تهذيب النفس وتجديد الإيمان في رمضان

عندما تخرجت من كلية التجارة جامعة القاهرة وبدأت في ممارسة حياتي العملية، كان لدي سيارة قديمة، لا أذكر أنّه كان بها أي شيء سليم، فقد كانت كثيرة الأعطال، مخبوطة من كل جانب، ولأنّ هذه كانت حالتها فقد كنت أنا أيضاً أتعامل معها بعدم اعتناء أو مبالاة فلم يكن لدي أي مشكلة أن تتعرّض لمزيد من الخبطات أو الحوداث، وإذا كان هناك شارع ضيق لا يسع إلّا سيارة واحدة، فأكيد سيارتي هي التي ستدخل أولاً لأنّ الآخر سيخاف على سيارته أم أنا فليس عندي مشكلة فليس هناك ما أخاف عليه.



ثم دارت الأيام وفتح الله علي واستبدلت بهذه السيارة سيارة أخرى جديدة، وإذا بي أتغيّر فجأة وأخاف عليها وتتغيّر سلوكياتي في القيادة وأتعامل مع السيارة الجديدة باهتمام فائق ويزعجني الخدش البسيط بينما من أسبوع واحد فقط كنت لا أهتم بالحادثة الكبيرة، فجاءتني خاطرة عجيبة أنّ نفس الإنسان تشبه هذه القصة لحد كبير.

فنفس الإنسان عندما تعتاد الخطأ وتكثر من الذنوب والآثام تشعر بلا مبالاة نحو الخطأ ولا تكترث بأن تضيف المزيد من الأخطاء دون شعور بألم المعصية فعندها الكثير والكثير من الأخطاء السابقة، فإذا تابت وبدأت صفحة جديدة وصارت كأنّها نفس جديدة، فإنّ أي ذنب صغير يقلقها بل ويؤلمها ويصبح لديها حساسية فائقة تجاه أي خطأ ولو بسيط.

إقرأ أيضاً: 12 نصيحة لنسيان ذكريات الماضي الحزين

إنّ رمضان يحرك النفوس فتتجدّد بالإيمان، الصيام وقود الإيمان والإيمان يجدّد نفس الإنسان، فالصيام يجعلك صاحب نفس جديدة حساسة للغاية بعد أن كانت مفرطة في الأخطاء في غفلة وبرود، فإنّ المؤمن يرى ذنبه كالجبل يوشك أن يقع عليه، أمّا الفاسق أو الفاجر فيرى ذنبه كذبابة أشار إليها بيديه فطارت عن وجهه.

إنّ هذه النفس الحساسة لكل خطأ يجب أن تكون في نفس الوقت متوازنة فلا تفرط في هذه الحساسية حتى لا تصاب بمرض الوسوسة، محبطة يائسة فهي نعم حاسة للخطأ لكنّها في نفس الوقت متفائلة راجية لرحمة الله، غافر للذنوب، ستار العيوب.

وأنا أحب كثيراً حديث النبي حيث قال "اتَّقِ اللهَ حيثُ كنتَ وأتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُهَا وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ" إنّ هذا المنهج الرائع في التعامل مع النفس، يجعلك دائماً متفائلاً راجياً رحمة الله عز وجل.

وأنا أقول لكل صائم: تعامل مع نفسك من الآن بهذا التوازن الرائع بين النفس المتنبهة لكل خطأ، الحريصة على أن تبقى نقية دائماً جديدة دائماً، وبين النفس الواقعية التي تعرف أنّ الخطأ جزء من تركيبتها البشرية وأنّها مهما أخطأت فلا تستلم للخطأ ولا تيأس ولكن تتبعه بفعل الخير فيقابلها الرب الرحيم الغفور بالعفو والرحمة والمغفرة، بهذا التوازن تكون صاحب نفسية مستقرة.

إقرأ أيضاً: 4 نصائح فعّالة للتخلص من عقدة الذنب

النفس البشرية أعقد شيء في الوجود، إذا لم تدرك كيف توجّهها وتتعامل معها «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا» رمضان يوقظ في النفس البشرية معنى قد أفلح من زكاها.

في المحال الكبرى في دول كثيرة يوجد عند باب المحل جهاز إنذار إذا سرق أحد الزبائن قطعة من المحل ووضعها خفية في حقيبته دون أن يدفع ثمنها وأراد أن يغادر المحل كان جهاز الإنذار عند باب المحل يضرب بشدة فيكتشف اللص، والله سبحانه وتعالى خلق في هذه النفس البشرية جهاز إنذار يضرب بشدة عند الخطأ، هذا الجهاز اسمه الضمير عند الخطأ أو عند أكل حقوق الناس أو عند معصية الله عموماً، يحدث وخز في القلب واحمرار في الوجه وهذا من أثر هذا الجهاز الرباني الذي خلقه الله في نفسك أيها الإنسان.

ولكن هذا الجهاز من كثرة الأخطاء يصيبه العطل، ورمضان هو إعادة صيانة لهذا الجهاز، النفس الصائمة عن الطعام والشراب الحلال أصلا يتردد بداخلها سؤال، كيف أقبل الحرام وأنا قد صمت عن الحلال فيستيقظ الضمير. ترى كم ضمير استيقظ في مصر بعد عشرة أيام من صيام رمضان، ترى كم يد كانت ملوثة بالرشوة والمال الحرام استيقظ ضميرها في رمضان.

إقرأ أيضاً: كيف تسامح نفسك على أخطائك؟

اسأل نفسك أيها الصائم.. هل عاد وخز الضمير بعد عشرة أيام صياماً أم مازال الضمير ميتاً، فإن كان مازال ميتا فأنت لم تبدأ صيام رمضان بعد، فإنّ حساسية النفس المرهفة عند الخطأ المتوازنة الراجية رحمة الله، هي نفس نحتاجها لبناء بلادنا في العشرين سنة القادمة.

 

المصدر: أ.عمرو خالد لجريدة المصري اليوم




مقالات مرتبطة