تنويع مصادر الدخل: أهميته وخطوات تحقيقه

إنَّ تحقيق الأمان المالي هو واحد من هواجس الأفراد في هذه المرحلة؛ وذلك نظراً لتذبذبات الاقتصاد التي من شأنها أن تؤثر في مدخول الفرد، وما يترتب على ذلك من زعزعة للاستقرار المادي والنفسي، وخوف الأفراد والمعيلين من عدم القدرة على تلبية متطلبات أنفسهم وأسرهم؛ وهنا يبرز تنويع مصادر الدخل حلاً فعالاً من شأنه أن يعزز الأمان المالي ويطمئن الفرد تجاه حريته المالية، فما هو تنويع مصادر الدخل؟ وما هي أهمية ذلك؟ وما هي خطوات تحقيقه؟



تنويع مصادر الدخل:

إذا ما أردنا الإجابة عن سؤال "ما هو تنويع مصادر الدخل؟" فإنَّنا نستطيع ذلك عن طريق تعريف تنويع مصادر الدخل بأنَّه إنشاء تعددية في المحافظ الاستثمارية للفرد، فيحصل الفرد بذلك على واردات مالية من جهات أو مصادر عدة تساهم في تحقيق أمانه المالي.

يكمن تنويع مصادر الدخل بوجود تدفقات مالية إلى الفرد من مصادر مستقلة، تحقق له الدخل الإجمالي الذي يناسب احتياجاته، ويساعده على الحياة في المستوى المعيشي الذي يرغب فيه ويطمح إليه.

لا يعني تنويع مصادر الدخل بالضرورة أن يعمل الفرد في أكثر من وظيفة؛ بل يمكن أن يحصل الفرد على عدد من الموارد المالية يفوق عدد الوظائف التي يشغلها؛ لذا لا بد لنا من التعريج على أنواع مصادر الدخل التي يمكن للفرد أن يستثمرها ليحقق ما يطمح إليه من عائدات مالية.

أنواع مصادر الدخل:

الدخل المكتسب (Earned Income):

يُطلَق على هذا النوع من الدخل أيضاً تسمية الدخل النشط (Active Income)، وهو أكثر أنواع الدخل انتشاراً ويشيع استخدامه عند الكثيرين، ويمكن تعريف الدخل المكتسب بأنَّه الدخل الذي يحصل عليه الفرد لقاء عمله في وظيفته التي ينفق فيها مقداراً محدداً من وقته وجهده، فهي - وبتعبير أكثر بساطة - استبدال وقت وجهد محددين بمقابل مالي.

دخل الاستثمار (Portfolio Income):

إنَّ المصطلح الرديف لدخل الاستثمار هو الدخل الرأسمالي، وهو أقرب إلى التجارة بالاستثمارات، فيتم بيع الاستثمار بمبلغ أكبر من المبلغ الذي تم شراؤه به، وأمثلة دخل الاستثمار في حياتنا كثيرة، فتحت خانته تندرج عمليات بيع وشراء الأسهم والعقارات والذهب والسيارات وغيرها.

الدخل السلبي (Passive Income):

يشار بمصطلح الدخل السلبي إلى المال الذي يتم اكتسابه عن طريق ممتلكات الفرد دون أن يتطلب ذلك منه الوقت والجهد الكبيرين، ولعلَّ تأجير العقارات من منازل ومبانٍ وأراضٍ وغيرها، وبيع الكتب والملكيات الفكرية ونشرها من أبرز المصادر التي تعود على الفرد بالدخل السلبي.

إقرأ أيضاً: هل تريد أن تصبح مليونيراً؟ إذن نوِّع مصادر دخلك

أهمية تنويع مصادر الدخل:

لم يعد تنويع مصادر الدخل نوعاً من الرفاهية أو مجرد هواية ورغبة في الاستثمار؛ بل أصبح في أيامنا هذه ضرورة ملحة استطاع الأفراد والأسر والحكومات تقدير مزاياه وفوائده وعائداته على استقلالهم واستقرارهم المالي.

تبدو أهمية تنويع مصادر الدخل عندما يتناهى إلى تفكير الفرد أنَّ عمله الحالي غير دائم، فهو مهدد في أيَّة لحظة بالطرد والإقالة، وفي هذه الحالة ما لم يكن قد أعدَّ العدة لمصدر دخل آخر، فإنَّ وضعه سيكون كارثياً.

