الغالب، ولم أستمتع بحياتي قَطُّ مثلما أستمتع بها اليوم.

لذا؛ إذا كنت تملك عملاً تحبه، وبضعة أشخاص مقرَّبين في حياتك، سيشغلون وقتك ولن تحتار كيف تُمضيه، فما من شيءٍ يُشعرك بالرضى أكثر من امتلاك وظيفة ذات معنى وعائلة قوية.

قد تقول إنَّ عائلتك سامَّة، ألهِمهم إذاً ليتغيَّروا نحو الأفضل، فأنا لا أفقد الأمل بعائلتي، حتى لو استغرق الأمر 10 سنوات، سأواظبُ على تقديم المساعدة لهم.

إقرأ أيضاً: كيف تجعل الآخرين يحترمون وقتك؟

حدِّد قيمك والتزم بها:

لكي تعيش حياةً فاضلةً يلزمك مبادئ، فمن دون مبادئ أو قيم، لا شخصية لك، ودون شخصية لا قيمةَ لك، وهذا أمرٌ لا يكترث له أحد إلَّاك، فأنت من تنظر إلى نفسك في المرآة كل يوم، فهل أنت سعيد بما تراه؟

هذا هو المقياس الوحيد الذي أعتمدهُ في حياتي؛ إذ يجب أن أكون راضياً عن الشخص الذي أراه في المرآة، وإذا لم يحظَ بإعجابي، سأغيِّره، فهذا ما كنت أقوم به دائماً، وما زلت أفعله كل يوم.

إقرأ أيضاً: كيف تحدِّد قيمك الشخصية لتعيشَ حياةً ملؤها الإنجاز؟

في الختام: طوِّر نفسك

ما هو البديل؟ يخلُص "بيترسون" في كتابه "12 قاعدة من قواعد الحياة" (12 Rules For Life) إلى أنَّه ما من خيار آخر مجدٍ، فثمَّة طريق واحد فقط يقود للسعادة، وهو التقدم نحو الأمام.

أنت تحتاج إلى أملٍ مُرتَقب إلى طريقٍ يقودك لحياة أفضل، ولا أحد منَّا مثالي، فلا يهم إذا وصلنا إلى وجهتنا المنشودة أم لا، الهام أن نستمر في التقدُّم.




مقالات مرتبطة