تسلِّط هذه المقالة الضوء على نموذج شبكة القيمة وهي أداةٌ تساعد شركتك على الابتعاد عن عقلية "إمَّا قاتلٌ وإمَّا مقتول" وتحقيق نجاحٍ أكبر من خلال العمل إلى جانب منظماتٍ أخرى أو حتى التعاون معها.
روح التعاون بين المتنافسين (Co-opetition):
يُستخدم مصطلح "التعاون بين المتنافسين" لوصف التنافس الذي يسوده التعاون. حيث تقوم الشركات هنا بعقد شراكات تحقق الفائدة المشتركة لجميع الأطراف وتجعلها جميعاً أكثر قدرةً على التنافس. إنَّ السوق ملأى بأمثلة عن شركاتٍ تشبه الفيل لا سيما في صناعة السيارات. ففي عام 1991 وعلى سبيل المثال عملت شركتا "فورد" (Ford®) و"فوكسفاكن" (Volkswagen®) معاً على إنتاج أحد هياكل السيارات والذي استُخدم في صناعة سيارة "شاران" (Sharan) الخاصة بشركة "فوكسفاكن"، وسيارة "كالاكسي" (Galaxy) الخاصة بشركة "فورد، وسيارة "الهامبرا" (Alhambra) الخاصة بشركة "سيات" (Seat®). وعلى الرغم من أنَّ النماذج الثلاثة لهذه السيارة ستدخل المنافسة فيما بينها في السوق، إلَّا أنَّ كِلْتا الشركتَيْن استفادتا من الخبرة التي تتمتع بها الشركة الأخرى في مجالَيْ التصميم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى توفير المال من خلال الاشتراك في تحمل تكاليف الإنتاج.
وأنت أيضاً لست في حاجةٍ إلى أن تكون عملاقاً صناعياً حتى تحقق الفائدة، إذ يُعَدُّ التعاون بين المتنافسين استراتيجيةً مفيدةً بشكلٍ خاص بالنسبة إلى الشركات الناشئة المتحمسة. حيث يؤسس التعاون مع الشركات الأخرى المنافِسة آلياتٍ للانطلاق بشكلٍ فعال، ويعزِّز تأثير الشركات الصغيرة، ويساعدها على الحصول على قدرةٍ أكبر للوصول إلى السوق. فوفقاً لـ "ستيوارت ريتشاردسون" (Stuart Richardson) مؤسِّس شركة "أدفينتشر كابيتال" (Adventure Capital®) وأحد الأشخاص الذين يشتركون في إدارتها: "مهما كانت أحلامك كبيرة، ومهما كنت تعتقد بأنَّك ذكي فإنَّك لن تستطيع القيام بالعمل وحدك".
اقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعد المدير على ترسيخ التعاون داخل المؤسسة
حول النموذج:
طُوِّر نموذج شبكة القيمة الذي يظهر في الصورة أدناه من قِبَل "آدم براندنبيرغر" (Adam Brandenburger) و"باري نيلباف" (Barry Nalebuff) ونُشر في العام 1996 في كتابهما الذي حمل عنوان "التعاون بين المتنافسين" (Co-Opetition). يساعدك هذا النموذج على تحديد اللاعبين الرئيسين في مجال عملك بحيث تتمكن من توقع سلوكهم بشكلٍ أكثر دقة. فيساعدك هذا على اتخاذ أكثر وعياً.
الصورة الأولى: نموذج شبكة القيمة
|
الزبائن |
|
المنافسون |
الشركة |
المكمِّلون |
|
المورِّدون |
|
يوضح هذا النموذج أوجه الترابط بينك وبين الأنواع الأربعة الأخرى من اللاعبين في مجال عملك:
- الزبائن: وهم الأشخاص الذين يشترون منتجك أو خدمتك.
- المورِّدون: يزوِّد هؤلاء المنظمة بالموارد التي تحتاج إليها لصناعة مُنتَجٍ قابلٍ للبيع (تذكر أنَّ المورِّدين يمكن أن يكونوا من خارج المنظمة أو من موظفيك أنفسهم).
