تطوير مهارات التفكير الناقد للأطفال: استراتيجيات للآباء والأمهات

إذا جرَّبت أن تطلب من طفلك ذي العامين أن يذهب ويحمل الجدار فإنَّه بالتأكيد سيذهب ويحاول أن يضمه ويرفعه بيديه الصغيرتين، ولكنَّه بالتأكيد لن ينجح، فجرب أن تطلب الطلب عينه من طفل آخر عمره ثلاث سنوات، ستجد أنَّه سيفكر قليلاً قبل أن يتخذ قرار حمل الجدار وربما سيرفض فعل ذلك، أما أن تطلب من طفل عمره سبعة أعوام أن يرفع الجدار فإنَّه بالتأكيد سيخبرك أنَّ هذا غير ممكن لأنَّ الجدار مثبَّت وثقيل.



إنَّ التباين في تصرفات الأطفال الثلاثة يعود إلى اختلاف مستوى التفكير الناقد لدى كل منهم، وهذا النمط من التفكير الذي يساهم في إجراء محاكمات عقلية للأمور فتوجه تصرفاتهم وتقيسها بمقاييس المنطق، وإنَّ التفكير الناقد ضرورة هامة من ضرورات التعلم، وهو يتطور تلقائياً بتقدم عمر الطفل عبر التجارب والاختبارات الحياتية، لكن توجد العديد من الطرائق التي تسهم في تطويره وتنميته، وسوف نفرد هذا المقال للحديث عن تطوير مهارات التفكير الناقد للأطفال عبر تقديم استراتيجيات للآباء والأمهات والمربين، فتفضلوا بالقراءة.

ما هو التفكير الناقد؟

قبل أن تتحدَّث عن تطوير مهارات التفكير الناقد للأطفال سوف نقدم تعريفاً مختصراً للتفكير الناقد الذي يعد نمطاً من أنماط التفكير، وهو المعني بمنح الطفل القدرة على التفكير بوضوح وعقلانية ويأخذ بيده نحو عملية التفكير المستقل، والتفكير الناقد لا يقتصر على حفظ المعلومات وتذكرها؛ بل يمتد حتى يصل إلى القدرة على استخلاص العبر والاستنتاجات منها، ومن ثم توظيف النتائج التي تم التوصل إليها في حل المشكلات أو البحث عن مصادر أخرى لحل المسائل والمشكلات.

مثال:

عندما يتعلم الطفل أنَّ البذور تتم زراعتها في التربة لتنبت وتتحول إلى نبتة فإنَّه سيفهم آلية الزراعة؛ لذا عندما يحاول شخص ما السخرية منه أو ممازحته بقول: "خذ هذه البيضة وازرعها لتصبح شجرة بيض" فإنَّ التفكير الناقد سوف يعتمل في رأسه ويخبره أنَّ ما يمكن زراعته وإنباته هو البذور فقط، ولأنَّ البيضة ليست بذرة فهذا يعني أنَّها غير قابلة للزراعة، وسوف يرفض بالتأكيد هذه الأقوال ويحاول إقناعك بوجهة نظره.

بهذه الطريقة تتنامى مهارات التفكير الناقد عند الأطفال، وسوف يعتاد تمحيص الأمور في عقله قبل أن يصادق عليها أو يرفضها، وهذه مهارة ثمينة وهامة في عملية التعلم، فكيف يمكن أن نعززها عند الأطفال؟

شاهد بالفيديو: 5 تقنيات فعالة للتفكير النقدي

استراتيجيات للآباء والأمهات من أجل تطوير مهارات التفكير الناقد للأطفال:

لأنَّ الأسرة هي المحيط الذي ينشأ الطفل فيه ولها التأثير الأكبر في شخصية الطفل وعقله، يجب علينا توجيه مجموعة من الاستراتيجيات للآباء والأمهات من أجل تطوير مهارات التفكير الناقد للأطفال التي نبدؤها بما يأتي:

1. توضيح الأسباب:

مهما كان الأمر بسيطاً أو معقداً يحق للطفل معرفة سببه الحقيقي؛ لأنَّ ذلك سيمكِّنه من اكتساب مهارة التفكير الناقد والمنطقي، على سبيل المثال إذا مرض الطفل وذهب إلى الطبيب لأخذ حقنة يجب أن يتم توضيح سبب الحقنة بأنَّها دواء لقتل الجراثيم في جسده، وليس عقاباً له لأنَّه تصرف بطريقة سيئة، وإذا ما شاهد الطفل والديه يشربان القهوة ورغب بأن يشرب فلا يجب أن يقال له هذا دواء أو هذا شراب إذا شربه الصغار يغضب منهم بابا نويل مثلاً؛ بل يجب الحديث عن تأثير المادة المنبهة بشكل مبسط في كل من أجساد الكبار والصغار، وبهذا يكسب الطفل قاعدة بيانات معرفية تساهم في تعزيز تفكيره الناقد، فإذا ما رأى مستقبلاً طفلاً يأخذ حقنة فسيعرف أنَّه مريض وليس مشاغباً.

2. الأحجيات:

من أمتع الألعاب التي يمكن لعبها مع الطفل التي تؤدي دوراً هاماً في تعزيز تفكيره الناقد هي لعبة الأحجية؛ إذ تساهم الأحجيات في تعليم الطفل ربط المعطيات ببعضها بعضاً، ومحاولة إيجاد حل يكون قاسماً مشتركاً بينها، وهذا بدوره يكون له تأثير إيجابي وواضح في تطوير مهارات تفكيره الناقد، فضلاً عن قضاء وقت ممتع مع الطفل مملوء بالضحك والمرح وبعيد عن الشاشات، وهو نشاط مناسب لإلهاء الطفل في أثناء عمل الأم في المطبخ أو لتمضية الوقت على طريق السفر، وليس من الضروري أن تكون الأحجية صعبة؛ بل يمكن صياغتها بما يناسب عمر الطفل منذ عامه الأول كأن تقول له: "ما هو صوت القطة؟"، "كيف ينبح الكلب؟"، "ما هي الحشرة التي تعطينا العسل؟".

3. القراءة:

يمكن البدء بهذا النشاط مع الأطفال منذ الأشهر الأولى عبر الاستعانة بالكتب القماشية، ومن ثم تلك المصنوعة من ورق الفوم أو الورق المقوى حتى يعتاد الطفل التعامل مع الكتب وإمساكها بحرص واهتمام، وعندما يكبر الطفل على القراءة فإنَّ فضوله سوف يتسع وسوف يتعطش نحو المزيد من المعرفة، ويمكن بعد أن نقرأ للطفل قصة ما أن نسأله عن رأيه بها أو عما فهمه من النص الذي تمت قراءته.

إقرأ أيضاً: 10 طرق لتشجيع الأطفال على القراءة

4. رواية الحكايا للطفل:

يتعلم الأطفال في الحكايات بطريقة غير مباشرة ويستفيدون من صفات الشخصيات ويتعلمون من الأحداث؛ وذلك لأنَّ الأسلوب القصصي يغلف النصائح والعبر بطريقة مشوقة ومثيرة؛ لذا من الضروري أن نحرص على اختيار الحكايات الهادفة والبعيدة عن الأساطير والتخويف أو تلك التي تزرع في رؤوس الأطفال معلومات مغلوطة؛ وذلك لأنَّ تأثر الطفل بالحكاية يكون كبيراً إلى حد بعيد.

5. تعليم الطفل مهارات الاستماع:

تعد كل من القراءة ورواية الحكايا من النشاطات التي تعزز عند الطفل مهارات الاستماع، وإنَّ مهارات الاستماع تساعد الطفل على فهم وجهة نظر الطرف المقابل له وبناء وجهة نظره الخاصة تجاه موضوع ما أو قضية معينة عبر دعم الرأي الآخر أو نقده بطريقة منطقية.

6. توضيح ما هو حقيقي وما هو مزيف:

عندما يشاهد الطفل على التلفاز أو الإنترنت شخصاً يغطي زهرة بمنديل ومن ثم يسحب المنديل فجأة فتتحول الزهرة إلى حمامة تطير سيستغرب ذلك، وربما يحاول تقليد الأمر ليكتشف سره، والأمر يصبح أخطر فيما لو كان المحتوى الذي شاهده عنيفاً، كأن يشاهد القط "توم" في الكارتون الشهير "توم وجيري" يقفز من النافذة المرتفعة دون أن يصاب بأذى، ففي مثل هذه المواقف تبرز قيمة هذه الاستراتيجية، وهي التي تؤكد على ضرورة التنويه للطفل عن كون هذه المشاهد خيالية ومجرد ادعاءات غرضها تسلية المتفرج، وتوضيح المشاهد السينمائية والحياتية المزيفة من تلك الحقيقية والواقعية؛ لأنَّ ذلك من شأنه أن يعزز الشك في ذهن طفلك ويطور مهارات تفكيره الناقد.

7. الحوار والنقاش المستمر مع الطفل:

يعد الحوار والنقاش المستمرين مع الطفل من الاستراتيجيات الهامة؛ وذلك من أجل تشجيعه على عرض أفكاره، ومن ثم مناقشتها مع الآخر واكتساب المهارات الناقدة، فاطلب من طفلك إسداء نصيحة لك تخص شأناً أسرياً أو منزلياً بناءً على معطيات معينة؛ لأنَّ ذلك سيطور التفكير الناقد لديه، كأن تقول له: "لدينا لبن ولحم وأرز ماذا يمكن أن نحضر منهم طبقاً للغداء؟" هذا السؤال على بساطته سيفتح أمامكم أبواباً واسعة للنقاش والخيارات.

8. طرح الأسئلة على الطفل كثيراً:

يعد الإكثار من طرح الأسئلة على الطفل من الاستراتيجيات الهامة، فالأسئلة تحفز الطفل على التفكير وإيجاد إجابات يحتاجها لتساؤلات كثيرة في رأسه، وهذا يعلمه سلسلة الأفكار وترتيبها بشكل متدرج يصل بين السبب والنتيجة، فإذا ما جاء طفلك غاضباً من أخيه لأنَّه كسر لعبته فاسأله "هل كسرها متعمداً؟ ولماذا كسرها برأيك؟ وما الذي يجب فعله حيال الأمر برأيك؟".

9. ترك الطفل يحل مسائله بنفسه:

يجب إفساح المجال للطفل في حل مشكلاته بنفسه؛ وذلك لأنَّ شعور القلق والضيق من شأنه أن يطور مهارات الأطفال في التفكير الناقد، فإذا ما كان طفلك يركِّب أحجية "بازل" واحتار في قطعة أين يضعها فلا يجب أن تتدخل وتدله على مكانها من تلقاء ذاتك؛ بل يجب أن تتركه يجرب ويخطئ ويحاول مرات عديدة، ثم يجد المكان المناسب والاتجاه المناسب للقطعة، لكن يمكنك التدخل في حال طلب منك المساعدة أو شعرت به يقارب على الانزعاج.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح تساعد الطفل على تنظيم وقته بين الدراسة واللعب

10. ترك الطفل يلعب لعباً حراً:

قد تشتري لطفلك مكعبات للبناء أو "ليغو" فتراه يرتبها ويلعب بها بطريقة غير المصممة من أجلها، وفي مثل هذه اللحظات إياك أن تقاطعه وتملي عليه طريقة اللعب التقليدية؛ بل اسمح له أن يلعب لعباً حراً كما تملي عليه أفكاره وطفولته؛ لأنَّ هذا من شأنه أن ينمي لديه مهارات الإبداع والتفكير خارج الصندوق، إضافة إلى تعزيز مهارات التفكير الناقد.

شاهد بالفيديو: فوائد التعلم باللعب للأطفال

في الختام:

تعدُّ مهارات التفكير الناقد من المهارات الضرورية في عمليات التعلم المدرسي والحياتي، وإنَّ تعزيز هذه المهارات عند الأطفال من شأنه أن ينتج عنه إنساناً مفكراً ومنطقياً وواعياً، ولأنَّ "من شبَّ على شيء شاب عليه" وجب على الأسرة تعليم أطفالها مهارات التفكير الناقد؛ لذا فقد حرصنا في هذا المقال على تقديم أهم الاستراتيجيات للآباء والأمهات من أجل تطوير مهارات التفكير الناقد للأطفال.




مقالات مرتبطة