ولعلَّ جائحة كوفيد-19 التي ساهمت في تعطيل الكثير من الجهات والمصالح ناقوس خطر دُقَّ لتوعية الأفراد تجاه تنويع مصادر الدخل، كما أنَّ حالات الإفلاس التي قد تجنح إليها الشركات وتضطرها إلى تسريح موظفيها إشارة تحذير أخرى، والعوارض الصحية والحوادث التي قد تمنع الفرد من مزاولته عمله اليومي والحصول على قوته أيضاً من موجبات تنويع مصادر الدخل.

لا تقتصر أهمية تنويع مصادر الدخل على الحالات التعسفية التي تضطر الفرد إلى فقدان عمله؛ بل تبرز أهميته في حال رغب الفرد في التفرغ لفعل شيء آخر لا يدر عليه المال، أو لنقل في الوقت الراهن فقط؛ فقد يحتاج الفرد إلى إجازة طويلة من عمله لإتمام بحث علمي يقوم به يخص دراسة الماجستير أو الدكتوراه مثلاً، أو أنَّ السيدة تحتاج إلى فترة أمومة طويلة تتفرغ فيها من العمل لرعاية شؤون الأطفال والعائلة، أو قد يكون الأمر رغبة في نيل تقاعد مبكر والتفرغ لحياة هادئة أو كتابة مذكرات أو السفر حول العالم.

في كل الحالات السابقة يظهر تنويع مصادر الدخل حلاً فعالاً يساعد على توفير موارد مالية جيدة وكافية للادخار أو القيام باستثمار يحقق للفرد دخلاً استثمارياً أو دخلاً سلبياً واللذين قمنا بتوضيح مفهومها في فقرة سابقة.

شاهد بالفديو: مصادر الدخل السلبي في الحياة الواقعية

نصائح عملية لتحقيق التنويع في مصادر الدخل:

من أجل تحقيق التنويع في مصادر الدخل لا بد أولاً من الاطلاع على أنواع الدخل التي تحدثنا عنها آنفاً، ومن ثم اختيار نوع الدخل الذي يمكن لكل فرد إضافته إلى موارده المالية بما يتناسب مع قدراته وطموحاته، وبعد ذلك إليك هذه النصائح:

1. حافظ على أمانك المالي:

قد لا تكون الوظيفة التي توفر لك الدخل النشط حلاً مناسباً بمفرده ومصدراً كافياً للمال، ولكنَّها عماد وأساس لا غنى عنه، على الأقل في المرحلة الأولى، فالتدفق النقدي الثابت في نهاية كل شهر قادر على أن يكون نواة مشروعك الجديد الذي سيوفر لك مصادر دخل أخرى، ولا ننصح بالتخلي عنه إلا بعد أن تثبت مصادر الدخل الجديدة أقدامها وتتحول الوظيفة إلى قيمة سلبية في المعادلة؛ أي إنَّها تستغرق منك الكثير من الوقت والجهد الذي إذا ما أنفقته في استثمارك الجديد عاد عليك بأموال أكثر.

يمكن على سبيل المثال لا الحصر استخدام المال الذي تجنيه من الوظيفة في دفع أقساط شراء منزل يمكن أن يحقق لك دخلاً استثمارياً إذا ما بعته بثمن أفضل فيما بعد، أو دخلاً سلبياً إذا ما قمت بتأجيره.

2. ابحث عن ملكتك الشخصية:

قد تكون موهبة تمتلكها أو هواية تمارسها مصدر دخل إضافي لك يمكن أن يدر عليك من المال ما لا يستطيع العمل أو الوظيفة منحه لك؛ لذا يجب على كل فرد أن يبحث عن ميزته التي اختصه الله تعالى بها، ليعمل على صقلها وتوظيفها في المكان المناسب الذي يعود عليه بالربح المادي والربح المعنوي في بعض الأحيان.

إنَّ الأشخاص الذين يتقنون الرسم مثلاً يمكنهم البدء باستثمار موهبتهم الفنية في رسم لوحات تُهدى للأحبة بوصفها تذكارات، أو يمكنهم تعلم العمل على برامج وتقنيات الرسم الغرافيكي والعمل في هذا المجال الذي أصبح مطلوباً بكثرة في هذه الأيام، وينطبق الأمر عينه على هواة الكتابة أو أصحاب الأصوات الجذابة وأصحاب المهارات التجارية والتسويقية.