- المنافسون: يحصل المنافسون على حصة من السوق المستهدف من خلال عرض منتجٍ مماثلٍ لمنتجك أو خدمةٍ مماثلةٍ لخدمتك.
- المكمِّلون: هم اللاعبون الآخرون الذين يقدمون منتجاً أو خدمةً يمكن أن تكون مرتبطةً بمنتجك أو خدمتك لجعل كِلا العرضين أكثر جذباً للزبائن.
ويمكن أن يُستخدم نموذج شبكة القيمة أيضاً لتسليط الضوء على أوجه التشابه بين اللاعبين الأربعة الأساسيين. حيث يقع كلٌّ من الزبائن والمورِّدين على سبيل المثال في المستوى العمودي، فالمواد الأولية والعمل تنتقل من المورِّد إلى الشركة حيث تتحول إلى منتجاتٍ وخدمات قبل أن تتابع طريقها إلى الزبائن. تحتاج الشركة إلى كلٍّ من المورِّدين والزبائن من أجل الاستمرار، ولكن على الرغم من أنَّ معظم المنظمات تتفهَّم أنَّه من الضروري الاستماع إلى ما يقوله الزبائن إلَّا أنَّهم يتجاهلون غالباً قيمة الاستماع إلى المورِّدين. وينطبق الأمر نفسه على البعد الأفقي المُتَضمِّن المنافسين والمكملين. فغالباً ما تبني المنظمات استراتيجياتها على ما يقوم به المنافسون وتتجاهل الفرص الرئيسة للاتصال بالمكمِّلين المحتملين وتحقيق النمو معهم.
ستحسِّن إزالة هذه "النقاط العمياء" خياراتك الاستراتيجية. حيث يساعدك نموذج شبكة القيمة أيضاً على فهم وجهات النظر الخاصة بكل مجموعة من هذه المجموعات بشكلٍ أفضل. فعلى سبيل المثال عندما تقوم بوضع نموذج شبكة القيمة الخاص بمنظمتك فإنَّك تضع نفسك في الوسط، بيد أنَّه من الممكن أيضاً وضع النموذج بحيث يكون زبائنك هم الذين في المركز. يمكن أن يساعدك تبديل وجهة النظر بهذه الطريقة على اكتشاف فرصٍ جديدةٍ للنمو.
وقد تجد أيضاً أنَّ بعض اللاعبين يؤدون أكثر من دورٍ ضمن الشبكة. حيث تستطيع أنت وأكبر منافسيك على سبيل المثال أن يكمِّل كلٌّ منكما عمل الطرف الآخر من خلال التفاوض مع المورِّد أو الزبون حول إجراء حسومات عند الشراء بالجملة – هذا على سبيل المثال أحد أنواع الأنشطة التي يؤديها المنافسون المتعاونون.
نصيحة:
تأكد من أنَّك تفهم قوانين المنافسة المحلية بشكلٍ كامل قبل العمل مع المنافسين. ولا تناقش وضع الأسعار أو إبرام العقود مع الزبائن بشكلٍ خاص من دون الحصول مسبقاً على النصيحة القانونية المناسبة لأنَّك ربما ترتكب جريمةً جنائية من خلال قيامك بذلك.
اقرأ أيضاً: إطار عمل "مكنزي": تأكَّد من أن تعمل جميع أجزاء منظمتك بانسجام
كيفية استخدام نموذج شبكة القيمة:
من أجل وضع استراتيجيتك يقترح عليك "براندينبيرجر" و"نيلباف" استخدام نموذج شبكة القيمة إلى جانب نهج "بارتس" (PARTS approach) الخاص بهما. إنَّ كلمة "بارتس" (PARTS) هي مجموع للأحرف الأُوَل لكل الكلمات الإنكليزية الآتية:
- اللاعبين (Players).
- القيمة المضافة (Added value).
- القوانين (Rules).
- التكتيكات (Tactics).
- المجال (Scope).
دعنا نلقِ نظرةً أعمق على تفاصيل هذه العناصر، ونناقش الكيفية التي يمكنك من خلالها تطبيق كل واحدة منها إلى جانب نموذج شبكة القيمة للتفكير في استراتيجية منظمتك:
الخطوة الأولى: حدّد اللاعبين
تتمثل الخطوة الأولى في استخدام نموذج شبكة القيمة لتحديد اللاعبين الذين يؤثرون في عملك. وللقيام بذلك صنِّف الأشخاص والمنظمات حسب انتمائها إلى الأدوار المذكورة في النموذج. انظر إلى اللاعبين الذين حددتهم وتذكر أنَّ مشاركتك في السوق تجعل منك لاعباً أيضاً وفكر في الأسئلة الآتية:
- هل ثمة فرصٌ للتعاون أو للتنافس في أيٍّ من هذه العلاقات؟
- هل يقدم جلب لاعبين إضافيين (كجلب مورِّدين أو زبائن جددٍ إضافيين) المزيد من الفوائد؟
- مَنِ المتوقَّعُ أن يَكسَبَ من تشكيل شراكةٍ استراتيجيةٍ معك؟ وهل سيدفعك أيٌّ من هؤلاء اللاعبين إلى الانضمام إليهم في حال كانت مكاسبهم كبيرةً بما يكفي؟
- من الذي يبدو بأنَّه سيخسر؟ وهل سيدفعك أيٌّ من هؤلاء اللاعبين إلى تجنب تضافر الجهود إذا كان يبدو أنَّ خسائرهم من الممكن أن تكون كبيرةً للغاية؟
اقرأ أيضاً: القوى التنافسية الخمس لـ "بورتر": تقويم توازن القوى في مجال العمل
الخطوة الثانية: حساب القيمة المضافة
تقيس القيمة المضافة ما سيقدِّمه كلُّ شخصٍ من الأشخاص ضمن كلِّ دورٍ من الأدوار. ويساعدك هذا على تحديد من يملك القوة الأبرز وعلى التفكير أيضاً في الكيفية التي قد يمكنك من خلالها زيادة القيمة التي تقدمها إلى الآخرين.
لحساب القيمة التي تضيفها منظمتك حدد المواضع التي تضيف فيها القيمة من خلال:
- الخاص بك: ما حجم القيمة التي يتفرَّد منتجك بها في السوق، وما احتمال استمرارها؟
- العرض والطلب: هل في إمكانك التوسع لتلبية العرض المتنامي دون أن تَظهَرَ قدرات فائضة عن الحاجة وغير مُستخدمة؟
- الاستغلال والمقايضة (Trade-ons and trade-offs): هل في إمكانك التقليل من التكاليف بطريقةٍ تقدم لك منتجاً أفضل، أو تقدم منتجاً أفضل بطريقةٍ تقلل التكاليف؟ هل في إمكانك زيادة التكاليف لصناعة منتَجٍ أفضل من دون أن تُضْعِفَ رغبة الزبائن في الشراء؟
- الجوائز التي تقدمها (أو التي يمكنك أن تقدمها) تعبيراً عن الشكر للزبائن أو المورِّدين.
- بناء قدرٍ أكبر من الولاء لدى الزبون أو المورِّد.
فكر أيضاً في القِيَم المضافة عند اللاعبين الآخرين الذين حددتهم في الخطوة الأولى، وابحث عن طرائق تستطيع من خلالها الحصول على نصيبك منها.
اقرأ أيضاً: العناصر العشرة لتقويم المورِّدين: تقويم المورِّدين المحتملين
الخطوة الثالثة: حدّد القواعد
ثمَّة في كل عمل مجموعة محددة من القواعد غير المكتوبة يكون معمولاً بها والتي يجب أن تُتَّبع. في أثناء تطوير استراتيجيتك حدد مَنْ مِنْ هذه القواعد:
- تساعد منظمتك.
- يَحُدُّ ممَّا يمكن أن تنجزه منظمتك.
- يمكن تغييرها لتحقيق الفائدة للزبائن والعملاء.
- يمكن تغييرها ضمن عقود المورِّدين لتحقيق الفائدة المشتركة لك وللمورِّدين.
من الواضح أنَّ ثمَّة بعض القواعد التي لا يمكن تغييرها، ولكن قد يكون من المنطقي تغيير القواعد الأخرى إذا كان ذلك يتيح لك تشكيل استراتيجيتك بشكلٍ أفضل. حيث يمكن لتغييرٍ بسيط في القواعد أن يُحْدِثَ تغييراً جذريَّاً في اللعبة التنافسية.
الخطوة الرابعة: حدّد التكتيكات
ينظر كل لاعبٍ من اللاعبين في نموذج شبكة القيمة إلى منظمتك بطريقةٍ معينة. إنَّ الطريقة التي تبني بها هذه النظرات وتتعامل وإيَّاها هي أساس تكتيكات العمل الخاصة بك. فكر في الأسئلة الآتية:
- كيف بنيت المصداقية في مجال عملك؟ وهل كان في إمكانك تقديم ضمانات إضافية، أو فترات تجريب مجانية إضافية، أو عقود أداء إضافية لتعزيز مصداقيتك وقيمتك المضافة؟
- أيمكن التنبؤ بالأعمال التي تقوم بها منظمتك أم لا؟ إذا رَغِبَتْ إحدى المنظمات المُنَافِسة في "التصدي لك" من خلال تقديم بضائع أو منتجات ذات جودة أفضل، أو من خلال البيع بأسعار منافسة فهل ستكون قادراً على التعامل مع ذلك أو سيكون لديك خطط بديلة للتعامل مع الوضع؟
- كيف ينظر الزبائن إلى منظمتك؟
- أعملية تسعير منتجاتك وخدماتك عملية بسيطة أم أنَّ التسعير معقدٌ بشكلٍ أكبر؟ كيف سيغيُّر الانتقال من البسيط إلى المعقد أو من المعقد إلى البسيط وجهات نظر الآخرين وكيف سيقدم الفائدة إلى منظمتك؟
إحدى الطرائق الأخرى للبحث عن تكتيكات هي تحليل حجم ما تنفقه على العلامة التجارية والإعلان. حيث يشير الإنفاق بشكلٍ كبير غالباً إلى أنك تمتلك ثقةً أكبر بمنتجاتك وخدماتك. فكيف من الممكن لزيادة الإنفاق (أو تخفيضه) أن يغير وجهات النظر في المجال الذي تعمل فيه؟
الخطوة الخامسة: حدّد المجال
ربما يمكن فهم المجال بشكلٍ أفضل بالإشارة إليه على أنَّه حدود لعبتك، أو سوقك ولكن يمكن لهذه الحدود أن تتوسع من خلال الارتباط بأسواقٍ أخرى. الهدف في هذه الخطوة الأخيرة هو تحديد مكامن هذه الروابط وإذا ما كان ثمة فائدة من توسيع المجال أو أنَّه يجب عليك قطع الروابط الحالية من أجل إعادة تعيين الحدود.
النقاط الرئيسة:
طوَّر كلٌّ من "آدم براندنبيرغر" و"باري نيلباف" نموذج شبكة القيمة ونشراه في العام 1996 في كتابهما الذي يحمل عنوان "التعاون بين المتنافسين". يساعدك هذا النموذج على تحديد اللاعبين الرئيسين من بين الزبائن، والمورِّدين، والمنافسين، والمكملين. هذا النموذج هو نموذجٌ غير تقليدي من حيث أنَّه يشجع على التعاون مع لاعبين آخرين من أجل التوسُّع في السوق وتحقيق النجاح في نهاية المطاف. وعندما تضع استراتيجيتك التي تتمحور حول اللاعبين الرئيسيين استخدم نهج "بارتس":
- الخطوة الأولى: حدد اللاعبين.
- الخطوة الثانية: احسب القيمة المضافة.
- الخطوة الثالثة: حدد القواعد.
- الخطوة الرابعة: حدد التكتيكات.
- الخطوة الخامسة: حدد المجال.
يساعدك هذا على تحديد استراتيجية العمل الخاصة بك والتعرف على اللاعبين الرئيسين الذين حددتهم من خلال نموذج شبكة القيمة.
أضف تعليقاً