تنمية مواهب الأطفال والابتعاد عن السعي للحصول على المرتبة الأولى

لقد بات الآباء في مجتمعنا بعيدين كل البعد عن طموحات أطفالهم، فقد أصبحوا هم مَن يرسمون لهم مستقبلهم متجاهلين رغبة الطفل في تحقيق أهدافه، فباتوا كحجر النرد يتنقلون من مكان إلى آخر بشغف آبائهم؛ لذلك تجدهم غير محترفين أو شغوفين بالعمل الذي يقومون به.



تجدهم ضائعين متخبطين في هذا العالم الكبير تائهين عن هدفهم الأساسي في هذه الحياة، ويشغلون وظائف لم يرغبوا فيها وتراهم متقاعسين عن أداء أعمالهم غير مبالين وليست لديهم أيَّة أفكار لتطوير هذا العمل.

هل أصبحنا عاجزين عن فهم أبنائنا ومواكبة ثقافة عصرهم؟ أم هم غير مبالين لنتائج أفعالهم إن فشلوا؟ ما هي المشاعر التي سوف تراودهم في المستقبل إذا لم يسيروا وفقاً للطريق التي سنحددها لهم؟ سنجيب عن هذه التساؤلات في مقالنا هذا؛ لذا تابعوا معنا.

دوافع الأهل في تحديد مستقبل الابن:

قد تكون رغبة الأهل في اختيارهم مستقبل أبنائهم عائدة إلى أن يرثوا مهنة العائلة، أو قد تكون رغبتهم في أن يمتهن الابن مهنة تراها الأسرة أفضل له ولمستقبله للحفاظ على المستوى الاجتماعي الذي يليق بالأسرة ولتأمين متطلباته في المستقبل بالنسبة إلى فئة الذكور، أما بالنسبة إلى الإناث فالموضوع مختلف كلياً، فقد يكون تدخُّل الأسرة في مستقبلهن عائداً إلى اتِّباع العادات والتقاليد والظروف الاجتماعية والبيئة التي تقطن بها.

إنَّ شغف الأهل لرؤية أولادهم أفضل منهم وفي أعلى المناصب العلمية والمجتمعية يجعلهم يتدخلون في تحديد التخصُّص الذي سيلتحق به الأبناء دون معرفة ما إذا كان هذا التخصص سيتناسب مع قدراتهم العقلية، وميولهم العلمية والنفسية وأحلامهم وطموحهم أم لا، أو قد يكون السبب في حرمان أحد الآباء من مواصلة تعليمه سابقاً والوصول إلى كلية معينة، فيسعى عند ذلك إلى تحقيق هذا الحلم في أبنائه، أو إلى الحفاظ على مستوى علمي لائق بالأسرة؛ فلا يوجد فرد من أفراد العائلة لم يرتد الجامعة مثلاً.

قد يكون تأثير ثقافة المجتمع دافعاً آخر للآباء للتدخل في مصير أبنائهم، فثقافة المجتمع التي تعطي مكانة خاصة لخريجي ما يُعرف بكليات القمة دفعت الأهل لتقديم كل ما في وسعهم ليلتحق أبناؤهم بهذه الكليات ومهما كانت التكلفة - سواء مادية أم معنوية أم نفسية - ودون النظر إلى ميولهم ورغباتهم؛ وذلك لأنَّه ومن وجهة نظر الأهل؛ إنَّ أبناءهم لا يمتلكون الخبرة الكافية ولا يدركون مصلحتهم وغير قادرين على اتِّخاذ القرار الصحيح وتحديد مستقبلهم بأنفسهم.

قد تكون رغبة الأهل في ارتياد جامعة معينة في بعض الأحيان للتباهي أمام الأقارب والأصدقاء بقدرات أبنائهم فقط. تعددت الأسباب وفي النهاية قد تكون الآثار سلبية أكثر من كونها إيجابية في الفرد والمجتمع في أغلب الأحيان.

الآثار الناجمة عن تحكُّم الأهل بمستقبل الطفل:

  • إنَّ تمسك الأهل برأيهم تمسُّكاً قهرياً وسلطوياً يجعل الابن في تشتت نفسي، ويجعله عاجزاً وغير قادر على اختيار الطريق الأفضل بالنسبة إليه، ويُضعف من قدرته على النجاح وتحقيق أهدافه في الحياة، ويصبح مجرد فرد يؤدي عمله للحصول على الراتب في نهاية الشهر دون شغف أو ابتكار.
  • قد ينتج عن التدخل المستمر في قرارات الطفل العناد على الأمد الطويل، وهذا العناد يكون بعدة أشكال، فقد يرفض الطفل كل ما يقوله والداه حتى وإن كان صحيحاً.
  • ضعف شخصية الطفل وعدم ثقته بنفسه، فتدخُّل الأهل الدائم واتِّخاذ القرار بدلاً عنه يجعله يعتقد أنَّه غير قادر على فعل شيء وأنَّ أيَّة قرارات سوف يتخذها حتى ولو كانت بسيطة ستعود عليه بنتائج سلبية.
  • فقدان التواصل العائلي بين أفراد الأسرة؛ وذلك لأنَّ تسلُّط الأهل يضعف هذا الرابط لاعتقاد الطفل أنَّ أهله لا يفهمونه ولا يدركون ميوله.
  • الفشل؛ وذلك لأنَّ إجبار الأبناء على دراسة فرع معيَّن لا يرغبون فيه قد يسبب الفشل في المجال الذي اختاره الأهل؛ وذلك بسبب تأديتهم له فقط لاحترام رغبة والديهم والتي قد تكون لا تتناسب مع قدراتهم ورغباتهم وميولهم.

نجد الكثير من المواهب الدفينة داخل الطفل ولكنَّه يُبقيها مكبوتة؛ وذلك لأنَّه يعلم عدم رغبة الأهل فيها واعتراضهم عليها، وهنا يبدي الآباء الاهتمام الزائد بالواجبات المدرسية لإبعاد أبنائهم عن الرغبات التي لا تتماشى مع رغبتهم دون مراعاة القدرات العقلية والمواهب لدى أبنائهم، وتجدهم يشعرون بالغضب والانفعال عندما يحصل أبناؤهم على علامات ضعيفة، ويسعون بكل الطرائق إلى سد هذه الثغرة عندهم ولو احتاجت إلى جهد كبير من أبنائهم.

نتيجةً لذلك، أصبح التعليم عبئاً على الطالب مما يدفعه في بعض الأحيان إلى الغش في الامتحان للحصول على علامة عالية، أو الكذب على الوالدين في العلامات، وأيَّة طريقة من تلك الطرائق يتبعها الطفل ستعود عليه بالفشل في المستقبل، واكتساب عادات لا تتناسب مع قيمنا.

فل ستعود عليه بالفشل في المستقبل، واكتساب عادات لا تتناسب مع قيمنا.

إقرأ أيضاً: 6 طرق لإخراج المواهب الكامنة لدى الأطفال

حلول مشكلة قمع طموح الطفل:

  1. الاهتمام بما يرغب فيه الطفل إن كان في موهبةٍ يرغب في تنميتها أو في اختيار الكلية التي يميل إليها؛ وذلك لأنَّها ستعود عليه بنتائج إيجابية غالباً.
  2. جعل الطفل يقوم بالتجربة حتى ولو كانت التجربة خاطئة وفاشلة، دون أن تكون ذات نتائج خطرة وتحت رقابة الوالدين، فعندما يقوم بها ويكتشف أخطاء تجربته ينزع هذه الفكرة من رأسه بإرادته وليس بالإجبار؛ وذلك لأنَّه يكتشف نتائجها ويدرك سبب رفض والديه الإقدام عليها.
  3. محاولة إقناع الطفل بالمناقشة وطرح الأسئلة، ووضع أخطاء الآخرين أمامهم ليكتسبوا منها بعض المعرفة ومحاولة تقييم النتيجة.
  4. جعل الطفل يتَّخذ قراراته بدلاً من اتِّخاذها عنه يجعله يتحمل المسؤولية، ويساعد على بناء شخصية الطفل وتعلمه طريقة اتخاذ القرارات في المستقبل.

أمثلة عن أشخاص لم يبعدهم عملهم عن تحقيق أحلامهم:

فيما يأتي أمثلة عن أشخاص حصلوا على شهادة الطب ولكنَّهم تخلوا عنها ليبدعوا في مجال آخر:

  1. الفنان التشكيلي خالد حافظ الذي ورث مهنة الطب عن والديه، إلَّا أنَّه في السنة الثانية في كلية الطب قرر تحقيق حلمه ودراسة الفن، والتحق بقسم الفن الحر في كلية الفنون الجميلة، وكانت دراسته مسائية وتلائم مواعيد دراسته، وقد استكمل دراساته في الطب وحصل على ماجستير في الأمراض الجلدية والتناسلية، وكان هدفه هو العمل في المهنة التي يعشقها.
  2. عادل السويري الذي كان طبيباً نفسياً وأصبح من أهم المصورين الفوتوغرافيين في مصر.
  3. الفنان فريد فاضل الذي برع في الفن وبات مصدر دخله الوحيد، واكتفى برسالة الطب في علاج عيون الفقراء بالمجان.
  4. طبيبة التخدير مي بني التي تألقت في مجال التصوير الفوتوغرافي.
  5. عادل كريم الذي دخل الطب لتحقيق رغبة والديه رغم حبه للإعلام وتخصص في التحاليل والتشخيص المخبري وحصل على الماجستير في بنوك الدم، إلَّا أنَّ عشقه للإعلام جعله يسعى إلى تحقيق حلمه، وبالفعل فقد عمل مُعدَّاً تلفزيونياً في قناة "مودرن سبورت" المصرية، ويعمل اليوم في موقع رياضي شهير، كما أنَّه مراسل مصر لاتِّحاد كرة القدم الإفريقي، ويقدم فقرة رياضية أسبوعية في قناة النيل للرياضة.
  6. مصطفى محمود الذي درس الطب، إلَّا أنَّه برز بصفته مفكراً وأديباً.