3. حدد الجمهور المستهدف من العملاء:

النصيحة التالية لإنشاء مصدر دخل جديد بعد تحديد الخدمة المراد تقديمها هي تحديد الجمهور المستهدف أو الزبائن المحتملين الذين يرغبون في شراء هذه الخدمة، فقد يكون الجمهور المستهدف مختصاً بفئة عمرية محددة أو سكان منطقة ما، فيجب الاستعانة بخبراء متخصصين في تحليل الأسواق إذا ما اقتضت الحاجة إلى ذلك، ولا شك أنَّ المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي تقدم دعماً لا يستهان به في هذا المجال.

على سبيل المثال إذا افتتحت مطعماً يقدم الطعام الصحي، فإنَّ الجمهور المستهدف لخدمتك هم أصحاب الميول الغذائية الصحية والرياضيون والمتبعون للحميات الغذائية المنقصة للوزن.

4. كن منفتحاً واجتماعياً:

لعل هذه النصيحة ضرورية وهامة في مراحل تطوير العمل وتوسيعه؛ وذلك لأنَّ العلاقات مع الزبائن والمنافسين والأشخاص الذين يتكامل عملك مع عملهم يفتح المجال أمامك نحو فرص جديدة، ويتيح لك طرائق من النمو والتطور لم تكن في حسبانك.

لقد حصلت إحدى الفتيات التي تعمل في الخياطة إلى جانب عملها بصفتها معلمة فنون على صفقة تصميم الأزياء الخاصة بالمسرحيات المدرسية؛ وهذا ساهم في تعزيز مدخولها بسبب تدفق طلبات التصميم عليها من قِبل مديرات المدارس التي تعمل فيها.

5. اصنع علامتك الفارقة:

من أجل الاستمرار في الحصول على مصدر الدخل الإضافي أو الجديد لا بد من إثبات نفسك في سوق العمل، وتقديم الامتيازات التي من شأنها ترغيب الزبون في الحصول على خدمتك والتفوق على منافسيك؛ لذا لا بد من تقديم قيم مضافة مع خدمتك سواء عبر تقديم العروض التشجيعية أم تقديم الاستشارات المجانية ضمن اختصاصك.

إقرأ أيضاً: نموذج شبكة القيمة: بناء العلاقات الصحيحة في السوق

6. استفد من الإنترنت:

أصبح الإنترنت في الفترة الراهنة مصدر دخل للكثير من الأشخاص الذين اختاروا استثمار مهاراتهم عبر الشبكة وتقديم الخدمات عن بعد بوصفهم مستقلين.

حتى إذا كان مشروعك مقاماً على أرض الواقع، يمكن الترويج لخدماتك عبر إنشاء موقع إلكتروني أو صفحات خاصة بك على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وهذا يسمح لك بالبقاء على تماس مباشر مع العملاء ومعرفة آرائهم وتطلعاتهم عن الخدمة أو المنتج، عدا عن كون الإنترنت وسيلة تسويقية تجذب المزيد من العملاء؛ وهذا ما يزيد من الدخل.

لا تدخل في سباق الفأر:

إنَّ مصطلح "سباق الفأر" قد ذكره رجل الأعمال "روبرت كيوساكي" في كتابه "الأب الغني والأب الفقير"، وقد استخدم هذا المصطلح للدلالة على الأفراد الذين يزداد دخلهم فتزداد نفقاتهم بشكل تلقائي، فلا يحرزون أي تقدم مالي ويبقون يراوحون في مكانهم.

ينصح الكاتب بضرورة الاستثمار في الأصول من عقارات أو أسهم وغيرها من الأشياء التي تحقق للفرد دخلاً سلبياً، فتتعاظم ثروتهم بأقل ما يُذكَر من الجهود.

شاهد بالفيديو: 6 طرق فعالة لتحقيق التنويع في مصادر دخلك

في الختام:

إنَّ تنويع مصادر الدخل هو امتلاك الفرد لمجموعة مصادر دخل مستقلة تعود عليه بالفائدة المالية، وتبدو أهمية ذلك من خلال تحقيق الفرد لأمانه المالي وحريته المالية، فلا يتهدد استقراره بطرده من وظيفته أو اضطراره إلى الحصول على إجازة طويلة من عمله.

لقد قدمنا في هذا المقال نصائح عملية تساعد الفرد على إيجاد مصادر دخل جديدة تزيد من مدخوله المالي وتُحسِّن قدراته الاستثمارية.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة