تفسير سورة الفلق وسبب نزولها

سورة الفلق هي سورة مكية، تقع في الجزء الثلاثين من القرآن الكريم، تتكوَّن السورة من خمس آيات، ويبلغ عدد كلماتها 30 كلمة، وعدد حروفها 120 حرفاً، وسُمِّيَت السورة بهذا الاسم لأنَّها تتحدث عن الفلق، وهو الصبح، أو الفجر، وكلمة الفلق مشتقة من الفعل فَلَقَ، بمعنى شقَّ الشيء.



تعالج سورة الفلق موضوع الاستعاذة بالله من الشرور، وتدعو المسلم إلى اللجوء إلى الله تعالى طلباً للحماية من كل شر، سواء كان شراً ظاهراً أم شراً خفياً، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "قل هو الله أحد، والمعوذتين، حين تصبح وحين تمسي ثلاث مرات تكفيك من كل شيء"، وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ المعوذتين في ليلة كفتاه"؛ ومعنى الحديث أنَّ قراءة المعوذتين في ليلة تكفي المسلم من كل شر، سواء كان شراً خفياً أم شراً قد تم الجهر به.

إنَّ سورة الفلق هي سورة قصيرة، لكنَّها عظيمة في معانيها وفوائدها، فهي تدعو المسلم إلى اللجوء إلى الله تعالى طلباً للحماية من كل شر، فهيَّا نتعرف بشكل مفصل إلى تفسير سورة الفلق وسبب نزولها.

لماذا سميت سورة الفلق بهذا الاسم؟

سورة الفلق هي سورة مكية، عدد آياتها خمس آيات، وهي من السور التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، وترتيبها في المصحف الشريف رقم 113، وسُمِّيَت سورة الفلق بهذا الاسم لأنَّها بدأت بقوله تعالى: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ"، ويُقصَد بالفلق هنا الصبح؛ وذلك لأنَّ الليل ينفلق عن الصبح وينسلخ عنه.

يوجد تفسير آخر لسبب تسمية سورة الفلق بهذا الاسم، وهو أنَّ الفلق هو كل ما تفرَّق من الشيء، فالله تعالى هو رب كل شيء، ورب كل ما تفرَّق من الأشياء، فهو رب الفلق.

تفسير سورة الفلق:

لفهم معنى سورة الفلق والمعجزات الكامنة بين حروفها، لا بد من الخوض في تفسير سورة الفلق بشكل مفصل كما يأتي:

1. تفسير الآية الأولى من سورة الفلق: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق

يقول تعالى في هذه الآية مخاطباً نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل يا محمد، أستجير برب الفلق، أي الرب الذي استطاع بقدرته فصل الليل عن النهار، والذي يعني أنَّه لا يصعب عليه شيء وقادر على كل شيء، فالله تعالى هو رب الفلق أو الصباح، وهو الذي خلقه، وهو الذي يقدر على حفظه من كل شر، هذا هو تفسير الآية الأولى من سورة الفلق.

2. تفسير الآية الثانية من سورة الفلق: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ

يقول تعالى في هذه الآية مستكملاً بعد الآية الأولى خطابه الموجَّه للنبي محمد: "من شر ما خلق"، والمراد بما خلق هنا كل مخلوق فيه شر، سواء كان من الإنس أم الجن أم الحيوانات أم النباتات أم الجماد، فالله تعالى يأمرنا بالاستعاذة به من شر كل مخلوق فيه شر؛ لأنَّه سبحانه هو الذي يقدر على حفظنا من شرهم.

هذا هو تفسير الآية الثانية من سورة الفلق، فيصبح معنى الآيتين أنَّ الله سبحانه وتعالى يخاطب نبيَّه محمد صلى الله عليه وسلم طالباً منه الاستجارة به، فهو رب الصبح الذي يقدر على سلخ الليل عن النهار، فيطلب منه الاستجارة بقدرته العظيمة على سلخ شرور المخلوقات حيها وجمادها، إنسها وجانها عنه، فالله هو الحافظ ويطلب من نبيه الاحتماء به من شرور المخلوقات جميعاً.

3. تفسير الآية الثالثة من سورة الفلق: وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ

يقول تعالى في هذه الآية: "ومن شر غاسق إذا وقب"، والمراد بغاسق هنا ظلمة الليل، فالله تعالى يأمرنا بالاستعاذة به من شر ظلمة الليل إذا ما حلَّت؛ لأنَّها قد تكون حاملة للشر ومخفية له في سوادها، فقد يتعرض الإنسان في ظلمة الليل للظلم أو السرقة أو الاعتداء.

هذا هو تفسير الآية الثالثة من سورة الفلق، ويصبح معنى الآيات أنَّنا يجب أن نحذو حذو النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالاستعانة بالله تعالى والاستجارة برب الفلق من شرور المخلوقات جميعها الحية وغير الحية ومن شر الظلمة وما قد تخفيه في ثناياها من خطورة وسوء، فالأشرار جميعاً ينشطون للأذى في الليل هرباً من عيون الآخرين، ولكن عين الله وحدها تراهم، فهو مخلِّص النهار من الليل.

4. تفسير الآية الرابعة من سورة الفلق: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ

يقول تعالى في هذه الآية: "ومن شر النفاثات في العقد"، والمراد بالنفاثات في العقد هنا الساحرات، فالله تعالى يأمرنا بالاستعاذة به من شر الساحرات؛ لأنَّهن قد يتسببن بالضرر للإنسان عن طريق السحر، ومن المتعارف عليه أنَّ النفث مرتبط بالأفاعي فهو حالة متوسطة بين النفخ والتفل، وهو إخراج هواء من الفم مع رذاذ من الريق، وعندما تنفث الأفعى فهي تبخُّ سمومها، والنفث الذي تقوم به الساحرات يلحق الأذى بالإنسان ولا حامي للنبي ولا الإنسان من هذه الشرور والسموم، إلا أسماء الله العظمى؛ لذا يجب علينا اللجوء لله سبحانه وتعالى امتثالاً لما أمر به نبيَّه اتقاء لشر الساحرات المؤذيات، هذا هو تفسير الآية الرابعة من سورة الفلق.

5. تفسير الآية الخامسة من سورة الفلق: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ

يقول تعالى في هذه الآية: "ومن شر حاسد إذا حسد"، والمراد بالحسد هنا تمنِّي زوال النعمة عن الآخرين، فالله تعالى يأمرنا بالاستعاذة به واللجوء إليه خوفاً من شر الحاسدين؛ لأنَّهم قد يتسببون بالضرر للإنسان عن طريق الحسد.

الحسد وتمنِّي زوال النعمة عن الآخر يدفع الأشرار وضعاف النفوس إلى إيذاء الشخص الذي يحسدونه ويرغبون بزوال النعمة عنه، فيكيدون له المكائد ويلحقون به الأذى، هذا الأذى الذي أضمروه وخططوا له في نفوسهم، والتي لا يعلم خباياها إلا الله تعالى، وهذا هو تفسير الآية الخامسة والأخيرة من سورة الفلق.

يصبح تفسير سورة الفلق كاملة:

استعذ يا أيها النبي بربك فاطر الليل عن النهار، فمَن يملك هذه القدرة على الفصل والعزل يستطيع عزلك عن شرور مخلوقاته جميعاً، والتي قد لا يخطر ببالك أن تضمر لك الأذى، استعذ بالله يا أيها النبي من شرور الخلق ومن عتمة الليل التي يظنون أنَّها تخفي أعمالهم عن البشر ولكنَّها تظل مرئية بعين الله، استعذ يا أيها النبي بربك من الساحرات اللاتي ينفثن السموم بسحرهن ويردن إيذاءك، واستجر بربك من الحساد الذي يعميهم الحسد والغيرة فيكيدون لك المكائد، فلا حامي لك من كل ذلك إلا الله.

شاهد بالفديو: فضل قراءة القرآن الكريم

فضل سورة الفلق:

للآيات الكريمة جميعاً في كتاب الله الكريم فوائد ومنافع وعبر للمتقين، ولقد ورد في فضل سورة الفلق أحاديث كثيرة، منها:

  1. عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تعوَّذ المتعوذون بمثلها".
  2. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات يكفيك من كل شيء".

أهمية سورة الفلق:

إنَّ سورة الفلق سورة عظيمة، لها فضل كبير، وهي من سور القرآن التي ينبغي أن يحرص المسلم على قراءتها، سواء كان في الصباح أم في المساء، أم عند الشعور بالخوف أو الاضطراب.

إقرأ أيضاً: أدعية تحصين الإنسان لنفسه

سبب نزول سورة الفلق:

ورد في سبب نزول سورة الفلق قولان مشهوران:

القول الأول:

عن سبب نزول سورة الفلق هو أنَّ لبيد بن الأعصم اليهودي، كان قد سحر النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه السورة ليتعوذ بها النبي صلى الله عليه وسلم.

القول الثاني:

عن سبب نزول سورة الفلق هو أنَّ قريشاً ندبوا مَن كان مشهوراً بإصابته النبي صلى الله عليه وسلم بعينه، فأنزل الله تعالى المعوذتين ليتعوذ الرسول بهما من شر ذلك.

لكن القول الأول عن سبب نزول سورة الفلق هو الأقوى عند كثير من العلماء؛ وذلك لأنَّ قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم وردت في الصحيحين، أما قصة ندبة قريش لساحر ليصيب النبي صلى الله عليه وسلم بعينه، فلم ترد في الكتب الستة.

ماذا تفيد المداومة على قراءة سورة الفلق؟

تُفيد المداومة على سورة الفلق في عدة أمور، منها:

1. الحفظ من شر كل شيء، سواء كان شراً ظاهراً أم شراً خفياً:

فسورة الفلق هي سورة استعاذة، وهي تتناول موضوع الاستعاذة بالله تعالى من كل الشرور، سواء كان شر مخلوق، مثل شر الإنس والجن والسحرة والحاسدين، أم شر غير مخلوق، مثل شر ظلمة الليل.

2. التخلص من الخوف والقلق والاضطراب:

لأنَّ الاستعاذة بالله تعالى من شر كل شيء تبعث على الطمأنينة والراحة النفسية، وتساعد على التخلص من الخوف والقلق والاضطراب؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى هو الأمان المطلق، والاستعانة به على الحفظ من الشرور تعني طلب أمانه وحمايته.

3. الحصول على الرزق والبركة:

فقد ورد في الحديث الشريف أنَّ من قرأ سورة الفلق والمعوذتين حين يصبح وحين يمسي، كفاه الله من كل شيء.

إنَّ المداومة على قراءة سورة الفلق من الأمور المستحبة، وهي تعود على المسلم بالعديد من الفوائد، سواء على المستوى الروحي أم النفسي أم المادي.

إقرأ أيضاً: أسباب قلّة الزرق، وأهم النصائح لجلب الرزق والبركة

في الختام:

إنَّ الله سبحانه وتعالى قد جعل القرآن الكريم أعظم معجزاته، ففي تلاوته راحة وطمأنينة ورزق وسكينة، وحريٌّ بالمسلمين جميعاً المواظبة على تلاوته من أجل أن يتقربوا إلى بارئهم وينالوا رضاه، ومن أجل أن ينالوا بركات الآيات المقدسة، والتي من بينها سورة الفلق، والتي كما أوضحنا في تفسيرها الذي أوردناه آنفاً أهمية الاستجارة بالخالق ليحمينا من كل الشرور.




مقالات مرتبطة