والكثيرون غيرهم ممَّن لم يبالوا بنظرة المجتمع الدونية إلى المهن المختلفة.

شاهد بالفديو: 6 طرق لتنمية الابتكار لدى الأطفال

حينما يكون تدخُّل الأهل في مستقبل أبنائهم معتمداً على تعزيز المفاهيم التربوية المتوازنة وترسيخ العادات والتقاليد الدينية، فسيساهم في مواجهة الأمور اليومية بالطريقة الصحيحة ويبني شخصية قادرة على تحدي المصاعب وفهم الآخرين والقدرة على اختيار ما يناسبها بالشكل الأمثل.

إنَّ الموهبة والإبداع من النعم التي أنعمها الله تعالى على الكثيرين من الأشخاص، وهذه المواهب إمَّا أن تُنمَّى أو يُقدَّر لها الموت؛ وذلك بحسب طبيعة الأسرة والبيئة التي يعيش فيها كل شخص.

لقد أثبتت الدراسات الحديثة بالنسبة إلى مواهب الأطفال أنَّ 90% من المواهب تظهر من سن الولادة إلى السنة الخامسة، وتنخفض لديهم نسبة الموهوبين عند الوصول إلى سن السابعة؛ إذ تصل النسبة إلى 10%، وحين وصولهم إلى السنة الثامنة يظهر عندهم الإبداع بنسبة 2% فقط.

طرائق تنمية مواهب الطفل:

  1. يجب على الأهل مساندة الطفل في التدريب والتعلُّم والاستفادة من جميع الأخطاء، ومساعدته على أن يصل إلى أعلى المستويات في مواهبه، وهذا الأمر سيجعله يقع في العديد من الأخطاء؛ لذلك يجب تعليمه أنَّ هذه الأخطاء هي البداية للوصول إلى موهبة عظيمة.
  2. العمل على مدح الطفل والثناء عليه حتى ولو كانت موهبته صغيرة، فهذا ما سيعزز لديه روح الإبداع والمثابرة وتنمية الموهبة وتطويرها.
  3. تعليم الطفل الاستفادة من وقته في تنمية موهبته وخاصة أوقات الفراغ والعطل والإجازات، وأنَّ عليه أن يتدرب ببطء؛ وذلك لأنَّ السرعة ليست لها علاقة بالدقة والإتقان، وإذا كان يريد النجاح يجب أن يُعطي كل شيء حقه، وأنَّ جميع المبدعين والناجحين لا يُولدون كذلك؛ بل يبنون أنفسهم ومواهبهم خطوة خطوة حتى يصلوا إلى ما هم عليه.
  4. جعل الطفل يُقلِّد الآخرين لكن دون إلغاء شخصيته بشكل كامل؛ بل التعلُّم من الأشخاص الأكثر موهبة منه إلى حين الانفراد بموهبته.
إقرأ أيضاً: 4 عوامل سلبيّة تؤثر على ذكاء الأطفال

في الختام:

أكد جميع علماء النفس على ضرورة أن يحدد الطلاب هدفهم والمجال الذي يريدون متابعته في المستقبل بما يتناسب مع قدراتهم الفكرية وميولهم العلمية، وأكدوا على ضرورة الحوار فيما يخص مستقبلهم واحترام التخصص الذي يرغب الأبناء في خوضه دون ممارسة السلطة الأبوية.

إنَّ تعدُّد الجامعات والكليات فتح الآفاق أمام الأبناء؛ لذلك أصبح من الضروري بناء شخصية الطفل منذ الصغر بالحوار والنقاش والسعي إلى تنمية مواهبه بما يتوافق مع قدراته؛ إذ ليس الهدف دائماً الحصول على المركز الأول؛ وإنَّما الهدف هو النجاح في المجال الذي يختاره والتفوق فيه والذي يؤدي إلى بناء مجتمع سوي وقوي.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة